array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 187

دبلوماسية التنمية وتنوع الشراكات لتحقيق المكاسب

الخميس، 22 حزيران/يونيو 2023

بعد أن كرست القمة العربية الثانية والثلاثون التي استضافتها المملكة العربية السعودية بمدينة جدة في 19 مايو الماضي، قيمًا جديدة، ورؤى متقدمة للمنطقة العربية تقوم على المصالحة وتنقية الأجواء والانحياز للحلول العربية لقضايا المنطقة ورفض التدخلات الخارجية، واختيار التنمية الشاملة هدفًا أساسيًا للمرحلة المقبلة .. جاء مؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين العاشر في الرياض يومي 11 و12 يونيو الماضي، وتزامن معه الاجتماع الوزاري الثاني بين الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية ودول الباسفيك العشرة النامية وذلك تلبية لدعوة من المملكة العربية السعودية بغرض بحث التعاون الاقتصادي وقضايا التنمية المستدامة، وقد تمخض عن الاجتماعين ما يؤكد نجاح الانطلاقة التنموية الجديدة التي تبنتها المملكة في القمة العربية الأخيرة والتي أعلنها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وهذه الانطلاقة كانت قد وضعت أسسها المملكة قبل انعقاد القمة، كما إنها مدرجة ضمن أهداف رؤية 2030،   وتسعى المملكة من خلالها أن تكون فائدة التنمية لجميع الدول العربية.

وقد تطابقت نتائج مؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين مع شعاره الذي جاء تحت عنوان (التعاون من أجل الازدهار) وشارك في جلساته 3500 من قادة الأعمال والمبتكرين وصناع القرار في أكثر من 26 دولة، وشهد اليوم الأول فقط للمؤتمر توقيع اتفاقيات استثمارية بقيمة تزيد عن 10 مليارات دولار من إجمالي الاتفاقيات المستهدفة بقيمة 40 مليار دولار، وجاء ذلك في ظل النمو المضطرد  للتبادل التجاري بين الصين والدول العربية ، والذي بلغت قيمته 430 مليار دولار العام الماضي (2022م) وبذلك تكون الصين الشريك التجاري الأكبر للدول العربية، وكان نصيب المملكة من حجم هذا التبادل 106 مليارات دولار، فيما بلغ حجم الاستثمارات الصينية في المنطقة العربية 23 مليار دولار، لذلك حرص سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء على الحث للرفع من مستوى العمل بين الطرفين للخروج بنتائج تليق بالشراكة العريقة والمتقدمة في جميع المجالات الاستثمارية الحيوية بين الصين والدول العربية، وقد نقل ذلك للمؤتمر وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان الذي أكد أمام المؤتمر على أن "التعاون من أجل الرخاء يؤكد الأهمية البالغة والإمكانيات الكبيرة والرؤى المشتركة التي تكمن في العلاقات الاستثمارية والتجارية بين العالم العربي والصين، ويسلط الضوء على كيفية التوافق المشترك وتبادل الخبرات وإطلاق فرصًا جديدة للنمو والاستثمار، والتي من شأنها تحقيق الرخاء والتقدم والازدهار لشعوب المنطقة والعالم" وهذا التوجه السعودي الذي جاء في توجيهات سمو ولي العهد، يؤكد أن ما تقوم به المملكة يصب في مصلحة جميع الدول العربية وليس مصلحة المملكة فقط، وفي الوقت نفسه أكد وزير الخارجية على أن المملكة حريصة على توثيق علاقتها الاقتصادية مع الصين ما أدى إلى تنامي الدور الصيني بشكل أكبر في السعودية والمنطقة، وهذا ما أكد عليه وزير الطاقة صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سلمان حيث قال سموه: "هناك كثير من الانسجام بين مبادرة الحزام والطريق ووجهتها ووجهاتنا ورؤية 2030، وليس علينا المشاركة فيما نسميه المعادلة الصفرية، وليس علينا أن نواجه أي خيارات، إما أن تكون معنا أو مع غيرنا، نحن مع الجميع ونعمل مع الجميع" وأضاف سموه "المملكة تذهب حيث توجد الفرص، ولا يوجد سياسي أو استراتيجي في الأمر، نشارك مع الجميع، والطلب على النفط في الصين ما زال يتزايد، لذلك علينا الحصول على جزء منه، كذلك نريد الاستثمار في الصين، الواقع اليوم أن الصين أخذت زمام القيادة، وسوف تواصل القيام بذلك، ليس علينا أن نتنافس مع الصين، علينا التعاون معها" .

هذا الوضوح في الموقف السعودي الذي ينحاز للمصالح الوطنية للمملكة وشعبها جعلها تتخذ مواقف واضحة ومعلنة بعيدًا عن الصراعات الدولية والاستقطاب، ورفض اتخاذ مواقف عدائية تجاه طرف لحساب طرف آخر، وهذه السياسة جعلت وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يصرح مؤخرًا خلال زيارته للمملكة بأن " الاتفاق السعودي ـ الإيراني برعاية الصين أمر جيد إذا كان يؤدي إلى خفض التوترات"، وهذا يعني الاعتراف بسلامة توجه المملكة وقدرة القيادة السعودية على إدارة العلاقات الإقليمية والدولية باقتدار وإدراك للمخاطر والتحديات وقدرة على إيجاد الحلول المناسبة.

وكانت المملكة قد وضعت الأرضية الصلبة لهذه النجاحات  قبل قمة جدة من خلال التمهيد للمصالحات الإقليمية والعربية عبر المصالحة مع إيران برعاية صينية، والعمل على حل المعضلة اليمنية بحلول توافقية، والعمل على إنجاح المبادرة السعودية ـ الأمريكية لتثبيت الهدنة في السودان، وإعادة سوريا إلى حضنها العربي واستعادة مقعدها في جامعة الدول العربية، وقبل ذلك كانت القمم الأمريكية ـ السعودية/ الخليجية/ العربية، ومثلها مع الصين ما يعني أن المملكة  ضمنت نجاح القمة العربية قبل انعقادها، ثم جاءت القدرة الفائقة لسمو الأمير محمد بن سلمان على إدارة جلسات القمة وكان من ثمار ذلك  الإجماع العربي غير المسبوق  على  بنود إعلان جدة الذي جاء  بإيجاز ودقة وركز  على القضايا العربية الاستراتيجية الكبرى، والمصالحة والتنمية المستدامة والشاملة و تكريس مبدأ الحلول العربية لقضايا المنطقة دون تدخلات خارجية.

إن الدور الذي تضطلع به المملكة، والنجاحات التي حققتها لخدمة قضايا الأمة العربية وحل مشكلاتها عبر رؤية سياسية واضحة وجهد دبلوماسي ناجح بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ وبإدارة ذكية وواعية وطموحة من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ـيحفظه الله ـ يؤكد على القيادة الحكيمة للمملكة للمنطقة العربية وأنها قادرة على أخذ المنطقة إلى بر الأمان بدون أجندات سرية أو تحالفات غير معلنة، أو أيدولوجيات عقيمة، وبالقدر نفسه يؤكد على ثقة الدول العربية في قدرات المملكة وسلامة توجهها ونهجها، وما نأمله في المرحلة المقبلة تفهم الدول الكبرى والإقليمية ودول المنطقة للدور السعودي ومتطلبات هذه المرحلة والتعاون الإقليمي والدولي من أجل تخفيف معاناة المنطقة العربية ، خاصة الدول التي مرت بأزمات ما يسمى بثورات الربيع العربي حتى يمكن تجاوز تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية جراء الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وأيضًا حتى تتهيأ الدول العربية للانخراط بشكل جماعي مع متغيرات النظام الدولي وإيجاد موطئ قدم في النظام الدولي الجديد.

مقالات لنفس الكاتب