array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 189

أعضاء "بريكس" مجتمعون على الانتماء لكيان يعبر عن مصالح ومخاوف الدول النامية

الثلاثاء، 29 آب/أغسطس 2023

تمتد العلاقات بين الهند ومنطقة الشرق الأوسط إلى آلاف السنين؛ فثمة شواهد أثرية حول وجود روابط تجارية، ودينية، وفلسفية، وتفاعلات إنسانية بين الشعب الهندي وشعوب شبه الجزيرة العربية إبان حضارة وادي السند (3300-1300 قبل الميلاد). ظلت هذه العلاقات الوثيقة متواصلة حتى يومنا هذا، باستثناء حقبة الحرب الباردة التي دفعت نيودلهي إلى تقارب أكثر مع الجمهوريات في عدد من البلدان العربية في أعقاب اندلاع ثورة 1952م، بمصر. مع ذلك، احتفظت العمالة الهندية بمكانتها المُهيمنة على مشهد التوظيف الإقليمي، رغم محدودية التفاعلات السياسية بين نيودلهي ودول الخليج المتحالفة عسكريًا ودبلوماسيًا مع باكستان منذ سبعينات القرن الماضي.

مع انتهاء حقبة الحرب الباردة، ساهم ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في الهند وتنامي الطلب على الطاقة، الذي تواكب مع تحقيق نجاحات اقتصادية وتقنية بالأخص في قطاع تكنولوجيا المعلومات، مع مرونة النظام الديمقراطي والالتزام الراسخ تجاه التعددية الثقافية، في أن تصبح الهند نموذجًا يحتذى على صعيد الإنجازات والتنمية، وزاد ذلك من جاذبيتها كشريك سياسي للدول الخليجية.

يعود تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين في العهد الحديث إلى الزيارة التي قام بها وزير الشؤون الخارجية الهندي جاسوانت سينغ للرياض في يناير عام 2001م، وتأكيد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ـ يرحمه الله ـ على أن المملكة تولي أهمية لعلاقاتها مع نيودلهي بمعزل عن العلاقات مع أي دولة أخرى، ليُحرر بذلك البلدين من عبء وقيود "العامل الباكستاني". وفي يناير عام 2006م، قام العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بزيارة للهند بصفته ضيف الشرف الرئيسي للاحتفال بعيد الجمهورية الهندية. كما أسس العاهل السعودي لـ“علاقات استراتيجية مع نيودلهي في مجال الطاقة".

ومنذ ذلك الحين، تولت المملكة زمام الأمور في تطوير شراكة استراتيجية مع الهند تقوم على أساس توسيع نطاق العلاقات في المجالات السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والنواحي الثقافية على النحو المنصوص عليه في "إعلان الرياض" الذي أبصر النور في فبراير 2010م، وكان من أهم ثماره تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الجانبين حول نشاط العناصر المتطرفة. فيما حذت دول مجلس التعاون الأخرى حذو المملكة وقامت بتعميق تعاونها الأمني مع الهند.

العلاقات الثنائية في عهد ناريندرا مودي

منذ عام 2015م، نأى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بنفسه عن كل من سبقوه، من حيث وتيرة ومعدل تفاعلاته على المستوى الشخصي مع قادة دول مجلس التعاون، ومن حيث النتائج التي حققها في سبيل إضفاء مزيد من التنوع والثراء على علاقات بلاده مع دول المجلس. ولعل ذلك انعكس واضحًا من خلال عدد الجولات التي قام بها مودي إلى منطقة الخليج. حيث زار الإمارات خلال عام 2015، 2018، 2019، 2022م؛ وزار السعودية خلال عامي 2016 و2019م، وشملت محطاته الخليجية قطر عام 2016م، وسلطنة عمان عام 2018م، كذلك استقبل مودي قادة السعودية ودولة الإمارات خلال عام 2019م، بدورهم، أكد زعماء الخليج اعتزازهم بالعلاقات مع الهند باعتبارها" شريك استراتيجي"، وتجلى ذلك في البيان الهندي / الإماراتي الصادر عام 2015، الذي تطرق إلى " المخاطر المشتركة التي تهدد سلام، واستقرار، وأمن البلدين وأهمية بلورة مسعى موحد لمعالجة هذه المخاوف. كما أشار البيان إلى حاجة الدولتين إلى تأسيس "شراكة استراتيجية وثيقة"، داعيًا إلى ضرورة العمل سويًا من أجل "إعلاء السلام (الإقليمي)، والمصالحة، والاستقرار". من جانبها، خصصت أبو ظبي استثمارات بقيمة 75 مليار دولار في البنية التحتية للهند.

وأشار البيان الهندي-السعودي الصادر في فبراير 2019 م، إلى مسؤولية البلدين في إعلاء السلام، والأمن، والاستقرار في المنطقة. ولفت إلى " الترابط الوثيق بين استقرار وأمن الخليج من جهة وشبه القارة الهندية. وشدد على الحفاظ على بيئة سلمية وآمنة من أجل تحقيق التنمية بدول المنطقة". وقد ساهم البيان في إثراء محتوى "الشراكة الاستراتيجية" بين البلدين مع إضفاء طابع مؤسسي على الحوار الثنائي المشترك عبر "مجلس الشراكة الاستراتيجية" الذي تم تشكيله على مستوى القمة بهدف الإشراف على التقدم المُحرز. فيما أشار الجانب السعودي إلى فرص استثمارية داخل الهند تصل قيمتها 100 مليار دولار.

من المهم ملاحظة أنه بينما تولي البيانات الخليجية / الهندية المشتركة أهمية للحديث عن شراكة استراتيجية، لم تغفل الأهمية المركزية للتعاون الاقتصادي، بالأخص مع الجانب السعودي. إذ تعد المملكة رابع أكبر شريك تجاري للهند: حيث بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين في الفترة (2021-2022) 42.6 مليار دولار، وتستحوذ المملكة على 18% من إجمالي واردات النفط الهندية، وحددت الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين البلدين القطاعات التالية للتعاون: الطاقة المتجددة، والرعاية الصحية، والأمن الغذائي، والتكنولوجيا، والتغير المناخي، والصناعات الدفاعية. كذلك تستكشف الشركات فرص الربط بين السواحل الهندية والسعودية بكابلات تحت سطح البحر لإنشاء شبكة للطاقة الخضراء لمعالجة المشكلات الناجمة عن الاضطرابات التي قد تتعرض لها إمدادات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وعلى صعيد الرعاية الصحية، يتطلع البلدان إلى إجراء بحوث طبية مشتركة، واعتماد أفضل الممارسات الطبية، بالإضافة إلى التنسيق المشترك للضوابط واللوائح الحاكمة للمنتجات الطبية.

تعد الإمارات شريكا إقليميًا مهمًا للهند؛ تم تدعيم أطر هذه الشراكة عبر مشاركات بين مسؤولي البلدين من بينها؛ حضور ولي عهد أبو ظبي (رئيس دولة الإمارات سمو الشيخ محمد بن زايد) إلى الهند خلال عام 2017م، بصفته ضيف الشرف الرئيسي في احتفالات عيد الجمهورية الهندية. وفي عام 2019م، تم منح رئيس الوزراء الهندي “وسام زايد"، وهو أرفع وسام مدني تمنحه الإمارات.

 في فبراير 2022م، أبرم الجانبان الإماراتي والهندي اتفاقية" الشراكة الاقتصادية الشاملة" ، والتي وُصفها رئيس الوزراء الهندي بأنها "عامل تغيير لقواعد اللعبة"، فيما حازت على إشادة الجانب الإماراتي باعتبارها إيذانا بمرحلة جديدة في العلاقات الثنائية. بموجب هذه الاتفاقية، يتم إعفاء 80 % من السلع والمنتجات الهندية المُصدرة إلى الإمارات من التعريفات الجمركية؛ ومن المتوقع أن تسهم هذه الشراكة في رفع قيمة التبادل التجاري بين البلدين من 45 مليار دولار إلى 100 مليار دولار خلال الأعوام الخمسة المقبلة.

مجالات التعاون المستقبلية بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي

بحسب التفاعلات والاتفاقيات الموقعة بين الهند ودول مجلس التعاون على مدار السنوات التسع الماضية، تم تعريف المجالات التالية باعتبارها قطاعات جديدة للتعاون الثنائي بين الجانبين.

الطاقة المتجددة

يسعى منتجو الطاقة بدول مجلس التعاون إلى استغلال مصادر الطاقة المتجددة لتلبية الطلب المحلي المتزايد على الطاقة لتوليد الكهرباء، ومشروعات تحلية المياه، بجانب الاستخدام المحلي واستخدامات الصناعة. مع ضرورة الحفاظ على إنتاج الهيدروكربون للتصدير. لذلك من شأن هذه السياسات أن تُلبي احتياجات الهند، في ظل ما تنص عليه مسودة سياسة الطاقة الوطنية الهندية التي أعدها المعهد الوطني للتحول، "نيتي ايوج"، في يونيو 2017م، بشأن زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة في البلاد من 3.7 % في 2012م، إلى 6.6% في 2022م، على أن تصل إلى 13.7 %.

ترشيد استهلاك المياه

يندرج قطاع ترشيد استهلاك المياه ضمن قائمة المجالات الجديدة للتعاون بين الهند ودول الخليج، من أجل الحفاظ على جودة أفضل للحياة. خاصة أن المنطقتين تُعاني من الإجهاد المائي. وبحسب التقرير الصادر عن "معهد الموارد العالمية " في عام 2019م، فإن 18 دولة -من بين 22 دولة عربية-تُعاني نقصًا حادًا في المياه، وتواجه 10 منها إجهادًا مائيًا شديدًا، وتشمل القائمة؛ دول مجلس التعاون الست، ولبنان، وإسرائيل، والأردن، وليبيا. كما أدرج التقرير الهند ضمن المرتبة الـ 13 على قائمة الـ 18 دولة التي تعاني من الضغوط المائية. ويشمل هذا التصنيف الدول التي تضطر إلى سحب واستهلاك 80% من المياه العذبة المتاحة لديها سنويًا من أجل تلبية احتياجاتها من الزراعة، والصناعة، والمتطلبات الحضرية.

الأمن الغذائي

يعتبر ملف الأمن الغذائي من المخاوف ذات الأولوية لكافة دول مجلس التعاون، في ظل قلق من تعطل حركة الإمدادات بسبب التقلبات السياسية. وفي هذا السياق، تضخ دول مجلس التعاون استثمارات كبيرة في شركات متخصصة في مجال الزراعة. حيث تستحوذ الإمارات على 50 % من أسهم شركة "الظاهرة" الزراعية، الرائدة في إنتاج المحاصيل الزراعية على مستوى المنطقة، ويُغطي نشاطها 20 دولة وتتخصص في إنتاج الأرز، والدقيق، والفواكه، والخضراوات وأعلاف الماشية. كما تشارك شركة أخرى مملوكة للإمارات في مجال التكنولوجيا الزراعية مع أحد الشركاء الأمريكيين بمنشأة داخل الأراضي الإماراتية. على الجانب السعودي، يحرص صندوق الثروة السيادية على تأمين المواد الغذائية عبر الاستثمار في مجموعة "دعوات فودز" الهندية، لتأمين إمدادات محصول الأرز إلى المملكة.

ونظرًا إلى ضعف وسائل التخزين المُتسببة في إهدار كميات هائلة من المحاصيل الزراعية من الفاكهة والخضروات التي تنتجها الهند، يحمل قطاع الصناعات الغذائية الإمكانات والحظوظ الأكبر للتعاون بين دول مجلس التعاون والهند، لاسيما على صعيد الاستثمارات. حيث تتكبد الهند خسارة نحو 21 مليون طن من إنتاجها من حبوب القمح سنويًا، أي ما يعادل إجمالي إنتاج أستراليا من القمح بتكلفة 8.3 مليار دولار. لعدم توافر مرافق كافية للتخزين والتوزيع. وتعاني البلاد نقصًا في المنشآت والمرافق لتخزين 33 مليون طن من الحبوب. بالمثل، تخسر الهند 21 مليون طن من الخضراوات و12 مليون طن من الفاكهة سنويًا لغياب مرافق للتخزين البارد لحفظ هذه المنتجات. بالتالي، تفتح هذه الحقائق الباب للعديد من الفرص الاستثمارية أمام دول مجلس التعاون في الخدمات اللوجستية المرتبطة بالمَزارع في الهند. ومن شأن هذا التعاون أن يُثمر عن إنتاج كميات وفيرة من الحبوب الغذائية والأغذية المصنعة، والتي ستسهم بدورها في تدعيم المخزونات المحلية وتلبية احتياجات دول مجلس التعاون ولو كان بشكل جزئي.

الرقمنة

تسببت جائحة (كوفيد-19) في تسريع وتيرة الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا الرقمية في دول مجلس التعاون. حيث لجأت كبريات شركات النفط بدافع الخوف على صحة موظفيها، إلى مباشرة العمل والإشراف على العمليات المُعقدة من داخل مقر القيادة الرقمية في مقراتها. كذلك تلعب التكنولوجيا الرقمية دورًا مركزيًا في رسم مستقبل كافة دول المجلس في مرحلة ما بعد النفط. فتلجأ دبي، مثلًا، إلى استغلال وسائل التكنولوجيا لتعزيز الأمن الغذائي، عبر اعتماد البحث العلمي فيما يتعلق بأساليب الإنتاج، وتحسين البنية التحتية وعمليات توفير المياه.

تعتبر الهند شريكًا ذا مصداقية وموثوقية لدول مجلس التعاون في تطوير القدرات الرقمية. وخلال يونيو 2018م، قام المعهد الوطني للتحول في الهند" نيتي أيوج" بتعريف القطاعات التالية باعتبارها قطاعات ذات أولوية على صعيد استخدامات التكنولوجيا الرقمية وتشمل؛ الرعاية الصحية، الزراعة، التعليم، والمدن الذكية، بالإضافة إلى البنية التحتية، والتنقل الذكي والنقل. أعقب ذلك، إنشاء “مركز للثورة الصناعية الرابعة " في الهند من قبل منتدى الاقتصادي العالمي في أكتوبر من 2018م، ومن المقرر أن يُركز بشكل مبدئي على -الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وتقنية سلاسل الكتل أو "بلوك تشين" وتقنية "دفتر الأستاذ الموزع". وفي ضوء مساعي التوسع الرقمي التي تتشاركها الهند ودول المجلس، تتولد بالتبعية الحاجة إلى تنمية وتطوير المهارات والكوادر البشرية. على الصعيد الهندي، تستطيع نيودلهي، بفضل المكانة الراسخة لشركات التكنولوجيا الهندية على مستوى المنطقة ومؤسساتها التعليمية عالية الجودة، أن تطلع بثقة إلى المستقبل حيث لن يقتصر الأمر على توفير الموارد البشرية لتلبية احتياجات دول المجلس فحسب، بل ستكون قادرة على توفير منشآت التدريب لشباب دول الخليج في التطبيقات التكنولوجيا الرقمية.

التعاون في الأمن والدفاع

ملف الأمن والدفاع من أبرز مجالات التعاون بين الهند ودول مجلس التعاون. فإن كافة البيانات المشتركة التي تلت مشاورات رفيعة المستوى بين الجانبين، تُبرز الأهمية المركزية للشراكات الاستراتيجية التي تضمن عناصر دفاعية وأمنية متنوعة ومهمة. ويتمتع الجانب الهندي في هذا المجال بعلاقات مميزة بشكل خاص مع كل من السعودية والإمارات وعمان، ويشمل ذلك التعاون في مكافحة الإرهاب، والتدريبات العسكرية المشتركة، والتعاون في الأمن السيبراني، والحروب الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي وحديثًا الإنتاج الدفاعي المشترك.

في أعقاب التوقيع على "إعلان الرياض" في فبراير 2010م، قام وزير الدفاع الهندي حينها إيه كي أنتوني بزيارة إلى الرياض عام 2012م، تلا ذلك التوقيع على مذكرة تفاهم مشترك للتعاون الدفاعي الثنائي في فبراير من عام 2014م. مهدت هذه المذكرة الطريق إلى تشكيل لجنة مشتركة للتعاون الدفاعي بين الجانبين، والتي تعقد اجتماعاتها بشكل منتظم للتباحث حول سبل تعزيز برامج التدريب وبناء القدرات إلى جانب تبادل المعلومات الاستخباراتية والأمن البحري. بالتالي، أصبحت المشاركات والتفاعلات بين القوات البحرية الهندية وخفر السواحل الهندي من جهة ومع نظرائهم داخل المملكة من جهة أخرى سمة اعتيادية ومألوفة. وخلال فبراير من عام 2018م، قام قائد البحرية الهندية الأدميرال سونيل لانبا بزيارة إلى المملكة العربية السعودية زار خلالها مركز العمليات البحرية، وإدارة الإطفاء والإنقاذ البحرية، والأسطول الغربي بجدة.

في ديسمبر من عام 2022م، وقعت شركة “باور السعودية لتقنيات الدفاع" مذكرة تفاهم مع شركة "بهارات" الهندية للإلكترونيات، للعمل على التقنيات المرتبطة بعلوم الفضاء، والتطبيقات الدفاعية والمدنية. ثمة مؤشرات توحي بتعاون محتمل بين الشركة السعودية للصناعات العسكرية والجانب الهندي في مجال إطلاق أنظمة الصواريخ المتعددة.  كذلك وقعت شركة هندوستان للملاحة الجوية مذكرة تفاهم مع مجموعة "إيدج" الإماراتية في مجال الدفاع والتكنولوجيا المتقدمة، للعمل على تطوير أنظمة الصواريخ والطائرات (بدون طيار). فيما تشمل العلاقات الأمنية بين الهند وسلطنة عمان إجراء مناورات بحرية وعسكرية مشتركة إلى جانب تعاونهما الصناعي والدفاعي. كما تعمل نيودلهي مع قطر والبحرين في مجال مكافحة القرصنة. وفي 2020 قررت الكويت تعيين ملحق دفاعي لدى الهند.

المخاوف المشتركة حيال الأمن البحري

تشكل منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية وساحل البحر الأحمر مشهدًا أمنيًا متكاملا؛ حيث تُتيح فضاءً واسعًا للمنافسات البحرية الإقليمية والخارجية، حتى ولو كانت تقع في قلب معقل الطاقة العالمية وتجارة شحن البضائع. حيث تغطي منطقة الخليج على سبيل المثال، ربع الإمداد العالمي من النفط، بما في ذلك 40% من صادرات النفط البحري، في حين يعبر 10% من إجمالي التجارة البحرية العالمية من خلال ممر قناة السويس. كذلك تضم منطقة الخليج والبحر الأحمر بعضًا من أهم نقاط الاختناق على صعيد التجارة العالمية؛ مضيق هرمز، ومضيق باب المندب، وقناة السويس. ونظرًا لاعتماد الهند والصين ودول آسيوية أخرى على إمدادات الطاقة الخليجية، بالتالي تمثل قضية أمن الممرات البحرية الحيوية مبعث قلق بالغ للقوى الإقليمية والخارجية على حد سواء.

من ثم ليس مفاجئًا، أن يُخلف صراع القوى العظمى الناشئ بين أمريكا والصين انعكاسات على منطقة غرب المحيط الهندي: حيث تمتلك الدولتان قواعد عسكرية في جيبوتي؛ وتقوم السفن البحرية التابعة لأسطول البلدين بدوريات منتظمة داخل مياه المحيط. وتحرص واشنطن وبكين على إقامة شراكات إقليمية تخدم مصالحهما. فمن ناحية، تعتز واشنطن بعلاقاتها مع إسرائيل باعتبارها شريك رئيسي في المنطقة، ومؤخرًا قررت واشنطن تصنيف دولة قطر ك “حليف رئيسي لها من خارج حلف ناتو"، في المقابل، تحتفظ بكين بعلاقات وثيقة مع كل من باكستان وإيران.

 يُمثل السيناريو الإقليمي الراهن تحديات أمام الهند على الصعيد الدبلوماسي: ثمة مخاوف جدية لدى نيودلهي حيال التوسع المتزايد للبصمة الصينية بمنطقة المحيط الهندي، والتي تتزامن مع التوترات القائمة على الحدود الصينية -الهندية التي لا تزال غير مُرسمة، لكن في الوقت ذاته يظل الجانب الهندي ملتزمًا حيال مبدأ الاستقلال الاستراتيجي ورفضه الانضمام إلى أي تحالف أمني تتزعمه أمريكا. وتعتبر الهند عضوًا بالشراكة البحرية الرباعية "كواد" إلى جانب كل من أمريكا، واليابان، وأستراليا، مع ضمانات بعدم المساس بأجندتها الأمنية وأن تركز المنظمة على المصالح المشتركة على المدى الطويل مثل ملفات: الصحة، والتكنولوجيا، والتغير المناخي. في ضوء هذه الخلفية، لم تكتف الهند بتعزيز علاقاتها الثنائية مع دول مجلس التعاون وإثرائها بمحتوى أمني ودفاعي فحسب، بل انضمت إلى مجموعتين إقليميتين ثنائيتين وهما:"آي تو يو 2”، و"الشراكة الاستراتيجية مع كل من فرنسا والإمارات" وهي تكتلات قد لا تحمل طابعًا رسميًا، إلا إنها تجمع بين مختلف الشركاء الذين يتشاطرون مصالح ومخاوف محددة.

وقد ساهم "التطبيع" بين الإمارات وإسرائيل حافزًا أمام البلدين إلى جانب الهند للدخول في شراكة ثلاثية في مايو 2021م، والتي تطورت فيما بعد إلى "كواد 2" في أكتوبر (2021). ومع الإعلان عن انضمام واشنطن إلى الشراكة الثلاثية؛ تم إعادة تسميتها لتصبح "أي تو يو 2" في يوليو 2022. وتم وصف هذه الشراكة باعتبارها " مبادرة جيواقتصادية ظرفية، غير رسمية، تخاطب قضايا محددة". وهو ما يؤكد أن هذه الشراكة لا تتبنى رؤية استراتيجية موحدة، وبالتالي لا تعتمد أجندة محددة في مجال الأمن الإقليمي. جدير بالذكر أنه تم عقد لقاء للتحالف على مستوى القمة في يوليو 2022م.

صادقت قمة "أي تو يو 2" على تنفيذ مشروعين داخل الهند؛ الأول يتعلق بتشكيل سلسلة من المُجمعات الغذائية في أجزاء مختلفة من البلاد من أجل استخدام التقنيات الحديثة في خفض هدر الطعام وفساد صلاحيته، إلى جانب الحفاظ على المياه العذبة، والاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة. أما المشروع الثاني، يتمثل في إنشاء محطة هجينة للطاقة المتجددة في ولاية غوجارت بطاقة رياح وطاقة شمسية تصل سعتها إلى 300 ميغاوات، على أن يتم تدعيمه واستكماله عبر نظام تخزين طاقة البطارية.

منظمة "شنغهاي" ومجموعة “بريكس" تجذبان مجلس التعاون

يُشكل تعداد الدول الأعضاء بمنظمة شنغهاي مجتمعة 40 % من إجمالي تعداد سكان العالم، ونحو 25% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وربع احتياطي مخزون النفط العالمي، و50 % من رواسب الغاز الطبيعي واليورانيوم العالمية. مؤخرًا، أظهرت دول مجلس التعاون اهتمامًا بالانضمام لمنظمة شنغهاي. وقد أعلن البيان الصادر عن قمة المنظمة في سمرقند العام الماضي 2022 م، الموافقة على انضمام كل من الكويت، والإمارات، والبحرين إلى المنظمة بصفتهم "شركاء في الحوار"، في حين تم أيضًا التوقيع على مذكرة تفاهم من أجل منح صفة "شريك في الحوار" إلى كل من السعودية، وقطر، ومصر.

أثار اهتمام دول مجلس التعاون بالانضمام إلى (منظمة شنغهاي) شديدة الارتباط بكل من الصين وروسيا، وابلاً من التعليقات، حيث ينظر معظم المراقبين إلى هذه الخطوة باعتبارها ضمن جهود دول المجلس من أجل تنويع علاقاتها وروابطها الاقتصادية والسياسية بمعزل عن القوى الغربية والتأكيد على استقلاليتها الاستراتيجية. لاسيما، وأن الأجندة الواسعة التي تتبناها المنظمة حاليًا تُشكل محور جذب كبير لدول مجلس التعاون، حيث تعالج قضايا مثل: مكافحة الإرهاب، والطاقة، والصحة، والأمن الغذائي، والتواصل اللوجيستي. يتماشى هذا الاهتمام الخليجي ب “يورو آسيا" مع مساعي دول المجلس النشطة من أجل تنويع علاقاتهم لصالح آسيا والتأكيد على دعمهم لعالم متعدد الأقطاب.

في الوقت ذاته، فإن وجود الصين، والهند، وروسيا داخل المنظمة، والذين تربطهم علاقات وثيقة مع دول مجلس التعاون الخليجي يضفي مزيدًا من الجاذبية لفكرة الانضمام إلى المنظمة: إذ تعتبر الصين والهند أبرز عملاء للنفط والغاز الخليجي، فيما تعد روسيا شريكًا مهمًا في تحالف "أوبك +".  وبلغ إجمالي قيمة التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون 230 مليار دولار، أي أربعة أضعاف قيمة تجارة دول المجلس مع أمريكا. وتحت مظلة " مبادرة الحزام والطريق، استثمرت الصين 140 مليار دولار في العديد من قطاعات داخل دول مجلس التعاون شملت: النقل، والصناعة، والذكاء الاصطناعي، ومصادر الطاقة المتجددة، والتقنيات الجديدة. كما أن حصول إيران على عضوية كاملة بالمنظمة يشكل حافزًا أمام الجار الخليجي من أجل تشارُك المنصة ذاتها معًا واستكشاف سبل المضي قدمًا بالعلاقات الإيرانية -الخليجية التي تمت استعادتها مؤخرًا.

من جانبها، ترحب الهند، بصفتها عضو دائم لدى منظمة "شنغهاي " بانضمام مجلس التعاون للمنظمة. فإلى جانب المصالح المشتركة في مجالات الطاقة، والتجارة، والاستثمار، والتكنولوجيا والمخاوف المشتركة فيما يتعلق بأمن غرب المحيط الهندي، تنظر الهند إلى دول المجلس باعتبارهم شركاء في مشروعات توسيع الربط اللوجيستي من ميناء "شاباهار" إلى أفغانستان"، وآسيا الوسطى، وروسيا-(سيتم الأخير عبر ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب).

بريكس

أعلنت مجموعة "بريكس"، تلقي طلبات الانضمام مؤخرًا من السعودية، والإمارات، وتركيا. وهو ذلك التكتل الذي لم ينجح في عقد قمم سنوية فحسب، بل أخذ يتطور من خلال إنشاء منظمات جديدة وتوسيع نطاق أجندته عالميًا ضاربًا عرض الحائط سخرية الكتاب الغربيين وتقليلهم من شأنه ب “اعتباره كيان غير ذي صلة ومفكك ولا يُتوقع له الاستمرار طويلاً".

 جدير بالذكر أن الناتج المحلي الإجمالي لدول "بريكس" مجتمعة، يمثل 23 % من الاقتصاد العالمي، و18% من حجم التجارة العالمية. وبحسب تقارير صادرة في مارس الماضي، فقد تفوق تكتل "بريكس" على مجموعة الدول الصناعية السبع من حيث الناتج المحلي الإجمالي على أساس تعادل القوة الشرائية: حيث بلغت حصة بريكس 31.5%، مقابل 30.7 % ل مجموعة السبع.

وفي عام 2014م، قرر التكتل إنشاء "بنك التنمية الجديد "صندوق ترتيبات الاحتياطي المشروط "حيث يتيح البنك تمويلاً للأنشطة التنموية بشروط أكثر يسرًا مقارنة بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ويتم إتاحة هذه التسهيلات ليس فقط للأعضاء بل أيضًا للاقتصادات النامية والناشئة الأخرى: وفي عام 2021م، قررت كل من الإمارات، ومصر، وبنغلاديش، وأوروجواي الانضمام إلى بنك التنمية الجديد.

شهدت أجندة تكتل "بريكس" انتقالاً من التركيز على المصالح الاقتصادية إلى ملفات الأمن، والصحة، والعلوم، والتكنولوجيا، والثقافة، والمجتمع المدني. وتماشيا مع مخاوف أعضائها، منحت المجموعة الأولوية للقضايا المتعلقة بالإرهاب مع التركيز بشكل خاص على جهود مكافحة الإرهاب. كما بدأت النظر في قضايا الأمن العابرة للحدود مثل-الاتجار في المخدرات والشبكة المظلمة وغيرها من التقنيات التي تدعم مثل هذه الممارسات.

خلال عام 2017م، تقدمت الصين بمقترح تحت عنوان "بريكس بلس" بوصفه آلية للتعاون تسمح لأعضاء بريكس التواصل مع آخرين من خارج التكتل. وفي أواخر يونيو الماضي أفادت تقارير بأن قمة بريكس المقرر انعقادها في أغسطس الماضي بدولة جنوب إفريقيا تعتزم إعلان انضمام خمسة أعضاء جدد وهم -السعودية، والإمارات، ومصر، وإندونيسيا، والأرجنتين. وتشير التقارير إلى أن الحضور السعودي ضمن "بريكس بلس" سيُساعد في دعم الموقف المالي لبنك التنمية الجديد. مرة أخرى، إذا ما أصرت الرياض ومصدري النفط الآخرين تحصيل المدفوعات بعملة بريكس الجديدة، من شأن ذلك تدعيم عملية نزع الدولرة.

الخلاصة

ترحب الهند بانضمام دول مجلس التعاون إلى تكتل بريكس، الذي سيكون حاضنًا لأهم الدول المنتجة والمستهلكة للطاقة على مستوى العالم، إلى جانب الاقتصادات الأكبر على مستوى التجارة العالمية، والدول الداعمة لمشروعات الربط اللوجيستي في يورو آسيا والمحيط الهندي. وبالرغم من الاختلافات بين الأعضاء، بالأخص ذلك التوتر القائم بين الهند والصين، إلا أنهم مجتمعون على هدف ورغبة واحدة وهي الانتماء إلى كيان لا يخضع لسطوة القوى الغربية ويعبر عن مصالح ومخاوف الدول النامية.

ظلت العلاقات بين الهند وشعوب شبه الجزيرة العربية الممتدة منذ آلاف السنين مهمة ومتواصلة دون انقطاع. ويعود ذلك إلى حد كبير إلى حرص الجانبين على إنعاش هذه العلاقات باستمرار لتلبية المتطلبات والمصالح المتغيرة لكل منهما. وعلى مدار القرون الماضية، استمر تدفق السلع والمنتجات الهندية من المواد الغذائية إلى الملابس وغيرها من عناصر الحياة الكريمة التي لا تزال تشكل باقورة الصادرات الهندية على المنطقة. وطوال العقدين الماضيين، احتفظت الهند بمكانتها كوجهة ومقصد أساسي للآلاف من شعوب منطقة شبه الجزيرة العربية بهدف التجارة، أو الرعاية الصحية، أو السياحة، أو التعليم. ومع تغير الأزمنة، قد تتبدل الأشياء أيضًا، بالتالي، أصبحت الهند تُلبي متطلبات الموارد البشرية في المنطقة، حتى في الوقت الذي يبحث رواد الأعمال من الجانبين إلى استكشاف فرص جديدة بمجالات الأمن الغذائي، والتكنولوجيا، والاتصالات، والفضاء.

يتواكب ذلك مع حرص قادة الهند ودول المنطقة، في ظل نظام عالمي مُتغير، على العمل سويًا من أجل إعلاء الأمن الإقليمي، والاستقرار، وتشكيل شراكات ضمن مجموعات وتكتلات جديدة، بينما يعملون معًا على رسم ملامح نظام عالمي جديد يصبح فيه صوتهم مسموعًا ويتم مراعاة مصالحهم.


 

مقالات لنفس الكاتب