array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 189

7 خطوات لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دول الخليج وجمهوريات آسيا الوسطى

الثلاثاء، 29 آب/أغسطس 2023

يذهب عدد من المتخصصين فى حقل العلاقات الدولية والجغرافيا السياسية إلى التأكيد على أن كل دولة لها نظام إقليمي رئيسي تنتمي له ونظم أخرى فرعية تهتم بما يدور فيها من أحداث وتتبادل مع مكوناتها من الدول علاقات متنوعة الهدف منها خدمة برامج السياسة الخارجية للدولة؛ بعبارة أخرى فإن الجغرافيا تميز لكل دولة نظام إقليمي مركزى يتكون عادة من دول الجوارين القريب والمباشر وهامش إقليمي يضم دول الجوار البعيد.

وفى مطلع السبعينيات من القرن العشرين ومع ازدياد عمليات الاعتماد المتبادل بين الدول، ظهر اتجاه جديد بين الدارسين يميل إلى تعريف النظام على أنه روابط كثيفة من العلاقات والتفاعلات وليس على أنه مساحة جغرافية تضم دولاً متلاصقة، وقد اكتسب هذا الاتجاه قوة دفع جديدة له فى بداية التسعينيات من القرن العشرين من خلال بزوغ تيار الإقليمية عبر الإقليمية التي تنشأ بين دول متباعدة جغرافيًا وتنتمي إلى نظم إقليمية مختلفة. وقد اقترح بعض أنصار هذا التيار لتحليل العلاقات المكثفة التى تنشأ بين الدول البعيدة جغرافياً، أى تلك التى تعد بالنسبة لبعضها البعض هوامش إقليمية بالمعنى الجغرافي ـ ثلاثة نماذج أهمها: نموذج التبادل الذي يقوم على أساس تغليب الحسابات العقلانية الرشيدة لصناع القرار فى دولة ما على ما عداها من اعتبارات أخرى جغرافية أو ثقافية وهو ما يدفع إلى البحث عن تعظيم للمنافع فى مناطق وأقاليم أبعد جغرافيًا قد تكون بمعايير الرشادة الاقتصادية إحدى المناطق الجغرافية الأقرب.

تستهدف المقدمة السابقة وضع العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجى ودول آسيا الوسطى ـ التى تضم خمس جمهوريات هي: أوزبكستان؛ وكازاخستان، وطاجيكستان، وتركمانستان وقيرغيزستان-ضمن إطار نظري أوسع يشير إلى أن الاهتمام بالهوامش الإقليمية ليس رفاهية بل ضرورة وإلحاح للطرفين. فدول آسيا الوسطى وإن كانت هامشًا جغرافيًا إلا أنها من نوعية الهوامش التى تعلو أهميتها السياسية والاقتصادية هامشيتها الجغرافية. لذلك لن يكون مستغرباً أن تهتم دول مجلس التعاون الخليجي وجمهوريات آسيا الوسطى بهذا الهامش الإقليمي لكل منها، باعتباره خط الدفاع الأولي عن المصالح القومية وتعزيزها لكل منهما.

لذا يتناول هذا التقرير تحليل أهداف ومرتكزات زيادة التعاون بين دول مجلس التعاون وجمهوريات آسيا الوسطى عقب القمة الأولى التي تم عقدها بين الجانبين في يوم الأربعاء 19 يوليو 2023م، استقبلت مدينة جدة السعودية القمة الخليجية مع دول آسيا الوسطى على مستوى القادة، والذى سبقه لقاء آخر على مستوى وزراء الخارجية بين المجموعتين في أواخر عام 2022م، والذى أقر اعتماد خطة العمل المشترك للحوار الاستراتيجي والتعاون بين مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى للفترة 2023-2027م، بما في ذلك الحوار السياسي والأمني والتعاون الاقتصادي والاستثماري وتعزيز التواصل بين الشعوب، وإقامة شراكات فعالة بين قطاع الأعمال في دول مجلس التعاون الخليجي  ودول آسيا الوسطى، وأكدت القمة على اتخاذ الإجراءات اللازمة للتنفيذ السريع لهذه الخطة على الوجه الأكمل، على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف.

وتؤسس هذه القمة لمرحلة تنموية بين المنطقتين ولها أبعاد جيوسياسية وجيواستراتيجية تمهد الطريق أمام تكتل اقتصادي يدعم القضايا السياسية والاقتصادية المشتركة نظرًا لتشابه دول آسيا الوسطى مع الدول الخليجية من حيث المساحة ومن حيث موارد الطاقة أو الاقتصاد وغير ذلك، إلى جانب أنها تشترك في كونها دولاً محبة للسلام وتسعى لاستثمار ثرواتها الطبيعية، وتحاول قدر المستطاع عدم الدخول في صراعات أو في تجاذبات سياسية، الأمر الذي يجعل النموذج الآسيوي والنموذج الخليجي يتقاربان إلى حد كبير بما ينعكس على باقي أجزاء قارة آسيا.

أولًا: آسيا الوسطى والتنافس الدولي والإقليمي المحموم

وفقًا للعامل الجيوستراتيجي تمثل دول آسيا الوسطى باباً مفتوحاً على الخليج العربي بصفة خاصة ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، ومن ثم تصبح عمقاً وامتداداً لمنطقة الشرق الأوسط الأمر الذي يدخلها ضمن مخططات الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند ومخططات بعض الدول غير العربية فى الشرق الأوسط القائمة على تمييع وإعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط وتوسيعه ليضم دول آسيا الوسطى غير العربية، ومن ثم يعالج الخلل الموجود حالياً في المنطقة، والذي تعتبره الدول الكبرى والدول الإقليمية غير العربية في غير صالحها نظراً لغلبة العنصر العربي. لذا أضحت مسألة الربط الإقليمية بين دول آسيا الوسطى والشرق الأوسط ضمن أولويات استراتيجيات الدول الكبرى والدول الإقليمية غير العربية، فقد أدركت هذه الدول أن هذا الربط لا يتأتى بدون توثيق علاقاتها مع هذه الدول بشكل يسحب البساط من الدول العربية ويساهم في الوقت نفسه في استحداث واقع جديد في الشرق الأوسط يكون في صالحها فقط.

فعلى المستوى المحلى الوطنى زادت عقب حصول جمهوريات آسيا الوسطى الخمس: كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان و قيرغيزستان؛ على استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق- تطلعات هذه الدول وشعوبها لتحقيق المزيد من الاستقلال السياسى وفقا لتوجهاتها وأهدافها ومصالحها الخاصة مع ضمان تمتعهم بالحقوق والحريات المدنية والسياسية المسطرة فى الأقسام الأولى من دساتيرها الجديدة؛ وأيضًا السعي لتعويض تخلفها الاقتصادى واللحاق بأقرانها فى شرق أوروبا وتحسين معيشة مواطنيها وتوفير مقومات التنمية البشرية والمستدامة لشعوبها من مرافق مياه شرب نقية وصرف صحى ومؤسسات تعليم ورعاية صحية متقدمة ووحدات سكنية لائقة وكافية ومصادر دخول اقتصادية تلبي احتياجاتهم الأساسية لهم ولأسرهم ؛ خاصة فى ظل احتفاظ هذه الجمهوريات بكميات واحتياطيات هائلة من النفط والغاز الطبيعى تضعها فى المراتب الأولى عالميًا بعد منطقة الخليج العربى وروسيا حيث تم تقدير حجم الغاز الطبيعى فيها بنحو ٣٤٪ من الاحتياطي العالمي، كما أن احتياطاتها من النفط تصل لحوالى ٢٧٪ من الاحتياطى العالمي، وتمتلك ثروات كبيرة من المياه العذبة والجوفية واحتياطات ضخمة من المعادن والفحم.

وفى ذات الوقت واجهت دول آسيا الوسطى أطماع وتطلعات الدول الكبرى وفى مقدمتها الولايات المتحدة والصين والهند ودول الاتحاد الأوروبى إلى السيطرة على موارد آسيا الوسطي والتحكم في إمدادات النفط والغاز والمعادن والموارد الزراعية. علاوة على ما تمتلكه بعض دول المنطقة مثل كازاخستان من قدرات وطاقات علمية كبيرة حيث كانت واحدة من أكثر الجمهوريات السوفيتية تقدمًا من الناحية العلمية؛ كما يوجد بها مطار بايكونور الفضائي الشهير، وهو مركز إطلاق سفن الفضاء وتجارب الصواريخ وأبحاث حرب النجوم في العهد السوفيتي السابق، ولا تزال روسيا تستأجره وتستخدمه لنفس الأغراض حتى الآن. كما تتمتع أوزبكستان بثروات طبيعية كبيرة من الذهب والفضة واليورانيوم والنحاس والزنك، فضلاً عن الغاز الطبيعي والنفط والفحم وغيرها، وهي تعتبر سادسة دول العالم في إنتاج الذهب ورابعتها من حيث احتياطيات الخام الفضي، ومعروف أن لديها القدرة على تخصيب اليورانيوم، علاوة على امتلاك طاجيكستان مناجم كبيرة من اليورانيوم تم اكتشافها في الثلاثينيات من القرن العشرين، وحيازة قرغيزستان مناجم هائلة من الذهب.

وقد اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية على دول ومؤسسات الاتحاد الأوروبي في تقديم المساعدات والمعونات الفنية والتكنولوجية والغذائية لدول آسيا الوسطى الخمس ، وتمكنت منظمات ومؤسسات الاتحاد الأوروبى المتخصصة فى صياغة استراتيجية للتعاون الاقتصادى والفنى بين الطرفين امتدت بين عامي 2002و2007م، بقيمة إجمالية وصلت لثلاثة مليارات يورو، والتى حصلت بموجبها دول آسيا الوسطى على مساعدات فنية وتكنولوجية فى مجال الصناعات الغذائية والأغذية المحفوظة والمعلبات علاوة على تدريب القوى البشرية وزيادة كفاءتها فى المجالين الزراعى والصناعى وإعادة تأهيل عدد من المصانع المحلية الصغيرة بما يسمح بتصدير منتجاتها لدول الإتحاد الأوروبى ووفقًا للمعايير البيئية المعتمدة فيه.

غير أن الأزمة الاقتصادية بالولايات المتحدة بدءًا من أواخر عام 2020م، وحتى منتصف 2023م، وانتقال عدواها إلى دول الاتحاد الأوروبي قد تسببت في تقليص معدل النمو الاقتصادي الأمريكي والأوروبي وبالتالي انخفاض قيمة وكمية المساعدات الخارجية المقدمة للدول الحليفة والصديقة للولايات المتحدة والاتحاد الأوربى ومنها جمهوريات آسيا الوسطى حيث تقلص التمويل المخصص من قبل الإتحاد الأوربى إلى الجمهوريات الخمس إلى أقل من 100 مليون يورو لاستراتيجية المشاركة فى الفترة من عام 2017م،  إلى2023م، وتمكنت من الصين خلال فترة تراجع الاهتمام الأمريكي والأوروبي والانشغال بالقضايا الأمنية الأوروبية بعد اندلاع الحرب الروسية ـ الأوكرانية على حساب الاهتمام والمتابعة لقضايا السياسة الخارجية والتغلغل فى تلك المنطقة الحيوية من العالم وآخرها عقد قمة صينية مع دول المنطقة فى مايو 2023م، لزيادة معدلات التعاون والتنمية بينهما حيث وتتشير الاحصاءات الخاصة بالتجارة الدولية إلى أن حجم التجارة الخارجية للصين مع كازاخستان وقرقيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزباكستان وصل إلى 70 مليار دولار في 2022م، وسجل نمواً بنسبة 22 % خلال الفصل الأول من 2023م، بالمقارنة مع الفصل نفسه من العام الماضي.

ثانيًا: مرتكزات التعاون الخليجى مع آسيا الوسطى (كثير من السياسة قليل من الاقتصاد)

1-فاعلية وقوة العلاقات السياسية الثنائية: يعتبر تبادل التمثيل الدبلوماسي بين الدول أحد المؤشرات المهمة لمدى تطور العلاقات بينها فتبادل التمثيل الدبلوماسي يعكس تطور وتشابك المصالح السياسية والاقتصادية بينها، فضلاً عن أنه يعبر عن رغبة الدول في تطوير-تلك المصالح، وإقامة نمط للعلاقات التعاونية بينها، كذلك فإن قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول يعبر عن حدوث أزمات جوهرية بينها، كما أن تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي قد يعبر عن تردي أو محدودية حجم المصالح المشتركة بين تلك الدول.

أبرمت دول مجلس التعاون الخليجى مع جمهوريات آسيا الوسطى عقب استقلال الأخيرة عن الاتحاد السوفيتي السابق في عام 1992م، العديد من الاتفاقيات مع هذه الدول في مجالات: إقامة العلاقات الدبلوماسية؛ وتسهيل التجارة البينية وجذب الاستثمارات وتعزيز التعاون الفني والتكنولوجي في قطاعات: الزراعة، والصحة والرياضة وتبادل الوفود الشبابية والتدريب التكنولوجي والسياحة، والنقل وخدمات الطيران.

2- نجاح اتفاق السياسات الثنائية في المنظمات الدولية: شهدت الفترة الزمنية الممتدة بين عامي 1992 و2022م، درجة عالية من التوافق والتشابه بين دول مجلس التعاون الخليجي وجمهوريات آسيا الوسطى في سياستهما الخارجية بالأمم المتحدة تجاه القضايا الخاصة بفلسطين والجولان ومنح الاستقلال للشعوب المستعمرة وحالة حقوق الإنسان في هذه الدول، حيث شكلت هذه الدول جميعها مجموعة متناسقة سياسيًا وكتلة دولية متشابهة في أنماط تصويتها في قرارات الجمعية العامة ذات الطبيعة التأكيدية والمقررة للحقوق العامة لكل من الفلسطينيين والسوريين في تقرير المصير وجلاء إسرائيل عن الأراضي المحتلة والسيادة الدائمة على مواردهم وممتلكاتهم وضرورة التوصل  إلى تسوية سلمية للقضية الفلسطينية، ورفض جميع الإجراءات الإسرائيلية التي اتخذتها إسرائيل بشأن القدس وتقديم المساعدة إلى اللاجئين الفلسطينيين، وعودة النازحين نتيجة لأعمال القتال التي نشبت في يونيه 1967م، وفيما بعدها، واستمرار دعم عمليات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين؛ وممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، والحفاظ على حماية ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين  والإيرادات الآتية منها، وانطباق اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب على الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وعدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية والجولان السوري المحتل، وإدانة ورفض الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، وإدانة التصرفات الإسرائيلية تجاه الأطفال الفلسطينيين ومطالبة الدول الأعضاء بمساعدتهم والسيادة الدائمة للشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية وللسكان العرب في الجولان السوري المحتل على مواردهم الطبيعية،، وقد تراوحت درجة الاتفاق بين دول الخليج وجمهوريات آسيا الوسطى في هذه القضايا بين نسبة 95% ونسبة 100%.كذلك اتفقت هذه الدول – دول مجلس التعاون الخليجى وجمهوريات آسيا الوسطى فى الامتناع عن التصويت أو رفض قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة حول قضيتي تصفية الاستعمار ومنح الاستقلال للبلدان والشعوب المحتلة حيث ترى هذه الدول التي تعاني من مشكلات ونزعات انفصالية لديها في هذه القرارات نوعًا من التدخل السافر في قضايا سياسية تفضل تسويتها بالطرق السلمية بين الحكومات وشعوبها.

3-محدوية وضعف العلاقات التجارية: على الرغم من إبرام العديد من الاتفاقيات الثنائية في مجالات: تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة، وتخفيض التعريفات والرسوم الجمركية على التجارة البينية، وتعزيز التعاون في الخدمات الصحية والعلمية والتكنولوجية، وتنشيط حركة السياحة والنقل والاتصالات والتدريب الفنى فيما بينها – إلا أن الإحصاءات الخاصة بتجارة دول مجلس التعاون الخليجى الخارجية مع هذه الجمهوريات محدودة للغاية وتتراوح بين 23و00%و81و00% من إجمالي التجارة الخارجية لدول التجمعين في أفضل حالاتها.

ففي عام 2021م، تفيد المصادر الخليجية بأن حجم التبادل بين المنظومتين بلغ نحو 3.1 مليار دولار أمريكي، أي نحو 00.27 % من إجمالي حجم التبادل التجاري السلعي لمجلس التعاون؛  فيما بلغت قيمة صادرات مجلس التعاون إلى دول المجموعة نحو 2.06 مليار دولار أمريكي في 2021م، مقابل واردات بنحو 1.03 مليار دولار؛ وشكلت الآلات والأجهزة الكهربائية أهم السلع المصدرة إلى دول مجموعة آسيا الوسطى، حيث بلغت قيمتها نحو 0.98 مليار دولار أمريكي، أي نحو 47.6 % من إجمالي الصادرات السلعية من دول المجلس إلى هذه الجمهوريات والبالغ 2.06 مليار دولار أمريكي. وتصدر النحاس ومصنوعاته أهم السلع المستوردة من دول المجموعة بقيمة بلغت 0.45 مليار دولار أمريكي في عام 2021م، أي نحو 43.7 % من إجمالي الواردات السلعية من هذه الدول يليها الذهب والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة، والحديد والصلب بنحو 24.3 % لكل منها.

 وفى عام 2022م، لم يتغير الأمر كثيرًا حيث وصلت قيمة إجمالي التجارة الخارجية السعودية مع هذه الجمهوريات إلى نحو 2.25 مليار دولار شكلت نحو 1% من إجمالي التجارة الخارجية السعودية مع دول العالم في عام 2022م؛ ووصلت قيمة الصادرات السعودية لهذه الجمهوريات فى ذات العام إلى 2,15 مليار دولار بينما لم تزد قيمة الواردات السعودية على 100 مليون دولار في ذات العام. وقد استحوذت جمهورية كازاخستان على نحو 73% من إجمالي تجارة دول مجلس التعاون الخليجى مع هذه الجمهوريات؛ وتوزعت النسبة الباقية على الجمهوريات الأربعة الأخرى؛ وتعد جمهورية قرقيزستان هي الأقل نصيبًا فى التجارة الخارجية مع دول مجلس التعاون الخليجي حيث لم يزد نصيبها على 2% من إجمالي التجارة الخارجية المتبادلة بين دول الخليج وجمهوريات آسيا الوسطى. ولم تختلف قيمة ومعدل التجارة الخارجية الاماراتية مع جمهوريات آسيا الوسطى كثيرًا عن نظيرتها فى السعودية حيث وصلت قيمة إجمالي التجارة الخارجية للإمارات مع هذه الجمهوريات في عام 2022م، إلى نحو 462 مليون دولار تشكل أقل من واحد في الألف من إجمالي التجارة الخارجية للإمارات؛ تم تخصيص مبلغ 200 مليون دولار منها لصادرات الإمارات إلى هذه الجمهوريات؛ بينما بلغت الواردات الإماراتية من هذه الجمهوريات قرابة 262 مليون دولار جاء نحو 76 % منها من جمهورية كازاخستان. 

ثالثًا: سبل وطرائق تعزيز علاقات التعاون والمصالح المشتركة

تضمن البيان الختامي لاجتماع قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول آسيا الوسطى: استمرار التنسيق السياسي بما يحقق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، ومواجهة التحديات المشتركة بإنشاء مجلس بيئي مشترك وتطوير التعاون في مجال الطب والرعاية الصحية، والعمل على ضمان مرونة سلاسل الإمداد، والنقل والاتصال، والأمن الغذائي، و تعزيز الشراكة في مجال الطاقة مع دول الخليج و إنشاء غرفة مشتركة لهذا الغرض بين دول الخليج ودول آسيا الوسطى، والأمن المائي، ودفع بناء علاقات التعاون في تطوير مصادر وتقنيات الذكاء الاصطناعي والطاقة الخضراء والمتجددة، وخلق فرص الأعمال التجارية ودعم فرص الاستثمار وزيادة التبادل التجاري؛ ويتطلب تنفيذ قرارات البيان الختامي ضرورة قيام الطرفين بالعمل على:

1-ضرورة تنظيم وعقد مؤتمرات اقتصادية مشتركة بشكل دورى ومنتظم بين الجانبين لبحث احتياجات جمهوريات آسيا الوسطى من المشروعات والمساعدات الاقتصادية، والدور الذي يمكن أن تقوم به دول مجلس التعاون الخليجى في تلبيتها؛ مع ضرورة العناية والاهتمام بتقييم أداء المشروعات والمساعدات الاقتصادية التى تقدمها دول مجلس التعاون الخليجى لهذه الجمهوريات، والوقوف على معوقات التجارة والاستثمار فيما بينهما.

2-ضرورة قيام مجلس التعاون الخليجي بإقامة مركز خليجي دولي للتعاون فى التنمية مع التجمعات والتكتلات الإقليمية والعالمية مثل: آسيا الوسطى ورابطة الآسيان والاتحاد الأوروبى وغيرها؛ على أن يختص هذا المركز بتنسيق السياسات الخليجية الخارجية في مجالات التعاون الفني والتكنولوجي والاقتصادي وهذه التكتلات على غرار ما قامت به بعض الدول فى منطقة الشرق الأوسط فى هذا الشأن (تركيا وإيران وغيرها).

3-زيادة الاستثمارات الخليجية في دول المنطقة؛ تماهياً مع مقتضيات الانفتاح على الأسواق العالمية يتعين على دول الخليج العربي تطوير استثماراتها الخارجية في هذه الجمهوريات من خلال توظيف السيولة المالية الضخمة التي تتركز في صناديقها السيادية؛ والتي بدأت خلال العقد الأخير تضطلع بدور حيوي في تحويل أغلب القطاعات الاستراتيجية الداعمة لنمو وتقدم الاقتصادات الخليجية محلياً ودولياً. مما يدفعنا إلى التوكيد على دور هذه الصناديق، وآثارها على الاقتصاد المحلي فى جمهوريات آسيا الوسطى، وبالتالى زيادة قوة نفوذها في الأسواق العالمية نظرًا لما قامت به من مساهمة فى توجيه الفوائض المالية الخليجية لإنقاذ الدول الصناعية الكبرى من تداعيات الركود والتأزم الاقتصادي الحاد فى أعوام 2008 و2019 و2022م، حتى الوقت الراهن من جهة، وغيرت مقومات الاستثمار عالمياً الذي لطالما هيمنت عليه شركات القطاع الخاص من جهة أخرى؛ وبالتالى ضرورة استثمارأموال هذه الصناديق التى فاق حجم أصولها 7  تريليونات دولار في منتصف عام 2023م.

4-تنظيم اجتماعات وزيارات منتظمة ودورية لوزراء الخارجية والتجارة والاقتصاد والأمن والطاقة من الجانبين بما تحويه من لقاءات ثنائية وخماسية عن مجموعة من الاتفاقات والتحالفات لمواجهة المخاطر والتحديات المشتركة المحيطة بهذه الدول، وكذلك معاونة هذه الجمهوريات فى انضمام اقتصاداتها النامية فى الاقتصاد العالمي؛ والاستفادة من الترتيبات والمنظمات الدولية الناشئة بما يعزز من فرص نموها الاقتصادي ونفوذها الاستراتيجي خارج الدوائر الأمريكية والروسية والأوروبية.

وربما تكون جمهورية كازاخستان هى الحالة المثالية التى يمكن البدء بها حيث تمكنت هذه الدولة خلال فترة العشر سنوات السابقة من تحقيق معدل نمو سنوى تراوح بين 12و15% سنويا، مما قفز بمتوسط دخل الفرد فيها من ثلاثة آلاف دولار في عام 1995م، إلى 13 ألف دولار فى عام 2016م، علاوة على تحقيقها المركز السابع عشر فى مؤشر بيئة الأعمال الذى أصدره البنك الدولي في عام 2017م، خاصة من حيث تراجع معدل إنهاء الإجراءات الإدارية الخاصة ببدء النشاط الاقتصادى إلى يوم واحد فقط؛ وتخفيض معدل الضرائب على المشروعات الاستثمارية و...غيرها من مؤشرات اقتصادية أخرى.

5- يطالب قادة جمهوريات آسيا الوسطى بإقامة صندوق خليجي للتنمية فى آسيا الوسطى على غرار ما قامت به الولايات المتحدة فى أوائل الثمانينات من القرن العشرين مع دولة كوريا الجنوبية، على أن يتم تخصيص موارد هذا الصندوق لتدريب الأيدي العاملة، وإعادة تأهيل الصناعات الاستراتيجية، وتحسين البنية التحتية بالتوسع فى مشروعات إمداد المواطنين بها؛ وتطوير طرق النقل بين المنطقتين وبناء شبكات لوجستية وتجارية قوية وتطوير أنظمة فعالة تسهم في تبادل المنتجات بينهما علاوة على تعزيز التعاون التجاري وتشجيع الاستثمار المشترك.

6- استفادة دول آسيا الوسطى من التجربة الخليجية المتميزة فى تحويل مناطق النزاع للاستثمار المشترك؛ حيث تعيش جمهورية قيرقيزستان وجمهورية أوزبكستان صراع حدود ممتدًا على المنطقة الجغرافية المحيطة بوادى فرغانة، والتى تشهد من فترة لأخرى اشتباكات عسكرية محدودة على جانبي الحدود بين الدولتين بسبب استغلال بعض الأفراد للثغرات الأمنية فى القيام بعمليات تهريب عدة سلع زراعية وغذائية من أوزبكستان وإعادة بيعها مرة أخرى لمواطنى قيرقيزستان بأسعار أعلى مما هي عليه في موطنها الأصلي (بسبب كثافة وزيادة فائض الإنتاج وتدني أسعارها) . وفشلت الجهود الثنائية فى فض هذا النزاع الحدودي، مما استدعى طلب مساعدة الدول المجاورة التى طالبت جمهوريتى أوزبكستان وقيرقيزستان بإجراء المزيد من جولات الحوار والتفاوض الثنائي فيما بينهما. وقد أوصت مجموعة من الخبراء والمتخصصين وزارة الخارجية السعودية بالتدخل لدى الدولتين وإبرام اتفاقية ثلاثية تضم: السعودية وأوزبكستان وقيرقيزستان لتحويل هذه المنطقة إلى منطقة زراعية وصناعية حرة ومؤهلة للتصدير للسوق الخليجية مباشرة خاصة مع قيام عدة شركات خليجية متخصصة فى هذه المجالات بنقل جزء من استثماراتها للعمل فى هذه المنطقة مما يؤدى إلى تخليص الملايين من سكان الدولتين من آفة الفقر، وتعزيز المنهج التعاوني والتكاملي في تسوية نزاعات الحدود بما يكفل نقل التجربة إلى عشرات المناطق ونزاعات الحدود فى الدول الاستراتيجية لمنطقة الخليج بصفة خاصة وللمنطقة العربية عمومًا.

7- وضع آلية لتعزيز تعاون جمهوريات آسيا الوسطى في مجال الأمن الغذائي مع دول الخليج؛ فعلى الرغم من أن دول الخليج العربية مقارنةً بعدد سكانها القليل ومداخيلها المرتفعة، أقل عرضة من الدول الأخرى في الشرق الأوسط لتأثيرات زيادة أسعار المواد الغذائية الناجمة عن أزمة أوكرانيا، غير أنه على المدى المتوسط والبعيد فإن هذه الدول ستواجه تحديات كبيرة فى تحقيق أمنها الغذائي نتيجة تعطل سلاسل الإمداد وتقييد حركة تجارة السلع والمواد الغذائية وبالتالي حدوث تقلبات في  الأسواق العالمية واضطراب سلال التوريد نتيجة حظر بعض الدول تصدير المواد الغذائية إلى الخارج لتفادي مخاطر نقص مخزونها الغذائي من السلع، وهو أمرٌ يدفع دول الخليج إلى إعادة تقييم استراتيجيات تحقيق أمنها الغذائي؛ والنظر فى هذا الشأن لتلبية احتياجاتها من جمهوريات آسيا الوسطى لاسيما من جمهورية كازاخستان الغنية بإنتاج وتصدير القمح.


 

مقالات لنفس الكاتب