array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 189

توجه الاقتصادات الصاعدة لعملة جديدة لتحويل الثقل الاقتصادي إلى الشرق

الثلاثاء، 29 آب/أغسطس 2023

منذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي في عام 1981م، اتجه المجلس إلى إنشاء منطقة التجارة الحرة للدول الستة الأعضاء في المجلس ثم ركز على بناء شراكات اقتصادية إقليمية ودولية من أجل تعزيز قدراته الاقتصادية والسياسة والأمنية ودعم البنيان الاجتماعي مع المحافظة على الإرث الثقافي والحضاري لمنطقة شبه الجزيرة العربية. ونظرًا للتطورات الاقتصادية في ظل نظام العولمة وما طرأ من تجديدات وتغييرات في النظام الاقتصادي الدولي والاتجاه نحو الإقليمية فقد اتجه المجلس إلى عقد شراكات اقتصادية مع العديد من التكتلات والدول الكبرى من أجل دعم الاقتصاد الخليجي. وقد ارتبطت هذه الشراكات بمدي الثقل السياسي والاقتصادي للشركاء، حيث اتجه مجلس التعاون أولا إلى تدعيم علاقاته الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومع زيادة الأهمية الاقتصادية للدول الآسيوية بدأ المجلس في تقوية علاقاته الاقتصادية مع الدول الآسيوية وخاصة الاقتصاديات الصاعدة. ففي هذا الإطار نبحث عن ماهية هذه التكتلات الاقتصادية ومدى أهمية ودور هذه الشراكات الاقتصادية في تحقيق التنمية المستدامة وتوطين اقتصاديات المعرفة والتكنولوجيا المتطورة في دول مجلس التعاون الخليجي.

أهمية الشراكات الاقتصادية ونجاحها المأمول

تقع رفاهية الإنسان على قمة الأولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدول، وبالتالي تقوم الحكومات باتخاذ كل السياسات والإجراءات التي تلبي الاحتياجات الأساسية للإنسان من مأكل ومشرب ومسكن وغذاء وتوفير السلع والبضائع المعمرة ووسائل الترفيه من أجل تحقق هذا الهدف.  ونظرًا لمحدودية الموارد الطبيعية في أي دولة فقد اتجهت معظم الدول إلى البحث عن شراكات اقتصادية للتبادل التجاري والاستثمار والتعاون في مجالات عدة من أجل تعويض النقص في مواردها الطبيعية، في حين اتجه البعض الآخر إلى البحث عن شراكات متعددة الأغراض لتقوية علاقاتها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية مع الدول الكبرى.

ولكي تحقق الدول الخليجية هذه الأهداف خلت في أنواع مختلفة من الشراكات الاقتصادية، منها الاتفاقيات الثنائية بين دولتين مثل اتفاقية التجارة الحرة بين سلطنة عمان والولايات المتحدة واتفاقية التجارة الحرة بين مملكة البحرين والولايات المتحدة والتي تم توقيعهما عام 2009م، اتفاقيات متعددة الأطراف بين عدد كبير من الدول في إطار المنظمات الدولية مثل اشتراك كل الدول الأعضاء في مجلس التعاون في منظمة التجارة العالمية التي تأسست عام 1995م، واتفاقيات إقليمية بين عدد من الدول التي تربطها حدود جغرافية أو لغة وثقافة مشتركة أو عرق واحد مثل مجلس التعاون الخليجي واتفاقية التجارة الحرة بين الدول العربية التي تم توقيها عام 1998م، وتتنوع أهداف وبنود كل اتفاقية أو شراكة اقتصادية حسب اهتمامات وأولويات الدول الأعضاء وطبيعة نظمها السياسية وعلاقاتها ودورها في النظام الدولي. كما تختلف آليات اختيار أي نوع من الشراكات حسب مراحل التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي التي تمر بها الدول، وأهمية ودور هذه الشراكات في بناء الأمة وتطوير مؤسساتها، ودورها في تحقيق التنمية الشاملة والتنمية المستدامة.

يعتمد نجاح هذه الاتفاقيات بشكل أساسي على الآليات التي تحكم بنود هذه الاتفاقيات وتنظيم عملها ومتابعة تطبيق بنودها حسب القواعد والقوانين المنظمة للاتفاقيات الدولية، كما تعتمد على العزيمة السياسية واهتمام القيادات السياسية بضرورة الحفاظ على استمرار هذه الشراكات لخدمة الأهداف السياسية والاقتصادية للدولة. ويجب التنويه أيضًا أن النجاح المأمول لأي شراكة اقتصادية يعتمد على قدرة الدولة وشركائها على استخدام مواردهم الطبيعية والبشرية والتكنولوجية في بناء قاعدة صناعية قوية وتشجيع الاستثمارات البينية خاصة في القطاعات الاقتصادية الواعدة وزيادة التبادل التجاري من السلع والخدمات من أجل تلبية احتياجات الأسواق المحلية والإقليمية. 

دور الشراكات الاقتصادية في تحقيق التنمية المستدامة وتوطين اقتصادات المعرفة والتكنولوجيا

لا يقتصر دور الشراكات الاقتصادية على تعزيز التبادل التجاري بين الدول، بل تسهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتسهيل عملية التحول الهيكلي لاقتصاديات ريعية مثل اقتصاديات دول الخليج. فقد ساعدت هذه الشراكات في سد الاحتياجات الأساسية من المنتجات الغذائية والزراعية والسلع المعمرة والخدمات وكانت آلية مهمة في ضمان الأمن الغذائي، خاصة في فترة جائحة كوفيد-19. ولاستخدام التجارة كوسيلة لتحقيق التنمية المستدامة، فقد أصبحت اتفاقات التجارة الإقليمية أكثر اهتمامًا بالعملية التنموية المنفتحة والشاملة وبمشاركة مجتمعية، بما في ذلك المدافعين عن البيئة والعمال، من أجل إيجاد حلول توافقية للعديد من القضايا مثل العلاقة بين الزراعة والبيئة، والتصنيع والبيئة، والأمن الغذائي والمناخ.

من المتوقع أن تسهم الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية في توطين اقتصاد المعرفة والتكنولوجيا المتطورة من خلال نقل وتطوير المعرفة في الدول الخليجية ومحاولة زيادة نسبة المنتجات المحلية ذات الكثافة المعرفية العالية أي التكنولوجيا العليا لمنافسة مثيلتها التي تصنع في الشركات الأجنبية. يأتي أهمية توظيف الشراكات الاقتصادية في مجال البحث العلمي من أجل التغلب على معوقات التنمية في المجال التكنولوجي الذي عانى لفترة طويلة من ضعف الميزانية المخصصة للبحث العلمي والتطوير والتي لم تتعد 1% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول الخليجية وهي ثلث متوسط النسبة على مستوى العالم. لذا يمكن اعتبار هذه الشراكات آلية مهمة نقل وتوطين المعرفة والتكنولوجيا المطورة نظرًا لضعف قدرة الدول الخليجية على خلق تكنولوجيا محلية والتي تحتاج غالبًا إلى فترة زمنية طويلة واعتمادات مالية ضخمة وجهود علمية كبيرة.

ونظرًا لأن اتفاقات التجارة الحرة تنص على تسهيل نقل التكنولوجيا من الدول الصناعية إلى الدول النامية يجب أن تسعى الدول الخليجية إلى الاستفادة من العديد من الشراكات الاقتصادية في بناء وتطوير قاعدة صناعية قوية تعتمد على التكنولوجيا المتطورة للاستعاضة عن استيراد أجهزة الاتصالات الحديثة والمعدات الإلكترونية المتطورة، ووسائل النقل الحديثة وغيرها. يجب التنويه أيضًا أن الاستفادة من هذه الشراكات سوف توفر أموالاً طائلة وجهدًا كبيرًا على دول الخليج لأن القسط الأكبر من التكنولوجيا في الدول الصناعية نجم عن بحوث وابتكارات ونفقات تقدر بمئات المليارات قامت بها الحكومات والقطاع الخاص، الأمر الذي يصعب على دول الخليج عمله في الوقت الحالي.

أيضًا يجب إدراك أن الثورة التقنية أصبحت أساس اقتصاد المعرفة وأن دور تقنية المعلومات كأهم عناصر التكنولوجيا الحديثة أصبح يتعدى تأثيرها على الإنتاجية ليصل إلى العلاقة بين الاقتصادات المتطورة وبين القطاع العام والقطاع الخاص وليتخطى الحضارات والطبقات الاجتماعية والدول، لذلك يجب على الدول الخليجية الاستفادة من الشراكات الاقتصادية مع الدول الكبرى لتلحق بركب التقدم وعدم ترك الفجوة الرقمية بينها وبين الدول المتقدمة لأن الاقتصاد الرقمي سوف يفتح آفاقًا جديدة أمام مستقبل هذه الدول. فمن أبرز إيجابيات اقتصاد المعرفة أن التكنولوجيا ستغير طريقة الإنتاج والعمل خاصة في القطاعات الزراعية والصناعية واللوجستية، وأن المعلومات أصبحت هي المفتاح إلى عولمة الاقتصاد وشموليته، وأن تقنية المعلومات هي البوابة لجذب الاستثمارات المباشرة عالية الجودة بما تحمله من معرفة وتكنولوجيا وخبرة ورأسمال، كل هذا يمكن أن يساعد على خلق بيئة أعمال تنافسية تسمح للشركات المحلية بالمنافسة في الأسواق الإقليمية وتسهل على الدول الخليجية عملية الاندماج في الاقتصاد العالمي.

 

أهم التكتلات الإقليمية والدولية الكبرى التي تحقق الفائدة الاقتصادية لدول الخليج

تتمتع دول مجلس التعاون بالاشتراك في عدد لا بأس به من الشراكات الاقتصادية مع التكتلات والدول الكبرى، بدأت باتفاقية التعاون الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي عام 1989م، لتأمين إمداد الأسواق الأوروبية بالنفط الخليجي والعمل على استقرار أسواق الطاقة، قبلها بعقد ونصف تقريبًا تم عقد الحوار الأوروبي العربي لزيادة التبادل الثقافي والحضاري بين المنطقتين، ورغم الجهود الكبيرة التي بذلت منذ عام 1995م، لم يتمكن الطرفان الخليجي والأوروبي من توقيع اتفاقية تجارة حرة حتى توقف المفاوضات في عام 2009م،  ومع ذلك كان ولازال الاتحاد الأوروبي من أهم الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون الخليجي. على صعيد آخر، نجح مجلس التعاون في توقيع اتفاقية تجارة حرة مع أربع دول أوروبية غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي (EFTA) عام 2009م، حيث تعتبر سويسرا الدولة الأهم من حيث التبادل التجاري والاستثمار في منطقة الخليج.  

أما عن العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة، فتمثل الولايات المتحدة أحد أهم الشركاء السياسيين والاقتصاديين لدول الخليج، حيث تعتمد الدول الخليجية عليها بشكل أساسي في مجالات التعاون العسكري والأمني لإمدادها بالأسلحة والمعدات العسكرية الحديثة وتوفير الغطاء الأمني من خلال تواجد قواعد عسكرية لحماية مواردها النفطية منذ بداية الحرب الإيرانية العراقية وخاصة بعد غزو العراق للكويت عام 1990م، كما توجد علاقات اقتصادية قوية في مجال الطاقة، حيث تعتبر الاستثمارات الأمريكية في التنقيب واستخراج النفط والغاز هي الأعلى في منطقة الخليج. بالإضافة إلى ذلك، تربط الولايات المتحدة اتفاقيات تجارة حرة مع كل من سلطنة عمان ومملكة البحرين، حيث تسمح هذه الاتفاقيات بدخول المنتجات العمانية والبحرينية إلى الأسواق الأمريكية بدون تعريفات جمركية وتمنح معاملة تفضيلية لمنتجات هذه الدول مما يعزز التبادل التجاري بين الشركاء التجاريين. 

وفي ظل التغييرات الجيوسياسية والاقتصادية في النظام العالمي وصعود اقتصاديات الصين والهند وروسيا وكوريا الجنوبية وماليزيا كقوى اقتصادية صاعدة في السنوات الأخيرة، فقد اتجهت اهتمامات مجلس التعاون إلى الشرق لتلبية احتياجات الاقتصاديات الآسيوية بالنفط والغاز، حيث تستقبل هذه الاقتصاديات أكثر من 60% من صادرات النفط من الخليج. تبين الإحصائيات أن الصين أصبحت الشريك التجاري الأول لدول مجلس التعاون وأن الجانبين يبحثان إمكانية الدخول في مفاوضات لعقد اتفاقية تجارة حرة خلال المستقبل القريب. تهتم أيضًا دول الخليج بتطوير علاقاتها الاقتصادية مع الهند التي تعتبر خامس أكبر اقتصاد في العالم، كما لعب الموقع الجغرافي والامتداد الثقافي والحضاري الذي يربط بين المنطقتين دور هام في دعم العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، خاصة وأن الهند من أكبر مصدري العمالة الماهرة ، حيث يوجد ما يقارب 8 مليون عامل هندي في دول الخليج العربي.

 

الفوائد الاقتصادية للشراكات الخليجية مع منظمة شنغهاي وتجمع بريكس

تقدم منظمة شنغهاي للتعاون فرصًا جذابة للتجارة والاستثمارات لدول الخليج الغنية، كما توفر شراكات في تنفيذ مشاريع واعدة لربط البنى التحتية مثل الطرق وخطوط السكك الحديدية وخطوط أنابيب النفط والاتصالات، بالإضافة إلى الاستثمار في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والموانئ البحرية والكهرباء والزراعة والطاقة الخضراء في إطار مبادرة الحزام والطريق، حيث تسعى الصين من خلال مشروع الحرير الجديد إقامة مشروعات بنية تحتية بما يزيد عن تريليون دولا لإيصال منتجاتها إلى الأسواق الآسيوية والأوروبية والشرق أوسطية.

أما عن الشريك التجاري الأكبر والأهم، يوضح شكل 1 حجم التبادل التجاري بين الصين ودول الخليج للسنوات من 2014 إلى 2021م، حيث بلغ حجم التبادل التجاري في 2016م، ما يعادل 143.2 مليار دولار أمريكي وهو أقل رقم تم تسجيله من بين السنوات الموضحة، وبلغت قيمة الواردات 74.7 مليار دولار أمريكي وقيمة الصادرات اقتربت من 60 مليار دولار أمريكي في العام نفسه. ومن جهة أخرى، بلغ حجم التبادل التجاري أعلى حاجز له في 2021م، حيث وصل 229 مليار دولار أمريكي. وصلت قيمة الصادرات أكثر من 130 مليار دولار أمريكي، وقيمة الواردات 98.3 مليار دولار أمريكي. تأتي هذه الزيادة في حجم تبادل السلع المستوردة والمصدرة بسبب أن حلت الصين محل الاتحاد الأوروبي منذ عام 2020م، وأصبحت أكبر شريك تجاري لمجلس التعاون.

 

شكل 1: حجم التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون (مليار دولار أمريكي)

المصدر: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، 2023م.

 

يوضح جدول 1 قائمة أهم السلع المصدرة للصين لعام م2021، حيث احتل الوقود والزيوت المعدنية القائمة بأكثر من 108 مليارات دولار أمريكي بنسبة 83.3% من إجمالي السلع المصدرة. في حين بلغت صادرات الآلات والمعدات الآلية أقل مستوى في العام نفسه بقيمة 1.1 مليار دولار أمريكي وبنسبة 0.84% فقط. أما بالنسبة للسلع المستوردة من الصين، احتلت الآلات والأجهزة الكهربائية مقدمة السلع المستوردة بقيمة 35.7 مليار دولار أمريكي وبنسبة 36.3%. وسجل البلاستيك ومصنوعاته أدنى مستوى للسلع المستوردة بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي وبنسبة 3.1%.

 

أهم السلع المصدرة لعام 2021 إلى الصين

القيمة

(مليار دولار أمريكي)

النسبة

(%)

أهم السلع المستوردة لعام 2021 من الصين

القيمة

(مليار دولار أمريكي)

النسبة

(%)

الوقود والزيوت المعدنية

108.8

83.3%

الآلات والأجهزة الكهربائية

35.7

36.3%

المنتجات الكيماوية والعضوية

6

4.6%

الآلات والمعدات الآلية

17.7

18%

البلاستيك ومصنوعاته

5.8

4.4%

السيارات والعربات وأجزاؤها

4.2

4.3%

الآلات والأجهزة الكهربائية

2.7

2.1%

الأثاث والمفروشات، مباني مصنعة

3.5

3.6%

الآلات والمعدات الآلية

1.1

0.84%

البلاستيك ومصنوعاته

3

3.1%

بقية السلع

6.2

4.7%

بقية السلع

34.2

34.7%

جدول 1: أهم السلع المصدرة والمستوردة من وإلى الصين لعام 2021

المصدر: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، 2023

 

تربط دول الخليج علاقات تجارية وطيدة مع دول أخرى أعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين دول الخليج والهند ما يقارب 120 مليار دولار أمريكي في العام 2021م، مرتفعًا عن 81.5 مليار دولار أمريكي في 2020م، حيث وصلت قيمة الصادرات أكثر من 93 مليار دولار أمريكي في 2021م، جاء في مقدمتها الوقود والزيوت المعدنية بقيمة 61 مليار دولار أمريكي. من جهة أخرى، بلغت قيمة الواردات 35.8 مليار دولار، ومن أهم السلع المستوردة الذهب والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة بقيمة 6.7 مليار دولار.

في 2021م، بلغ حجم التبادل التجاري بين دول الخليج وروسيا أكثر من 7 مليارات دولار أمريكي مرتفعًا عن 5 مليارات دولار أمريكي في 2020م، حيث بلغت قيمة الصادرات 1.6 مليار دولار أمريكي، جاءت في مقدمتها الآلات والأجهزة الكهربائية بقيمة 0.7 مليار دولار. من الناحية الأخرى، بلغ حجم الواردات 6.1 مليار دولار، ومن أهم السلع المستوردة الذهب والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة بقيمة 2.2 مليار دولار.

 

التعامل بالعملات المحلية وتأثيرها على العلاقات التجارية

 في ظل ارتفاع وتيرة الضغوط السياسية الأمريكية على روسيا والصين ودول الخليج بعد اندلاع الحرب الروسية ـ الأوكرانية ومحاولة تصدي بعض هذه الدول للهيمنة الأمريكية، نلاحظ مؤخرًا أن هناك اتجاه نحو تخلي بعض هذه الدول عن الدولار الأمريكي في المعاملات التجارية. تشير بعض التقارير الصحفية أن السعودية تقوم حاليًا بتسعير بعض مبيعاتها النفطية بالعملة الصينية وتدرس قبول اليوان الصيني بدلاً من الدولار في مبيعات النفط للصين، في أول تحرك من نوعه من قبل السعودية للحد من هيمنة الدولار على سوق النفط العالمية. كذلك وقعت الهند والإمارات اتفاقًا في 16 يوليو 2023م، يسمح بتسوية المعاملات التجارية باستخدام الروبية الهندية والدرهم الإماراتي بدلاً من الدولار. تأتي هذه الخطوة ضمن جهود الهند لخفض تكاليف المعاملات عبر الاستغناء عن التحويلات بالعملة الأمريكية.

على الرغم من أن هذه المحاولات للحد من الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي تتم على مستوى محدود وفي نطاق ضيق ضمن نظام المقايضة، خاصة وأن التعامل بالعملات المحلية سيبقى محدودًا بين الطرفين ولا يعني في أي حال من الأحوال أنها أصبحت عملة للتبادلات التجارية على نطاق دولي، إلا أنها تظهر بداية لتوجه جديد لدي الاقتصاديات الصاعدة للبحث عن عملة دولية جديدة أكثر قبولًا لدي الدول الآسيوية التي تسعى إلى تحويل مركز الثقل المالي والاقتصادي العالمي من الغرب إلى الشرق خلال العقدين القادمين. وقد ذكرت بعض التقارير الاقتصادية أن محاولة دول بريكس إنشاء عملة جديدة في إطار سعيها إلى التخلص من هيمنة الدولار الأمريكي يعد خطوة أفضل بكثير من استخدام إحدى العملات المحلية لتلك الدول في المعاملات التجارية، خاصة وأن الوقت أصبح مناسبًا لتوظيف القدرات والإمكانيات السياسية والاقتصادية والمالية لهذه الدول في التحرك نحو خلق نظام سياسي دولي جديد متعدد الأقطاب.

ولكن السؤال هنا – هل تمتلك دول بريكس المقومات المالية والاقتصادية اللازمة لخلق نظام مالي دولي جديد في الوقت الحالي؟ الإجابة بالنفي طبعًا، لأنه رغم الاضطرابات الشديدة التي شهدتها الاقتصاديات الأوروبية والأمريكية خلال فترة جائحة كوفيد-19 وأزمات كبرى مثل الطاقة والغذاء والتضخم العالمي إلا أن الإحصائيات تؤكد وبشكل قاطع هيمنة عملتي الدولار الأمريكي واليورو على النظام المالي الدولي. على سبيل المثال، تؤكد الإحصائيات في أغسطس 2022م، أنه تم إجراء 43% من المدفوعات العالمية بالدولار الأمريكي، و34% باليورو، في حين بلغت المدفوعات العالمية بالعملة الصينية 2% فقط من إجمالي المدفوعات العالمية.  

 

السؤال الثاني والأهم – ما مدى استفادة دول الخليج من استخدام العملات المحلية أو عملة جديدة غير الدولار؟  تؤكد دروس علم الاقتصاد السياسي أن جميع العملات الأساسية لم تظل عملات دولية إلى الأبد، وأن الدولار الأمريكي أخذ عقودًا لكي يحل محل الجنيه الاسترليني كعملة احتياطي عالمي بعد الحرب العالمية الثانية. إن التغييرات الجيوسياسية والارتباكات الاقتصادية المعقدة التي يشهدها العالم حاليًا ربما تساعد على ضعف الدولار في السنوات القادمة ولكنها من وجه نظري لن تؤدي إلى انهيار الدولار على المديين القصير والمتوسط، وأنه في حالة انهيار الدولار فمن المتوقع أن يحل اليورو محل الدولار نظرًا لقوة اليورو في التعاملات التجارية الدولية وأنها الأكثر رصيدًا وثباتًا وقبولًا من أي عملة أخرى في الاحتياطات الأجنبية لمعظم دول العالم. يجب أيضًا التنويه بأن التغيير من عملة إلى عملة ثانية جديدة يستغرق سنوات عديدة، بل عقودًا من أجل ثبات واستقرار العملة الجديدة أو الهيكل البديل للدولار.

من ناحية أخرى، من الصعب جدًا على دول الخليج التخلي عن الدولار الأمريكي نظرًا لأنها تبيع نفطها الخام بالدولار، وتملك احتياطات أجنبية ضخمة منه، إضافة إلى أنها تربط عملاتها به وهو ما يحافظ على استقرار أسعارها في أسواق الصرف. إن ما تقوم به بعض الدول من استخدام عملاتها المحلية في التعاملات ما هي إلا مراوغة سياسية لتخفيف الضغوط السياسية التي تمارسها الولايات المتحدة عليها وأنه في حالة إصدار عملة دولية جديدة فإن دول الخليج سوف تكون أخر الدول التي تسعى إلى تقليص احتياطاتها النقدية الأجنبية بالدولار أو فك الارتباط بالعملة الأمريكية.

 الجدير بالذكر أن دول الخليج لديها أرصدة مالية ضخمة تقدر بعشرات التريليونات بالدولار الأمريكي في بنوكها المركزية وصناديقها السيادية ومدخراتها في البنوك بالولايات المتحدة والدول الأوروبية والآسيوية وأن أي تحرك نحو فك الارتباط بالدولار سوف يؤدي إلى ضعف أو فقدان جزء كبير من قيمة العملات الخليجية واضطرابات كبيرة في الاقتصاد الخليجي، من الصعب التنبؤ بمدي إمكانية السيطرة عليها وكيفية تقليل الخسائر المادية في ظل محدودية مصادر الدخل غير النفطية نظرًا لبطء عملية التنويع الاقتصادي. لذلك أرى أنه لن يحدث أي تغيير جوهري في النظام المالي والتجاري في دول الخليج، وأنه في حالة وجود رغبة سياسية في فك الارتباط بالدولار أن يتم ذلك بشكل بطيء جدًا وتدريجي وعلى المدى الطويل حتى يمكن تجنب أي خسائر ممكنة.

 أود التنبيه أيضًا إلى أن مدى استفادة دول مجلس التعاون من التكتلات والاقتصاديات الكبرى يعتمد بشكل أساسي على قوة ومتانة الكيان المؤسسي لمجلس التعاون الخليجي وليس على ما تحصل عليه من امتيازات ومعاملات تفضيلية. فبعد مرور أكثر من أربعين عام على إنشاء المجلس مازال الإطار المؤسسي ضعيف والتكامل الاقتصادي متواضع، حيث لم تتعد التجارة البينية بين دول المجلس 16% من إجمالي تجارتها مع بقية العالم مقارنة بنسبة تجارة بينية تصل إلى 76% بين دول الاتحاد الأوروبي، مما يؤكد على ضرورة إعادة تقييم شاملة للكيان المؤسسي والسياسات الاقتصادية والمالية والتجارية حتى يستطيع مجلس التعاون أن يلعب دورًا محوريًا في النظام الاقتصادي الدولي.

مقالات لنفس الكاتب