array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 189

انضمام السعودية لشنغهاي والبريكس يمنحها المساهمة في إعادة هندسة النظام الدولي

الثلاثاء، 29 آب/أغسطس 2023

تعرف البيئة الدولية الراهنة تجاذب وتعايش بين مقاربتين متناقضتين، تتفاعل في حركية ديناميكية متقاطعة باتجاه إعادة ترتيب النظام الدولي القادم من حيث طبيعة التفاعلات، الفواعل والوحدات الدولية المؤثرة في تحديد الاتجاهات المستقبلية لطبيعة النظام الدولي القائم، وأخيرًا، الهياكل والمؤسسات والأبنية الدولية الجديدة التي ستضبط الاستقرار الدولي. المقاربة الأولى ذات الطابع التقليدي، ترتكز على أسس الجيوبوليتيكا التي تدفع بالقوى الاستراتيجية الكبرى على التفاعل فيما بينها في إطار البيئة النزاعية والعدوانية، باستخدام أدوات القوة الصلبة، لتحقيق المكاسب الحيوية ذات البعد العالمي، التي تدور كما يسميه علماء الجيوبوليتيكا حول المحور الجغرافي للتاريخ، ويمكن أن نختزل الحرب الروسية-الأوكرانية-الأطلسية ضمن هذا المحور التقليدي، القائمة على مقولة :" من يسيطر على أوراسيا سوف يتحكم في إدارة العالم"، لما تمتلكه القارة الأوراسية من مجالات حيوية وموارد ذات بعد عالمي واصطفاف مجموعة من اللاعبين الجيوستراتيجيين والمحاور الجيوبوليتيكية في هذا المحور الجغرافي للتاريخ. بينما المقاربة الثانية، تقوم على أسس الجيواقتصادية، التي تعتمد على التكتلات والشراكات الاقتصادية الكبرى، وطبيعتها تعاونية، وقاعدتها الاستثمارات المالية الضخمة بحثًا عن الأسواق الموحدة العملاقة والاندماج المالي والتكنولوجي. ولعل أهم ملاحظة في التفاعل بين المقاربتين، الجيوبوليتيكية والجيواقتصادية، إن نفس اللاعبين الدوليين يقومون بأدوار وفق النمطين وفي تحالفات متناقضة، على سبيل المثال، إذا أخذنا النمط التفاعلي الجيوبولتيكي في السنتين الأخيرتين، فإننا نجد أستراليا منضوية في الحلف الأمني الاستراتيجي الجديد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ المسمى "يوكوس"، والذي يضم كل من الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا وأستراليا، هدفه الاستراتيجي تقويض القوة البحرية الصينية في المنطقة. في الوقت ذاته، فإن أستراليا في إطار التفاعل الجيواقتصادي مندمجة في اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية الذي يضم الصين، التي دخلت حيز التنفيذ في يناير 2022م، وتضم خمس عشرة دولة، من ضمنها الدول العشرة الأعضاء في رابطة جنوب شرق آسيا (الآسيان). نفس الأمر بالنسبة للهند، ففي إطار التفاعل الجيوبولتيكي، فإنها تشارك في الحوار الأمني الرباعي المعروف اختصارًا بـ"كواد"، الذي يضم كل من الهند، الولايات المتحدة الأمريكية، أستراليا واليابان، حيث تعتبر الصين هذا الحلف بمثابة "حلف أطلسي مصغر" موجه ضد مصالحها الاستراتيجية في المنطقة في إطار الصراع الجيوسياسي مع الولايات المتحدة الأمريكية، من جهة، والنزاع الصيني-الهندي البحري حول جرف دوكلام، من جهة أخرى. وفي المقابل فإن الهند تعد إلى جانب الصين إحدى القوى الاقتصادية الفاعلة في منظمة شنغهاي للتعاون وتكتل البريكس، بحيث تشكل الهند ثاني قوة اقتصادية بعد الصين داخل هذا التكتل. وانطلاقًا من هذه الملاحظات العامة لطبيعة التفاعلات الدولية القائمة بين المقاربتين الجيوبوليتيكية والجيواقتصادية، نتساءل عن أهمية وتداعيات الشراكات الخليجية مع التكتلات الاقتصادية الكبرى من حيث المكاسب الاقتصادية والسياسية بصفة عامة، وعن مستقبل الشراكة السعودية مع منظمة شنغهاي وتكتل البريكس كنموذج لذلك.

أولاً: الشراكات الخليجية مع التكتلات والدول الكبرى: الدوافع والمكاسب.

إن إجراء دراسة ميدانية مقارنة لأهمية ودوافع التكتلات الاقتصادية الكبرى وأهمية الشراكات مع الدول الكبرى، تظهر لنا مجموعة من الأهداف المشتركة التي تكتسبها الدول في إطار الاعتماد المتبادل التي زادت حدته في عصر عولمة الاتصالات والثورة التكنولوجية الرقمية التي اختزلت المسافات الزمنية وقربت من البعد الجغرافي، إذ انتقلنا من عصر القرية العالمية إلى عصر البيت العالمي المشترك.

في دراسة للكاتب الصيني، تشو مي، حول اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية، التي نشرت في صحيفة، الصين اليوم، في 30 مارس 2022م، يتضح بأن أول الدوافع التي تظهر في هذا التكتل الذي يضم خمسة عشر دولة من شرق آسيا والمحيط الهادئ، أنها تهدف إلى تعزيز مكانتها الاقتصادية والمالية في العالم، بحيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي للآسيان سنة2020م، ما يقارب 3 ترليونات دولار أمريكي، بينما وصل الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية ما يقارب 30 ترليون دولار أمريكي في نفس الفترة، وهو ما يمثل عشرة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للآسيان، وما يقدر بـ 30 % من الاقتصاد العالمي. كما أن من بين الأهداف المنتظرة من هذه الشراكة أن تتحول إلى منصة تنافسية لتحسين وإعادة تنظيم سلاسل التوريد الإقليمية، وحصول الشركات على تعريفات تفضيلية وخفض الحواجز الجمركية. ووفق التقديرات الصينية، فإن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية في ميادين التجارة، الاستثمار والخدمات تتيح فرص الانفتاح أفضل بكثير من التزامات الصين في منظمة التجارة العالمية، بحيث يتجاوز مستوى التعريفة الجمركية الصفرية الفورية بين الصين ودول الاتفاقية 65 %، وفي العشر سنوات القادمة، آفاق 2032م، سيحقق الأعضاء تعريفة صفرية على 90 % من المنتجات. والملاحظ، أن تكتل الاتفاقية الاقتصادية الشاملة الإقليمية تركت الباب مفتوحًا لتوسع أعضاءها، بحيث يمكن لجميع الدول أو المناطق الجمركية المستقلة التي تتوافق والمبادئ والقواعد التنموية المتفق عليها في التكتل، أن تنضم إلى الاندماج المرن ابتداء من أول يوليو 2023م، وهو ما يقدم فرصة مناسبة لدول مجلس التعاون الخليجي للانضمام في أقرب الفرص المناسبة كمجموعة اقتصادية، أو كدول منفردة لهذا التكتل، لما تملكه هذه الأخيرة، من قوة اقتصادية مستقبلية. وتكمن هذه القوة الاقتصادية فيما أكدته الدراسة الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية حول هذا التكتل، الذي اعتبرته بأنه أكبر تجمع تجاري في العالم بحجمه الاقتصادي الذي يمثل ثلث الإنتاج الداخلي الخام العالمي، وعلى سبيل المقارنة مع التجمعات الاقتصادية الإقليمية الكبرى من خلال حجم الإنتاج الداخلي العام العالمي، فإن التكتل التجاري لجنوب أمريكا" ميركوسور" يمثل 2.4 %، منطقة التبادل الحر للقارة الإفريقية 2.9 %، الاتحاد الأوروبي 17.9 %، واتفاق النافتا بين و.م.إ المكسيك وكندا 28 %. وعليه، فإن التكتل التجاري لمجموعة الاتفاقية الاقتصادية الشاملة الإقليمية يفوق حجمه 30 %، مما يجعله مركز ثقل التجارة العالمية، حيث ثقل المؤشرات كانت واضحة منذ 2019م، من خلال حجم التبادلات التجارية التي بلغت 2300 مليار دولار، وبمجرد دخول التحفيزات الجمركية مع مطلع 2022م، ستتزايد نسبة الصادرات بـ 2 %، أي بحوالي 42 مليار دولار. والسهولة التي تتوفر لدول مجلس التعاون الخليجي للانضمام إلى هذه القوة التجارية والاقتصادية، أنها ترتبط بعشرة دول منها، التي تشكل رابطة الآسيان، بمذكرة تفاهم وتعاون منذ 2009م، تعكس إرادة ورغبة الطرفين في تحسين العلاقات التجارية والتعاون الاقتصادي، مع عقد اجتماعات دورية بين التكتلين، رغم ضآلة الواردات الخليجية من منطقة الآسيان التي لم تتجاوز 6 % في الفترة بين 2016-2020م، إلا أن توسيع التكتل إلى الاتفاقية الاقتصادية الشاملة الإقليمية يجعل الاستثمارات تتضاعف أكثر من 14 مليار دولار التي سجلتها دول الخليج في الفترة 2016-2021م،مع تكتل الآسيان.

دائما في إطار المكاسب التي يمكن أن تجنيها دول الخليج من الشراكات مع التكتلات والدول الكبرى، فإننا يمكن أن نسقط المكاسب العشرة التي طرحتها منشورات الاتحاد الأوروبي في دراستها حول فوائد اتفاق الشراكة الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والبلدان الإفريقية والكاريبي والهادي، وتتمثل في العناصر العشرة التالية: فتح فرص عمل جديدة، استفادة البلدان من جذب المزيد من الاستثمارات، مواجهة المنافسة من خلال إنشاء فروع جديدة للنشاطات المهنية، تقليص تكاليف الصادرات والواردات لاستفادة الدول الشريكة من التحفيزات الجمركية وتخفيض الإجراءات الإدارية، حماية المنتجين المحليين خصوصا في المنتجات الحساسة مثل المنتجات الغذائية، دعم إنتاج وتصدير المنتجات التحويلية ذات القيمة المضافة الكبيرة عوض عن تصديرها كمنتجات أولية وخامة، تشجيع الفلاحين للبلدان الشريكة من ولوج السوق المشتركة مع مرافقتها بتحسين معايير الأمن الغذائي والصحة الحيوانية والنباتية، ترقية أكبر للعلاقات مع البلدان المجاورة لتسريع عملية الاندماج الاقتصادي من خلال تشجيع سلاسل التوريد الجهوية، ضمان تقاسم القيم والمعايير المتعلقة بقوانين علاقات العمل وحماية البيئة والحوكمة، عاشرًا وأخيرًا، فإن المكسب الكبير يتمثل في المواجهة الجماعية للتحديات العالمية في مجال الأمن البيئي، الصحي والغذائي.

ثانيًا: الشراكة الخليجية مع منظمة شنغهاي وتجمع البريكس: نحو السلام الجيواقتصادي

تمثل منظمة شنغهاي للتعاون وتكتل البريكس نموذجين قويين لطبيعة التحولات العالمية الراهنة، حيث مقاربة السلام الجيواقتصادي تطرح نفسها في واقع التفاعلات الدولية كخيار عملي وعقلاني، بديلاً عن السلام الإمبراطوري الغربي التقليدي القائم منذ العهد الروماني والبريطاني-الأمريكي على منطق الهيمنة والنزاع على البحار والمحيطات وبناء التحالفات العسكرية وتطويق الخصوم بالقواعد العسكرية والأحلاف الأمنية التي تشكل أسس التفاعلات الجيوبوليتيكية. والملاحظ في منظمة شنغهاي، أنها قاربت بين الخصوم الجيوستراتيجيين بمنطق الترابط الأمني المشترك في البداية للتوسع إلى السلام الجيواقتصادي من خلال الاعتماد المتبادل وتقاسم المشاريع والمنافع التنموية والاقتصادية والتجارية. كان ولازال بين روسيا والصين قضايا جيوسياسية حيوية قائمة لكن تم تذويب معظمها بالمشاريع المشتركة والسلام التنموي المتبادل. كما أن بين الهند وباكستان نزاعات جيوسياسية أدت بهما إلى أربعة حروب عنيفة ودموية ونزاعات حدودية حول كشمير لامتناهية، وكل هذه الحروب والنزاعات لا تزال مجمدة بسبب منطق السلام البريطاني الذي فرض التقسيم الطائفي لشعوب العالم، ورغم ذلك فإن كل من نيودلهي وإسلام أباد انضمتا إلى منظمة شنغهاي للتعاون في أول توسيع للمنظمة، سنة 2017م، بعدما كانتا تتمتعان بصفة عضوية المراقب في المنظمة. وعليه، فإن الانضمام الإيراني إلى منظمة شنغهاي بكامل العضوية في قمة سمرقند 2022م، بعد ستة عشر سنة من حصولها على عضوية مراقب في المنظمة، وانتظارها قبول العضوية منذ طلبها سنة 2008م، يشكل اتجاهًا لتغليب المصالح الاقتصادية على النزاعات الجيوسياسية في منطقة الخليج العربي والمنطقة العربية، ومؤشراتها البارزة قبول الوساطة الصينية في المصالحة السعودية-الإيرانية، وهو ما يشكل فرصة استراتيجية للتقارب السعودي-الإيراني للتكيف مع التحولات العالمية السريعة في منطقة آسيا التي تسعى لفرض قيم السلام الجيواقتصادي.

يطرح السلام الجيواقتصادي مجموعة من الإغراءات التكاملية والاندماجية لصالح دول مجلس التعاون والدول العربية، وهي نفس المكاسب التي سبق وتم تعدادها في تجربتي الاتفاقية الاقتصادية الشاملة الإقليمية والشراكة الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والبلدان الإفريقية والكاريبي والهادي. وفيما يخص منظمة شنغهاي للتعاون، فإنها تطرح منافع ومكاسب متعددة بالنسبة للدول العربية التي تسعى للانضمام إليها، قطر ومصر، تحصلتا في قمة سمرقند 2022م، على صفة شريك للحوار للمنظمة، وفيما بعد منحت نفس الصفة للسعودية والبحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة، وهي الصفة التي كانت تتمتع بها تركيا العضو الأساسي والشريك الإستراتيجي للحلف الأطلسي. ويعني صفة شريك للحوار في منظمة شنغهاي للتعاون أنها تتمتع بصلاحية المساهمة في الاقتراحات دون المشاركة في مسار اتخاذ القرارات داخل المنظمة.

أول هذه المكاسب في الشراكة مع منظمة شنغهاي للتعاون أن اقتصاديات دول الخليج ستستفيد من الممرات والطرق التجارية العملاقة، مثل شبكة الخطوط البرية والبحرية " الشمال الجنوب"، الممتدة على طول 7200 كلم، التي تنطلق من بومباي الهندية وتمر عبر المحيط الهندي ومنطقة الخليج العربي مع بحر قزوين مرورًا بإيران، لتمر عبر سان بطرسبرغ الروسية لتمتد إلى شمال أوروبا إلى غاية فنلندا. يضاف إلى ممر "الشمال والجنوب" مشروع الحزام والطريق الصيني التي اندمجت فيه دول الخليج لمواءمة مشاريعها التنموية المستقبلية الخليجية، رؤية المملكة السعودية 3030م، ورؤية قطر 2030م، ورؤية الكويت 2035 ورؤية عمان 2040م، وهي مشاريع تستمد قوتها المستقبلية من الشراكات الجيواقتصادية العملاقة التي تقودها الصين، حيث التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي ارتفع سنة 2021م، إلى 230 مليار دولار، بما يمثل ثلثي التبادلات التجارية الصينية-العربية وأربعة أضعاف التبادل التجاري الخليجي -الأمريكي.

ثاني المكاسب التي يمكن أن تجنيها الدول العربية والخليجية من انضمامها إلى منظمة شنغهاي للتعاون، أنها ستتعامل مع أكبر حجم وسوق اقتصادي عالمي في منطقة أوراسيا، بحجم ديمغرافي بالمفهوم الاقتصادي ما يقارب 50 % من سكان العالم بحوالي 3.4 مليار مستهلك، الصين والهند لوحدهما يقارب عدد سكانهما 3 مليارات نسمة، وفق تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان لسنة 2023م. وتشكل منظمة شنغهاي للتعاون من ناحية الجغرافيا السياسية، ثلثي مساحة أوراسيا بثقل اقتصادي يقارب ثلث إنتاج الاقتصاد العالمي. وهي تعرف بالمنطقة الأكثر نموًا وديناميكية تجاريًا واقتصاديًا، حسب المعطيات الإحصائية لتقرير تنمية التجارة لمنظمة شنغهاي للتعاون خلال عشرين سنة (2001-2021م)، تبين تلك الحركية السريعة حيث انتقلت نسبة التبادلات التجارية من 5.4% بحجم يقارب 670 مليار دولار سنة 2001م، إلى نسبة 17.5% عام 2021م، بحجم وصل إلى أكثر من 6 ترليونات دولار. وتتيح الديناميكية الاقتصادية بين دول منظمة شنغهاي للتعاون لدول مجلس التعاون الخليجي فرص حيوية للتجارة والاستثمارات والمشاركة في المشاريع المترابطة الضخمة للبنية التحتية المتعلقة بالطرقات والسكك الحديدية وأنابيب الطاقة والاتصالات. ويمكن للمشاريع الخليجية المستقبلية أن تستفيد من المشاريع الاستثمارية المشتركة التي تم تسطيرها لاسيما في الميدان التكنولوجي، الذكاء الاصطناعي، الموانئ البحرية، الكهرباء، الفلاحة والطاقة الخضراء.  وتعد الصين القطار الذي يقود هذه المشاريع الضخمة داخل منظمة شنغهاي أو في الاتفاقية الاقتصادية الشاملة الإقليمية أو في إطار البريكس، وعليه، فإنه فضلاً عن الحجم المعتبر للتبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، فإنها تعد أول مستثمر في العالم العربي بقيمة مالية وصلت إلى 140 مليار دولار في منطقة الخليج لوحدها، وتشير المعطيات أن المملكة العربية السعودية تعد المستفيد الأول في إطار مبادرة رؤية 2030. هذه المؤشرات تساهم بشكل كثيف في الاندماج السريع لدول مجلس التعاون الخليجي في المشاريع الجيواقتصادية الآسيوية.

ثالثًا: انضمام المملكة العربية السعودية لمنظمة شنغهاي للتعاون، وتجمع البريكس: الأهداف والمكاسب.

في إطار توجه السياسة الخارجية السعودية التي تسعى إلى تنويع شركاءها الاستراتيجيين ودعم نظام دولي متعدد الأطراف قائم على التوازن بين المبادئ والمصالح المتبادلة، وضمن الخيار الاستراتيجي لرؤية 2030 القائم على تنويع مصادر الاقتصاد، فإن المسعى السعودي للانضمام إلى منظمة شنغهاي وتجمع بريكس يعكس في تقديري، الإيمان بمستقبل السلام الجيواقتصادي الذي يبني السلام العالمي بتجسيد ترابط المصالح المشتركة بين اللاعبين الجيواستراتيجيين، فمن جهة، تعكس ثقل الرياض المالي والطاقوي داخل مجموعة العشرين، التي تعد المنتدى الأول للتعاون الاقتصادي الدولي، حيث تتمتع بقوة الاقتراح في القضايا التنموية العالمية التي تشمل التجارة وتغيير المناخ والتنمية المستدامة وغيرها من القضايا العالمة ذات الهم المشترك. وانضمامها إلى منظمة شنغهاي وتجمع البريكس، يمنحها مكانة المحور الجيوستراتيجي الذي يساهم في إعادة هندسة وترتيب قواعد النظام الدولي في بعده الاقتصادي والمالي والتجاري لما تملكه من علاقات اقتصادية متميزة مع القوى الفاعلة داخلة المنظمتين، وتمكنها قدرتها الدبلوماسية على دفع العلاقات العربية-الصينية الآسيوية في هذا الاتجاه، فمثلاً، استضافت الرياض المنتدى الاقتصادي العربي-الصيني العاشر، في يونيو 2023م، بحضور 3500 صانع قرار وممثلين للمؤسسات الاقتصادية العربية- الصينية، في اليوم الأول منه، وقعت السعودية والصين على اتفاقيات للاستثمار بقيمة 10 مليارات دولار، تغطي ميادين التكنولوجيات الجديدة، الطاقات المتجددة، الفلاحة، العقار الموارد المنجمية والسياحة. واللافت للانتباه، أن نصف القيمة المخصصة وجهت إلى ميدان الصناعات المستقبلية من خلال إنشاء مشروع مشترك لصناعة السيارات الكهربائية بقيمة 5.6 مليار دولار مع الشركة الصينية هيومان هوريزانز Human Horizons، يهدف المشروع المشترك إلى تطوير الأبحاث وتصنيع وبيع المركبات المستقبلية، وحتمًا سيكون فضاء منظمة شنغهاي للتعاون أكبر سوق للاستهلاك لهذا النوع من المركبات، بما يعود بالفائدة على الطرفين. وهذا المشروع سيزيد من تعميق الشراكة بما يخدم استراتيجية تنويع الاقتصاد التي تنتهجها السعودية، فضلاً عن أهمية الصين بالنسبة للشراكة التجارية السعودية حيث تمثل أول شريك تجاري لها بحجم الصادرات السعودية إلى الصين بلغت 78 مليار دولار ما يمثل نسبة 18% في سنة 2022م، وحجم الواردات بمبلغ 38 مليار دولار تمثل نسبة 22 %.

إلى جانب الصين التي تمثل مركز الثقل الاقتصادي والمالي داخل منظمة شنغهاي للتعاون وتجمع البريكس، فإن العلاقات الاستراتيجية بين السعودية والهند تشكل حافزًا لإنجاز الأهداف الاستراتيجية للرياض، رؤية 2030، حيث تعتز الهند بهذه الشراكة من دوافع أساسية، القرب الجغرافي، التوافق الثقافي والتحديات المشتركة، وانضمامهما المشترك في مجموعة العشرين الاقتصادية، وسعيهما للمشاركة في الشراكة مع القوى الاقتصادية الصاعدة. تعد السعودية رابع شريك تجاري للهند بعد الصين، الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، ومصدرًا حيويًا للأمن الطاقوي الهندي التي تستورد 17% من حاجياتها من النفط السعودي. وانضمامها إلى منظمة شنغهاي للتعاون والبريكس يعطيها الفرص أكبر للاستثمار المشترك في المجالات التي يوفرها الاقتصاد الهندي، فحسب المعطيات الهندية الرسمية، فإنه ما بين أبريل 2000 إلى ديسمبر 2022م، بلغ حجم الاستثمارات السعودية 3.15 مليار دولار، تأتي في المرتبة 19 من حيث الاستثمارات الأجنبية في الهند. ولا تخفي الهند عزمها وإرادتها على توسيع الشراكة وتنميتها، وهذا ما تعكسه الشراكة الاستراتيجية بين البلدين منذ 2010م، التي تم تعميقها أثناء زيارة ولي العهد السعودي إلى نيودلهي في سبتمبر 2019م، بإنشاء مجلس للشراكة الاستراتيجية عالي المستوى يترأسه ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء الهندي. وتم تحديد أكثر من 40 فرصة للتعاون المشترك والاستثمارات في مختلف القطاعات في الورشة المشتركة بين مركز"نيتي آيوغ" الهندي والمركز السعودي للشراكات الاستراتيجية الدولية التي أقيمت في الرياض. وكلا البلدين اتفقا على تكييف رؤيتهما الاستراتيجية بما يخدم تكريس التعاون التجاري والاستثماري من خلال "رؤية السعودية 2030 والبرامج الهندية الرائدة على غرار" اصنع في الهند" و"المدن الذكية" و"الهند النظيفة" و"الهند الرقمية".

خاتمة القول، أن مستقبل النظام الدولي تحدده الإرادات الحسنة وإدراك القوى الفاعلة فيه بأن السلام الجيواقتصادي أكثر استقرارًا للدول والمجتمع الدولي من الأنانيات الضيقة للإمبراطوريات التي تركت للبشرية تاريخًا مأساويًا وويلات من الحروب والدمار كما جاء في ديباجية ميثاق الأمم المتحدة: فهل يتفوق العقل البشري على التحديات العالمية المشتركة بلي عنق الجيوبوليتيكا لصالح السلام الجيواقتصادي؟


 

مقالات لنفس الكاتب