تتناول هذه المقالة، عددًا من الأفكار المترابطة المهمة التي توضح أهمية الشراكات التي تقيمها الدول العربية مع التكتلات والدول الكبرى، ونجاحها المأمول وفوائدها على التنمية المستدامة وأهمية تنويعها على توطين إقتصادات المعرفة والتكنولوجيا في الدول العربية، وبشكل خاص مجلس التعاون الخليجي، وزيادة المبادلات التجارية وكذلك فوائدها على علاقات دول مجلس التعاون الاقتصادية والسياسية، على المستوى الإقليمي والدولي وكيف تستفيد المنطقة العربية من هذه الشراكات.
إذ اتجهت كثير من الدول المتقدمة نحو صنع اقتصاد المعرفة بواسطة التنمية المستدامة لمجتمعاتها، و ركزت على أفراد المجتمع بإعتبار الإنسان هو المحرك الرئيسي للتقدم العلمي والتكنولوجي، الاقتصادي و الاجتماعي، و الاستثمار في تنمية القدرات الإنسانية و الموارد البشرية يكون من خلال التعليم و التدريب، و التوجه نحو تنمية قدرات الإبتكار و الإختراع و المعرفة هو بمثابة دفع لعجلة التنمية التكنولوجية، بالتالي دفع للنمو الاقتصادي و الاجتماعي، إذ تنبهت الدول و المنظمات إلى العائد المباشر للاستثمار في التعليم واتجهت الدول المتقدمة و الشراكات، إلى إستحداث أساليب جديدة للتعليم و التدريب تتماشى مع التطور التكنولوجي و تدعمه لتوفير مخرجات وكفاءات جديدة لسوق العمل، إذ يؤثر الإقتصاد المعرفي في التنمية المستدامة في جانبها البشري من خلال تعزيز الإمكانات البشرية، و خلق الإبتكار والإبداع و التعليم و إكتساب المعرفة و محاربة الفقر والتقليل من البطالة .
إن واقع الإقتصاد المعرفي في الدول العربية، رغم توفر كل المقومات الأساسية لاقتصاد المعرفة من الموارد المالية ( مداخيل البترول و الغاز )، و توفر الخدمات المعلوماتية الحديثة و إنتشارها بشكل كبير في معظم الدول العربية، إلى أن واقع الحال في الدول العربية، يؤكد حقيقة النقص الكبير في القدرات التي تسببها عدم كفاية نظم التعليم و كذلك إنخفاض الاستثمار و بشكل كبير مجال البحث و التطوير ، كما أن استخدام المعلوماتية أقل من الدول المتقدمة في العالم إذ أن ما يحتاجة الوطن العربي هو توافر الإرادة السياسية للاستثمار في القدرات البشرية و المعرفية في معظم الدول العربية و ضرورة زيادة الإنفاق على التنمية لتستفيد قطاعات الصحة والتعليم و البحث العلمي و التقني وإعطاء العامل الإنساني ما يستحقه من اهتمام، و يمكن حصر أسباب تراجع القدرات في إنتاج عناصر المعرفة في الدول العربية يعود إلى انخفاض مستوى التعليم و ضعف أداء البحث و التطوير ، و الاهتمام الزائد بالمواقع الإدارية والابتعاد عن النشاطات الفاعلة والهادفة في المجال العلمي و تواضع ما يتم إنفاقه على البحث و التطوير في الدول العربية، إضافة إلى استيراد المعرفة الجاهزة الممثلة في استيراد وسائل الإنتاج التي لا تعني أو تمثل نقلاً حقيقيًا للتكنولوجيا .
استحوذ موضوع التنمية المستدامة على أهمية كبيرة على جميع الأصعدة إذ أصبحت فكرًا شاملاً، لكن رغم انتشاره الواسع والسريع، إلى أن تفاعلها مع الاقتصاد المعرفي في الدول العربية، ما زال يحتاج إلى مزيد من التطوير والتفاعل، إذ ارتبط مفهوم التنمية المستدامة بالاقتصاد المعرفي والتكنولوجي الذي عمل على تطويرها للتطور المعلوماتي الحديث، إذ رغم ذلك هناك إنخفاض في مستوى الاقتصاد المعرفي في معظم الدول العربية، رغم امتلاكها لكل مقومات النجاح، والسبب النظرة غير الدقيقة للمعلومة وسوء استخدامها.
إن الفوائد والمكاسب والتحديات السياسية والاقتصادية لانضمام السعودية لمنظمتي شانغهاي للتعاون، وتجمع البريكس، وكذلك الشراكة مع دول آسيا الوسطى وتركيا، وما هي الفوائد التي تعود على المنطقة العربية من تنويع الشراكات والانضمام للتكتلات الكبرى في العالم، يعود إلى أهمية توطين اقتصاد المعرفة ونقل التكنولوجيا من الدول والتكتلات الدولية المتقدمة، والتي أصبحت تملك كل مقومات المعرفة والتكنولوجيا، بعيدًا عن الاحتكار وفرض شروط تتضمن نوع الاستغلال وفرض الشروط المقيدة للإبداع والمنافسة.
تنبع الأهمية و الفوائد و المكاسب و التحديات الاقتصادية و السياسية، لانضمام السعودية إلى منظمة شنغهاي للتعاون و منظمة البريكس، و الشراكة مع دول آسيا الوسطى و تركيا، بالتحديد، من أهمية هذه التكتلات الاقتصادية و الجيواستراتيجية، حيث إن منطقة آسيا الوسطى، تقع في منطقة مهمة قريبة من العالم العربي و السعودية، والتي تتيح لمن يسيطر عليها، أن يكون قريبًا من العالم العربي و دول الخليج و السعودية حيث تحيط بها كل من روسيا و الصين و إيران و تركيا و أفغانستان و الهند و باكستان و تركيا، إذ إنها من الناحية الاقًتصادية تتمتع معظم دول منظمة شنغهاي بموارد طبيعية كبيرة خاصة في مجالي النفط و الغاز ، فضلا عما تملكه من ثروات طبيعية أخرى مثل المياه العذبة و الذهب و الفحم و البوتاسيوم و الفضة و المعادن الأخرى .
إن منطقة الخليج العربي، فليست أهميتها بحاجة لكثير من البراهين، سواء من الناحية الجيوسياسية، حيث تقع المنطقة في قلب العالم القديم وتربط الشرق بالغرب، وتسيطر على أهم الممرات البحرية، مثل مضيق هرمز ومضيق باب المندب وبحر العرب وخليج عُمان والبحر الأحمر. ومن الناحية الاقتصادية، تبرز أهمية هذه المنطقة، لاسيما لجهة امتلاكها مخزونات النفط الأكبر عالمياً، وهيمنتها على أسواق الطاقة العالمية، إلى جانب ما تتمتع به المنطقة من فوائض مالية ضخمة وإمكانيات اقتصادية كبيرة عززت مكانتها ودورها في الاقتصاد العالمي.
أدركت السعودية و دول الخليج العربية، أهمية مكاسب تنويع الشراكات، ومحاولة الاستفادة مما تتيحه من فرص وإمكانيات كبيرة لخدمة المصالح الخليجية على المستويين الجيوسياسي والاقتصادي، فعلى المستوى الجيوسياسي، ثمة تنافس إقليمي ودولي على النفوذ والوجود في هذه المنطقة الحيوية، لاسيما من قِبل القوى الإقليمية، مثل إيران وتركيا وإسرائيل، والتي لدى كل منها خططه واستراتيجياته للتغلغل في هذه المنطقة، ومن ثم فإن بناء علاقات أوثق بين دول الخليج وجمهوريات آسيا الوسطى سيُسهم في الحفاظ على وتعزيز المصالح الخليجية الاستراتيجية في المنطقة وعدم العبث بها من قِبل القوى المنافسة، أما من الناحية الاقتصادية، فإن هذا الحوار يتيح المجال لتعزيز التعاون الاقتصادي بما يخدم جهود تحقيق التنمية المُستدامة، ويُوفر مدخلاً مُهماً للوصول إلى الموارد الطبيعية الاستراتيجية التي تمتلكها المنطقة، وإيجاد موطئ قدم في أسواقها الضخمة، إلى جانب تنسيق سياسات الطاقة بما يعزز استقرار أسواق النفط والغاز العالمية، و يعكس هذا الحوار الاستراتيجي الاهتمام الكبير الذي توليه دول مجلس التعاون الخليجي لوضع الأُطر المؤسسية التي تخدم تطوير علاقاتها مع القوى الدولية والإقليمية المختلفة، في عصر تتكاثر فيه التكتلات الاقتصادية وتزداد أهميتها.
هناك دلالة مُهمة لهذه الشراكات وهي متعلقة بوحدة الموقف والتحرك الخليجي تجاه الدول والمجموعات الإقليمية المختلفة، فمستقبل الشراكات، يؤكد أن دول الخليج يحركها هدف واحد ورؤية مشتركة، وهذا من شأنه أن يُعزز من المكاسب الاستراتيجية التي يمكن أن تجنيها دول المجلس، من مثل هذه الحوارات الاستراتيجية، و في مقدمتها أكبر اقتصاد خليجي متمثل في الاقتصاد السعودي إذ يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي له 1.108 تريليون دولار أمريكي وفقًا لبيانات الحسابات القومية للبنك الدولي، و بيانات الحسابات القومية لمنظمة التعاون و التنمية في الميدان الاقتصادي لعام 2022م.
من هذا المنطلق، حرص قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ودول آسيا الوسطى الخمس على أهمية تعزيز الحوار الاستراتيجي والسياسي بينهما، وتعزيز الشراكة نحو آفاق جديدة في مختلف المجالات، بما في ذلك التعاون الاقتصادي والاستثماري و الحوار السياسي والأمني وتعزيز التواصل، و أهمية تطوير طرق النقل المتصلة بين المنطقتين، وبناء شبكات لوجيستية وتجارية قوية، وتطوير أنظمة فعالة تسهم في تبادل المنتجات الصناعية و الزراعية و الخدمية و اللوجيستيات و التعاون في مجالات العلم و التكنولوجيا و البحث العلمي و الاقتصاد الأخضر و الاقتصاد الرقمي و التكنولوجيا الخضراء ، إذ تعد دول آسيا الوسطى منطقة جغرافية مغلقة تقع في قلب قارة آسيا أو قلب العالم، وهي تضم كلاً من أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان، وهي لا تطل على أيٍّ من البحار المفتوحة لكن موقعها الجغرافي يجعلها ذات أهمية كبرى، وتمتد من غرب الصين شرقاً حتى بحر قزوين وإيران غرباً، بعدد سكان يصل إلى 73 مليون نسمة، وناتج محلي إجمالي يصل إلى نحو 368.044 مليار دولار للدول الخمسة، ولدى هذه الدول احتياطيات ضخمة من المعادن والنفط والغاز الطبيعي والفحم، والمياه.
من الجدير بالإشارة، وفقًا إلى بيانات الحسابات القومية للبنك الدولي، و بيانات الحسابات القومية لمنظمة التعاون و التنمية في الميدان الاقتصادي لعام 2022م، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول آسيا الوسطى 368.044 مليار دولار ، إذ بلغ حجم الناتج المحلي 220.62 مليار دولار لكازاخستان ، اوزبكستان 80.3 مليار ، تركمنستان 45.61 مليار ، قيرغستان 10.93 مليار و طاجكستان 10.49 مليار دولار مقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج العربي البالغة 2.49 تريليون دولار ، و بهذا يشكل هذا التعاون تجمعًا مهمًا يبلغ حجمه 2.86 تريليون دولار ، و تأتي القمة التي استضافتها السعودية تتويجًا للعلاقات الاقتصادية و التجارية و السياسية المتنامية .
و في إطار تنويع الشراكات، من أجل تحقيق المكاسب ، أصبحت منظمة شنغهاي للتعاون مركز جذب للشرق الأدنى بعد أن طرقت العديد من بلدان المنطقة بابها ، وتشهد نجاحات المنظمة على إعادة تعريف التوازنات الدولية وتأثير الصين وروسيا المتنامي في إقليم يُعَد منطقة نفوذ بالنسبة لأمريكا، إذ تأسست منظمة شنغهاي للتعاون عام 2001م، على يد الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغستان وطاجيكستان وأوزباكستان، وهي منظمة حكومية دولية أوروآسيوية ذات توجه سياسي واقتصادي وأمني، و تركّز على بناء الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين الدول الأعضاء، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، و كانت المنظمة تعنى في بداياتها بالمسائل المتعلقة بالأمن بشكل أساسي، مثل مكافحة الإرهاب والنزعات الانفصالية والتطرف الديني وتجارة المخدرات، و منذ نشأتها، توسعت المنظمة تدريجيًا لتشمل دول آسيوية كبيرة ، مثل الهند وباكستان، لتكتسب بذلك أهمية وتصبح منصةً أساسية للتعاون في آسيا ، وتعد حاليًا أكبر منظمة إقليمية في أوروآسيا، حيث يمثّل الدول الأعضاء ما يقرب من 40 % من سكان العالم، وثلث الناتج الاقتصادي العالمي .
و في جانب ذو صلة، وقعت إيران مذكرة تفاهم عام 2022م، للحصول على العضوية الدائمة بالمنظمة، ومن المنتظر أن تحصل على العضوية الكاملة بنهاية 2023م، وقد شاركت كل من مصر وقطر لأول مرة بصفتهما شريك حوار في قمة منظمة شنغهاي للتعاون السنوية، التي عقدت في سمرقند في سبتمبر/أيلول عام 2022م، (وهي صفة لم تكن تتمتع بها حتى ذلك الحين أي من دول المنطقة سوى تركيا، و في الشهور التي تلت القمة، مُنحت كل من البحرين والسعودية و الكويت والإمارات نفس الصفة، و تُظهر تلك السلسلة من العضويات توطّد العلاقات بين دول الشرق الأدنى وآسيا (لا سيما الصين)، وبصفة أوسع، ميل كفة ميزان التجارة الدولي لصالح الشرق.
إن انضمام دول الشرق الأوسط إلى عضوية منظمة شنغهاي للتعاون يؤكد أيضًا على رغبتها في تحقيق التوازن وتنويع أنشطتها الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية، وتحقيق قدر أكبر من الحرية في سياساتها الخارجية، حيث يُنظَر إلى هذه المنظمة من عدة نواحٍ كنموذج بديل منافس لنماذج أخرى تتمحور حول الغرب (أمريكا واليابان والهند وأستراليا)، وبوصفها منتدىً أوروآسيوي، إذ توفر المنظمة أرضًا صلبة لتعزيز التعاون بين بلدان الجنوب بعيدًا عن إشراف أمريكا والدول الأوروبية.
و فيما يتعلق بالدول العربية و بشكل خاص دول مجلس التعاون الخليجي العربي، ترجع جاذبية منظمة شنغهاي للتعاون بشكل أساسي، إلى الدور الاقتصادي المتنامي للصين في المنطقة، إذ أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لدول الخليج ، في عام 2021م، بلغ حجم التجارة الثنائية بين بكين ودول مجلس التعاون الخليجي 230 مليار دولار ، و على الرغم من الضربة الشديدة التي أصابت التجارة من جراء جائحة كوفيد-19، حلت الصين بالفعل محل الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي، واليوم، تأتي ثلث واردات الصين من النفط وربع وارداتها من الغاز الطبيعي والبتروكيماويات من دول المجلس، وأغلبها من السعودية، كما نجحت الصين في توسيع نطاق استخدام عملتها من قبل دول الخليج العربية في معاملات معينة، حيث كانت قطر أول من أطلق مركز مقاصة للعملة الصينية الرنمينبي، حتى تتم المبادلات التجارية في مجال الطاقة بالعملة الصينية، علمًا بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين و الدول العربية ما مقداره 334.1 مليار دولار عام 2022م، وفقًا للتقرير الاقتصادي العربي الموحد 2023م.
تشمل مصالح الصين في منطقة الخليج أيضًا مجموعة أكبر من الأنشطة الاقتصادية، ما يدفع بكين إلى اعتبار المنطقة ذات أهمية استراتيجية، فهي أيضًا المستثمر الأول في الخليج من خلال مبادرة الحزام والطريق ، حيث مكنتها تلك المبادرة من زيادة محفظة استثماراتها في العالم العربي – والتي تبلغ حاليًا 140 مليار دولار في دول مجلس التعاون الخليجي وحدها في مختلف القطاعات، لا سيما مرافق النقل والمجمعات الصناعية والذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة والطاقات المتجددة، إذ تُعد السعودية المستفيد الأكبر من هذه الاستثمارات، وهو ما يدل كذلك على الشراكة المتزايدة بين مبادرة الحزام والطريق والمبادرات الأخرى طويلة المدى مثل رؤية 2030، إذ من المرجّح أيضًا أن تتمكن دول الخليج، بفضل شراكتها مع منظمة شنغهاي للتعاون، من الوصول إلى أسواق جديدة وإلى مشاريع بنية تحتية في مناطق أخرى، بدءًا من جمهوريات آسيا الوسطى.
من ناحية أخرى، إن موضوع الشراكة مع البريكس (الصين، روسيا، الهند، البرازيل و جنوب إفريقيا) و بالإشارة إلى بيانات الحسابات القومية للبنك الدولي، و بيانات الحسابات القومية لمنظمة التعاون و التنمية في الميدان الاقتصادي لعام 2022م، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا 25.46 تريليون دولار ، مقارنة مع مجموعة البريكس و التي بلغت 25.91 تريليون دولار حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي لكل من ، الصين 17.96 تريليون ، الهند 3.38 تريليون، روسيا 2.24 تريليون ، البرازيل 1.92 تريليون و جنوب إفريقيا 405 مليار دولار ، إن ذلك يمثل تحديًا و تنافسًا كبيرًا لأمريكا و يوفر قوة اقتصادية كبيرة تنافس أمريكا و قادرة على توفير كل متطلبات التنمية الاقتصادية، و تعزز مستقبل شراكات دول مجلس التعاون مع هذه التكتلات و توفر مكاسب مهمة استراتيجية من خلال تنويع هذه الشراكات، و الاستفادة من الإمكانيات الكبيرة التي تتمتع بها هذه الدول و التكتلات في مجالات التنمية المستدامة و أهمية تنوعها على توطين اقتصادات المعرفة و التكنولوجيا في الدول العربية و بشكل خاص السعودية أكبر اقتصاد عربي .
في ضوء التطورات الاقتصادية الدولية المعاصرة، تعتبر مجموعة "بريكس" (BRICS) تكتل اقتصادي عالمي مهمة جدًا وفي هذا السياق، بدأت فكرة تأسيسه في 2006م، حينما عُقد أول اجتماع وزاري لوزراء خارجية البرازيل وروسيا والهند والصين على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، يضم هذا التكتل 5 دول تعد صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا. وكلمة "بريكس" (BRICS) بالإنجليزية عبارة عن اختصار يضم الحروف الأولى لأسماء هذه الدول وأصبحت مجموعة بريكس أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم، نظرًا لأرقام النمو التي باتت تحققها دول هذا التكتل مع توالي السنوات، مما جعلها محط اهتمام عديد من الدول الأخرى، التي ما فتئت ترغب في الانضمام إلى التكتل.
تشكّل دول مجموعة بريكس مجتمعة نحو 40% من مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من 40% من سكان الكرة الأرضية، حيث تضم أكبر 5 دول مساحة في العالم وأكثرها كثافة سكانية، وهي بذلك تهدف إلى أن تصبح قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة مجموعة السبع G7 التي تستحوذ على 60% من الثروة العالمية، وهذا ما تثبته الأرقام الصادرة عن مجموعة بريكس، التي تكشف عن تفوقها لأول مرة على دول مجموعة السبع، فقد وصلت مساهمة مجموعة بريكس في الاقتصاد العالمي إلى 31.5%، بينما توقفت مساهمة مجموعة السبع عند 30.7%، إلى جانب ذلك، تعمل مجموعة بريكس على تحقيق مجموعة من الأهداف والغايات الاقتصادية والسياسية والأمنية عبر تعزيز الأمن والسلام على مستوى العالم .
و فيما يتعلق بالهيكلة الاقتصادية، قررت مجموعة دول بريكس -خلال قمة فورتاليزا التي عقدت بالبرازيل عام 2014م، إنشاء بنك تنمية سمي "بنك التنمية الجديد (New Development Bank) واختصارًا (NDB، وصندوق احتياطي في شنغهاي، اتفاقية احتياطي الطوارئ (Contingent Reserve Arrangement) واختصارًا (CRA) إذ وصل رأس مال البنك، الذي هو بمثابة بنك تنمية متعدد الأطراف تديره دول بريكس الخمس، حينها 50 مليار دولار مع احتمال بلوغه 100 مليار دولار في غضون عامين، والدور الأساسي لهذا البنك هو منح قروض بمليارات الدولارات لتمويل مشاريع البنيات الأساسية والصحة والتعليم، وما إلى ذلك، في الدول الأعضاء بالمجموعة، وكذلك البلدان الناشئة الأخرى، وانضمت إلى هذا البنك مؤخرًا كل من أوروغواي والإمارات وبنغلاديش ومصر بصفتها أعضاءً جددًا.
و قد حصل تطور مهم جدًا، بعد الحرب الروسية الأوكرانية وما رافقها من إعادة تشكيل نظام عالمي جديد، ازداد الاهتمام بتكتل بريكس من طرف العديد من الدول، خاصة في ظل الاتجاه نحو تكتلات جيوسياسية واقتصادية جديدة، وأيضًا بحث روسيا عن شركاء داعمين لها في وجه العقوبات الاقتصادية ، لكن قبل ذلك، وخلال قمة بريكس التي عقدت في مدينة شيامن الصينية عام 2017، نوقش ما اصطلح عليها باسم خطة بريكس بلس، التي ترمي إلى إضافة دول جديدة للمجموعة، و في مارس/آذار 2023م، أكدت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا، زيادة اهتمام عديد من دول العالم بالانضمام إلى مجموعة بريكس، إذ أن 12 دولة، أبدت رغبتها في الانضمام إلى المجموعة، من بينها السعودية والإمارات ومصر والجزائر وإيران والأرجنتين والمكسيك ونيجيريا وغيرها، إذ انضمت الإمارات و بنغلاديش وأوروغواي رسميًا إلى بنك التنمية الجديد التابع للمجموعة أواخر عام 2021م، قبل أن تنضم مصر أيضًا نهاية مارس/آذار 2023م، للمؤسسة نفسها.
تسعى دول مجموعة بريكس إلى إطلاق عملة موحدة بينها، تكون عملة متداولة بجانب الدولار الأمريكي في الاقتصاد العالمي، إذ أعلن أن مجموعة بريكس تعمل على تطوير عملة احتياطية جديدة على أساس سلة العملات للدول الأعضاء، إذ إن مسألة إصدار عملة موحدة لدول مجموعة بريكس ستناقش في القمة المقرر عقدها في جنوب إفريقيا نهاية أغسطس/آب 2023م، ولم تحسم بعد دول بريكس شكل العملة الجديدة، وتأتي العملات الرقمية ضمن الأفكار المطروحة لهذه العملة التي ستُنشأ على أساس إستراتيجي، لا على أساس الدولار أو اليورو، وتأمينها سيكون بالاعتماد على الذهب والمعادن النفيسة، وفي الوقت نفسه ترى دول بريكس في الأزمة الروسية الأوكرانية فرصة مواتية لإصدار هذه العملة والاستفادة من التطورات الاقتصادية الدولية الحاصلة في العالم في ضوء الصراع الروسي الأوكراني.
في الختام، إن العالم يترقب نتائج قمة منظمة البريكس التي عقدت نهاية الشهر الماضي في جنوب إفريقيا ، حيث من المتوقع إنشاء عملة مشتركة هو أحد أهم الموضوعات الرئيسة على جدول الأعمال، حيث ناقش وزراء خارجية دول بريكس في كيب تاون بجنوب إفريقيا نهاية الشهر الماضي، الأدوات التي تمتلكها المجموعة لإقامة النظام الاقتصادي الدولي الجديد، و مناقشة الاستخدام المحتمل للعملات البديلة لحماية بنك التنمية الجديد التابع للكتلة من العقوبات، وإزالة الدولرة في التجارة على نطاق أوسع، و طرح مفهوم عملة بريكس الموحدة، لأول مرة، مع أفكار تشمل ربطها بالذهب أو بسلة من السلع أو بعملات دول بريكس، و توجد، هناك عدد من العقبات تقف في طريق إنشاء مثل هذه العملة، وأعتقد أنه سيتم التغلب عليها في الفترة المقبلة، إذ يجب تسوية اللوجيستيات أو الجوانب الفنية المتعلقة بعملة بريكس ، إذ أن ذلك يتطلب التزاماً جاداً للغاية، ليس فقط من هذه الدول، ولكن من الدول التي تقدمت بطلبات الانضمام، إذ أن هذه الدول ترى العملة المشتركة، ليس كأداة رد فعل للعقوبات، ولكن كعملة لتنمية التجارة داخل المجموعة، إذ بمجرد قيام البريكس بذلك، ستجد العملة قاعدتها الطبيعية إلى حد كبير مثل اليورو .