array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 190

ضرورة تقييم أهداف التحول الصناعي ومرونة الخطط وتزامنها مع تطلعات شعوب الخليج

الأربعاء، 27 أيلول/سبتمبر 2023

المشهد العالمي: يَحْمِلُنا اليقين أن التحولات الاقتصادية، التي تشهدها دول مجلس التعاون الخليجي، ليست حصرًا عليها وإنما هي ظاهرة عالمية تتبدى بأشكالٍ وأوجهٍ مختلفة من دولة إلى أخرى، إذ يفرض سوق الطاقة والتضخم تحدياً لمسؤولي البنوك المركزية وصناع السياسات، الذين يتعين عليهم أن يتكيفوا مع المتغيرات الآنية، ويخططوا للتغيرات البنيوية. فقد تحدث كريس جايلز، في مقالة رأي بصحيفة الـ"فاينانشال تايمز"، بتاريخ 29 أغسطس 2023م، عن التحولات الاقتصادية العالمية الخمسة، التي تحدث الآن، وقال إنه في الندوة الاقتصادية، التي انعقدت في جاكسون هول الأسبوع الثالث من أغسطس الماضي، لم تكن لدى محافظي البنوك المركزية أية أوهام بشأن التضخم. وقالوا إن تهديدها لا يزال قائمًا، كما أن آفاقها معقدة بسبب التحولات الهيكلية في الاقتصاد العالمي. عادة، يكون من السهل رفض الحجة الأخيرة لأن المسؤولين يشكون دائمًا من أن فترة وجودهم في مناصبهم تتسم بعدم اليقين غير العادي. لكن في عام 2023م، لديهم حجة، وهي أن هناك خمسة تحولات مهمة تحدث في الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي. فالأولى، والأكثر إلحاحًا، هي تعديل السياسات الضروري من خفض التضخم إلى إبقائه تحت السيطرة. إذ تباطأ معدل زيادات الأسعار بشكل حاد في الولايات المتحدة، وهو يتجه نحو الاعتدال في أوروبا، ولكن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جاي باول وكريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كانا واضحين في أنه من السابق لأوانه أن ينطلق محافظو البنوك المركزية في جولة الاحتفال بالنصر.

إن الطلب المحلي في الولايات المتحدة مثلًا يفاجئ الجميع بقوته، وهو من المرجح أن يؤدي إلى إبقاء التضخم مرتفعاً للغاية إذا استمر عندما تقترب البطالة من أدنى مستوياتها التاريخية. وسيحتاج كلا الاقتصادين إلى وقت للتكيف مع انخفاض معدلات التضخم ومعدلات النمو المستدام. وسوف يتطلب هذا رفع أسعار الفائدة لفترة أطول حتى تنتهي الضغوط التضخمية بشكل نهائي. ولكن الحكم على الوقت الدقيق، الذي تتضاءل فيه مخاطر التضخم أصبح أكثر صعوبة الآن لأن التحول المهم الثاني في الاقتصاد العالمي يتلخص في أن ظروف العرض بعيدة كل البعد عن الاستقرار. لقد ولت منذ زمن طويل الأيام، التي كان فيها صناع السياسات قادرين على فهم الضغوط التضخمية ببساطة من خلال بناء أفضل المؤشرات المتاحة للطلب ومقارنتها بمعدل سنوي ثابت من النمو المستدام. لقد جعلت أزمة الوباء والطاقة في السنوات الثلاث الماضية مثل هذا التحليل زائدًا عن الحاجة. وبدلا من ذلك، يجب أن يشمل التحليل الاقتصادي تحولات هائلة في العرض تتراوح بين عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا والكسور في سلاسل التوريد العالمية إلى صراعات إمدادات الطاقة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. وحتى في سوق العمل، من الصعب للغاية تقييم الاتجاهات. وإذا كان بنك إنجلترا يواجه المشاكل الأكثر إلحاحاً فيما يتصل بالعرض المحدود، فإن التحول الثالث يرتبط بالتمويل العام وينطبق بقوة أكبر على الجانب الآخر من الأطلسي.

ببساطة، يتعين على بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يتعامل مع عدم رغبة السياسة الأمريكية في إظهار أي قدر من ضبط النفس فيما يتصل بميزانيتها. وتواجه الدول الأوروبية نفس التحديات الدفاعية والديموغرافية والمناخية، التي تجعل من المرجح أن ينتشر تحول مماثل. وبأخذ أفق أوسع، فإن التحول الرابع هو مطلب إيلاء المزيد من الاهتمام للآفاق الاقتصادية في الهند. لسنوات عديدة، كانت حظوظ الصين، إلى جانب الدول ذات الدخل المرتفع، هي المهيمنة على الاقتصاد العالمي لأنها تنتج سلعًا وخدمات أكثر من أي دولة أخرى، وكان اقتصادها ينمو بمعدل 8 % سنويًا. تلك الأيام تقترب من نهايتها. ورغم أن حجم اقتصاد الصين يتجاوز ضعف حجم اقتصاد الهند، قياساً على أسعار صرف تعادل القوة الشرائية، فإن معدل نموها الأساس يتباطأ بسرعة. وفي أماكن أخرى، يمثل تباطؤ نمو الإنتاجية تحولًا خامسًا، إذ بدأت البلدان في إقامة الحواجز أمام التجارة وتعزيز المرونة على حساب الكفاءة، وسوف يتباطأ النمو العالمي الطبيعي تِبعًا لذلك. ومع وضع صحة كوكب الأرض في الاعتبار، فإن المزيد من التحسن البطيء في مستويات المعيشة من شأنه أن يقلل من انبعاثات الكربون، ولكن من المؤكد أن تباطؤ النمو العالمي لن يجعل حل التوترات الجيوسياسية أسهل.

الانتقال السلس:

جاء في خلاصة تقرير صندوق النقد الدولي، الذي نُشِرَ في 29 نوفمبر 2023م، أن صناع السياسات في دول مجلس التعاون الخليجي تمكنوا من التخفيف بسرعة من الأثر الاقتصادي لصدمة كوفيد-19 وصدمة أسعار النفط المزدوجة. فقد ارتفعت أسعار السلع الأساسية، وأصبحت التوقعات أكثر إيجابية بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، في ظل التحديات الجديدة المرتبطة بالغزو الروسي لأوكرانيا والظروف المالية العالمية الأكثر صرامة، والتي من المتوقع أن يكون لها تأثير محدود على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. وفي حين استفادت بلدان مجلس التعاون الخليجي بشكل عام من ارتفاع أسعار المواد الهيدروكربونية، وإن كانت متقلبة، فإن العديد من المخاطر لا تزال تخيم على الآفاق المستقبلية، ولا سيما تباطؤ الاقتصاد العالمي. وفي هذا السياق، ينبغي الحفاظ على زخم الإصلاح، الذي تحقق خلال سنوات انخفاض أسعار النفط، بغض النظر عن مستوى أسعار النفط والغاز. فقد تحسنت أرصدة المالية العامة بشكل عام بقوة، تماشيًا مع ارتفاع أسعار النفط وانحسار آثار الجائحة. ومن المتوقع أن يبلغ متوسط ​​الأرصدة الأولية التراكمية 25% من إجمالي الناتج المحلي خلال الفترة 2022-2026، مع احتواء الارتفاع في النفقات؛ خاصة على الأجور، حتى الآن. لكن الصندوق أوصى بتنفيذ حزمة شاملة من السياسات للاستجابة للصدمات، التي ينبغي استدراكها على المدى القريب، والتصدي بحزم للتحديات على المدى المتوسط ​​والطويل.

ووفقًا لقراءة يحيى القحطاني، في مقاله بعنوان: "من آبار النفط إلى خلايا الطاقة: كيف تقوم المملكة العربية السعودية وجيرانها في الخليج بتأمين مستقبلهم من خلال تكنولوجيا البطاريات"، نُشِرَ في 24 أغسطس 2023م، في موقع "معهد الشرق الأوسط" بواشنطن، فإن صناعة النفط والغاز الطبيعي قد لعبت تاريخياً دوراً محورياً في الاقتصادات وهياكل السلطة السياسية في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، حيث جنت ثروات من تصدير هذا الوقود الأحفوري، وبالتالي تعزيز نفوذها الدولي. ومع ذلك، مع تحول العالم نحو مستقبل أنظف وأكثر استدامة، تتبنى دول مجلس التعاون الخليجي أيضًا هذا التحول العميق، حيث تنتقل من آبار النفط إلى خلايا الطاقة. وتقول وكالة الطاقة الدولية إن مشهد الطاقة العالمي يتطور حاليًا بوتيرة غير مسبوقة. اليوم، وبسبب التقدم التكنولوجي وحجمه، أصبحت الطاقة الشمسية الوسيلة الأكثر فعالية من حيث التكلفة لإنتاج الكهرباء في أجزاء كثيرة من العالم، متجاوزة الطرق التقليدية؛ وتشهد طاقة الرياح على نحو مماثل انخفاضات كبيرة في التكاليف. وفي الوقت نفسه، كما يقول القحطاني، تعمل التطورات في تكنولوجيا البطاريات على تغيير قدرتنا على تخزين الطاقة واستخدامها بكفاءة. فقد مهدت هذه التطورات معًا الطريق أمام "طفرة البطارية"، حيث توقعت بلومبرج زيادة في الطلب العالمي على البطاريات بمقدار عشرة أضعاف بحلول عام 2030م، مدفوعة في المقام الأول بسوق السيارات الكهربائية سريع التوسع.

لقد أوضح القحطاني بشكلٍ تفصيلي ودقيق الرؤية الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية واستثماراتها في مجالات عِدَّة، وعلى وجه أخص صناعة البطاريات، التي يُقدم النمو الوشيك فيها مجموعة من الفرص الاقتصادية. ومع ذلك، فإن قطاع البطاريات لا يتعلق فقط بتصنيع الخلايا؛ إنها سلسلة توريد معقدة، بدءًا من تعدين المواد الخام مثل الليثيوم والنيكل والكوبالت، مرورًا بتصميم وتصنيع خلايا البطاريات، إلى إعادة تدوير البطاريات المستهلكة، وإعادة استخدامها. ومع إدراك دول الخليج لحتمية التحول العالمي بعيدًا عن الوقود الأحفوري، يتعين على هذه البلدان أن تنظر إلى صناعة البطاريات المزدهرة باعتبارها محورًا استراتيجيًا يقود إلى سلسلة طويلة من الصناعات المترابطة، اعتمادًا على رأس مالها الكبير ونفوذها الجيوسياسي، الذي يُعتبر ضروريًا بالنسبة لها للتنقل بشكل استباقي في هذا التحول في مجال الطاقة، بدلاً من الخضوع له بشكل سلبي. ونتفق مع القحطاني في أن الاستثمار في سلسلة توريد البطاريات يُعَدُّ أكثر من مجرد فرصة اقتصادية؛ إنها خطوة حاسمة لحماية سيادتهم السياسية والاقتصادية في المستقبل حيث قد يفقد النفط مركزيته. وهذا التحول ليس مجرد خيار لهذه الدول، بل هو ضرورة استراتيجية للحفاظ على الرخاء والأمن الوطنيين مع تطور مشهد الطاقة العالمي، وتحولاته الخمسة، التي استعرضناها في المقدمة.

مطلوبات التنوع:

وبما أن التعافي الاقتصادي أصبح الآن راسخًا في أعقاب ارتفاع أسعار المواد الهيدروكربونية؛ وعلى الرغم من الصدمات الاقتصادية العالمية، فيجب أن تعالج السياسات الوطنية لدول الخليج العربية التحديات المتوسطة والطويلة الأجل عبر خلق البدائل، التي يكون التصنيع أساسها المستقبلي. وما يُعين على التهيئة للبدايات الصحيحة أن معظم هذه التحديات الماثلة الآن ليست جديدة، ولكن معالجتها أصبحت أكثر إلحاحًا بسبب آثار أزمة كوفيد-19، والانخفاض السابق في أسعار النفط، والضغوط المتزايدة الناجمة عن تغير المناخ. ويعين على هذا أيضًا الفهم الإيجابي لتنويع الاقتصاد، وأنه من الأهمية بمكان الحفاظ على وتيرة الإصلاح، الذي تم تحقيقه مؤخرًا، والذي لا ينبغي أن يخرج عن مساره بسبب ارتفاع أسعار المواد الهيدروكربونية، أو غيرها من مدخلات الصناعات القائمة والمستقبلية. إذ إنه مع توسع القطاعات المالية مرة أخرى؛ في سياق ارتفاع أسعار النفط والسيولة، فإن الحفاظ على سلامة البنوك أمر ضروري لاحتواء المخاطر النظامية المتأتية من عمليات الانتقال السريع إلى مراحل التصنيع الأوسع. وبشكل عام، تبدو القطاعات المالية في دول مجلس التعاون الخليجي سليمة وقادرة على مواكبة التعافي المستمر في القطاع غير النفطي والتحول الهيكلي طويل الأجل، ولكن المخاطر القديمة، والضغوط الحالية، وبعض نقاط الضعف الناشئة تحتاج إلى الإدارة والتنبؤ بها، مثلما قال بذلك تقرير صندوق النقد الدولي.

وتجسد المملكة العربية السعودية هذا التحول الجاري بالفعل بين دول مجلس التعاون الخليجي، التي تتسق معها في التصورات والتوجه العام، والتي تتبنى استراتيجيات شاملة تهدف إلى تعزيز اقتصاد أكثر استدامة وتنوعًا، وهي عنصر رئيس في ذلك، يهدف إلى تطوير قطاع الصناعات المحلية في كل بلدٍ على حدة، وتكاملها العام، وفقًا للأفضليات والحاجات الخاصة. وكما هو موضح في رؤية 2030 والمبادرات الخضراء السعودية والشرق أوسطية، ظلت المملكة تبذل جهودًا متضافرة لتقليل اعتمادها على عائدات النفط، وتهدف إلى أن تصبح لاعبًا رئيسًا في النظام البيئي العالمي للطاقة المتجددة، وهو ما يكمل هدفها المتمثل في زيادة توليد الطاقة من المصادر المتجددة. ويعتمد هذا على تشجيع مشاركة القطاعين العام والخاص على تبني أهداف هذه الرؤية، وأن تسعى إلى تطوير فرص العمل بين المواطنين في هذين القطاعين. وهذا أمر بالغ الأهمية لتعزيز إنتاجية العمل، والقدرة التنافسية، التي تتطلب تكافؤ الفرص عن طريق إزالة الحواجز الصريحة والضمنية، والتي تحول دون دخول المواطنين، وخاصة المرأة إلى قطاعات، أو وظائف معينة، وذلك عن طريق توفير المزيد من الدعم لرعاية الأمومة والطفل. وهذا يعني أيضًا رفع الحواجز أمام ريادة الأعمال وإنشاء الأعمال الصغيرة المرتبطة بمجالات التصنيع المختلفة. ويرتبط هذا بتعزيز اللوائح وأطر الحوكمة ومكافحة الفساد لزيادة تعبئة القطاعين العام الخاص، وزيادة مساهمات الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير النفطية ورفع الإنتاجية. ويشمل ذلك الحد من القيود المفروضة على الملكية الأجنبية، ومواءمة المعاملات الضريبية للشركات المحلية والأجنبية، والحد من المعاملات التفضيلية للكيانات ذات الصلة بالحكومة، وتحسين الشفافية والمساءلة في القطاع العام، ومواصلة تعزيز أطر مكافحة غسل الأموال.

 وعلى الرغم من تحقيق قدر أكبر من الشفافية في البيانات الاقتصادية والمالية تدريجيًا، فإن توفر المزيد من البيانات والمعلومات سيساعد قطعًا في تلبية الحاجة إلى بيئة أعمال صناعية أفضل والتنويع في نهاية المطاف على المدى الطويل. ومن أجل المزيد من التقليل من أوجه القصور، التي تصاحب السياسات الصناعية عادة، ولتعظيم الفوائد، التي تعود على النمو الاقتصادي، لا بد من تصميم الحوافز بعناية مع التركيز على الشفافية والمساءلة لمعالجة نقاط الضعف في الحوكمة، مع التركيز بشكل خاص على التوجه نحو التنويع الصناعي لتلبية الحاجات المحلية وتوسيع قاعدة التصدير بدلًا من إحلال زيادة الواردات. ومعلوم، على سبيل المثال، أنه لابد أن يتم ذلك مع التركيز على الابتكار والإبداع التكنولوجي، ومن خلال مساءلة الشركات عن الدعم، الذي تتلقاه، على أساس معايير أداء صارمة. ومن بعد، يمكن للمجموعات الاقتصادية والصناعية أن تقدم مساهمات مهمة من خلال المساعدة في جذب الاستثمار الخارجي، وإحداث تأثيرات التكتل، وخلق فرص العمل، وتعزيز الصادرات؛ سواء بشكل مباشر، أو غير مباشر، عندما تنجح في بناء روابط مع الاقتصاد الأوسع في كامل منطقة الخليج، وعندما تكون مصحوبة باستراتيجية متكاملة؛ بما في ذلك بيئة أعمال مواتية، ورفع مستوى التكنولوجيا والتدريب على المهارات. ولكن ينبغي توخي الحذر لتقليل المخاطر المالية الناجمة عن الإعفاءات الضريبية من خلال وضع معايير خروج صارمة، وشروط الانقضاء، وضمان أن تكون الحوافز محددة زمنيًا. علاوة على ذلك، يجب تطوير أدوات السياسة الصناعية الأخرى، مثل استراتيجيات الشراء المحلية، وعلى مستوى دول الخليج، وما هو منفتح على بقية الدول العربية، بالاشتراك مع سياسات إقليمية أخرى، مع ضمان عدم وجود أي عائق أمام المنافسة الأجنبية.

أمثلة تأسيسية:

ترسخت قناعات لدى مزيد من الاقتصاديين حول العالم بأن التقنيات الرقمية تعمل على تحويل المشهد الاقتصادي والمالي لأية دولة من الدول، ولديها القدرة على توليد الكفاءات، وزيادة الإنتاجية، وتحفيز الابتكار، وتحسين الخدمات. وقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى تسريع أجندة التحول، وخلقت فرصًا جديدة للاقتصاد الرقمي، مع انتقال عدد متزايد من الأنشطة إلى المنصات عبر الإنترنت؛ مثل التعليم الإلكتروني، والرعاية الصحية عن بعد، والبنوك الرقمية، والمحاكم الافتراضية، والمؤسسات الإلكترونية، والحكومات الذكية. الأعمال. إن هذا الدور المتنامي للتحول الرقمي في دول الخليج، وتطور الحكومات الإلكترونية، والتجارة الإلكترونية، لديه القدرة على تسريع عملية التحول الصناعي، تعزيز الإنتاجية في القطاعات غير النفطية. ومع ذلك، فمن الأهمية بمكان التأكد من وجود الأطر التنظيمية المناسبة لمواجهة التحديات المتعلقة بحماية البيانات والأمن السيبراني.  ومثلما تحركت دول مجلس التعاون الخليجي بجدية لتسريع عملية التحول الرقمي أثناء الوباء، فقد أصبحت على يقين الآن أن هذا التحول، الذي تبدت آثاره بالنفع على البلدان والقطاعات والشركات، التي استثمرت في التكنولوجيا الرقمية قبل وأثناء الوباء، سيعود بالفائدة على خطط التنويع الاقتصادي، خاصة قطاعات الصناعة. فالتركيز بشكل لافت على التحول الرقمي، قد أدى بالفعل إلى إحراز تقدم كبير في عدد من المجالات ذات التأثير الاقتصادي المحتمل على المديين القريب والمتوسط، في عدد من المجالات بما في ذلك القطاعين العام والخاص، وسيكون له حتمًا أثره الإيجابي على المدى الطويل.

لقد تسارعت وتيرة تبني تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتطوير الحكومات الإلكترونية في دول مجلس التعاون الخليجي، حتى أصبحت قريبة من تلك الموجودة في الاقتصادات المتقدمة. وتتجلى الزيادة المستمرة في سياسات الحكومة الإلكترونية في المنطقة ما باتت تحتله دول الخليج من مواقع متقدمة في خارطة العالم، حيث احتلت دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة 21 في استطلاع الأمم المتحدة للحكومة الإلكترونية لعام 2020م، في حين جاءت معظم دول مجلس التعاون الخليجي من بين أفضل 50 دولة، مع انتقال المملكة العربية السعودية والكويت وعمان إلى مجموعة مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية المرتفعة للغاية المرة الأولى في عام 2020م. علاوة على ذلك، ارتفع عدد الأفراد الذين لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت إلى أكثر من 95% في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، وهو مستوى أعلى من المتوسط ​​​​في الدول ذات الدخل المرتفع (%89.6). وتتابع دول مجلس التعاون الخليجي بنشاط مبادرات التحول الرقمي في مختلف القطاعات، بما في ذلك الحكومة والرعاية الصحية والمالية والنقل. وسيؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على حلول وخدمات تكنولوجيا المعلومات، مثل الحوسبة السحابية والأمن السيبراني وتحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي. ومن المتوقع أن تستمر صناعة تكنولوجيا المعلومات في تحقيق نمو وتطور كبيرين في الأيام المقبلة. وبشكل عام، يبدو مستقبل صناعة تكنولوجيا المعلومات في دول مجلس التعاون الخليجي واعدًا، ويساهم التزام الحكومات بتنويع اقتصاداتها وتزايد عدد السكان المهتمين بالتكنولوجيا في المنطقة في خلق بيئة مواتية لنمو صناعات متقدمة في مختلف المجالات.

وبينما تتبع جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست برامج التنويع الاقتصادي للابتعاد عن عائدات النفط، فإن الاستثمارات في قطاعات صناعية؛ مثل، الأدوية والرعاية الصحية الناشئة والواعدة في المنطقة، يمكن أن تساعد في زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي على المستويين الفردي والإقليمي. إذ إن الروابط الاقتصادية، التي تربط دول المجلس معًا ستوفر العمود الفقري لتنفيذ الخطط الطموحة، التي تم إطلاقها لإصلاح الوضع الراهن والتحول على المدى الطويل، وفقًأ للهياكل الاجتماعية القائمة، خاصة وأن هناك مبادرات طموحة للمدن الذكية تهدف إلى تحسين نوعية الحياة للسكان، وتطوير كفاءة البنية التحتية الحضرية. وتعتمد هذه المبادرات بشكل كبير على التقنيات المتقدمة وأنظمة تكنولوجيا المعلومات لتمكين النقل الذكي وإدارة الطاقة وإدارة النفايات وغيرها من الحلول المبتكرة. وتعمل الحكومات في دول المجلس بنشاط على تشجيع الابتكار، الذي أدى إلى ازدهار النظام البيئي للشركات الناشئة وزيادة الاستثمارات في المبادرات والحاضنات والمسرعات، التي تركز على التكنولوجيا. فيما يكتسب الذكاء الاصطناعي والروبوتات اهتمامًا كبيرًا في المنطقة، مع تطبيقات في مختلف القطاعات، بما في ذلك الرعاية الصحية والنقل والتصنيع. ولفهم حجم التغييرات الحالية، علينا أن نضع في الاعتبار أن هناك أكثر من 100 برنامج للتحول في السعودية وحدها. وهي جزء من برنامج الخصخصة، الذي تقوده رؤية السعودية 2030. وقد تم التخطيط لهذه البرامج، أو يجري تنفيذه في أكثر من 10 قطاعات اقتصادية رئيسة، بما في ذلك النقل، والتعليم، والصحة، والزراعة. ولدى دول المجلس الأخرى طموحات مماثلة، حيث تسعى إلى إنشاء شركات جديدة خاصة، أو مملوكة للحكومة تعمل كمراكز للربح بدلاً من مراكز التكلفة. ويتطلب هذا التحول تغييرًا في ثقافة وعقلية الموظفين، الذين كانوا في السابق موظفين عموميين لديهم وظائف آمنة. ومع ذلك، فهم بحاجة الآن إلى العمل في بيئات قائمة على الأداء الأمثل، وتتمحور حول العملاء وزيادة الإنتاج.

 

تصور المستقبل: 

لقد تناول هذا المقال مسألة التحول الاقتصادي، وما إذا كان من المنطقي لدول مجلس التعاون الخليجي أن تستثمر في الخيارات الصناعية المختلفة، بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة؛ من خلال المبررات الاستراتيجية المتفق عليها فيما بينها، أو كرؤية وطنية مستقلة لكلٍ منها على حِدة. وعلى الرغم من أن دول المجلس تنعم باحتياطيات ضخمة من المواد الهيدروكربونية، إلا أنها أعلنت عن أهداف طموحة في مجالات الصناعة والتحديث الاقتصادي الشامل. وينطوي الحجم الهائل لهذه الاستثمارات المعلنة على جهود لتعبئة موارد عامة كبيرة، تستصحب معها إمكانيات القطاع الخاص الحيوية. ولذلك، فإن تقييم المبررات الكامنة وراء هذه الاستثمارات يتطلب منظوراً أكثر استراتيجية يتجاوز المساهمات المحددة وطنياً لدول المجلس في التنويع الاقتصادي، مع الحفاظ على بيئة نظيفة تستجيب لشروط تغير المناخ، أو المشاركة البناءة والملموسة في تحول الطاقة العالمية إلى الاقتصاد الأخضر. ونعتقد أن هناك حاجة؛ في ضوء هذه الاستراتيجية، لتقييم الأهداف الوطنية لهذا التحول باتجاه التصنيع من حيث الخطط، التي ينبغي أن تكون مرنة ومنطقية، ومتزامنة مع تنامي تطور المجتمعات الخليجية، ومتسقة تطلعات شعوبها. فرغم وجود العديد من المبررات المحتملة، بدءًا من الانتقال من اقتصاديات النفط، إلى تحسين فضاء المنافسة العامة، فإن الوفاء بمعايير النزاهة والحوكمة الرشيدة، وخلق فرص العمل، وتعظيم الإيرادات، وزيادة القوة الصلبة والناعمة للبلدان الخليجية، هي مطلوبات ضرورية لإظهار مكانة مجتمعاتها في عالم لا يحسب حسابًا لغير منطق القوة.

لهذا، فقد أصدرت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي منذ فترة طويلة "رؤى" اقتصادية وتنموية طموحة تُفَصِّل أهدافها للمستقبل. وتوفر هذه الرؤى الاقتصادية للحكومات خرائط طريق للتنمية، ولكنها يمكن أن تكون أيضًا بمثابة أداة للقياس والمساءلة في نهاية المطاف. وفي حين أظهرت دول المجلس مسارات نمو مثيرة للإعجاب طوال أواخر القرن العشرين وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فمن الصعب أن ننسب الفضل إلى الرؤى الماضية وحدها في تحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي السريع، الذي تحقق وتنعم بخيراتها شعوب المنطقة وجوارها القريب. ومع ذلك، فهي مفيدة أيضًا على المدى الطويل مع قيام منظومة مجلس التعاون، الذي نادى مبكرًا بتخفيف اعتماد دوله على النفط والغاز وزيادة انفتاحها على العالم. ونحن على يقين أن الرؤى الفاعلة الآن لن تنتهي بمجرد إنفاذ مشروعات التنمية الاقتصادية لدول المجلس في عام 2030، أو 2040. وبدلاً من ذلك، سوف تصبح هذه الرؤى أكثر تعقيداً وسعة، حيث تشتمل كل منها على تدفق مستمر من الاستراتيجيات الفرعية الجديدة والمبادرات المرتبطة بها. ومن بين التوقعات المحتملة، التي ينبغي تحديدها، تقول إن الانتقال إلى الصناعة، والتحوط ضد انخفاض أسعار النفط كمبرر وراء الاستثمارات المتجددة هو أمر منطقي بالنسبة لاقتصادات الخليج، ولا سيما في ظل ضغوط متزايدة حول الحد من تأثيرات الوقود الأحفوري على تغير المناخ، التي هي أقوى بكثير في تبرير الاستثمارات الضخمة المطلوب إنفاقها في التنويع الاقتصادي، والاتجاه القاصد نحو الصناعة.


 

مقالات لنفس الكاتب