array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 190

6 مجالات تعاون لإقامة شراكة استراتيجية بين دول الخليج وأمريكا و5 مقترحات لتفعيلها

الأربعاء، 27 أيلول/سبتمبر 2023

لابد من الإقرار مقدماً بأن الحديث عن التغيير والحاجة إليه بات مكرراً في هذه الأيام حتى أصبح مثل الاسطوانة المشروخة التي تعيد العبارة مرة بعد أخرى.  لكن ذلك يجب أن لايمنعنا من أن نعاود الحديث مرات ومرات بسبب الأهمية الكبيرة للموضوع أولاً ولأن حجم وتسارع المتغيرات العالمية تجعل اللحاق بها إنجازاً لن يتحقق إلا للذين يمتلكون مقومات النجاح التي من أهمها الرؤية المستقبلية الواضحة والقدرة على تحويل الرؤية إلى واقع.  دول الخليج مطالبة هي الأخرى، بل ربما بدرجة أكبر من غيرها، بمواجهة نفس الاستحقاق، فهي إما أن تواكب الركب وتصل إلى بر النجاة، أو أن تتخلف عنه وتواجه ما لا تحمد عقباه ولن تنفعها حينئذ أموال النفط لأننا لا ندري ما الذي يخبئه المستقبل للنفط واقتصاده ولا نجاة إلا بالعمل الجاد لبناء تنمية اقتصادية توفر لسكان المنطقة احتياجاتهم الأساسية وتضع دول المنطقة وشعوبها على سكة النجاح. نحاول في هذه المقالة شرح أهم الدوافع وراء الدعوة نحو التنمية الاقتصادية لدول الخليج وأهمية تفعيل الشراكة الاقتصادية الأمريكية-الخليجية واقتراح بعض المحاور التي قد تؤسس لتطويرها في مجالات التصنيع المهمة ونختم بتقديم بعض المقترحات العملية للمسؤولين وصناع القرار. 

 

أهمية التنمية الصناعية لدول الخليج

بداية الحديث لابد أن تنطلق من إقرار حقيقة أولية وهي أن اقتصاد دول الخليج اليوم يعاني مما يسمى "المرض الهولندي" وهي التسمية التي تطلق على الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على تصدير مورد طبيعي واحد وهو النفط في حالتنا هذه لأن ذلك يؤدي إلى العديد من المشكلات منها إضعاف الفعاليات الاقتصادية الأخرى غير المرتبطة بالنفط وتفشي البطالة المقنعة وتنامي دور القطاع الحكومي على حساب القطاع الخاص.  كذلك لابد من الاعتراف بأن هذه الحالة هي حالة مرضية تجب معالجتها بجميع الوسائل وبأسرع وقت وأن التأخر في العلاج سوف يزيد من الأوضاع سوءاً وأن علاجها يتضمن بناء قاعدة اقتصادية واسعة تشمل الزراعة والصناعة وتأخذ بنظر بالاعتبار عوامل أساسية من أهمها:

 

  1. الاقتصاد أولاً: شعار المرحلة المقبلة يجب أن يكون العمل على تحقيق المصالح الاستراتيجية لدول المنطقة وفي مقدمتها التنمية الاقتصادية. إن تقديم الاقتصاد على العوامل الأخرى ومنها السياسة هي الدليل الواضح على النجاح. لأن التجارب العملية أثبتت أن السياسة عندما تقود القرار تؤدي إلى الفشل وأن المصالح إذا قادت السياسة كان الأمل بالنجاح أكبر. لذلك لابد من تطوير رؤية اقتصادية لدول الإقليم تكون بمثابة خارطة طريق للعمل المشترك وتشكل خلفية التوجهات والقرارات وأساس العلاقات مع الشركاء.
  2. بناء اقتصاد المستقبل: الحديث عن المتغيرات العالمية لابد أن يبدأ من الاقتصاد الذي يشكل العجلة التي تقود التغيير من خلال التغييرات البنوية الكبيرة التي يشهدها الاقتصاد العالمي والتي وإن كان يصعب التنبؤ بجميع أبعادها إلا أنها وبالتأكيد سوف تشمل أسس الاقتصاد العالمي وتجعل منه أكبر حجماً وأقل مركزية وأوسع قاعدة مما كان عليه في السابق. لذلك فإن إي محاولة جادة لبناء الاقتصاد سواء كان على مستوى الدولة أو الإقليم لابد أن تأخذ بنظر الاعتبار اقتصاد المستقبل وليس الاقتصاد كما نعرفه اليوم والذي من أبرز سماته اعتماده الكبير على التقنية العالية وفي مقدمتها الآلات الذكية التي تمتاز بذاتية الحركة والقرار وتطبيقاتها في مجالات التصنيع والنقل بالإضافة إلى تقنية المعلومات ومن أهمها الذكاء الاصطناعي.

 

  1. تأمين السلع الاستراتيجية لدول الخليج: إذا كان هناك من درس مستفاد من الأزمات الاقتصادية العالمية التي نتجت عن جائحة الكوفيد-19 والحرب الأوكرانية فإن القناعة بأن سلسلة التوريدات العالمية معقدة ومتعددة الحلقات وأن أي أزمة في واحدة أو أكثر من حلقاتها سوف تؤثر سلباً على جميع الحلقات. لذلك وصلنا إلى حالة "إذا عطست الصين أصيب العالم بالرشح".  هذا الوضع لا يمكن أن يستمر ولابد من إعادة النظر بتلك السلسلة وخصوصاً فيما يتعلق بتأمين السلع الاستراتيجية وعدم المخاطرة بترك ذلك عرضة للأزمات العالمية ولعل ذلك يبدأ من تكوين قاعدة اقتصادية واسعة وبناء اقتصاد متعدد الجوانب يشمل الزراعة والصناعة والخدمات. 
  2. توفير الاحتياجات التكنولوجية لاستراتيجية الأمن الخليجي: لعل من أكثر الجوانب التي سوف يشملها التغيير العالمي هو تطور مفهوم الأمن الذي سوف يشهد الكثير من التغيير في طبيعته ووسائله ودوره في المجتمعات. ولعل من أول تلك المتغيرات هو التغيير في طبيعة المخاطر التي تواجه الدول التي سيكون في مقدمتها أمن المعلومات الاستراتيجية للدول والأفراد والمؤسسات, والتصدي لعمليات الإرجاف التي تستهدف اللحمة الاجتماعية وتمزيق المجتمعات من خلال إشعال ما يسمى بالحروب المجتمعية  كذلك التعامل مع الأخطار غير التقليدية مثل الجماعات المسلحة العابرة للحدود والجريمة المنظمة هذا بالإضافة إلى الأخطار غير المباشرة مثل الأوبئة والأمراض المعدية والمخدرات والأمراض النفسية الناتجة عن التوسع في استخدام التكنولوجيا وفي مقدمتها وسائل التواصل الاجتماعي  لذلك لابد من العمل على توفير وسائل الحماية للمجتمعات والمفاصل الحيوية من خلال بناء صناعة قوية توفر الأدوات المطلوبة لاستراتيجية الأمن لدول المنطقة وتحصين المجتمعات ضد الأخطار التقليدية والجديدة.  
  3. تنويع الاقتصاد المحلي: الاقتصاد في دول الخليج يعاني من تضخم قطاع الخدمات على حساب القطاعات الأخرى مثل الصناعة والزراعة. الرسم البياني أدناه يوضح النسب العالية للعمالة في قطاع الخدمات في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات مقارنة مع فيتنام وماليزيا.

 

 

مقارنة نسبة القوى العاملة في قطاع الخدمات بين المملكة والإمارات مع ماليزيا وفيتنام

(CIA World Factbook)

 

إن تنامي قطاع الخدمات جاء نتيجة المغريات التي يمتاز بها لكونه لا يتطلب الاستثمار في البنية التحتية مثل المصانع والمزارع ولأن مردوده سريع لكنه في نفس الوقت قطاع يمتاز بالتذبذبات الحادة لكن ذلك يعرض المجتمعات لأخطار كبيرة نتيجة الاعتماد على سلسلة التوريدات لتوفير السلع الأساسية وكما أثبتت تجربة الكوفيد-19 والحرب في أوكرانيا. لذلك فالمطلوب هو توسيع الفعاليات الاقتصادية من خلال تنمية القطاعين الزراعي والصناعي من أجل بناء اقتصاد متوازن يكون أقل تأثراً بتذبذبات قطاع الخدمات ويسعى لتأمين السلع الأساسية للأسواق الخليجية من خلال بناء شراكات إقليمية وعالمية أساسها الصناعة والزراعة. 

أهم مجالات الشراكة الأمريكية-الخليجية

عادة ما يطلق وصف "الشراكة" على العلاقات بين الولايات المتحدة ودول المنطقة لكن النظرة الواقعية على تطور تلك العلاقات في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية وإلى اليوم تجعل من الصعب وصف تلك العلاقات بأنها "شراكة" فعلية ذلك أن "الشراكة" لكي تكون حقيقية لابد أن توفر الاحتياجات الأساسية لطرفي المعادلة. العلاقات الخليجية-الأمريكية في السابق لم تصل إلى مستوى الشراكة لأنها كانت علاقة مالت وبشدة إلى طرف واحد حيث طغت عليها المصالح الأمريكية في المجالين الأمني الذي كان يسعى إلى جعل المنطقة حزاماً أمنياً لإسرائيل وإن كان على حساب مصالح دول المنطقة بالإضافة إلى مبيعات السلاح التي كانت هي الأخرى تخضع لسقف معين بسبب اشتراط تفوق إسرائيل عسكرياً على دول المنطقة منفردة ومجتمعة أما الجانب الاقتصادي فقد تركز على الصناعة النفطية وتأمين تدفق النفط والغاز بالمستويات التي يحتاجها السوق العالمي. هذه المعادلة لم تحقق الحد الأدنى من حاجيات دول الخليج خصوصاً في العديد من المواقف الحرجة التي تعرضت لها دول المنطقة. لذلك لابد من العمل على إعادة بناء العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية على أساس "الشراكة الحقيقة" التي تجعل من توفير مستلزمات الأمن والاقتصاد لكلا الطرفين أساساً لتلك العلاقات والتي نقترح أن تركز في جانبها الاقتصادي على المحاور التالية:

  1. التعاون في مجال الطاقة النووية: تأتي أهمية الطاقة النووية لدول الخليج والمملكة العربية السعودية تحديداً من عدة أسباب منها أنها مصدر مهم لتوفير الطاقة الكهربائية وتقنية مهمة في تنويع مصادر الطاقة بالإضافة إلى التطبيقات السلمية الأخرى. لكن السبب الرئيس وراء السعي في هذا المجال هو أن دول الخليج سوف تصبح محاطة بدول تمتلك الدورة الكاملة للتقنية النووية وهي إيران وإسرائيل والهند وباكستان وليست حالة تركيا عن تلك الدول ببعيدة.  هذه الحقيقة سوف تجعل دول المنطقة ومنها المملكة في موقف استراتيجي ضعيف أمام تلك القوى الإقليمية بغض النظر عن طبيعة العلاقات ومستوياتها لذلك لابد من استحواذ المملكة على تلك التقنية الاستراتيجية وليس هناك أفضل من الولايات المتحدة وفرنسا واليابان في مجال بناء المفاعلات النووية حيث تتميز اليابان باهتمامها بأمن المفاعلات خصوصاً بناء المفاعلات المقاومة للزلزال وهي مسألة على درجة كبيرة من الأهمية بسبب الخطوط الزلزالية التي تتقاطع في المنطقة.  
  2. الذكاء الاصطناعي وأمن المعلومات إذا كان هناك من عامل يمثل حجم المتغيرات العالمية وأثرها الكبير ليس على المجال الاقتصادي بل الاستراتيجي فهو الذكاء الاصطناعي لأنه المرشح الأول لأن يكون مفتاح الريادة العالمية في المرحلة القادمة كما كانت الأسلحة النووية عنوان الريادة العالمية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. هذه النتيجة بالطبع ليست من خيالي وإن كنت أتفق معها وإنما جاءت بناءً على مواقف قادة العالم ومنهم الرئيس الأمريكي بايدن الذي قال: “الذكاء الاصطناعي يحمل وعداً هائلاً بفرص لا تصدق، لكنه يشكل أيضًا مخاطر على مجتمعنا واقتصادنا وأمننا القومي” وكذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قال: "الذكاء الاصطناعي سوف يمثل المستقبل ليس لروسيا فحسب بل للبشرية أجمع ومن يمتلك الريادة في هذا المجال فسوف يحكم العالم".  لابد من الإشارة هنا إلى أننا لا نتحدث عن أمور مستقبلية بعيدة بل هي أقرب بكثير مما يتصور الناس وقد حدد الرئيس بايدن المجال الزمني لذلك حين أعلن بعد اجتماعه برؤساء أكبر الشركات العالمية العاملة في مجال المعلومات بأننا: "سنرى المزيد من التغيرات التكنولوجية في السنوات العشر المقبلة أو حتى في السنوات القليلة المقبلة أكثر مما رأيناه في السنوات الـخمسين الماضية. كان هذا كشفًا رائعًا بالنسبة لي".  إن "الذكاء الاصطناعي" مرشح لأن يغير كل شيء في العالم ولعل من أبرز التطبيقات التي سوف تظهر إلى حيز التنفيذ تلك التي تتعلق بقضايا الأمن ومنها التشفير وفك الشيفرات التي سوف تجعل المعلومات والأجهزة الإستراتيجية للعديد من الدول والمؤسسات عرضة للاختراق من قبل الدول والجماعات التي تمتلك تلك التقنية.  
  3. الحاسبات الكمية (Quantum Computers): تجلت الأهمية الاستراتيجية لهذا الموضوع قبل سنتين حين أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا قيام تحالف أمني ثلاثي بينها أطلق عليه (إيكيوس) الغاية منه التصدي لنفوذ الصين في المحيطين الهادي والهندي الاتفاق بين الدول الثلاث شمل عدة قضايا لم يتم التطرق إليها كثيرًا لأن الحديث انصب على الغواصات وتداعيات إلغاء العقد مع باريس, لكن النصوص التي وردت وكذلك تصريحات العديد من المسؤولين في البلدان الثلاثة رسمت صورة واضحة عن الطبيعة الإستراتيجية للاتفاق الذي نص على التعاون في مجالات القدرات السبرانية والذكاء الصناعي والتقنية الكمية بالإضافة إلى القدرات البحرية. فما هي هذه التقنية الكمية وما تطبيقاتها؟

بادئ ذي بدئ لابد من القول بأن هناك حاجة ماسة في المجالات الأمنية والعسكرية لتطوير تقنيات حديثة في عالم الكمبيوتر وخصوصاً في مجالات زيادة سرعة الحسابات وزيادة كبيرة في كمية المعلومات المخزونة وسرعة الوصول إليها وأخيراً وربما كان هذا هو الأهم تأمين المعلومات من أن تقع في الأيدي الخطأ من خلال تطوير منظومات تشفير يصعب الوصول إليها وفي المقابل تطوير آليات بإمكانها فك أي معلومات مشفرة من قبل الآخرين. 

هذه الأفكار دبت فيها الحياة عندما أعلن عالم الرياضيات بيتر شور في عام 1994م، عن اكتشافه لخوارزمية (Algorithm) بسيطة لتحليل الأرقام إلى مكوناتها الأولية بواسطة آلة حاسبة تقوم على أسس فيزياء الكم واستطاع من خلالها فك تشفير أعقد البرامج المعروفة آنذاك. ومنذ ذلك الوقت تسارعت الخطوات وزاد الاهتمام بتطوير "الحاسوب الكمي" وترجع التسمية إلى أن الأفكار الجديدة تقوم على أساس الاستفادة من خاصية مكونات صغيرة جداً على مستوى الذرات أو أصغر من ذلك وبالتالي فإنها سوف تخضع بسبب صغرها لقوانين ميكانيكا الكم وليس قوانين نيوتن.

  1. التعاون في مجال التصنيع العسكري: تنفق دول الخليج مايقارب 170 مليار دولار على السلاح سنوياً. هذا الرقم يجعل منها السوق الثالثة عالمياً بعد الولايات المتحدة والصين. وتتضح المقارنة أكثر إذا ما أخذنا نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي في بعض الدول كما هو مبين أدناه:

 

 

نسبة الإنفاق العسكري إلى إجمالي الناتج المحلي في بعض الدول مقارنة مع دول مجلس التعاون الخليجي (CIA World Factbook)

 

تسعى دول العالم الإبقاء على الانفاق العسكري عند مستوى 2% من الناتج المحلي لأن أي زيادة على ذلك سوف تكون على حساب جوانب أخرى من الإنفاق الحكومي وخصوصاً التنمية الاقتصادية أو الخدمات.  هذا يعني أن دول الخليج تنفق على الجيوش حوالي ثلاثة أضعاف المعدل العالمي حيث تنفق معظم هذه الأموال على شراء الأسلحة وهي مستويات من الإنفاق لا يمكن أن تستمر من دون أن يكون لها المردود المباشر من خلال استثمارها في توفير قاعدة صناعية للأجهزة والمعدات العسكرية لأسباب استراتيجية بالإضافة إلى الأسباب الاقتصادية مثل توفير فرص عمل للشباب من أبناء دول المنطقة ودعم القاعدة الصناعية وخصوصاً الصناعات المشتركة التي لها تطبيقات عسكرية ومدنية.  ولعل من أهم أولويات التصنيع في هذا المجال يجب تكون الطائرات المسيرة التي تثبت الأحداث يوماً بعد يوم أهميتها في ساحة العمليات خصوصاً أن العديد من دول المنطقة وبالتحديد إيران وإسرائيل وتركيا لها قدرات كبيرة في إنتاجها.  بالإضافة إلى أن دول الخليج تعاني من نقص في أعداد قواتها المسلحة مقارنة بتلك القوى الإقليمية التي تفوق أعداد قواتها المسلحة دول الخليج مجتمعة لذلك فهي بأمس الحاجة إلى المعدات الذكية مثل العجلات ذاتية الحركة وصناعة الطائرات والدبابات والسيارات المصفحة والقوارب السريعة ذاتية الحركة. 

  1. الخدمات اللوجستية: تتمتع دول الخليج بموقع استراتيجي على أهم طرق التجارة العالمية البرية والبحرية والجوية مما يمنح دول المنطقة الفرصة لتشكيل أهم الممرات والمعابر العالمية لنقل الأفراد والبضائع. هذه الناحية هي الأخرى بحاجة إلى النظرة الإستراتيجية التي تأخذ بنظر الاعتبار طبيعة البضائع وأماكن الحاجة إليها وتطوراتها المستقبلية.  إننا حين نتحدث عن الخدمات اللوجستية بصورتها الشمولية التي لابد أن تتمثل بطرق نقل الأفراد والبضائع ومن ذلك النقل الجوي والبري عن طريق الطرق السريعة وخطوط السكك الحديدية والنقل البحري ولابد من التذكير هنا بأهمية خطوط نقل الطاقة سواء كانت على شكل المواد الخام أو الكهرباء وكذلك شبكة الاتصال ونقل المعلومات عن طريق مد خطوط الاتصال الضوئية والارتباط بشبكة الأقمار الصناعية.

إن تطوير شبكة الخدمات اللوجستية ضرورة أساسية للارتقاء بالتصنيع لأنها تسهل الوصول إلى المواد الأولية ونقل البضائع المصنعة إلى الأسواق وتزيد من قدرتها التنافسية لأن إحدى المشكلات التي تعاني منها الصناعة في المنطقة اليوم هي ضعف الخدمات وارتفاع كلفة الشحن.

 

تتجلى أهمية الخدمات الاستراتيجية من خلال مشروعين عالميين يشملان المنطقة وهما المشروع الصيني المتمثل بالحزام والطريق والذي حقق تقدماً كبيراً في المنطقة من خلال العديد من الاتفاقيات مع الدول التي أبدت استعداداً للتعاون وتقديم الخدمات والثاني الاتفاق الجديد على إنشاء ممر يربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، الذي تم إعلانه على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي.  الاتفاق الذي وصفه الرئيس الأميركي بايدن، بأنه "سيغير قواعد اللعبة"، سيضم عدة دول، ويشمل مشروعات للسكك الحديدية وربط الموانئ البحرية، إلى جانب خطوط لنقل الكهرباء والهيدروجين، ومد كابلات الاتصالات لنقل المعلومات. وقد تم التوقيع على الاتفاق المبدئي الخاص بالمشروع في نيودلهي، بين الولايات المتحدة والسعودية ودولة الإمارات والإتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.  وهو مشروع وإن كان من الواضح أنه يهدف إلى منافسة مشروع الحزام والطريق الذي أطلقته الصين قبل سنوات لكن المهم بالنسبة لدول المنطقة هو أن تتعاون مع الجميع في الأمور التي تخدم مصالحها من دون الميل إلى طرف على حساب آخر. 

 

  1. توليد الطاقة وخزن الطاقة: يمر عالم الطاقة بالعديد من المتغيرات التي تشمل جميع المراحل الأساسية وهي التوليد والنقل والتوزيع والاستخدام. فعلى سبيل المثال هناك اهتمام كبير بزيادة إنتاج الطاقة من خلال المصادر غير الكربونية مثل الطاقة الشمسية والرياح والمياه الجوفية والسدود والطاقة النووية والاندماج النووي.  المنطقة تعتبر من أهم المناطق التي يمكن أن تنتج الطاقة الشمسية وبوفرة بسبب موقعها الجغرافي الذي يوفر لها الأشعة الشمسية بأعلى المستويات وأطول الفترات.  ولذلك فالمطلوب وضع الخطط لزيادة إنتاج الطاقة البديلة وإيصالها إلى الأماكن التي تحتاجها وكذلك خزنها لتوفيرها في وقت الحاجة.  حققت الولايات المتحدة تقدماً كبيرًا في مجال توليد الطاقة من الاندماج النووي ولذلك تعتبر هذه القضية من الجوانب التي يمكن التعاون فيها.

 

بعض المقترحات العملية للمسؤولين وصناع القرار

  1. تنفق دول الخليج أموالاً طائلة على شراء الأسلحة كما أشرنا أعلاه. هذه الأموال يجب إعادة تدوير بعضها في السوق المحلي من خلال وضع البرامج التي تسعى إلى تصنيع بعض المعدات وقطع الغيار المهمة في دول الخليج وربط مبيعات الأسلحة لدول المنطقة بشروط المشاركة في التصنيع المحلي. إن التصنيع العسكري يوفر مصالح اقتصادية وأمنية عديدة.  
  2. تستثمر دول الخليج في العديد من القطاعات في أوروبا وأمريكا وآسيا لذلك يحب وضع خطة لتشجيع لتوظيف هذه الاستثمارات الخليجية لخدمة التصنيع من خلال قيام مشاريع مشتركة مع الجهات التي يتم الاستثمار فيها.
  3. التركيز على التعليم العالي والمهني لضمان تدريب وتطوير الكوادر الفنية والتقنية لأبناء دول المنطقة وتشجيع الشباب للتوجه نحو المهن الصناعية بدلاً من قطاع الخدمات وكذلك القضاء على البطالة المقنعة من خلال رفع الكفاءة الإنتاجية لليد العاملة الخليجية.
  4. تقديم حوافز لتشكيل الشركات الصناعية المشتركة بين القطاعين العام والخاص والشركات العالمية خصوصاً في القطاعات الحيوية التي تخدم الأهداف الإستراتيجية.
  5. وضع استراتيجية خليجية للتعامل مع الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع الشركاء العالميين.

 

مقالات لنفس الكاتب