array(1) { [0]=> object(stdClass)#13017 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 191

واشنطن تحترم استقلال دول الخليج والآسيان وتعتبر نهضتها أمرًا محمودًا لأمريكا والعالم

الأحد، 29 تشرين1/أكتوير 2023

في الثاني عشر من يوليو الماضي، وقعت المملكة العربية السعودية على وثيقة الانضمام إلى "معاهدة الصداقة والتعاون" في جنوب شرق آسيا على هامش الاجتماع الـ 56 لوزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا -(آسيان)-الذي عُقد بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا. لُتصبح المملكة العربية السعودية بذلك خامس المُنضمين من منطقة الشرق الأوسط إلى "معاهدة الصداقة والتعاون " بعد إيران التي انضمت عام 2018م، تليها البحرين في عام 2019م، وكل من الإمارات، وقطر، وسلطنة عمان في عام 2022م، كما أصبحت المملكة الدولة الـ 51 التي توقع على "معاهدة الصداقة والتعاون" مع رابطة دول آسيان، في حين تعمل ماليزيا كدولة مُنسقة للعلاقات بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول آسيان. وقد ساهم هذا التطور في إضفاء مزيد من الأهمية على القمة التي تجمعت بين المنظمتين في شهر أكتوبر 2023م، حيث تعتبر القمة مؤشرًا واضحًا على العلاقات الاستراتيجية المتنامية بين البلدان الخليجية ودول جنوب شرق آسيا ويوضح إلى أي مدى تساهم هذه العلاقات في تدعيم التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي داخل المنطقتين.

تأسست رابطة دول جنوب شرق آسيا " آسيان " في الثامن من أغسطس عام 1967م، عندما اجتمع وزراء خارجية دول إندونيسيا، وماليزيا، والفلبين إلى جانب سنغافورة وتايلاند بالقاعة الرئيسية داخل مبنى وزارة الشؤون الخارجية بمدينة بانكوك في تايلاند من أجل التوقيع على الوثيقة التأسيسية للرابطة الآسيوية فيما يعرف بـ “إعلان آسيان". ساهم الميثاق التأسيسي للرابطة في إرساء أساس صلب لقيام مجتمع دول آسيان وذلك من خلال توفير الأطر القانونية والمؤسسية اللازمة. كما ساعدت الوثيقة التي دخلت حيز التنفيذ في 15 من ديسمبر 2008م، في تقنين القواعد، واللوائح، والقيم المعمول بها إلى جانب تحديد الأهداف وتقديم المساءلة والامتثال. وتُعد الوثيقة اتفاقية مُلزمة قانونيًا لكافة الدول الأعضاء في الرابطة، في حين تعتبر قمة آسيان، أعلى هيئات صنع السياسات داخل الرابطة. يُشار إلى أن القمة الأولى لرابطة دول آسيان عُقدت بمدينة بالي في إندونيسيا خلال 23-24 من فبراير 1976م، ومنذ ذلك الحين، اعتاد زعماء الدول الأعضاء بالرابطة -التي تضم كل من بروناي، وبورما وكمبوديا، وإندونيسيا، ولاوس، وماليزيا، والفلبين، وسنغافورة، وتايلاند، وفيتنام -الاجتماع مرتين سنويًا. تشمل قائمة الأهداف الاستراتيجية المُوسعة لرابطة دول آسيان: العمل على تسريع وتيرة النمو الاقتصادي، والتقدم المجتمعي، والتنمية الثقافية: إلى جانب إعلاء السلام والاستقرار الإقليميين، وتوفير المساعدة والدعم لكافة الدول الأعضاء مع العمل على تشجيع التعاون في القطاعات الزراعية، والصناعية، والتجارية. فضلًا عن، توسيع نطاق الروابط مع المنظمات الإقليمية والدولية الأخرى.

تاريخ العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول آسيان: وافق المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي خلال دورته الثامنة عشر (مارس 1986م) على إبرام عقود مبدئية مع بعض دول الشرق الأقصى، لاسيما دول جنوب شرق آسيا والجمهورية الكورية من أجل بحث إمكانية إجراء اتصالات استكشافية مع هذه الدول. وخلال انعقاد الدورة ال 66 للمجلس الوزاري تمت المصادقة على بدء حوار اقتصادي مع دول جنوب شرق آسيا، وذلك بناء على التوصيات الصادرة عن لجنة التعاون المالي والاقتصادي التابعة للمجلس، فيما اتفق الجانبان على بحث سبل تطوير العلاقات وتبادل وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.  جرى أول اتصال رسمي بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة آسيان خلال عام 1990م، حينما أعرب وزير خارجية سلطنة عمان، بصفته رئيس المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي في ذلك الوقت، عن رغبة المجلس في تأسيس علاقات رسمية مع الرابطة الآسيوية. وفي العام ذاته، التقى وزراء خارجية رابطة آسيان مع نظرائهم في مجلس التعاون الخليجي للمرة الأولى على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بمدينة نيويورك. واتفق الجانبان حينذاك على الاجتماع سنويًا بمدينة نيويورك إلى جانب تشجيع الأمانة العامة لرابطة آسيان في جاكرتا ونظيرتها الخليجية في الرياض على العمل من أجل تنمية وتطوير التعاون المشترك. وفي أبريل من عام 2007م، قام الأمين العام لرابطة آسيان في ذلك الوقت أونغ كينغ يونغ بزيارة رسمية إلى الأمانة العام لمجلس التعاون الخليجي، حيث التقى خلالها مع نظيره الخليجي عبد الرحمن العطية، الذي صرح بأن "تعزيز العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول جنوب شرق آسيا يحمل إمكانات هائلة".

وأضاف العطية: "أنه في الوقت الذي تدفق فيه صادرات الطاقة الخليجية على دول جنوب شرق آسيا ومنها إلى الاقتصادات الآسيوية العملاقة على رأسها الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، تستورد دول الخليج مواردها الغذائية وغيرها من المنتجات المُصنعة من دول آسيان. من ثم، فإن قضية الأمن الغذائي تعتبر ذات أهمية محورية بالغة لدول مجلس التعاون الخليجي". في الوقت ذاته، اتفق الجانبان، الخليجي والآسيوي، على إعداد وثيقة من أجل إضفاء طابع رسمي على شكل العلاقات بين المنظمتين. وخلال اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول آسيان المنعقد على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من عام 2007م، اتفق الوزراء المجتمعون على عقد أول اجتماع وزاري كامل بين الجانبين من أجل منح قوة دافعة لجهود تعزيز العلاقات بين المنظمتين. أثمر ذلك بدوره عن انعقاد الاجتماع الوزاري الأول لدول مجلس التعاون والآسيان في يونيو 2009م، بالعاصمة البحرينية المنامة، والذي تبنى الرؤية المشتركة لدول مجلس التعاون ورابطة دول آسيان التي تضمن اتفاق الجانبين على إجراء دراسة وتقديم توصيات بشأن العلاقات المستقبلية بين الكتلتين.

وتشمل الدراسة مجالات التعاون التالية: أـ إقامة منطقة تجارة حرة؛ ب ـ التعاون الاقتصادي والتنمية؛ ج ـ الثقافة والتعليم والإعلام. كما شهد الاجتماع الوزاري التوقيع على مذكرة تفاهم بين الأمانتين. وعملاً بالنتائج التي خلُص إليها الاجتماع الوزاري الأول بين مجلس التعاون ورابطة دول آسيان، تم وضع خطة عمل لمدة عامين (2010-2012م) بهدف زيادة توسيع نطاق التعاون المشترك واعُتمدت الخطة رسميا فيما بعد خلال الاجتماع الوزاري الثاني لدول مجلس التعاون الخليجي ورابطة آسيان بسنغافورة في يونيو 2010م.

شهدت الأعوام التالية عقد أربعة اجتماعات عمل مشتركة بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة آسيان بما في ذلك: اجتماع تشاوري حول قضايا التعليم بمدينة بانكوك في نوفمبر 2010م، واجتماع عمل حول الأمن الغذائي والاستثمار الزراعي بالعاصمة القطرية الدوحة في مايو 2011م، ثم عقد اجتماع تشاوري آخر في يونيو من العام ذاته (2011م) بشأن السياحة بمدينة لوانغ برابانغ، لاوس. كذلك عُقد اجتماع لكبار المسؤولين الاقتصاديين بمدينة صلالة في سلطنة عمان خلال شهر يوليو عام 2011م. وإدراكا منها للأهمية المتزايدة للعلاقات مع المنطقة الآسيوية، سارعت دول مجلس التعاون الخليجي الست (البحرين، الكويت، قطر، المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات) إلى اعتماد سفراء لها داخل دول شرق آسيا. على الجانب الآخر، قامت رابطة آسيان بإنشاء فروع للجان التابعة لها داخل كافة عواصم مجلس التعاون الخليجي. وفي يونيو عام 2014م، تم عقد أول ورشة عمل بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول آسيان بسنغافورة من أجل مباشرة نتائج الاجتماع الوزاري الثالث بين المنظمتين الذي عُقد بمدينة المنامة في نوفمبر 2013م، استهدفت هذه الورشة مناقشة السبل والوسائل الممكنة من أجل إضفاء مزيد من الزخم للعلاقات المُتنامية بين المنطقتين. وشهدت حضور مسؤولين حكوميين، وباحثين، بالإضافة إلى رجال أعمال، وممثلين عن الدول الأعضاء داخل مجلس التعاون الخليجي والرابطة الآسيوية وبحث الحاضرون كيفية اتخاذ خطوات وتدابير ملموسة من أجل المضي قدما وإعادة إحياء التعاون بين المنطقتين.

علاوة على ذلك، شهدت مذكرة التفاهم الموقعة بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول آسيان خلال عام 2009م، على اتفاق الأمانتين على تبادل المعلومات حول أفضل الممارسات والعمل على إعلاء التعاون المشترك وبالأخص في المجالات الأربعة التالية: التجارة والاستثمار، والأمن الغذائي، والسياحة، والطاقة. كما اتفق الجانبان على عقد محادثات الطاولة المستديرة في سبيل استكشاف إمكانية تطوير اتفاقية إطارية للتجارة والاستثمار -للاستثمار الاقتصادي والتعاون الفني، وإمكانية إبرام اتفاقية للتجارة الحرة. كذلك تعهدت المنظمتان بتعزيز الاستثمار في قطاعات عدة تشمل: الزراعة والأمن الغذائي، والطاقة المتجددة والبديلة، والصحة، والسياحة، والنقل، والاتصالات والبناء، والتجارة، والاستثمار.

 اتفق مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول آسيان أيضًا على تعزيز التعاون في مجال الخدمات المالية والمصرفية، وإقامة اتصالات بين غرف التجارة في كلا المنطقتين، وإقامة منتدى أعمال بالتنسيق مع الغرف التجارية، وعقد مؤتمر لتشجيع الاستثمار. وأخيرًا، أولى الجانبان اهتمامًا خاصًا بملف التعليم والاستثمار في رأس المال البشري، مع الاتفاق على تنظيم مؤتمرات مشتركة لمؤسسات التعليم والبحث العلمي للتركيز على التدريب التربوي والمهني في مجالات الإدارة المدرسية، والرياضيات، والعلوم والتكنولوجيا، واللغويات والمجالات المهنية. كما تعهد الجانبان بالعمل على تطوير المناهج الجامعية داخل كل منطقة لتضمن محاضرات ومواد دراسية عن طبيعة المنطقة الأخرى. فضلاً عن، الالتزام بتطوير برامج المنح الدراسية لطلاب آسيان للدراسة داخل دول مجلس التعاون الخليجي والعكس صحيح، إلى جانب تبادل البعثات العلمية، والطلابية، والباحثين، وتنظيم مؤتمر مشترك للمؤسسات الثقافية.

التبعات الاستراتيجية للتعاون التجاري بين مجلس التعاون ورابطة آسيان: يُعتبر الاندماج الخليجي داخل الشراكات الآسيوية الإقليمية من بين أحدث الشواهد على انجراف الدفة الخليجية "صوب آسيا" -وذلك في ظل تضافر جهود البلدان الخليجية على مدار العقد الماضي من أجل تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية والأمنية مع نظيرتها الآسيوية. وعلى مدى الأعوام القليلة الماضية، ازدادت مشاركة وانخراط دول مجلس التعاون الخليجي بشكل مستمر داخل قطاع عريض من المنظمات السياسية والاقتصادية في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا. وفي الوقت الذي يسعى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي" ناتو" إلى مضاعفة حضورهم داخل المنطقة الخليجية، تسعى دول الخليج إلى رسم دور لها داخل كيانات مثل: منظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة بريكس، إلى جانب مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا، ورابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان".

وخلال انعقاد قمة منظمة شنغهاي للتعاون بمدينة سمرقند في أوزبكستان عام 2022م، ضمنت كلاً من المملكة العربية السعودية ودولة قطر مكانًا لهما داخل المنظمة ذات الطابع السياسي، والاقتصادي، والأمني، بصفتهما شركاء في الحوار، فيما من المقرر أن يشهد المستقبل القريب ضم كل من البحرين، والكويت، والإمارات كشركاء في الحوار إلى جانب الأعضاء المؤسسين وهم كل من: الصين، وروسيا، وكازاخستان، وقيرغستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان. وفي شهر أغسطس الماضي (2023م)، تم دعوة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات (إلى جانب إيران، ومصر، وأثيوبيا، والأرجنتين) للانضمام إلى مجموعة بريكس. بالتالي، فإن اندماج دول مجلس التعاون الخليجي داخل المنظمات الآسيوية الإقليمية يخدم مساعي قادة الخليج الذين ينظرون إلى هذه المنظمات باعتبارها نقطة انطلاق لبناء روابط مع الدول الآسيوية الأخرى.

وبرغم من التحالف التاريخي الوثيق بين المنطقة الخليجية والمنظمات الغربية، فإن التقاء القوى السياسية قاد دول مجلس التعاون الخليجي إلى تعزيز العلاقات المهملة على مدى عقود سابقة مع المنظمات الآسيوية. فأولا وقبل كل شيء، استشعرت دول مجلس التعاون الخليجي فوائد التعددية وأدركت أن اقتصار مشاركاتها على المنظمات الغربية قد يمنعها من أن تحظى بشُركاء محتملين داخل المحيط الآسيوي سواء على الصعيد السياسي أو التجاري. ومع إدراك ذلك، عمل القادة الخليجيون على تعزيز التمثيل والحضور الدبلوماسي الخليجي داخل البلدان الآسيوية والمنظمات الإقليمية بهدف دعم المواقف الخليجية في الشؤون الدولية وزيادة الخيارات الممكنة من أجل تطوير الشراكات الاستراتيجية مع الدول الآسيوية. علاوة على ذلك، أدرك قادة الخليج أن زيادة حضورهم داخل المنظمات الآسيوية من شأنه أن يسهم في رعاية ودعم علاقاتهم الاقتصادية والأمنية داخل هذه البقعة من العالم.

فمن جهة، تتوق دول مجلس التعاون الخليجي، صاحبة أسرع الاقتصادات نموًا، إلى اجتذاب مزيد من الاستثمارات الخارجية من أجل مواصلة تنفيذ مشروعاتها وخططها التنموية الطموحة. ومن جهة أخرى، تتوفر الرغبة والاستعداد لدى الاقتصادات الآسيوية للاستثمار داخل المنطقة الخليجية، فضلاً عن مصالح الدول الأعضاء الرائدة داخل المنظمات الإقليمية الآسيوية، على رأسها روسيا، والصين، والهند، داخل المنطقة الخليجية. حيث تلعب دول الخليج دورًا مهمًا بالنسبة للخطط الاقتصادية التي تتبناها الصين على المستوى العالمي، بما في ذلك مبادرة " الحزام والطريق".  كذلك، تعتمد بكين وغيرها من الاقتصادات الآسيوية الكبرى بشكل مفرط على المنتجات البتروكيماوية الخليجية.

خلال العقد الماضي، قام كبار المسؤولون الصينيون بزيارات عدة إلى المنطقة الخليجية وتوقيع شراكات استراتيجية شاملة مع المملكة العربية السعودية، والإمارات، وقطر، وسلطنة عمان، والكويت. في السياق ذاته، قام قادة خليجيون، من بينهم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، بزيارات إلى الصين في العديد من المناسبات. في الوقت ذاته، تأتي المشاركة النشطة لدول مجلس التعاون الخليجي مع القوى الآسيوية مدفوعة بفك الارتباط الواضح من جانب الولايات المتحدة التي تعتبر شريكًا أمنيًا رئيسيًا لدول الخليج.  وعلى الرغم من هذه الشراكة الأمنية، إلا أن عدم تيقن دول الخليج من التزامات الولايات المتحدة المستقبلية، دفعها للبحث عن شراكات بديلة وسط قناعة بأن التحالفات القائمة ربما لم تعد كافية لتلبية احتياجاتها الاقتصادية والأمنية في النظام العالمي الناشئ متعدد الأقطاب. حيث يأمل مجلس التعاون الخليجي في أن تسهم مشاركته داخل منظمات آسيوية متعددة الأطراف في تدعيم علاقاته الثنائية مع القوى الإقليمية المهيمنة، بالأخص الصين وروسيا في ظل المكانة العالمية الرائدة التي تتبوؤها القوتان على الصعيدين العسكري والاقتصادي فضلاً عن كونهما من الدول الأعضاء الرائدة داخل منظمة شنغهاي وتكتل بريكس. وعلى مدى العقد الماضي، عملت الدول الخليجية على تكثيف روابطها التجارية والدفاعية مع هاتين القوتين.

ونظرًا إلى أن اتجاه مجلس التعاون الخليجي إلى تعزيز علاقاته مع الدول الآسيوية والمنظمات الدولية قد أدى إلى انتقاص من تأثير ونفوذ القوى الغربية، يُمكن للمرء أن يتوقع توترًا محتملاً في العلاقات بين دول مجلس التعاون والغرب. إلا أن العكس هو الصحيح؛ رغم الشكوك المترتبة على تنامي العلاقات الخليجية-الآسيوية وحلقات التوترات الدبلوماسية، إلا أن العلاقات الخليجية مع القوى الغربية، بشكل عام، في تحسن مستمر. حتى أن العام الماضي، شهد إطلاق الاتحاد الأوروبي وثيقة مشتركة بشأن "شراكة استراتيجية مع الخليج" والتي تهدف إلى توسيع وتعميق التعاون الأوروبي مع مجلس التعاون الخليجي والدول الأعضاء فيه. وبهذا، فقد تعهد الاتحاد الأوروبي بتعزيز حضوره السياسي والاقتصادي بشكل كبير داخل المنطقة الخليجية.

جاء الإعلان عن هذه الوثيقة في وقت تعتري واشنطن والاتحاد الأوروبي مخاوف متنامية حيال التحول الخليجي المتواصل صوب الصين، التي حلت محل الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري لمجلس التعاون الخليجي خلال عام 2020م، مع تجاوز قيمة التبادل التجاري بين الجانبين أكثر من 161.4 مليار دولار. ومؤخرًا، قام الاتحاد الأوروبي بافتتاح مقر جديد له داخل دولة قطر بالإضافة إلى مقراته الكائنة في الكويت، والمملكة العربية السعودية، والإمارات. وسعيًا إلى تدعيم علاقاته التجارية وروابط الطاقة مع دول مجلس التعاون الخليجي، قام الاتحاد الأوروبي بتعيين لويجي دي مايو خلال شهر مايو الماضي كمبعوث خاص للمنطقة الخليجية، حيث تتمثل مهامه الرئيسية في العمل على تطوير شراكة قوية، وشاملة، واستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج.

في الوقت ذاته، لدى الولايات المتحدة وحلف الناتو مصالح جيوسياسية داخل المنطقة الخليجية. على الصعيد الأمريكي، تنعم واشنطن بعلاقات أمنية قوية مع كافة البلدان الخليجية. وفي عام 2004م، اتخذ حلف الناتو خطوة حاسمة في سبيل تعزيز علاقاته مع دول مجلس التعاون الخليجي من خلال إطلاق مبادرة اسطنبول للتعاون. كذلك، افتتح خلف الناتو أول مقر له داخل الخليج في دولة الكويت عام 2017م، أملا أن يسهم ذلك في تدعيم التعاون الأمني والعسكري بين الجانبين. وفي يونيو 2021م، افتتحت دولة قطر مكتب تمثيل عسكري لها داخل مقرات حلف الناتو ببروكسل. وفي مارس 2022م، أقدمت الولايات المتحدة على تصنيف دولة قطر كحليف رئيسي من خارج الناتو، مما يجعلها ثالث دول مجلس التعاون الخليجي التي تحصل على هذا التصنيف بعد كل من البحرين والكويت في عامي 2002 و2004م، على التوالي. كما قامت الولايات المتحدة والبحرين في سبتمبر 2023م، بتوقيع اتفاقية أمنية واقتصادية استراتيجية شاملة، حيث تأمل إدارة بايدن أن تصبح هذه الاتفاقية نموذجًا لكيفية تعزيز العلاقات مع دول الخليج الأخرى. وبموجب الاتفاقية -التي استغرق إعدادها نحو عام-تتعهد الولايات المتحدة بتوسيع التعاون الدفاعي والتقني وبناء القدرات الاستخباراتية. كما تضمن تحديد ماهية مشاركة البحرين ضمن ممر تجاري جديد للسكك الحديدية والبحرية بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط.

بالتالي، فإن رغبة مجلس التعاون الخليجي الواضحة في الحفاظ على علاقاته مع حلف الناتو والغرب إنما يؤكد المنظور الشامل لسياساته الخارجية. حيث إنه في الوقت الذي تشارك فيه دول الخليج بشكل متزايد مع المنظمات الإقليمية داخل آسيا من أجل تعويض النقص الملحوظ في الاهتمام من جانب الولايات المتحدة وأوروبا، فإنها لا تنوي التخلي عن تلك العلاقات أو حتى التقليل من شأنها. عوضًا عن ذلك، من المؤكد أن دول مجلس التعاون الخليجي ستواصل السير على خط رفيع بين المنظمات الإقليمية الغربية وغير الغربية من أجل تحقيق أفضل النتائج لمصالحها الأمنية والاقتصادية على المدى الطويل.

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، سطع نجم الولايات المتحدة كقوة عالمية رائدة ولفترة زمنية وجيزة للغاية، وُصف النظام العالمي بأنه نظام أحادي الجانب. إلا أنه مع بداية خمسينات القرن الماضي، أصبح هناك حضورًا ملموسًا لقوى عالمية مختلفة بما في ذلك روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقًا)، والصين، والاتحاد الأوروبي، واليابان، والهند وغيرهم من القوى العالمية. وبالنسبة لقادة الخليج، فإنهم كانوا كغيرهم من زعماء دول العالم، مدفوعين بالرغبة في تحقيق والحفاظ على مصالح أوطانهم -بما يشمل ذلك تحقيق نهضة اقتصادية، واستقرار سياسي، والحفاظ على الأمن القومي والإقليمي. وفي محاولتهم لاجتياز وعبور البيئة الإقليمية والعالمية المعقدة ودائمة التغير، سعى القادة الخليجيون إلى انتهاج سياسات متوازنة والحفاظ على علاقات جيدة مع كافة القوى العالمية والإقليمية والمنظمات الدولية. فمن الأهمية بمكان عدم تقييم العلاقات الدولية بحسابات عقلية "اللعبة الصفرية"، أي ينبغي عدم النظر إلى العلاقات الاقتصادية العميقة التي تجمع بين دول الخليج ودول رابطة آسيا وغيرها من القوى الآسيوية على أنها تأتي على حساب روابطها الأمنية والاستراتيجية الوثيقة مع الولايات المتحدة وأوروبا، إذ تحترم واشنطن سيادة واستقلالية الدول الخليجية في إقامة علاقات وثيقة مع القوى العالمية الأخرى. فالنهضة الاقتصادية والاستقرار السياسي داخل منطقة الخليج ودول آسيان يُعَدُ أمراً محموداً سواء بالنسبة للولايات المتحدة أو العالم بأسره.

مقالات لنفس الكاتب