array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 191

"الآسيان" جاذبة للاستثمارات طويلة الأجل وتلعب دورًا مهمًا في تطوير الاقتصادات الفقيرة

الأحد، 29 تشرين1/أكتوير 2023

"عالم في حالة غليان" عبارة من كتاب لمستشار الأمن القومي الأمريكي زبينغيو بريجنسكي في وصف حالة الأمم في مطلع قرننا الحالي، وقد جاءت الحروب في أوكرانيا وغرب إفريقيا والبلقان وفلسطين لتؤكد ما توقعه المستشار الأمريكي من أن نظامًا جديدًا يخرج من رحم نظام يتهاوى ويعتمد على قوى تتآلف أو تتنافر، وفي الأحوال كلها فإن المصالح هي ما يقودها.

ولأن الاقتصاد هو العمود الفقري للمصالح فإننا نرصد سباقًا محمومًا بين مجموعات من الأمم تتنافس على ما تعتبره دعمًا لمصالحها عبر شراكات اقتصادية لعل أبرزها مجموعة السبع، مجموعة العشرين، بريكس، ايغاد، مجموعة شنغهاي، مجموعة 77+ الصين، أوبك بلس، مجموعة رابطة جنوب شرق آسيا (الآسيان). سنركز في هذا المقال على آفاق التعاون بين دول الآسيان ودول مجلس التعاون مما يدعم موقع وقوة المجموعتين في النظام العالمي الجديد.

الأهمية الاستراتيجية لرابطة أمم جنوب شرق آسيا (الآسيان)

 تأسست رابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان) في 1967م، بتجمع من خمس دول هي إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلند، وانضمت إليها بروناي في 1984م، ثم فيتنام في 1995م، ولاوس وميانمار في 1997م، وأخيرًا كمبوديا في 1999م، أغلب هذه الدول غنية بالموارد الطبيعية ومعظمها ديناميكية اقتصاديًا وتقع استراتيجيًا بين المحيطين الهادئ والهندي، وتعتبر ممرات بحرية حيوية للأمن الاقتصادي والعسكري للعديد من دول شمال شرق آسيا. لعبت المجموعة دورًا مركزيًا في تعزيز التكامل الاقتصادي الآسيوي بين أعضائها، ونجحت في توقيع أكبر اتفاقية تجارة حرة في العالم وهي اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة. بدأت المجموعة في إطلاق مبادرات لتعزيز التعاون الإقليمي ووقعت ست اتفاقيات تجارة حرة مع اقتصادات إقليمية أخرى، من بينها معاهدة في 1995م، للامتناع عن تطوير أو حيازة أو امتلاك أسلحة نووية. وفي مواجهة الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997م، التي بدأت في تايلاند، اندفع أعضاء رابطة دول الآسيان إلى زيادة تكامل اقتصاداتهم، وكانت مبادرة شيانغ ماي الرامية إلى ترتيب مبادلة العملات في عام 2000م، بين أعضاء الرابطة والصين واليابان وكوريا الجنوبية وسيلة لتوفير الدعم المالي لبعضهم ومكافحة المضاربة على العملة.

يبلغ إجمالي عدد سكان الرابطة حوالي 700 مليون نسمة، 61٪ تقل أعمارهم عن 35 عامًا "ويتبنى غالبيتهم التقنيات الرقمية في أنشطتهم اليومية". ووفقًا لتقرير توقعات التنمية في الآسيان (ADO)، بلغت قيمة إجمالي الناتج المحلي الإجمالي المشترك في عام 2019 3.2)$ تريليون) ، مما يجعل الآسيان خامس أكبر اقتصاد في العالم، ومن المتوقع أن تصبح رابع أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2030م.  وتتباين مستويات الدخل القومي للفرد في هذه الدول، حيث تستحوذ سنغافورة على أعلى نصيب للفرد من الناتج المحلي الإجمالي في المجموعة، حوالي 60,000 $، فإن ميانمار هي الأدنى، حوالي 1,400 $ . (البنك الدولي: 2020 م). وتختلف خصائص التركيبة السكانية في هذه الدول أيضًا، والتي تستوعب العديد من الجماعات الدينية والعرقية، وتعد سنغافورة وفيتنام من بين أكثر دول العالم تنوعًا دينيًا، وفقًا لتقرير مركز بيو للأبحاث لعام 2014م، في حين أن كمبوديا ذات الأغلبية البوذية وإندونيسيا ذات الأغلبية المسلمة متجانستان نسبيًا. تشمل جغرافية الآسيان الأرخبيلات والكتل الأرضية القارية ذات السهول المنخفضة والتضاريس الجبلية.

وبالرغم من تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي عالميًا نتيجة جائحة كورونا إلا أن دول الآسيان ظلت وجهة استثمارية جذابة. حيث ارتفعت حصة المنطقة من الاستثمار الأجنبي المباشر من 11.9٪ في عام 2019 إلى 13.7٪ في عام 2020م، وارتفعت حصة الاستثمار ضمن دول المجموعة من 12٪ إلى 17٪. وفي نفس الوقت تضاعفت قيمة تمويل المشاريع الدولية من متوسط سنوي قدره 37$ مليار في الفترة 2015-2017م، إلى متوسط سنوي قدره 74 $ مليار في الفترة 2018-2020م.

وقد حدد إطار التعافي الشامل للرابطة (ACRF) التواصل الرقمي كأولوية لتسهيل التواصل الإقليمي والانتعاش الاقتصادي، والذي ارتبط بنتائج استطلاع شمل 86000 شخص من ست دول من دول الآسيان أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي وجد أن المستجيبين، بما في ذلك رجال الأعمال كانوا "أكثر رقمية" وأكثر مرونة اقتصاديًا أثناء الوباء. فكان اعتماد الاستراتيجية الموحدة للثورة الصناعية الرابعة (4IR) الذي جاء خلال قمتي الآسيان 38 و39 واتفاقية الآسيان بشأن التجارة الإلكترونية الذي من المؤكد سيعزز دفع المنطقة للتحول الرقمي والاستثمار الخاص في تطوير البنية التحتية الرقمية وشبكات G5 ومراكز البيانات الكبيرة والحوسبة السحابية والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والتصنيع الذكي.

لقد أحرزت رابطة دول جنوب شرق آسيا بعض التقدم نحو التكامل الاقتصادي والتجارة الحرة. في عام 1992م، أنشأ الأعضاء منطقة التجارة الحرة (AFTA)   بهدف إنشاء سوق واحدة، وزيادة التجارة والاستثمارات داخل الآسيان، وجذب الاستثمار الأجنبي. في عام 1996م، "كان متوسط معدل التعريفة الجمركية في جميع أنحاء الكتلة حوالي 7 %، واليوم أصبحت التعريفة داخل الرابطة صفرًا فعليًا". وقد أعطت الكتلة الأولوية لأحد عشر قطاعًا للتكامل، بما في ذلك الإلكترونيات، والسيارات، والمنتجات القائمة على المطاط، والمنسوجات والملابس، والمنتجات القائمة على الزراعة، والسياحة.

في نوفمبرم 2020م، انضم أعضاء الآسيان إلى أستراليا والصين واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية بالتوقيع على الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)، وهي اتفاقية تجارة حرة. على الرغم من أنها لا تخفض التعريفات بشكل كبير، إلا أنها بالمقارنة بالاتفاقيات التجارية الأخرى تخدم % 30   من سكان العالم مما يعزز التكامل الاقتصادي بين شمال شرق وجنوب شرق آسيا. كما أن آسيان طرف أيضًا في ست اتفاقيات للتجارة الحرة مع دول خارج المجموعة، بما في ذلك الهند. وتعتبر الولايات المتحدة رابع أكبر شريك تجاري للرابطة من حيث السلع، بعد الصين والاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، لا تزال هناك بعض التحديات التي تواجه التكامل الاقتصادي، مثل الحواجز غير الجمركية، ومجالات حظر الاستثمار التي تفرضها الحكومات، والاختلافات في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعل حصة التجارة البينية بين دول الآسيان كنسبة من إجمالي تجارة الكتلة منخفضة، عند 21 % في عام 2020م. كما أضرت القضايا الداخلية، مثل عدم الاستقرار والفساد، بالتجارة داخل الكتلة. ولا تزال رابطة دول الآسيان منقسمة حول كيفية التصدي للتحديات الأمنية والتي تشمل مطالبات الصين في بحر الصين الجنوبي، وتدفق اللاجئين، والكوارث الطبيعية. إلا أنه في عام 2002م، وقعت الرابطة والصين على إعلان سلوك الطرفين غير الملزم في بحر الصين الجنوبي، على الرغم من أنهما لم تتفاوضا بعد على مدونة ملزمة قانونًا.

دول مجلس التعاون والآسيان

وافق المجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في الدورة 18 مارس 1986 م، على إجراء اتصالات أولية مع بعض دول الشرق الأقصى وخاصة رابطة دول جنوب شرق آسيا وجمهورية كوريا الجنوبية للنظر في إمكانية إجراء اتصالات استكشافية مع هذه الدول، ووافق المجلس في دورته الــ 66، بناء على توصية لجنة التعاون المالي والاقتصادي، على بدء حوارات اقتصادية مع دول جنوب شرق آسيا. وتبعت ذلك في 2000 م، نقاشات حول سبل ومجالات التعاون بين مجلس التعاون ورابطة الآسيان.

وعملًا بنتائج الاجتماع الوزاري الأول لرابطة الآسيان ودول المجلس، وضعت خطة عمل لمدة عامين (2010-2012م) لتكثيف التعاون بينهما وقد اعتمدت في الاجتماع الوزاري الثاني في 2010م، في سنغافورة. وبالرغم من أن بعض دول مجلس التعاون الخليجي منفردة، مثل السعودية والإمارات، طورت علاقات ثنائية مهمة مع دول الآسيان من أجل التجارة والاستثمار والتعاون الدبلوماسي، إلا أن هذه العلاقات لا تعكس التعاون على مستوى مجموعة دول المجلس ورابطة دول الآسيان جميعها.

المكاسب المتوقعة على المستوى التجاري واستراتيجيات التنمية لدول المجلس

في واقع الأمر أن لدى منطقتي دول مجلس التعاون الخليجي والآسيان أساسًا للتعاون المستقبلي خصوصًا إذا علمنا أن شركات دول المجلس سبق أن استثمرت في إنشاء مصافي النفط ومرافق للبتروكيماويات في دول الآسيان، واستثمرت مؤسسة الخليج للاستثمار -وهي صندوق الثروة السيادية في سنغافورة – 600$ مليون في مشروع خط أنابيب أدنوك للخام، والتزمت الإمارات باستثمار 10 $مليارات في صندوق الثروة السيادية لإندونيسيا. تستحوذ الإمارات على نسبة قدرها 74% من إجمالي الاستثمارات الخليجية في منطقة الآسيان والتي بلغت قيمتها خلال الفترة من يناير 2016 لسبتمبر 2020م، نحو 13.4 $ مليار، وقدر استثمار دول الرابطة في دول المجلس بنحو 3.6 $ مليار خلال الفترة ذاتها وجاء ثلثا هذه الاستثمارات من سنغافورة.

وتعد دول مجلس التعاون الخليجي وجهة لبعض الصادرات الرئيسية لرابطة الآسيان وعلى مدى السنوات الخمس الماضية جاءت الإلكترونيات والآلات من بين أهم السلع التي تستوردها دول المجلس ومثلت الإلكترونيات 28% والآلات 12% من قيمة الواردات البالغة 144 $ مليار في الفترة بين 2016 و2020م، واستحوذت دول الآسيان على 4% فقط من إجمالي صادرات دول المجلس خلال الفترة نفسها، أي ما يعادل 126 $ مليار وكان الجزء الأكبر منها من النفط الخام (43%).

 يضاف إلى ذلك أن هناك بعض الاستثمارات التي تمت في مجال الأغذية والتجارة الإلكترونية والخدمات المالية. وفي نفس الوقت تنشط شركات الآسيان في قطاعي الضيافة والأغذية في دول المجلس ولها أيضًا تواجد محدود في الخدمات المالية. ومن ثم فإن البناء على نتائج مثل هذه التجارب يمكن أن تكون درسًا من الدروس المستفادة التي تدفع إلى توحيد المساعي نحو التوسع الاستثماري في المجالات ذات القيمة المضافة الواعدة لاقتصادات دول المجلس. وفي  حالة سعت دول المجلس  مجتمعة إلى بناء شراكات اقتصادية مدروسة فمن أهم القطاعات التي يجدر الالتفات إليها ويمكن أن تحقق تحسنًا ملحوظًا هي النقل والخدمات اللوجستية، بحيث يمكن تعزيز استخدام المعرفة والخبرة الموجودة لدى دول المجلس وبالأخص دولة الإمارات لتوسيع العلاقات التجارية بين هذه الدول ودول المجلس، فالتعاون والتطوير المشترك في مشاريع البنية التحتية، وبالأخص في قطاعات مثل النقل والخدمات اللوجستية والاتصالات السلكية واللاسلكية يمكن أن تعزز وسائل النقل الجوي والبحري والبري، و تساهم في تسهيل حركة البضائع والأشخاص وتيسير أساليب النقل والتجارة وسلاسل التوريد والتبادل السياحي بين المنطقتين.

ويتمحور البعد الآخر حول الأعمال التجارية خصوصًا المتعلقة بالأنشطة الزراعية والغذاء فكلنا يعلم أن دول المجلس تستورد ما يزيد عن 90٪ مما تستهلكه من الخارج، وهذا ما يدعو أن تكون الزراعة والأمن الغذائي على رأس أولويات هذه الدول، ومن ثم فإن بناء شراكات إقليمية موحدة لمعالجة هذه القضية تستحق أن تكون ذات أهمية كبرى. وعلى الصعيد الآخر فإن البيع بالتجزئة والتجارة الإلكترونية والخدمات المالية والتكنولوجيا المالية التي برزت بقوة بعد الجائحة تدفع إلى ضرورة توحيد السياسات وتطوير الشراكات في هذا الجانب الجديد نوعًا ما. مثل هذه الأنشطة يمكن لدول المجلس أن تخطط للقيام بها بشكل جماعي لتحقيق قيمة مجزية من التبادل التجاري ومنافع عامة على شعوب المنطقة. خصوصًا إذا علمنا أن الاقتصاد الرقمي سوف يقود النمو في القطاعات الرئيسية لكل من دول الرابطة. حيث تشير بعض الدراسات أنه في عام 2022م، ارتفعت إيرادات النقل والخدمات اللوجستية والزراعة والأغذية في هذه الدول بنسبة   90%، وبنسبة 87% في تجارة التجزئة والتجارة الإلكترونية، وبنسبة 83 % في قطاع الخدمات المالية والتكنولوجيا المالية. ومن المتوقع أن يؤدي الاستخدام المتزايد للمنصات الرقمية، من تطبيقات النقل والتجارة الإلكترونية إلى بلوكتشين والمستشارين الآليين في الخدمات المالية، إلى تعزيز الكفاءة ومساعدة الشركات على تقديم خدمات مبتكرة للشركات والمستهلكين. وأكدت العديد من الشركات أنه تم تأمين غالبية إيراداتها من خلال القنوات الإلكترونية والإنترنت بحيث وصلت النسبة إلى 67 % في عام 2022م، بالمقارنة 26% في 2019م، وحيث إن دول المجلس حققت تقدمًا ملحوظًا في جهودها للتحول الرقمي، وزادت معدلات النمو غير النفطي للاقتصاد الذي تواكب مع زيادة في الاستثمارات الخاصة غير النفطية، فمن ثم إن تعاون دول مجلس التعاون في هذا المجال سيجعل العديد من القطاعات تنمو وتوسع إيراداتها، نظرًا للاستفادة من تبادل المعارف في القطاعات الرئيسية مثل قطاع التكنولوجيا المالية الأكثر تطورًا في دولة مثل سنغافورة. فتعزيز الشراكات في مجال التكنولوجيا والابتكار وتبادل المعرفة، والتعاون في مجال البحث والتطوير، والمبادرات التقنية المشتركة يمكن أن يكون لها عائد إيجابي في دفع التقدم التقني والتنويع والنمو الاقتصادي.

وهناك مجال لزيادة التجارة في المنتجات الزراعية، لأن دول المجلس تعتمد على منطقة الآسيان في 7٪ فقط من إجمالي وارداتها من الأغذية والمشروبات. وبالنظر إلى أن رابطة الآسيان معروفة بإنتاجها من الأرز وفول الصويا والفواكه الاستوائية، من بين زراعات أخرى، فإنه يمكن لدول المجلس استكشاف مجموعة متنوعة من المنتجات الزراعية للاستثمار فيها وتأمين ما تحتاجه من وارداتها الغذائية، خصوصًا في ظل تعزيز روابط النقل والخدمات اللوجستية وكذلك مواءمة قواعد المنتجات التي يمكن أن تسهل عملية الاستثمار والتبادل التجاري في المنتجات الزراعية بين المنطقتين.

وحيث أن استراتيجيات دول المجلس اعتمدت الاستدامة والطاقة البديلة كأحد الأهداف الرئيسية فإن التعاون في هذا المجال يمكن أن يشكل بعدًا هامًا بالنسبة لدول المنطقتين فتوفر الاحتياطيات الكبيرة في دول المجلس من النفط والغاز واحتياجات دول الآسيان المتزايدة من الطاقة، يمكن أن تتقاطع استراتيجيات المنطقتين في هذا المجال. بحيث يصار إلى التخطيط لمشاريع مشتركة في مجال استكشاف الطاقة، وتبادل التكنولوجيا، وتطوير مصادر الطاقة المتجددة. يضاف إلى ذلك أهمية الشراكة والتعاون في مبادرات الاستدامة البيئية، من خلال تبادل أفضل الممارسات لإدارة المياه، ومكافحة التصحر، ومواجهة تحديات تغير المناخ.

بصورة عامة إن أي تعاون وتقارب في مختلف المجالات يمكن أن يعزز النمو الاقتصادي، ويقوي العلاقات الدبلوماسية، ويساهم في الاستقرار الإقليمي. إلا أن أية جهود لتعزيز التعاون بين دول المجلس ورابطة دول جنوب شرق آسيا تحتاج إلى الدراسة الشاملة والنظر في العوامل الجيوسياسية والاقتصادية والثقافية الفريدة التي تلعب دورًا في كل منطقة وتصميم المبادرات وفقًا لما يتفق مع استراتيجيات الدول الأعضاء وما يخدم مصالح شعوبها. وحيث أن ما تعاني منه دول المجلس هو نقص البيانات والإحصاءات الدقيقة فمن المهم أن تسعى هذه الدول إلى الاهتمام بنشر إحصاءات اقتصادية دقيقة ووقتية، وتطوير أطر الاقتصاد الكلي والأدوات الأساسية لتوجيه القرارات المتعلقة بالسياسات، لكي تضمن حسن اختيار مبادراتها وانتقاء شراكاتها وتحديد برامجها الاستثمارية وقطاعاتها ذات الأولوية.

المشاركة المحتملة لدول الآسيان في تركيبة النظام الدولي الجديد

من المتوقع أن تظل منطقة الآسيان واحدة من أسرع المناطق نموًا في العالم برغم تراجع النمو الاقتصادي قليلًا في عام 2022م، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تدهور الظروف الاقتصادية العالمية وتشديد السياسة النقدية. ومن المرجح أن يشهد النصف الثاني من العام 2023م، ظروفًا أكثر ملاءمة للنمو العائد إلى انخفاض التضخم الذي يتيح "للبنوك المركزية مرونة أكبر في أسعار الفائدة"، والذي في نفس الوقت يستفيد من النشاط الاقتصادي المتزايد في الصين.

يمكن لدول الآسيان أن تلعب دورًا هامًا في النظام الدولي نتيجة موقعها الجيوسياسي المتميز خصوصًا مع تعاظم التنافس بين الولايات المتحدة والصين وسعي القوتين العظميين إلى تعميق العلاقات في المنطقة. وقد سلطت الدولتان الضوء على التزامهما بالتجارة مع اقتصادات الآسيان -فالصين من خلال اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)  والاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ (CPTPP)يجعلها تلعب دورًا هامًا في اقتصاد المنطقة. وفي نفس السياق بالنسبة للولايات المتحدة التي لديها اتفاقيات للتجارة الحرة مع بعض دول الآسيان. مثل هذا التنافس بين القوى العظمى يمكن أن يساهم بشكل إيجابي في النمو الاقتصادي مما يجعل رابطة دول الآسيان قوة اقتصادية هامة عالميًا، تمتلك العديد من دولها صناعات متطورة وقطاعات سياحية دولية واعدة، تتطلع إليه الشركات متعددة الجنسيات كمركز إنتاج بديل، تجذبه أجورها التنافسية، وتحسين اللوائح التجارية والبنية التحتية، وزيادة الطلب المحلي.

كما تعتبر اقتصادات رابطة أمم جنوب شرق آسيا وجهات جذابة للاستثمار الأجنبي المباشر وبدائل جذابة للشركات التي تتطلع إلى مواقع إنتاج أرخص. فعلى سبيل المثال جذبت سنغافورة حوالي 100$ مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية في عام 2021م، اتجهت إلى تكنولوجيا المعلومات والفضاء والإلكترونيات والأدوية والخدمات المهنية. واستقبلت إندونيسيا، التي هي العضو الوحيد في مجموعة العشرين، حوالي 43 $ مليارًا في عام 2022م، وهو أعلى مستوى في تاريخ البلاد، وذلك لكونها تملك الكثير من الموارد الطبيعية وتغطي سوقًا محلية كبيرة (260 مليون نسمة) توفر فرصًا استثمارية طويلة الأجل.

تعكس الأمثلة المذكورة أعلاه الاتجاهات طويلة الأجل التي ستستمر على الرغم من ضعف الاقتصاد العالمي. ومن المرجح أن تستمر الزيادة في الاستثمار الأجنبي المباشر، وخاصة بالنسبة لسنغافورة وماليزيا وتايلاند وإندونيسيا وفيتنام في الأعوام المقبلة. وكما يشير تقرير (الأونكتاد) أن رابطة الآسيان تشكل كتلة تجارية تغطي مساحة شاسعة من منطقة آسيا والمحيط الهادئ وتلعب دورًا مهمًا في تطوير الاقتصادات الفقيرة، وإن "اتفاقية RCEP "يمكن أن تمنح أعضاءها دعمًا إضافيًا وحافزًا يساعد في إنعاش النمو الاقتصادي، ويعزز روابط التجارة والاستثمارات البينية في ظل التوترات التجارية العالمية. وأكد التقرير على أن "التعاون الاقتصادي في إطار الشراكة يمكن أن يدعم تمويل مشاريع البنية التحتية ويشجع الشركات على الاستثمار الصناعي في مشاريع جديدة تزيد من مشاركة الآسيان في سلاسل القيمة العالمية".

وأخيرًا ربما من المفيد الإشارة إلى أن قمة آسيان الأخيرة وقد عقدت في جاكرتا الشهر الماضي حضرها كل من رئيس الوزراء الصيني لي تشتانغ ونائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف وهو ما يؤكد أن علاقات دول الآسيان ترفد دول مجلس التعاون الخليجي بقوة اقتصادية مؤثرة في عالم التكتلات الاقتصادية الذي يسوده الغليان.

مقالات لنفس الكاتب