array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 191

الانفتاح العربي على آسيان يعزز الحضور في الشرق ويؤسس لحالة "عدم انحياز" جديدة

الأحد، 29 تشرين1/أكتوير 2023

قبل الحديث عن علاقات دول مجلس التعاون الخليجي ودول رابطة الآسيان، ينبغي التطرق إلى حيثيات نشأة رابطة دول "آسيان" والأسباب التي أدت إلى إعلانها عام 1967م، حيث أن الجميع يدرك أنها نشأت بعد خلافات بين إندونيسيا والفلبين وماليزيا بسبب بعض النزاعات، فقامت تايلاند بوساطة بينها للمصالحة فرأت الدول أن هناك ضرورة لوجود تعاون إقليمي في ما بينها، وبناء عليه فقد توافقوا على إقامة فكرة تشكيل رابطة جنوب شرق آسيا للتعاون تحت اسم "آسيان"، عندها بدأت تايلند تعد مشروع ميثاق للمؤسسة الجديدة، ليأخذ إعداده بضعة أشهر، ثم دعت ماليزيا والفلبين وإندونيسيا إلى اجتماع في بانكوك، وأرسلت سنغافورة وزير خارجيتها وكان هذا هو الإطار الذي نشأت عليه آسيان.

واليوم بعد العديد من الاجتماعات واللقاءات بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول "آسيان"، بدأت مروحة المنظمتين تتسع دائرتها لنسج علاقات وشراكات وثيقة وعلاقات متينة تساهم في فتح  آفاق جديدة تتناغم مع أهداف الرؤية السعودية 2030م، كما وعلى صعيد آخر قد أنجزت المملكة العربية السعودية الجزء الكبير من ترتيب الوضع مع دول آسيا الوسطى في قمة استضافتها "المملكة" ونظمت خلالها العلاقات السياسـية والاقتصادية المتنامية، في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي بالرياض، منذ نحو أكثر من عام وأقر الاجتماع خطة العمل المشترك (2023 – 2027م) في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والتواصل بين الشعوب وهذا الاجتماع أتى لتعزيز الرؤية السعودية  2030، والتلاقي مع مبادرة الحزام والطريق.

"الانفتاح" على "آسيان" يعزز الحضور في الشرق

وبالتوازي فقد تقرر عقد اجتماع قمة بين مجموعتي مجلس التعاون الخليجي وبين رابطة دول آسيان في الرياض خلال أكتوبر المنصرم، من أجل تذليل ما تبقى من عقبات، تماشياً مع سياسة إرساء المصالح المشتركة الاقتصادية والتنموية  والتقنية، تأتي هذه "الانفتاحة" السعودية مع منظمة  "آسيان" من الدور الجيوسياسي في مبادرة "الحزام والطريق" ، تماشياً مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030، التي بدأت ترسم خارطة مستقبل جديد لجيل جديد، وذلك بعد بروز قيادات شابة أبرزها وأكثرها دينامية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والذي رسم خارطة طريق ترتكز على دراسات ومشاريع تنموية من شأنها النهوض بالمجتمع العربي كشعوب، وتعزز القدرات الاقتصادية والعسكرية بهدف الخروج من دائرة الابتزاز التي تعتمدها دول الغرب الكبرى وكسر هيمنتها للوصول إلى استقلالية القرار وفتح أبواب التعاون مع جميع القوى بالتوازي، وأن أهمية هذا الانفتاح أنه يحصل في وقت تتخبط فيه جميع دول العالم ومنشغلة بالعديد من الجبهات للقول إن زمن الإملاءات ولى إلى غير رجعة.

وترتكز هذه العلاقة الثنائية على اعتبارات أن الرابح هو "التنمية" و "الانفتاح الإيجابي" و "التطور التكنولوجي" و"النهضة الاقتصادية" وبالتالي انعكاسها على شعوب المنطقتين طويل الأمد مما يعزز حضور "المملكة العربية السعودية" في الشرق.

كما أن ثلاثة دول خليجية وهي الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر وسلطنة عمان في أيلول / سبتمبر 2019م، وقعت على معاهدة الصداقة والتعاون مع دول رابطة "آسيان"، لتوطيد علاقات الدول الثلاث مع دول المنظمة بناء على المعاهدة الحديثة، من أجل تطوير وزيادة أوجه التعاون بين الجانبين في مجالات شتى، فيما جمع "مجلس التعاون الخليجي" و"رابطة جنوب شرق آسيا"، على أن تستكمل في الأسابيع المقبلة.

ومن خلال الدور البارز الذي تلعبه دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة المملكة العربية السعودية في تبريد الجبهات والملفات في المنطقة، ما قد يجعلها عامل يضفي مزيدًا من الاستقرار الأمني والسياسي لقدرتها على التواصل مع جميع القوى والأحلاف، واتخاذ مسافة واحدة من الجميع لخلق توازن كبيرًا وعميقًا ومهمًا في مجال السياسة الخارجية.

ففي السياسة، المشترك بين دول "مجلس التعاون الخليجي" ودول "الآسيان" أن الطرفان يتسمان بالأهمية الاستراتيجية والنمو الاقتصادي، ويعتمدان الحياد بعيدًا عن استقطاب المشاكل، والنمو المتزايد في مجال التقنية والتجارة الإلكترونية، هذا ما رفع مؤخراً من مخاوف الصين وتوجسها من توجه بوصلة الدول الغربية الكبرى نحو دول "الآسيان" وخلق مجالات لعرقلة الانتقال من الأحادية إلى عالم متعدد الأقطاب يحفظ لكل شعب حقه ودوره وفق إمكانياته، لأن في المفهوم الصيني القائم أن قيام تعدد الأقطاب يكون على أساس استراتيجية التنمية والتشارك والتعاون السلمي وفق سياسة الربح المشترك، إضافة إلى السعي لإحلال السلام والاستقرار بهدف إيجاد الأرضية المناسبة للتنمية المجتمعية من أجل بناء مجتمع أفضل للبشرية جمعاء وهذه الاستراتيجية تتبناها الصين والعديد من الدول وخاصة العربية.

وبالتالي فإن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها مستمرة بالعمل الدؤوب لإبقاء استراتيجية الأحادية الأمريكية المعتمدة على سياسة الاحتواء ومبدأ الهيمنة وبسط النفوذ، وتسعير حدة الخلافات، وفي السياق فإن واشنطن وضعت خطة هدفها الرئيسي قطع الطريق أمام الصين لكبحها من المضي قدماً ببناء عالم متعدد الأقطاب، لكونها تعتبر الأقوى اقتصادياً والقادرة على التواصل مع الأقطاب الدولية ذات الوزن، حيث تساعدها على الاعتماد على الذات في مواجهة التضخمات والأزمات المفتعلة، للتوصل إلى التنمية المجتمعية وتطوير الشعوب اقتصادياً وإخراجها من شرنقة الفقر والعوز بمشاريع تنموية، عدا عن حجمها في السوق التجاري العالمي الذي دخلته من أوسع أبوابه.

وبالعودة إلى الخطة الأمريكية، حيث تشير المعطيات أن الإدارة الأمريكية اعتمدت سياسة احتواء الصين، فوجهت كل أدواتها لمواجهتها وتبدلت الاهتمامات والأهداف من الشرق الأوسط إلى الشرق الأدنى لتلعب بذات الخطة التي اعتمدتها في الشرق الأوسط ألا وهي "الفوضى الخلاقة".

وتشير المعلومات أن الولايات المتحدة الأمريكية قد نشرت طائرات عسكرية حربية بعيدة المدى في جزيرة غوام، وفي السياق فإن بعض دول آسيان تعول على دعم أمريكي أكبر مما تعهدت فيه، حيث إن بعضها يعتبر أن دعم الولايات المتحدة يقوي تايوان ويساعدها على إبقاء مضيق تايوان على حاله تحت مسمى تعزيز حرية الملاحة، وتسوق هذه الدول لفكرة العمل على حل النزاعات سلمياً.

أما حقيقة الأمر فإن الولايات المتحدة الأمريكية اليوم تحاول تطويق دور الصين في "آسيان"، لأن تجعل لنفسها موقعاً عسكرياً يهدد عمق الخاصرة الصينية، وذلك باستغلال أهمية موقعها الجيوسياسي المتاخم لبحر الصين الجنوبي، ما يهدد لأن تتحول إلى محطة صراع في القضايا الدولية بين القوى الكبرى، لذلك تحاول استمالة "آسيان" ما قد يهدد استقرار الشرق الآسيوي، وتتسرب معلومات  عن انتشار عسكري أمريكي في المحيطين الهادي والهندي، كمحاولة من الرئيس الأمريكي جو بايدن لبناء شراكة استراتيجية شاملة مع "آسيان" لكبح  الدور الصيني، ولقطع الطريق على الشراكة الاستراتيجية التي أقامتها الصين مع آسيان عام 2021م، إلا أن المصالح المشتركة للبلدان تنجذب أكثر إلى من يقدم استثمارات أكثر حيث سيحظى بالنفوذ والشراكة الاستراتيجية ، فميزان الاستثمار الصيني  أكبر من ميزان الاستثمار الأمريكي اللذين تعهدان بـه.

محاولات أمريكية لعرقلة "الحزام والطريق"

 

إن محاولات الولايات المتحدة الأمريكية لم تتوقف عند هذا الحد في استمرار محاولاتها عرقلة مشروع "الحزام والطريق"، الصيني من خلال إعادة تعويم الحديث عن "الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا".  فكان الإعلان عن هذا الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا مروراً بالخليج العربي في قمة العشرين في نيودلهي، بمثابة تحدياً من قبل الولايات المتحدة الأميركية لمبادرة "الحزام والطريق" المعروفة بطريق الحرير الصيني.

لا شك أن الممران الاثنان يهدفان إلى بناء شبكة اقتصادية وبنى تحتية تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا، لتعزيز الاقتصاد العالمي، إلا أن الخلاف بينهما، هو أن الصين أقامت مبادرتها بناء على حضورها السلس بالعمل الجدي على تصفير مشاكل المنطقة، وإرساء مفاهيم السلام والاستثمار بالتنمية المجتمعية ومواجهة الفقر، فيما تحاول الولايات المتحدة الأميركية إرساء فكرتها على قاعدة الفرض والضغط، رغم أهميتها في ربط القارات وتقليل المسافات وتسريع الملاحة التجارية.

سيما أن العالم أصبح يعتمد بشكل متزايد على الصين في تأمين الصناعات الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، وفي كلتا المبادرتين "طريق الحرير" أو "الممر الاقتصادي الهندي"، يعززان العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول "الآسيان"، و دول آسيا الوسطى ويربطانه، فمبادرة الحزام والطريق لم تعد حلماً صينياً فقط، إنما أصبحت مطلبًا لدى الشعوب النامية وأمراً واقعاً فرضته الصين بعلاقاتها مع دول المنطقة العربية ومع دول آسيا الوسطى ودول آسيان، هكذا أصبح لزاماً أن تنعكس إيجابيات الترابط والتعاون فيما بين جميع الدول بما يضمن لها استقرارها وينعش اقتصادها ويفرض على بعضها أن تخرج من سياسة الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج والاستثمار الصناعي وتوسع التبادل التجاري بعد تقريب المسافات، خاصة أن الصين هي واحدة من أكبر المقرضين للدول النامية من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، والتي تهدف لتوسيع التجارة من خلال بناء موانئ وسكك حديدية وبنى تحتية أخرى في جميع أنحاء آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا.

الاقتصاد بين دول "مجلس التعاون الخليجي" ودول رابطة "آسيان"

كما أن هذه العلاقة مع دول رابطة "آسيان" تنعكس إيجاباً حيث وصل عملاق النفط السعودي "شركة أرامكو السعودية" للاستثمار في ماليزيا، بعد إعلان فشل صفقة الاستحواذ على حصة من ريلاينس الهندية، تبلغ قيمتها سبعة مليارات دولار مع "بتروناس" للبتروكيماويات في ماليزيا في عام 2017م، وهي تمثل أكبر استثمارات للشركة السعودية خارج المملكة، إذ تخطط لزيادة حصتها في مجمع "بنجيرانج للتكرير والبتروكيماويات" .في ولاية جوهور أيضاً، كما وقعت في عام 2013م، على مشروع يسمح لماليزيا بالمنافسة مع سنغافورة لتصبح مركزاً إقليمياً للصناعات البترولية في جنوب شرقي آسيا. كما وقعت الإمارات العربية المتحدة اتفاقاً يقدر بـ6.57 مليار دولار لتأسيس منشأة لتخزين البترول بسعة تصل إلى 40 مليون برميل من النفط الخام في ولاية جوهور الماليزية، فيما استثمرت دولة قطر حوالى 5 مليارات دولار

وتوطيداً للعلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول "آسيان" توجهت شركة البترول الكويتية إلى قطاع الطاقة في جنوب شرقي آسيا من خلال مشروع مصفاة النفط المشتركة في فيتنام وشراكة مع شركة بيرتامينا الإندونيسية، لتطوير مجمع مصافي للنفط في شرق جزيرة جاوا الإندونيسية.

وفي الإطار الاقتصادي تشير بيانات دولية اقتصادية إلى أن منطقة جنوب شرقي آسيا شهدت تزايداً متسارعاً في الاستثمارات الأجنبية المباشرة عن مثيلاتها في شرق آسيا، وتمثل دول الخليج العربي مصدراً مهماً للاستثمارات في عدد من أعضاء "آسيان"، فالمملكة العربية السعودية على سبيل المثال تعد خامس دولة في مصادر الاستثمار بماليزيا.ِ

وفي جدول الاستثمارات والميزان التجاري إذ شكلت الواردات من دول رابطة "آسيان" ستة في المئة فقط من إجمالي واردات دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة بين عامَي 2016،  و2020م، وبحسب تقرير اقتصادي صادر في العام الماضي مثلت الإلكترونيات 28 في المئة من واردات دول مجلس التعاون من دول "آسيان"، تليها الآلات بنسبة 12 في المئة، كما تشير بيانات إلى أن استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في "آسيان" بلغت 13.4 مليار دولار أميركي منذ عام 2016م،  وحتى سبتمبر 2021م، وتملك الإمارات العربية المتحدة النصيب الأكبر من هذه الاستثمارات.

وفي الإجمال إن مستقبل العلاقة مع  دول رابطة "آسيان" مؤشر ذا قيمة اقتصادية كبيرة، من المرجح لها أن تزداد نسبتها خلال السنوات القليلة المقبلة بما يضمن أن تصبح سوقاً مشتركاً ومتبادلاً لكلا الطرفين، وذلك لأن الدول الغربية الكبرى والآسيوية اتجهت فعلياً نحو إقامة علاقات أكثر متانة وأعمق مع دول رابطة "آسيان"، جميعها تقول أن أهم أسباب هذه العلاقات هي الاقتصادات الصاعدة لدول "آسيان" وذلك لأهمية الموقع الجغرافي والاستراتيجي القريب من بحر الصين الجنوبي الذي يعد مركزاً لحركة البضائع الدولية، كما تصنف المنطقة خط جديد لازدهار التجارة الإلكترونية.

دول رابطة "آسيان" شريك الغرب والعرب

يذكر أن رابطة "آسيان " حلت ضيفاً خلال اجتماع دول السبع الصناعية، ما يعطي انطباعاً للاهتمام الغربي بدول التكتل الإقليمي وحرصهم على تقوية العلاقات مع هذه الدول، فيما توالت الزيارات الأمريكية رفيعة المستوى على المنطقة خلال الفترة الأخيرة لتعزيز دور واشنطن في المنطقة، كما وضعت دول "آسيان" نفسها شريكاً تجارياً لأوروبا بعد الولايات المتحدة والصين، فالاتحاد الأوروبي هو مسؤول عن 13 في المئة من مجموع التجارة لـ"آسيان"، وتعد دول الاتحاد الأوروبي مجموعة أكبر المستثمرين في دول "آسيان"، لتصل استثماراتهم إلى ما يقرب من ثلث الاستثمارات الخارجية المباشرة في دول "آسيان" ، بينما تجمعها والولايات المتحدة حركة تجارية ضخمة.

كما تعتبر دول "آسيان" المستورد الرابع للمنتجات والخدمات الأمريكية، بنسبة تخطت خمسة في المئة من مجمل الصادرات الأمريكية، وليبلغ حجم التجارة بين الجانبين ما يزيد على 362 مليار دولار في عام 2020م.

وإلى جانب ذلك تقول الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون أنهم يلتزمون في التعاون مع دول "آسيان" والانفتاح على منطقة المحيطين الهادئ والهندي، إلا أن دول رابطة "آسيان" حذرة من ذلك خوفًا من أن يتسبب لها هذا الانفتاح صداماً حاداً مع الصين من خلال التحالفات العسكرية التي تنشئها الولايات المتحدة في المنطقة مثل تحالف "كواد" وأخيراً تحالف "أوكوس".

حيث أن ما وصل إليه العالم اليوم من تدهور هو بسبب السياسات الأمريكية المتعاقبة ما يجعل الجميع وفي مقدمتهم حلفائها الأوروبيين والخليجيين تحت الضغط المباشر ويدفعان الثمن استنزافًا مستمرًا في الاقتصاد، وهذا ما تخشاه أيضاً "آسيان"، واليوم نرى توجه العديد من حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية الواضح إلى تغيير مواقفهم، والابتعاد عن مواقف التصعيد والاصطفاف وذلك بهدف وقف أي اندفاع متهور نحو التصعيد والضغوط، وبالتالي العودة إلى حالة الاستقرار السياسي عالمياً وعدم الانجرار في ما تخطط له الولايات المتحدة الأمريكية، يأتي هذا التحول لدى العديد من الدول الحليفة للولايات المتحدة نتيجة للانفتاح على الصين ونتيجة إيجابية لسلوك الدبلوماسية الصينية الذي من شأنه أن يضمن عودة سريعة للالتزام بالتوازنات الدولية وتغيير في السلوك العام للعديد من الدول عبر تبني المفهوم الصيني الذي يدفع باستراتيجية استبدال مفهوم الحرب الباردة بمفهوم التعاون والتشارك لبناء مستقبل أفضل مشترك للبشرية جمعاء.

صحيح أن مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول "آسيان" تواصلهما ليس مستجداً إنما يرجع التواصل الأول إلى عام 1990م، حيث اتفق الجانبان يومها على عقد لقاءات سنوية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ووقع الجانبان حينها مذكرة تفاهم في يونيو (حزيران) 2009م، في البحرين التي تعد أساس التعاون والعلاقات بين الكتلتين، وتبني "مجلس التعاون الخليجي" و"رابطة دول آسيان" الرؤية المشتركة لـ"آسيان" ومجلس التعاون الخليجي التي تضمنت دراسة ووضع توصيات عن مستقبل العلاقات بين الجانبين في مجالَي التجارة الحرة والتعاون الاقتصادي، فيما جمع مجلس التعاون الخليجي ورابطة جنوب شرق آسيا عدد من الاجتماعات الثنائية كان آخرها في سبتمبر 2019م.

تعاون دول " الخليج" ودول "آسيان" قد يؤسس لحالة " عدم انحياز " جديدة

أما اليوم فإننا نرى أن تعاون دول مجلس التعاون ودول الآسيان يمكن أن يؤسس لحالة دولية جديد تقوم بدور " عدم الانحياز " في ظل الظروف الدولية الحالية مما يحث الولايات المتحدة أن تستفيق من سباتها وتعلم أن العالم اليوم لم يعد العالم الذي يمكن فيه للقوى الإمبريالية أن تستعرض قوتها وتقرر مصير الشعوب كما تشاء، فيخطئ من يظن أن الصين والدول العربية ودول الآسيان اليوم هي نفسها تلك القديمة التي تعرضت للانتهاك والتدخل ولابتزاز القوى الاستعمارية.

كما أن التعاون الصيني العربي إضافة إلى التعاون مع دول الآسيان يمكّن الدول العربية من مواجهة سياسة الاحتواء، ورفض سياسة الإملاءات التي تنتهجها أمريكا مع حلفائها، وبالتالي يتطلب ذلك فرض قواعد جديدة لإدارة الملفات الدولية.

إن محاولات الولايات المتحدة الأمريكية لم تتوقف عند هذا الحد في استمرار محاولاتها عرقلة مشروع "الحزام والطريق"، الصيني من خلال إعادة تعويم الحديث عن "الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا".  فكان الإعلان عن هذا الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا مروراً بالخليج العربي في قمة العشرين في نيودلهي، بمثابة تحدياً من قبل الولايات المتحدة الأميركية لمبادرة "الحزام والطريق" المعروف بطريق الحرير الصيني.

لا شك أن الممران الاثنان يهدفان إلى بناء شبكة اقتصادية وبنى تحتية تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا، لتعزيز الاقتصاد العالمي، إلا أن الخلاف بينهما، هو أن الصين أقامت مبادرتها بناء على حضورها السلس بالعمل الجدي على تصفير مشاكل المنطقة، وإرساء مفاهيم السلام والاستثمار بالتنمية المجتمعية ومواجهة الفقر، فيما تحاول الولايات المتحدة الأميركية إرساء فكرته على قاعدة الفرض والضغط، رغم أهميته في ربط القارات وتقليل المسافات وتسريع الملاحة التجارية.

مقالات لنفس الكاتب