array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 192

أعلنت الصين عن الأعمال الثمانية التي تنفذها لدعم تنفيذ "الحزام والطريق" بجودة عالية

الأربعاء، 29 تشرين2/نوفمبر 2023

إنّ منطقة الشرق الأوسط ولا سيما منطقة الخليج العربي مقبلة على تحوّلات هامة ومحورية بعد توقيع مذكرة التفاهم بشأن إنشاء الممرّات الاقتصادية عابرة للقارات تربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، بهدف تعزيز كلّ عناصر الاقتصاد العالمي: الطاقة، تطوير الطاقة النظيفة، إنشاء خطوط للسكك الحديدية وربطها بالموانئ. وذلك لتوسيع نطاق التبادل التجاري ومرور البضائع عبر هذا النطاق الجغرافي الواسع.

ولعل وجود المملكة العربية السعودية في هذا الاتفاق سيضمن إعطاء المشروع بعدًا تنمويًا اقتصاديًا، غير موجّه ضد أي طرف دولي آخر، لاسيما بعدما ربطه الكثيرون بسعي الولايات المتحدة إلى بناء منظومة ممرّات دولية لمواجهة "مبادرة الحزام والطريق" الصينية، وما يؤكد ذلك العلاقة الجيدة بين المملكة العربية السعودية والصين والتي رعت توقيع التفاهم بين إيران والسعودية. فالمملكة العربية السعودية أضحت في موقع مؤثر في رسم السياسات الاقتصادية العالمية، وذلك لتواجدها ضمن مجموعة العشرين G20، والتي تعبّر من خلال تلك المجموعة عن إدراكها للمصالح الجوهرية لدول الخليج العربي ووضع الخطط التنموية لتطوير دول منطقة الخليج العربي، أولها تعزيز أمن واستقرار المنطقة. فلا ازدهار اقتصادي دون استقرار أمني. فبعد توقيع اتفاقية إنشاء تلك الممرّات الاقتصادية، أصبح البعد الجيوسياسي عاملاً مؤثرًا في عملية تحقيق المصالح الدولية المشتركة بل يؤسّس لعلاقات دولية مختلفة في منطقة الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط والعالم ككل.

مع إعلان زعماء الولايات المتحدة الأمريكية والهند والمملكة العربية السعودية عن مشروع الممر الاقتصادي العالمي الجديد خلال أعمال القمة الـ 18 لرؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين G20 والتي انعقدت في العاصمة الهندية سبتمبر 2023م، أزيح الستار عن ممر اقتصادي عالمي يقوم بربط الهند بالشرق الأوسط ومن ثم القارة الأوروبية، بشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وسيتكون هذا الممر من شبكة موانئ، وخطوط سكك حديد، لتعزيز حركة التجارة العالمية، فضلاً عن احتوائه على خطوط لنقل الطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف، عبر كابلات ألياف ضوئية وخطوط أنابيب. وعند الإعلان عن هذا المشروع فقد ذٌكر أنه سيربط الهند بالإمارات ثم السعودية ثم الأردن ثم إسرائيل ثم أوروبا. وما يعكس أهمية ذلك المشروع هو تكالب دول مجموعة العشرين لتحظى بنصيب منه لا سيما مع تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال عودته من قمة مجموعة العشرين، وتأكيده على أن تركيا هي الخط الأكثر ملاءمة لحركة المرور من الشرق إلى الغرب في مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. وأنه لن يكون هناك ممر بدون تركيا! والخط الأكثر ملاءمة لحركة المرور من الشرق إلى الغرب هو الخط العابر من تركيا.

  • الممر الاقتصادي العالمي الهندي الجديد

عقب مشاورات سياسية واقتصادية، تلاقت التطلعات التنموية في قمة مجموعة العشرين نحو التوافق على البدء في مشروع "الممر الاقتصادي الهندي"، والذي يعرف بـ The India-Middle East-Europe Economic Corridor - IMEC، وذلك بالتوافق بين الدول الموقعة على مذكرة التفاهم، وهي: "السعودية والولايات المتحدة والهند والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي"، كخطوة لوضع خطة عمل من خلالها سيتم إعادة ترسيم خريطة الممرات الجيوسياسية الاقتصادية. فبالنظر إلى تفاصيل "الممر الاقتصادي الهندي"، والتي تنقسم إلى ممرين:

 الأول بحري شرقي سيمتد من موانئ الهند إلى الإمارات عبر بحر العرب.

الثاني ممر بري شمالي سيعبر السعودية بالسكك الحديدية وصولاً إلى البحر المتوسط ومنه إلى أوروبا. ليخدم بذلك جُملة من الأهداف النوعية على مستوى الدول المشاركة بالممر، أبرزها:  

المستوى العربي: يتوافق مشروع الممر الاقتصادي الهندي بشكل جيد مع أهداف المنطقة، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. إذ صرّح الأمير محمد بن سلمان بأنه يطمح إلى تحويل الشرق الأوسط إلى أوروبا جديدة. فضلاً عن التحركات الإماراتية السابقة في التقارب مع الجانب الهندي في المجال اللوجيستي منذ عام 2017م، وتنسيقها لمبادرة تعزيز إنشاء الممر في عام 2019م، عبر شركة "إعمار" الإماراتية. وبالتالي فإن الممر سوف يتمتع بدعم منطقة الخليج العربي انطلاقًا من التحركات الإماراتية والسعودية القائمة على سياسية تنويع الحلفاء لضمان استمرارية دعم خطط التنمية بالشرق الأوسط. 

المستوى الهندي: إذ تطمح إلى التحول إلى قوة صناعية كبرى، فضلاً عن رغبتها في الحصول على حصة من الإنتاج العالمي من السلع. ومن ثم، فيتعين عليها رفع مستوى قدراتها البحرية وتعزيز تحركاتها نحو المزيد من البنية التحتية للشحن في هذا القطاع.

 المستوى الأمريكي: رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في استبدال الصين بالهند فيما يخص حركة التجارة العالمية، وكذلك تقويض النفوذ الصيني المتصاعد في اقتصاديات الشرق الأوسط وإفريقيا عبر مبادرة الحزام والطريق. وتطويق تحركات الصين عالميًا.

المستوى الأوروبي: إيجاد مساحة على خريطة التحولات الاقتصادية لموازنة التداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية وانعكاساتها على الملفات الاقتصادية والتنموية في أوروبا، لا سيما ملف الغذاء والطاقة، إذ أن المشروع يشتمل على كابلات بحرية وبنية تحتية لنقل الطاقة، والتي ستسهم في تخفيف الضغط على الدول الأوروبية في هذا الشأن.  

ومع طرح المشروع يمكننا الإشارة إلى بعض أهداف ومنطلقات المشروع الاستراتيجية: 

- قطع الطريق على مساعي الصين لاستقطاب دول الخليج العربي، عبر تقديم بديل اقتصادي ينافس مشروع الحزام والطريق، فضلًا عن توجه دول الخليج العربية نحو تنويع شراكاتها الدولية.

- تحقيق المصالح المشتركة وتعزيز الترابط الاقتصادي، وبما ينعكس إيجابيًا على الدول المشاركة، والاقتصاد العالمي بشكل عام.

-  زيادة قدرة الهند على المنافسة مع الصين؛ ذلك أن وجود بنية تحتية للنقل بهذا الحجم سيعزز كثيرًا قدرتها التنافسية على المستوى العالمي، فالاستثمار في المشروع التحويلي سيعزز الأنشطة الاقتصادية للهند إلى حدّ بعيد، ويخلق فرص عمل. والأهم من ذلك أن الممر المقترح سيجعل سلسلة التوريد العالمية أكثر مرونة أمام السلع والبضائع الهندية وقدرتها على المنافسة. وتعزيز العلاقات التجارية بين شركاء الولايات المتحدة في الخليج مع الهند، بدلًا من الصين، في ظل تنامي العلاقات التجارية مع دول الخليج العربية.

  • مبادرة الحزام والطريق الصينية:

منذ إعلان الصين إطلاق مبادرة "الحزام والطريق"، وهي تؤكد على أن الغاية الأصلية لتلك المبادرة هي تعزيز تناسق السياسات وترابط المنشآت وتواصل الأعمال وتداول الأموال وتقارب الشعوب مع كافة دول العالم، استلهامًا من طريق الحرير القديم، وتركيزًا على التواصل والترابط، بما يضفي طاقة محركة جديدة على النمو الاقتصادي العالمي، ويفتح مجالاً جديدًا للتنمية العالمية، ويشكل منصة جديدة للتعاون الاقتصادي الدولي.

وقد امتد التعاون في إطار مبادرة "الحزام والطريق" الصينية من آسيا وأوروبا إلى إفريقيا وأمريكا اللاتينية، ووقعت أكثر من 150 دولة وأكثر من 30 منظمة دولية على وثائق التعاون بشأن بناء "الحزام والطريق"، وتمت إقامة 3 دورات لمنتدى "الحزام والطريق" للتعاون الدولي، وتم إنشاء أكثر من 20 منصة تعاون متعدد الأطراف في المجالات المتخصصة. وقد دخل التعاون في إطار "الحزام والطريق" مرحلة تنفيذ التفاصيل الدقيقة بعد مرحلة وضع الخطوط العريضة، أي تحويل الخطط إلى الوقائع، حيث تم إنجاز عددًا كبيرًا من المشروعات الكبيرة والصغيرة. وقد أعلنت الصين عن الأعمال الثمانية التي ستقوم بها الصين لدعم بناء "الحزام والطريق" بجودة عالية، وهي:

أولاً، بناء شبكة "الحزام والطريق" الشاملة الأبعاد للتواصل والترابط. وتطوير الجانب الصيني لقطار الشحن بين الصين وأوروبا، والمشاركة في بناء ممر النقل الدولي عبر بحر قزوين، والعمل مع كافة الأطراف على بناء ممرات لوجيستية جديدة في أوراسيا التي تكون دعامتها النقل المباشر بالسكك الحديدية والطرق العامة. والدفع بالتطور المتكامل للميناء والطيران والتجارة في إطار "النقل البحري لطريق الحرير"، وبناء الممر الجوي -البحري الجديد وطريق الحرير الجوي.

ثانيًا، دعم بناء الاقتصاد العالمي المنفتح. حيث سينشئ الجانب الصيني منطقة التعاون الرائدة لـ “التجارة الإلكترونية في طريق الحرير"، والتشاور مع مزيد من الدول لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة وحماية الاستثمار. وإلغاء كافة الإجراءات التي تقيد نفاذ الاستثمار الأجنبي إلى قطاع التصنيع. والدفع بالانفتاح العالي المستوى لتجارة الخدمات والاستثمار عبر الحدود على نحو معمق، وتوسيع نطاق نفاذ المنتجات الرقمية إلى السوق، وتعميق الإصلاح في مجالات الشركات المملوكة للدولة والاقتصاد الرقمي والملكية الفكرية والشراء الحكومي وغيرها، وذلك وفقًا للقواعد الاقتصادية والتجارية الدولية بالمعايير العالية

ثالثًا، إجراء التعاون العملي. حيث أعلنت الصين أنها ستنفذ بالتناسق المشروعات المميزة والمشروعات "الصغيرة والنافعة". وستنشئ نافذة التمويل بمبلغ 350 مليار يوان صيني لدى كل من بنك التنمية الصيني وبنك الصين للصادرات والواردات، وستضخ أموالاً جديدة بقيمة 80 مليار يوان صيني إلى صندوق طريق الحرير، بما يدعم مشروعات "الحزام والطريق" وفقًا لقواعد السوق والمبادئ التجارية. كذلك تعزيز التعاون مع الدول الأخرى في مجال التعليم المهني، بالإضافة إلى العمل مع كافة الأطراف على تعزيز الضمان الأمني لمشاريع التعاون لبناء "الحزام والطريق".

رابعًا، تدعيم التنمية الخضراء. وتعميق التعاون في مجالات البنية التحتية الخضراء والطاقة الخضراء والمواصلات الخضراء وغيرها، وإنشاء آلية للتحاور والتواصل للصناعة الكهروضوئية وشبكة الخبراء في مجال التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون. والعمل على تنفيذ مبادئ الاستثمار الأخضر لـ"الحزام والطريق"، وبتدريب 100 ألف فرد للدول الشريكة حتى عام 2030.

خامسًا، الدفع بالابتكار التكنولوجي. حيث سينفذ الجانب الصيني خطة عمل للابتكار التكنولوجي في إطار "الحزام والطريق"، ورفع عدد المختبرات المشتركة التي يتم بناؤها بالتعاون مع مختلف الأطراف إلى 100 مختبر في السنوات الخمس المقبلة مع الحرص على تعزيز التواصل والحوار مع كافة الدول للعمل سويًا على تدعيم التطور السليم والمنتظم والآمن للذكاء الاصطناعي في العالم.

سادسًا، دعم التواصل الشعبي والحوار الحضاري مع الدول المشاركة في بناء "الحزام والطريق". وإنشاء رابطة المدن السياحية لطريق الحرير على أساس ما تم إنشاؤه من التحالفات الدولية بين المسارح والمهرجانات الفنية والمتاحف ومتاحف الفنون والمكتبات في إطار طريق الحرير، مع مواصلة تنفيذ مشروع المنح الدراسية الحكومية الصينية لـ "الحزام والطريق".

سابعًا، بناء طريق النزاهة. حيث سينشر الجانب الصيني مع شركاء التعاون "المنجزات والآفاق لبناء النزاهة في إطار 'الحزام والطريق'" و"المبادئ العليا لبناء النزاهة في إطار 'الحزام والطريق'"، وإنشاء منظومة التقييم بشأن النزاهة والامتثال للشركات العاملة في إطار "الحزام والطريق".

ثامنًا، تعزيز بناء منصات التعاون المتعدد الأطراف مع الدول المشاركة في بناء "الحزام والطريق" في مجالات الطاقة والضريبة والمالية والتنمية الخضراء والحد من الكوارث ومكافحة الفساد والمراكز الفكرية ووسائل الإعلام والثقافة وغيرها.

  • التنافس الدولي الاستراتيجي والجيوسياسي:

بعد الإعلان عن الممر الاقتصادي العالمي في قمة مجموعة العشرين، يرى العديد من الباحثين والمراقبين أن إنشاء الممر الاقتصادي بين آسيا والهند وأوروبا مروراً بالخليج الفارسي يعد بمثابة تحديًا لمبادرة "الحزام والطريق". ويرى الخبراء أنه حتى مع المزايا الجيوسياسية، فإن نجاح الممر الاستراتيجي غير ممكن بدون الميزة الاقتصادية، وتوفير تكاليف النقل وتوفير الوقت. في حين اعتبر بعض الخبراء الجهود المبذولة لاستبدال المعابر التي يمكن أن تلبي المصالح الجيوسياسية للدول على أنها "حرب الممرات الاستراتيجية".

وفي حالة اكتمال إنشاء المشروع، فإنه من المتوقع أن يمثل تحدياً لمبادرة "الحزام والطريق" والتي أطلقتها الصين عام 2013م، بهدف بناء شبكة اقتصادية وبنى تحتية تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا لتعزيز النفوذ العالمي للصين من شرق آسيا إلى أوروبا كما ذكرنا أعلاه.

ولا شك أن اندلاع الحرب في أوكرانيا والدور المهم للمعابر في تشكيل النظام العالمي الجديد جعل أوروبا تفكر في إيجاد طرق جديدة للتبادلات التجارية. وفي تحليل نجاح أو فشل هذا الممر، فإن دور إيران وموقعها الاستراتيجي في هذا التقاطع الجغرافي مهم للغاية، خاصة في مشروع "الحزام والطريق". كما أن تحويل التجارة من قناة السويس وعواقبه الاقتصادية السلبية على مصر، سيؤدي بالتأكيد إلى رد فعل من قبل مصر؛ بالإضافة إلى تصريح أردوغان بأنه بدون مشاركة تركيا، لن يكون هناك معبر في المنطقة.

 الأمر الواضح هو أننا أمام تنافس ممرات كبيرة تتورط فيها قوى دولية مهمة. وبالنظر إلى سياق التفاعلات الدولية، خاصة بعد تبعات الحرب الروسية / الأوكرانية، وتصاعد التحليلات حول عودة نظام التعددية القطبية، ارتبط بالأذهان إعلان مجموعة العشرين لمشروع "الممر الاقتصادي الهندي" بالتحرك نحو تقويض المد والنفوذ الصيني بالشرق الأوسط. وذلك بهدف خلق "مراكز ثقل" جديدة لخلق التوازن التجاري والتنموي في العديد من النقاط الجيوسياسية، أبرزها: الشرق الأوسط، منطقة الخليج العربي، والمناطق المتاخمة للمحيطين الهادي والهندي.

   الجدير بالذكر، أنّ الشرق الأوسط يُشكّل ركيزة حيوية للصين، وهو ما تُرجم بالنظر إلى أبعاد ومحددات مشروع "الحزام والطريق"، وكذلك ما يمكن استنباطه من "الكتاب الأبيض" الصادر في 2016م، متضمناً الصياغات الصينية تجاه الشرق الأوسط والمتمثلة في ثلاثة محاور تعاونية، الأول: التعاون في مجال الطاقة، والثاني: التعاون في مجالات البنى التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار، والثالث: التعاون في المجالات التقنية المتقدمة كالطاقة النووية والفضاء والأقمار الصناعية. فضلاً عن الاتفاقات الثنائية والمتعددة في مجالات الاستثمار الأجنبي المباشر، ومشروعات البنية التحتية .. الخ  

وتأتي منطقة الشرق الأوسط ولا سيما منطقة الخليج العربي كنقطة ارتكاز بين القارات الثلاثة: آسيا وإفريقيا وأوروبا، إذ يسهم في تعزيز تلك الفرضية الأهمية النوعية لجيوسياسية الممرات البحرية التجارية، واحتمالات ما يمكن أن يُمثله الممر الاقتصادي الهندي من مشروع تنافسي أم تكاملي مع المشروع الصيني "الحزام والطريق"، بالنظر لماهية وحجم كلا المشروعين، ووفقاً لما تقتضيه جيوسياسية الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي.

عند الإعلان عن هذا المشروع الجديد في قمة G20 في الهند، أطلقت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية تسمية "الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي" على هذا المشروع، وتحدثت بحماس كبير عن ضرورة إنجازه، وقالت إنه سيتكون من محورين: الممر الاقتصادي الرابط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا؛ والممر الآخر العابر للقارة الإفريقية. ومن الواضح أن ذلك المشروع الجديد سيكون منافسًا قويًا لمشروع "الحزام والطريق" الصيني، ولاسيما أن مسارات ومكونات الممر الاقتصادي العالمي الجديد مشابهة لمسارات ومكونات المشروع الصيني، شبكات موانئ وطرق مواصلات وخطوط سكك حديد وخطوط نقل طاقة وكابلات ألياف ضوئية، تربط آسيا بأوروبا، مروراً بالشرق الأوسط وإفريقيا.

ولعل التأكيد السعودي عند الإعلان عن هذا المشروع بأن الممر الاقتصادي العالمي الجديد الهندي لا يستهدف مشروع الصين "الحزام والطريق" بل أنه سيكون رديف له، لتطوير النشاط الاقتصادي العالمي. يؤكد فرضية التكاملية بين المشروع، ليكون المستفيد الأول من ذلك دول الخليج العربي.

وسيشكل منافسة كبيرة لقناة السويس في مصر. وقد يشهد المستقبل سيناريو إشراك مصر في المحور العابر للقارة الإفريقية من هذا المشروع.

إن المنافسة الكبيرة التي سيشكلها الممر الاقتصادي العالمي بالنسبة لمبادرة "الحزام والطريق" الصيني، ستشمل منافسة مشروع "الممر الأوسط" المار من الأراضي التركية، وهذا المشروع هو شبكة خطوط سكك حديد وطرق مواصلات حديثة، تنطلق من الصين وتمر بآسيا الوسطى ثم تعبر الأراضي التركية نحو أوروبا، وأصبح هذا المشروع جزءًا محوريًا من مشروع الحزام والطريق الصيني، منذ اتفاق الدولتين على ذلك خلال زيارة الرئيس التركي إلى الصين في يوليو عام 2019م.

والمنافسة الأهم التي سيشكلها هذا الممر الجديد، ستكون تجاه مشروعي "ميناء الفاو الكبير" في جنوب العراق، ومشروع "قناة التنمية" بين العراق وتركيا، وهما مشروعان مرتبطان ببعضهما، ومبنيان على فكرة أن يكونا ممراً جديداً للتجارة والاقتصاد العالمي يربط بين آسيا وأوروبا، عبر خطوط سكك الحديد وطرق المواصلات الحديثة المزمع إنشاؤها لتربط بين ميناء الفاو الكبير والأراضي التركية، لتكون الأراضي والموانئ التركية البوابة الجديدة للتجارة الآسيوية نحو أوروبا، انطلاقاً من الموانئ والأراضي العراقية، وبالمثل يكون العراق البوابة الجديدة للتجارة الأوروبية نحو آسيا، انطلاقاً من تركيا.

من جهة أخرى ما زالت هنالك ميزة لمشروعي ميناء الفاو وقناة التنمية على الممر الاقتصادي العالمي الجديد، حيث أن نقل البضائع المنقولة من آسيا إلى أوروبا عبر قناة التنمية تحتاج إلى عملية شحن واحدة في الموانئ الآسيوية، وثم عمليتي تفريغ، واحدة في ميناء الفاو، وأخرى في وجهتها النهائية في أوروبا. بينما في مشروع طريق الحرير "الغربي" الجديد، تحتاج مثل هذه البضائع إلى عملية شحن في آسيا، ومن ثم تفريغ في موانئ الإمارات، ومن ثم شحن من موانئ إسرائيل، ومن تفريغ في أوروبا.

رغم التنافس الدولي الجيوسياسي والاستراتيجي والتي ستخلقها الممرات الاقتصادية، إلا أن هذا لا يعني أفضلية مشروع على الآخر أو الدعوة إلى وقف مشروع من تلك المشروعات. فالممرات الاقتصادية العالمية ستكون بمثابة منتجات متنوعة تؤدي إلى نفس النتيجة التنموية والاقتصادية لمنطقة الخليج العربي وباقي الدول المشاركة بها، والتفضيل بين تلك المشروعات سيعتمد على حسابات التكاليف، وجودة الخدمات اللوجستية المقدمة عبر كل ممر، كذلك عامل الوقت، والأمن، والحماية، والعوامل الجوية والمناخية.

ويبدو أن السباق العالمي في صورته الجديدة سيكون من خلال مشروعات الممرات الاقتصادية العالمية، وأن منطقة الخليج العربي بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، ستصبح هي الساحة الجديدة لهذا التنافس العاملي الجيوسياسي.

مقالات لنفس الكاتب