array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 192

لا يوجد إقصاء للصين وقناة السويس ستنتعش والممر لا يستثني القناة بل ضمن المشروع

الأربعاء، 29 تشرين2/نوفمبر 2023

يمثّل توقيع ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – خلال القمة الثامنة عشرة لمجموعة العشرين التي عقدت في العاصمة الهندية نيودلهي يومي التاسع والعاشر من سبتمبر الماضي على مذكرة التفاهم الخاصة بإنشاء الممر الاقتصادي الذي يربط بين آسيا والهند وأوروبا مروراً بالخليج، لحظة فارقة في تاريخ التجارة الدولية ويؤذن ببدء صفحة جديدة من التعاون وتحفيز التنمية الاقتصادية من خلال تعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادي عبر القارتين من أجل نمو اقتصادي مستدام وشامل.

وتتضمّن المبادرة التي وقّعت عليها الولايات المتحدة والهند والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي إنشاء خطوط للسكك الحديدية، فضلاً عن ربط الموانئ البحرية والطرق البريّة، وهو ما يتوقع أن يسهم في تسريع التنمية الاقتصادية من خلال تحسين الاتصال والتكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج العربي وأوروبا.

تسريع وصول السلع

يتكون الممر الجديد من ممرين منفصلين يربط الشرقي منهما بلادنا العربية بالهند، فيما يربطها الممر الشمالي بأوروبا، وهو ما يعني أن كافة الدول العربية سوف تكون أكثر قدرة على التحرك مما يكسب منطقة الشرق الأوسط مكانة استراتيجية في وسط العالم. كما أن الممر سوف يسهل وصول البضائع إلى الدول العربية ويجعلها أسرع بمقدار 40% مما هو عليه في الوقت الحالي، وهي ميزة سوف تستفيد منها المملكة العربية السعودية بشكل خاص لتسريع وصول مشتقاتها النفطية للأسواق العالمية بما يسهم في تعزيز التجارة في قطاع الطاقة، على وجه الخصوص، بين آسيا والشرق الأوسط وأوروبا.

في المقابل، فإن سهولة المواصلات سوف تؤدي بدورها إلى تسريع وصول السلع الأوروبية للمستهلكين العرب ويجعلها أقل سعرًا نتيجة لانخفاض تكلفة المواصلات والتأمين، بما يصب في النهاية في مصلحة المستهلك. كما يدعم منظومة التصنيع الحالية والأمن الغذائي، ويؤدي أيضا لإطلاق استثمارات جديدة في القطاع الخاص ويقود لتوفير المزيد من فرص العمل النوعية. إضافة إلى ما سيترتب على إنشاء الممر الجديد من إغراءات لرجال الأعمال للاستثمار في سلاسل الإمداد المحلية والطاقة النظيفة والأيدي العاملة وغيرها من مدخلات الإنتاج الأساسية.

واتساقًا مع النهج السعودي الذي يرمي إلى دعم وسائل الطاقة النظيفة بما يتوافق مع الجهود الدولية الساعية إلى دعم البيئة والقضاء على كافة مصادر التلوث التي تهدد الحياة على ظهر الكوكب، فإن الممر الجديد يهدف إلى تيسير عملية نقل الطاقات المتجدّدة والهيدروجين الأخضر عبر كابلات وخطوط أنابيب، من أجل تعزيز وتطوير أمن الطاقة النظيفة، فضلاً عن تنمية وتعزيز النقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية.

دعم الخدمات اللوجستية

يشير كثير من الخبراء في مجال الاقتصاد إلى أن المشروع الجديد سيكون له أثر كبير في تعزيز العلاقات الاقتصادية، ويرفع من كفاءة وسهولة التبادل التجاري وتطوير سلاسل الإمداد واللوجستيات بين الدول التي سيمر بها، كما سيؤدي إلى تنشيط واستحداث أنشطة اقتصادية جديدة على امتداد الممر، ويدفع دوله نحو تعزيز نموها الاقتصادي. كما سيساهم في دعم قطاع شبكة الخدمات اللوجستية، مشيرين إلى أن الاستثمارات في البنى التحتية للنقل تعد في الوقت الحالي من الاستثمارات الضخمة التي تحتاج إلى دعم وتكاتف الحكومات، فالعالم بحاجة إلى إقامة مثل هذه الممرات التي تمثل شرايين يحتاج إليها جسد الاقتصاد العالمي.

على صعيد متصل، فإن مشاريع وخطط التحول إلى الطاقة المتجددة التي تأتي ضمن مشروع الممر الاقتصادي ستسهم في دعم القطاع الخاص، وحثه على المضي قدماً في تلك المشاريع، ورفع الجدوى الاقتصادية منها، واستحداث فرص كبيرة وجديدة للتحسين والاستدامة والتنمية وتعزيز التعاون بين الدول بما يخدم المصالح المشتركة للاقتصاد العالمي.

مزايا عديدة وفريدة

وبسبب التحديات الجيوسياسية التي يواجهها العالم في وقتنا الحاضر، والتي اتضحت بدرجة كبيرة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، فإن الممر الاقتصادي يعتبر مشروعًا في غاية الأهمية للمنطقة ولجميع الدول التي سيمر بها، بدءاً من الهند ومروراً بدول الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لأنه يساعد على إيجاد ممرات تجارية في مناطق آمنة وبعيدة عن التوترات وحالة عدم الاستقرار التي تعاني منها كثير من الدول، لذلك يتوقع أن يسهم المشروع الجديد في ربط التجارة بين المناطق والدول التي سيمر بها، وفي تعزيز التبادل التجاري، وتنشيط واستحداث أنشطة اقتصادية جديدة على امتداد الممر الاقتصادي.

ومن أكبر العناصر التي يستمد منها المشروع أهميته أنه سيساعد في تطوير وتعزيز مشاريع نقل الكهرباء والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط البنى التحتية، وفي إنشاء خطوط سكك حديدية تربط بين المناطق التي سيمر بها، كما يعزز أمن الطاقة من حيث توفير النقل الكهربائي واستخدام خطوط الأنابيب في نقل مختلف مصادر الطاقة بما فيها النفط والغاز والهيدروجين والطاقة المتجددة، وكذلك تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية

مشاريع البنية التحتية

إضافة إلى ما سبق فإن التجهيزات التي يتطلبها اكتمال المشروع سوف تحدث حراكًا اقتصاديًا على مستوى كبير. ولأنه يتكون أساسًا من ممرات رئيسية تشمل إقامة خطوط سكك حديدية على نطاق واسع، وإنشاء موانئ بحرية عالمية المواصفات، وتعبيد ورصف طرق برية لمسافات كبيرة فإن اكتمال تلك التجهيزات سوف يستلزم حتما توقيع عقود لإنشاء مشاريع بمبالغ كبيرة، وهو ما سوف ينعكس إيجابًا على اقتصاديات تلك الدول ومجتمعاتها لأنه سيحدث انتعاشًا اقتصاديًا ملحوظًا في المناطق التي تمر بها تلك الطرق، إضافة إلى إيجاد فرص عمل بأعداد كبيرة. كذلك فإن هذه المناطق سوف تتحول إلى مراكز جذب اقتصادي جديدة بعد اكتمال بنيتها التحتية، وستشهد العديد من المشاريع التنموية التي سوف تسهم في رفد الاقتصادات الوطنية بمصادر دخل جديدة.

هذا الحراك المتوقع دفع عددًا من المحللين الاقتصاديين للقول إن المشروع المرتقب سوف يكون تاريخيًا، وفيما يتحدث الناس عن طريق الحرير وطريق التوابل الهندي عبر شبه الجزيرة العربية، فإن الممر الجديد سيكون أكثر أهمية لأنه سيتعلق بالطاقة الجديدة، والبيانات، والاتصالات، والموارد البشرية، وطرق الطيران والمواءمة بين الدول التي تتشارك في نفس التوجهات والرؤى.

تعزيز الاقتصاد التكاملي

في ذات السياق، فإن إنشاء الممر التجاري الجديد سوف يحدث نقلة اقتصادية هامة، ليس بالنسبة للدول المشاركة فيه بصورة مباشرة فحسب، بل لكافة دول المنطقة أيضاً، حيث يشجع تلك الدول على تصدير منتجاتها واستيراد ما تحتاج إليه من الدول الأخرى بتكلفة أقل مما هي عليه في الوقت الحالي. وقد أكد كثير من الخبراء والمختصين أن فوائد الممر سوف تكون لصالح الجميع، وليس لإقصاء الآخرين. وهو ما يشكِّل تشجيعًا للعديد من البلدان التي تعمل بشكل تعاوني مع بعضها البعض على القيام بذلك بروح الاقتصاد المتكامل.

كذلك فإن الممر سوف تشارك فيه بعض الممرات الاقتصادية الاستراتيجية مثل قناة السويس التي تمر عبرها قرابة 13% من التجارة العالمية، وهي نسبة لا يستهان بها، حيث تشكل تلك التجارة نحو 23 تريليون دولار وهو رقم مميز وكبير، ولذلك فإن قناة السويس ستنتعش من هذا الممر المهم لدول الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي، والممر لا يستثني قناة السويس، بل ستكون القناة ضمن المشروع.

تعزيز الطاقة النظيفة

لن تقتصر البنية التحتية التي سيتم إنشاؤها في المناطق التي ستمر بها الممرات الجديدة الخاصة بالمشروع على الطرق البرية وخطوط السكك الحديدية والموانئ البرية فقط، بل ستشمل إحداث توسع كبير في القدرات، ويتم التخطيط لتطبيقات التكنولوجيا الرقمية الحديثة في جميع القطاعات الحالية، وهو ما يعني أنها ستتحول إلى مناطق سكنية متكاملة تتوفر فيه كافة مقومات المدن الحديثة.

كما يهدف الممر إلى ربط شبكات الطاقة وخطوط الاتصالات السلكية واللاسلكية من خلال الكابلات البحرية لتوسيع الوصول الموثوق إلى الكهرباء، وتمكين ابتكار تكنولوجيا الطاقة النظيفة المتقدّمة، وربط المجتمعات بالإنترنت الآمن والمستقر.

لذلك يؤكد المختصون أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية لتطوير الممر، فهو يستهدف أولاً زيادة الرخاء في البلدان المعنية من خلال زيادة تدفّق الطاقة والاتصالات الرقمية، والمساعدة في التعامل مع نقص البنية التحتية اللازمة للنمو في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وإتاحة الفرصة للشرق الأوسط من أجل لعب دور رئيسي في التواصل العالمي.

لذلك فقد أعلن الاتحاد الأوروبي، بمجرد التوقيع على مذكرة التفاهم الخاصة بإنشاء الممر الاقتصادي خلال قمة العشرين الأخيرة التي عقدت في الهند عن تخصيص مبالغ مالية ضخمة تصل إلى 300 مليار يورو لإنفاقها على استثمارات البنية التحتية في الخارج بين عامي 2024 و2027م، من خلال مشروع البوابة العالمية، وهو ما يعني بوضوح أن الأطراف الموقعة على المشروع تأخذه على محمل الجد، وذلك مؤشر واضح على الأهمية الكبرى التي توليها لإنجازه على وجه السرعة.

تقليل تكلفة الإنتاج

ومن دلائل الجدية الواضحة كذلك على الإسراع في تنفيذ الطريق الجديد اتفاق البلدان المعنية على عقد اجتماع هام قبيل نهاية العام الجاري لوضع خطة عمل ذات جداول زمنية واضحة والالتزام بها، وذلك لتنفيذ العديد من التجهيزات غير المتوفرة في هذه المرحلة. هذا الحرص الواضح على التنفيذ السريع للمشروع يؤكد جدواه الاقتصادية العالية.

ويعود هذا الاهتمام بإنجاز المشروع في أسرع وقت ممكن إلى التحديات الكبيرة التي تواجهها حركة التجارة العالمية في الوقت الراهن نتيجة لحالة عدم الاستقرار التي أوجدتها الحرب في أوكرانيا، إضافة إلى ما تشهده العديد من دول الشرق الأوسط من اضطرابات، وهو ما تسبب في اضطراب وصول سلاسل الإمداد العالمية الأمر الذي قاد بدوره إلى اضطراب كبير في حركة الصناعة العالمية. وقد دفع هذا الوضع شركات التأمين العالمية إلى رفع تكلفة التأمين على السلع والبضائع، وهو ما تسبب بدوره في ارتفاع الأسعار العالمية للسلع والبضائع كنتيجة طبيعية للزيادة في تكاليف الإنتاج.


أهمية الموقع الاستراتيجي

تتوافق المكاسب التي ستجنيها المملكة العربية السعودية من الانضمام لهذه المبادرة مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي نادت في كثير من محاورها الثلاث إلى تعزيز مكانة السعودية كمركز لوجستي يربط قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا، وذلك باستغلال مركزها الاستراتيجي الفريد، إضافة إلى امتلاكها سواحل مترامية الأطراف على الخليج العربي حيث تقارب شوائطها لمضيق باب المندب، وعلى البحر الأحمر الذي يمثل عصب التجارة الدولية.

والمملكة بوصفها الدولة الأولى المصدّرة للنفط في العالم تولي أهمية كبرى لهذه المزايا، ولذلك قامت خلال السنين الماضية بإنشاء العديد من الموانئ البحرية الهامة التي باتت في مقدمة المنافذ البحرية في العالم وذلك بإمكاناتها اللوجستية المتقدمة، إضافة إلى امتلاكها شركة البحري العالمية الرائدة في مجال الخدمات اللوجستية، والتي تمتلك العديد من الشركات الفرعية التابعة لها.

هذا الموقع الفريد، وهذه الإمكانات اللوجستية الهائلة، إضافة لمركز المملكة المتقدم في خارطة الدول المصدرة للنفط في العالم، وتطور البنية التحتية في معظم مناطقها، وما تمتلكه من إمكانات اقتصادية هائلة، جعل بقية الدول تحرص على انضمامها لمبادرة الطريق الجديد.

مكاسب اقتصادية بحتة

رغم أن بعض المحللين أشاروا إلى أن المشروع يمثل تهديدًا لمبادرة الحزام والطريق التي تتبناها الصين، وأن إنشاء هذ الممر يأتي ضمن مساعي واشنطن لتحجيم بكين اقتصاديًا، إلا أن تلك المزاعم تبدو وجهة نظر قاصرة وغير دقيقة لحقيقة الأمر، ففي العصر الذي نعيشه حاليًا فإن المكاسب والمصالح الاقتصادية تأتي أولاً، ولا يوجد هناك تعمد لإقصاء الصين من المبادرة، ومما يعضّد هذه الرؤية أن كثيرًا من الدول المشاركة في الممر الاقتصادي الجديد ترتبط بعلاقات اقتصادية متميزة مع الصين، لا سيما المملكة العربية السعودية التي تعتبر الشريك الاقتصادي الأبرز للصين في منطقة الشرق الأوسط، لكن المملكة رأت أنها تستفيد من المبادرة الجديدة لذلك سارعت بالتوقيع عليها خدمة لأهدافها الاقتصادية.

ومما شجّع كثيرًا من الدول للتوقيع على مذكرة التفاهم الخاصة بإنشاء هذا الطريق المزايا العديدة التي يحملها، فهو يتفوق على مبادرة الحزام والطريق في أنه يمر بمناطق آمنة نسبيًا ولا تشهد اضطرابات قد تعوق تدفق التجارة الدولية، وهو ما يدعم ديمومته واستمراره. كما أن مشاريع طريق الحرير تشهد توقفًا في العديد من البلدان بسبب مخاوف من أن تتحول القروض الصينية في نهاية المطاف إلى ديون يصعب سدادها في المستقبل.


تغيير قواعد اللعبة

كذلك يمتاز الطريق الجديد بأنه لا يسهّل مرور التجارة التقليدية فقط، بل يتضمن جوانب أخرى لا تقل عن ذلك أهمية، فهو يشتمل أيضاً على إنشاء كابل بحري جديد وبنية تحتية لنقل الطاقة، ويولي أهمية كبرى لتيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب، من أجل تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة، إضافة إلى تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية.

هذه الأهداف الأخيرة تتوافق تمامًا مع توجه المملكة التي أطلقت في منتصف عام 2021م، الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجيستية، كما أنها في طريقها لتصبح أكبر منتجي الهيدروجين الأخضر، حيث سيبدأ الإنتاج عام 2026م، في مصنع بمدينة نيوم بطاقة 600 طن يومياً. كما بدأت السعودية في استثمار 15 مليار دولار في البنية التحتية المعلوماتية وفي الاستثمار في مراكز البيانات بمبلغ يصل إلى 18 مليار دولار واحتلت المركز 21 عالمياً في عدد الكوابل البحرية في عام 2021م.

كل تلك المزايا تجعل من الممر الجديد بوابة تجارية موثوقة وأكثر فعالية من حيث التكلفة، بما يعزز مرونة سلاسل التوريد، الأمر الذي ينعكس بدوره على عديد من دول العالم، بخلاف الدول التي يشملها الممر. لذلك تم وصفه بأنه "سوف يغير قواعد اللعبة".

مقالات لنفس الكاتب