array(1) { [0]=> object(stdClass)#13386 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 192

الأهداف الجيوسياسية لأمريكا وأوروبا من الممر الاقتصادي منافسة بنية الصين للحد من نفوذها

الخميس، 30 تشرين2/نوفمبر 2023

بعد الإعلان عن الممر الاقتصادي في قمة العشرين (2023م)، بين الهند ودول الخليج العربي وإيران و الأردن وإسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي، الذي يعد بمثابة تحدياً لمبادرة الحزام والطريق، حيث في حالة اكتمال إنشاء المشروع الطموح، فإنه من المتوقع أن يمثل تحدياً لمبادرة الحزام، التي أطلقتها الصين عام 2013م، بهدف بناء شبكة اقتصادية وبنى تحتية تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا لتعزيز النفوذ العالمي للصين من شرق آسيا إلى أوروبا من خلال جعل الدول في جميع أنحاء العالم تعتمد بشكل متزايد على الصين، إذ سوف يتضمن الممر الاقتصادي، بحسب قادة العشرين، إنشاء خطوط للسكك الحديدية، فضلاً عن ربط الموانئ البحرية وجوانب أخرى، إذ من المتوقع أن يساهم الممر في تنشيط التنمية الاقتصادية من خلال تحسين الاتصال والتكامل الاقتصادي بين الهند والخليج العربي وأوروبا.

ويتألف الممر الاقتصادي، من ممرين منفصلين، إذ يربط الممر الشرقي الهند بالخليج العربي، فيما سوف يربط الممر الشمالي الخليج بأوروبا، إذ وقع قادة كلا من أمريكا، والهند، والسعودية، والإمارات، وفرنسا وألمانيا، وإيطاليا، والاتحاد الأوروبي على مذكرة تفاهم للعمل على تطوير الممر الاقتصادي الجديد، إذ أكدت الدول الموقعة على الالتزام بـتحفيز التنمية الاقتصادية من خلال تعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادي عبر القارتين آسيا وأوروبا، من أجل نمو اقتصادي مستدام وشامل، فإن الممر الاقتصادي المقترح، سيجعل وصول البضائع إلى المنطقة المستهدفة، أسرع مما سيسهم في تعزيز التجارة في قطاع الطاقة، على وجه الخصوص، بين آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، إذ إن الأمر لا يتعلق فقط بالموانئ والسكك الحديدية، بل هو مشروع يربط بين الحضارات والقارات، حيث يتضمن الاستثمار في سلاسل الإمداد المحلية والطاقة النظيفة واليد العاملة، و أن الممر سوف يعزز حركة التجارة والتصنيع الحالية والأمن الغذائي وسلاسل التوريد، فضلاً عن إطلاق استثمارات جديدة من الشركاء بما في ذلك القطاع الخاص وتحفيز خلق فرص عمل نوعية.

ويتشابه الممر الاقتصادي الجديد مع طريق الحرير الصيني، من حيث الهدف الذي يتمثل في تعزيز الروابط بين الدول في مختلف القارات، وكانت الصين قد أعلنت في عام 2013م، عن توقيعها اتفاقيات في إطار مبادرة الحزام والطريق مع أكثر من 150 دولة وأكثر من 30 منظمة دولية، فيما حشدت ما يقرب من تريليون دولار مع إنشاء أكثر من ثلاثة آلاف مشروع، وترمي الصين إلى الانتهاء من مشروع طريق الحرير بحلول عام 2049م، و من اللافت أن بعض الدول الموقعة على الممر الاقتصادي الجديد هي ضمن دول مبادرة الحزام والطريق مثل السعودية والإمارات، إذ أن هناك بعض المؤشرات تشير إلى أن الصين تتباطأ في تنفيذ المبادرة بسبب ما يعانيه اقتصادها من مشاكل، إذ أن إيطاليا، البلد الوحيد داخل مجموعة السبع الذي انضم إلى مبادرة الحزام والطريق .

إن الأهداف الجيوسياسية الرئيسية وراء تنفيذ الممر الاقتصادي الجديد لدى صانعي القرار في أمريكا وأوروبا تتمثل في الدخول في تنافس مع مبادرات البنية التحتية العالمية التي تقودها الصين بهدف الحد من نفوذها وتعزيز نفوذ أمريكا في الشرق الأوسط، إذ جرى التخطيط لمواجهة مبادرة الحزام والطريق منذ سنوات عديدة، وليس من السهولة مواجهة التحدي الصيني في إطار الممر الاقتصادي الجديد، حيث أن الافتقار إلى الوصول المباشر إلى آسيا الوسطى وما وراءها يقيد الخيارات الهندية، لذا يبدو الآن أن الهند ستحاول الاستفادة من أمريكا والدول الأخرى .

إن الممر الاقتصادي الجديد بحكم طبيعته ليس مجرد ممر اتصال متعدد المراحل، لكنه أيضاً مشروع يهدف إلى إنشاء خطوط أنابيب لنقل الهيدروجين الأخضر وكابلات تحت الماء للاتصال الرقمي ونقل البيانات، فضلاً عن تعزيز الاتصالات، و إن أكثر مشاريع البنية التحتية الخاصة بالممر الاقتصادي الجديد موجودة بالفعل، ويرى البعض أن الهند من المرجح أن تستفيد بشكل كبير من المشروع لأنه سوف يضعها في قلب حركة التجارية المارة من جنوب شرق آسيا إلى الشرق الأوسط وأوروبا، مما يمنحها مزايا استراتيجية واقتصادية، وسوف يعمل الممر على تأمين سلاسل التوريد وخلق فرص عمل جديدة وتعزيز التجارة، إذ أن الممر يعد فكرة جيدة من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية لأنه سوف يسهل حركة نقل البضائع بين الهند والخليج والشرق الأوسط وأوروبا، و قد يؤدي إلى ظهور تكتل اقتصادي جديد في العالم .

إن الهدف الرئيسي لهذا الممر هو الربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، و إتاحة العديد من الفرص الواعدة للدول المشاركة، عبر خلق طريق تجارية موثوقة وأكثر فعالية من حيث التكلفة، وبما يعزز مرونة سلاسل التوريد، الأمر الذي ينعكس بدوره على عديد من دول العالم  بخلاف الدول التي يشملها الممر، ويشمل مشروعات للسكك الحديدية وربط الموانئ البحرية، إلى جانب خطوط لنقل الكهرباء والهيدروجين، وكابلات نقل البيانات، ويُعد الممر المرتقب دفعة جديدة على طريق التنمية العالمية، و لعل الممر الاقتصادي يوفر طريقاً تجارية موثوقة وأكثر فعالية من حيث التكلفة، و يزود العالم بطريق تجاري منافس آخر وممر اقتصادي يضيف إلى شبكة مبادرة الحزام والطريق، و من المفترض أن تساعد إضافة طريق الممر الاقتصادي في سلاسل التوريد الأكثر مرونة، وسوف ينافس ذلك الاعتماد على مصادر الإمداد الصينية وطرق التجارة التي تسيطر عليها الصين .

إن هذا الممر الاقتصادي الجديد والطريق التجارية من شأنه أن يوفر مزيداً من المرونة في سلاسل التوريد الخاصة بها، و سيقوم الممر أيضاً بإدخال المنافسة مع مبادرة الحزام والطريق في القطاعات المتأثرة، إذ أن الصينيين يتمتعون بميزة كبيرة في قدرات البنية التحتية، ولا تزال لديهم ميزة امتلاك عديد من مصادر توريد التصنيع، والوصول إلى المواد الخام والمعادن النادرة، وما إلى ذلك، على نحو مماثل، تطمح الهند إلى التحول إلى قوة تصنيعية كبرى، وتأمل الهند، في الحصول على حصة من الإنتاج العالمي من السلع، فيما سيتعين عليها رفع مستوى قدراتها البحرية من أجل هذا الممر، وهي لديها الآن موانئ ذات مستوى عالمي، ولكن هناك حاجة إلى المزيد من البنية التحتية للشحن في هذا القطاع.

ويعتقد بأن مشروع  الممر الاقتصادي،  سيؤدي أيضاً إلى نشاط شحن تجاري أكثر حيوية في بحر العرب في السنوات المقبلة، كما ستستفيد الدول الإفريقية أيضاً من هذه المبادرة، لذلك، بشكل عام، ليس لدى مبادرة الحزام والطريق الصينية الكثير مما يدعو للقلق على المدى القريب، ولكن إذا انطلق مشروع الممر الاقتصادي، وبعد ذلك، فإنها ستحقق بالتأكيد تأثيراً كبيراً على التصنيع في الصين، والوصول إلى المواد الخام وطرق التجارة الخاصة بمبادرة الحزام والطريق، ومن شأن الممر أن يعزز المنافسة في الاقتصاد العالمي بين ممرات ومحاور مختلفة، وبما يخلق مزيداً من الفرص والخيارات على طريق التنمية العالمية، إذ أن المشروع الذي تم الاتفاق عليه على هامش مجموعة العشرين من شأنه أن يواجه النفوذ الصيني المتزايد في الدول العربية .

و ينظر صندوق النقد الدولي لـلممر الاقتصادي، على  أنه لا ينبغي للممر الاقتصادي أن يكون إقصائياً، بل ينبغي أن ينخرط في روح الاقتصاد العالمي المتكامل، و إذا أُريد أن تكون التجارة محركاً للنمو، فعلى المجتمع الدولي،  أن يخلق ممرات وفرصاً، و المهم هو أن يكون ذلك لصالح الجميع، وليس لإقصاء الآخرين و بهذا المعنى، يجب أن يعمل الجميع بشكل تعاوني مع بعضها البعض، و القيام بذلك بروح الاقتصاد المتكامل، إذ أن خطة تطوير شبكة من السكك الحديدية والطرق البحرية التي ستربط الهند والاتحاد الأوروبي ودول الشرق الأوسط، لا تؤكد على الشراكة المزدهرة بين الهند وأمريكا فحسب ، بل تؤكد أيضاً على تصميمهما على إقناع العالم بأنهما يمثلان اقتراحاً استراتيجياً أكثر قابلية للتطبيق في تسهيل الاحتياجات التنموية للجنوب العالمي.

أن مشروع الممر يتضمن دمج خطوط عدد من السكك الحديدية واتصالات الموانئ، بداية من الهند ومروراً بالسعودية والخليج العربي وأوروبا، بما يؤدي إلى تطوير سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية، ونقل السلع بسلاسة بين هذه الدول، كما سيساهم في تطوير البنية التحتية للطاقة وتمكين إنتاج ونقل الهيدروجين الأخضر، وكذلك في تعزيز الاتصالات ونقل البيانات من خلال إنشاء كابل جديد يمتد تحت البحر ويربط بين دول الممر ، إضافة إلى ذلك، إن الممر الاقتصادي مشروع مهم للمنطقة ولجميع الدول التي سيمر بها، بدءاً من الهند ومروراً بدول الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي وأمريكا، وسيساهم في ربط التجارة بين المناطق والدول التي سيمر بها، وفي تعزيز التبادل التجاري، وفي تنشيط واستحداث أنشطة اقتصادية جديدة على امتداد الممر الاقتصادي، و أن المشروع سيساعد في تطوير وتعزيز مشاريع نقل الكهرباء والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط البنى التحتية، وفي إنشاء خطوط سكك حديدية تربط بين المناطق التي سيمر بها، كما يعزز أمن الطاقة من حيث توفير النقل الكهربائي واستخدام خطوط الأنابيب في نقل مختلف مصادر الطاقة بما فيها النفط والغاز والهيدروجين النظيف والطاقة المتجددة، وكذلك تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية.

و يصادف هذا العام مرور عقد من الزمان على إطلاق الرئيس الصيني شي مبادرة الحزام والطريق، إذ أن المبادرة  ترتكز على دولة واحدة هي الصين، وتحاول خلق شبكة تواصل عالمية مركزها ومنبعها الصين نفسها، والتنويع في الشراكات ينطبق على أمريكا، مثلما ينطبق على الصين، والهند والاتحاد الأوروبي، من هنا تأتي أهمية مشروع الممر الاقتصادي الذي يقوم على شراكات متعددة من الهند إلى الإمارات والسعودية والأردن وانتهاءً بدول الاتحاد الأوروبي، إذ يمثل الممر الاقتصادي في جانب منه اعترافًا أمريكيًا بضرورة ربط المصالح الاقتصادية بمسالة تطوير البنى التحتية من طرقات، وسكك حديدية، وموانئ، وأنابيب تصدير الطاقة، وكابلات الألياف البصرية وغيرها، فالتبادل التجاري بالمقاييس القديمة لم يعد صالحًا في وقت بات معلومًا، إذ أن تأهيل البنى التحتية في العالم  صار المعبر الذي لا بد من المرور عبره من أجل تنمية التبادلات في كل اتجاه.

عندما أطلقت الصين مبادرة الحزام والطريق عام 2013م، أرادت من خلاله التوسع الاقتصادي عالميًا، وربط الصين ودول آسيا عمومًا بأوروبا، وتقديم صورة جديدة للصين، كدولة قديرة ومستعدة لمساعدة الدول الفقيرة، وإحداث تنمية اقتصادية واسعة في العالم، لكن تعثر المبادرة وتنامي الشكوك حول قدرة الصين على مواصلة العمل بها، في ضوء تباطؤ الاقتصاد الصيني وتعثر المشاريع التي مولتها المبادرة في العديد من دول العالم، مع عجز الدول المدينة عن سداد القروض الصينية، جاءت مبادرة الممر الاقتصادي، إذ تأخرت دول الممر الاقتصادي طوال عشر سنوات في أن تقدم بديلاً حقيقيًا للمبادرة الصينية، مع توفر المال والقدرة لديها، لذلك وقَّعت أكثر من 150 دولة مع الصين للمساهمة في هذه المبادرة، التي ترمي رسميًا، إلى تحسين البنى الأساسية واللوجستية في الدول النامية، كي تتمكن من النهوض اقتصاديا و الارتباط  بالصين.

أعلنت الصين في الذكرى العاشرة لمبادرة الحزام والطريق عن خطوات رئيسية لدعم التعاون العالي الجودة لـلمبادرة، أولا، ستبني الصين شبكة ربط متعددة الأبعاد للحزام والطريق، إذ أن الصين ستسرع التنمية العالية الجودة لسكك الشحن الحديدية بين الصين وأوروبا وستشارك في بناء ممر النقل الدولي عبر بحر قزوين وستستضيف منتدى التعاون لسكك الشحن الحديدية بين الصين وأوروبا، و ستعمل الصين مع أطراف أخرى لبناء ممر لوجيستي جديد عبر القارة الأوراسية يتم ربطه من خلال النقل المباشر عبر السكك الحديدية والطرق البرية، و ستندمج بقوة الموانئ وخدمات الشحن والتجارة في إطار طريق الحرير البحري ، ونسرع بناء الممر التجاري البري-البحري الدولي الجديد وطريق الحرير الجوي .

و ستدعم الصين اقتصادا عالميًا مفتوحًا، حيث من المتوقع أن يتجاوز إجمالي تجارة الصين في السلع والخدمات 32 تريليون دولار أمريكي و5 تريليونات دولار أمريكي على التوالي في الفترة 2024-2028م، إذ أن الصين ستنشئ مناطق تجريبية للتعاون في التجارة الإلكترونية عبر طريق الحرير، وستبرم اتفاقيات للتجارة الحرة ومعاهدات لحماية الاستثمار مع المزيد من الدول، و ستقوم على نحو شامل برفع القيود المفروضة على وصول الاستثمار الأجنبي إلى قطاع التصنيع، و سيتم بذل جهود لمواصلة تعزيز الانفتاح العالي المستوى في تجارة الخدمات والاستثمار العابرين للحدود، وتوسيع وصول المنتجات الرقمية وغيرها إلى الأسواق، وتعميق الإصلاح في مجالات تشمل الشركات المملوكة للدولة والاقتصاد الرقمي والملكية الفكرية والمشتريات الحكومية، وستواصل الصين تعزيز التنمية الخضراء، و تعمل على تعميق التعاون في مجالات مثل البنية التحتية الخضراء والطاقة الخضراء والنقل الأخضر، وستزيد من دعمها للتحالف الدولي للتنمية الخضراء لـلحزام والطريق .

و في إطار تنويع الشراكات، من أجل تحقيق المكاسب، أصبحت منظمة شنغهاي للتعاون مركز جذب للشرق الأدنى بعد أن طرقت العديد من بلدان المنطقة بابها، وتشهد نجاحات المنظمة على إعادة تعريف التوازنات الدولية وتأثير الصين وروسيا المتنامي في إقليم يُعَد منطقة نفوذ بالنسبة لأمريكا ، إذ تأسست منظمة شنغهاي للتعاون عام 2001م، على يد الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيستان وطاجيكستان وأوزباكستان  وهي منظمة حكومية دولية أوروآسيوية ذات توجه سياسي واقتصادي وأمني، و تركّز على بناء الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين الدول الأعضاء، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ، و كانت المنظمة تعنى في بداياتها بالمسائل المتعلقة بالأمن بشكل أساسي، مثل مكافحة الإرهاب والنزعات الانفصالية والتطرف الديني وتجارة المخدرات، و منذ نشأتها، توسعت المنظمة تدريجيًا لتشمل دول آسيوية كبيرة، مثل الهند وباكستان، لتكتسب بذلك أهمية وتصبح منصةً أساسية للتعاون في آسيا ، وتعد حاليًا أكبر منظمة إقليمية في أوراسيا، حيث يمثّل الدول الأعضاء ما يقرب من 40  %من سكان العالم، وثلث الناتج الاقتصادي العالمي .

إن انضمام دول الشرق الأوسط إلى عضوية منظمة شنغهاي للتعاون يؤكد أيضًا على رغبتها في تحقيق التوازن وتنويع أنشطتها الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية، وتحقيق قدر أكبر من الحرية في سياساتها الخارجية، حيث يُنظَر إلى هذه المنظمة من عدة نواحٍ كنموذج بديل منافس لنماذج أخرى تتمحور حول الغرب (أمريكا واليابان والهند وأستراليا)، وبوصفها منتدىً أوروآسيوي، إذ توفر المنظمة أرضًا صلبة لتعزيز التعاون بين بلدان الجنوب بعيدًا عن إشراف أمريكا والدول الأوروبية.

و في ما يتعلق بالدول العربية وبشكل خاص دول مجلس التعاون الخليجي العربي، ترجع جاذبية منظمة شنغهاي للتعاون بشكل أساسي، إلى الدور الاقتصادي المتنامي للصين في المنطقة، إذ أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لدول الخليج، في عام 2021م، بلغ حجم التجارة الثنائية بين بكين ودول مجلس التعاون الخليجي 230 مليار دولار ، و على الرغم من الضربة الشديدة التي أصابت التجارة من جراء جائحة كوفيد-19، حلت الصين بالفعل محل الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي، واليوم، تأتي ثلث واردات الصين من النفط وربع وارداتها من الغاز الطبيعي والبتروكيماويات من دول المجلس، وأغلبها من السعودية، علما أنه بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية ما مقداره 334.1 مليار دولار عام 2022م، وفقًا للتقرير الاقتصادي العربي الموحد 2023م .

و في ضوء التطورات الاقتصادية الدولية المعاصرة، تعتبر مجموعة "بريكس" (BRICS) تكتل اقتصادي عالمي مهمة جدًا و في هذا السياق، بدأت فكرة تأسيسه في  2006م، حينما عُقد أول اجتماع وزاري لوزراء خارجية البرازيل وروسيا والهند والصين على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، يضم هذا التكتل 5 دول تعد صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، و تشكّل دول مجموعة بريكس مجتمعة نحو 40% من مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من 40% من سكان الكرة الأرضية، حيث تضم أكبر 5 دول مساحة في العالم وأكثرها كثافة سكانية، وهي بذلك تهدف إلى أن تصبح قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة مجموعة السبع  G7  التي تستحوذ على 60% من الثروة العالمية، وهذا ما تثبته الأرقام الصادرة عن مجموعة بريكس، التي تكشف عن تفوقها لأول مرة على دول مجموعة السبع، فقد وصلت مساهمة مجموعة بريكس في الاقتصاد العالمي إلى 31.5%، بينما توقفت مساهمة مجموعة السبع عند 30.7% ، إلى جانب ذلك، تعمل مجموعة بريكس على تحقيق مجموعة من الأهداف والغايات الاقتصادية والسياسية والأمنية عبر تعزيز الأمن والسلام على مستوى العالم .

إن وثيقة مذكرة التفاهم الخاصة بالممر الهندي / الأوروبي قليلة التفاصيل، ولكن من المتوقع وضع خطة عمل خلال الأشهر القادمة، وحتى الآن، فإن كل ما فعلته هو رسم خريطة جغرافية محتملة للممر ، و إن تحقيق ذلك سيكون معقدًا للغاية، إذ لا بد من تحديد الوكالات الحكومية الرئيسية التي ستتولى مسؤولية الاستثمارات، ورأس المال الذي ستخصصه كل حكومة، والأطر الزمنية، إذ لابد أن تكون هناك حاجة أيضا إلى إنشاء هيكل جمركي وتجاري جديد لتنسيق الأعمال الورقية، وضرب لذلك مثلا بخط السكك الحديدية العابر لآسيا عبر كازاخستان الذي يمر عبر 30 دولة.

لم يسبق لأي قمة لمجموعة العشرين أن توجت أعمالها بمثل القرار الاستراتيجي التاريخي الذي خرجت به القمة الأخيرة، باجتماع الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار بالإعلان عن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وذلك من خلال قيام رباعية دولية مؤلفة من الهند و أمريكا و المحور العربي (السعودية والإمارات) والاتحاد الأوروبي، إن المشروع له دلالات كبيرة لناحية وزن الهند المتعاظم على المسرح الدولي بشكل عام انطلاقًا من النمو الاقتصادي، إلى التنمية البشرية والصناعة والتجارة والتكنولوجيا، إذ حصل هذا الإعلان وسط غياب الرئيس الصيني عن القمة، لا سيما أن مشروع الممر الاقتصادي من الهند إلى أوروبا مرورًا بالإمارات، السعودية، الأردن، وبشراكة أمريكا، شكل ترجمة لسياسة الخيارات المفتوحة والمطروحة أمام العديد من الدول الآسيوية، والشرق أوسطية على أساس تنمية العلاقات الدولية المتوازنة.

و لن يكون الممر الاقتصادي بالضرورة بديلاً لأي مشروع آخر، سواء المبادرة الصينية أو قناة السويس، أو مشاريع الدول الإقليمية الأخرى، بل سيكون مشروعاً حيويًا جديدًا نافعًا، ويمكن المشاريع الأخرى أن تستمر إن كانت قادرة على تقديم الخدمات، مثلما حفَّزت مبادرة الحزام والطريق  مجموعة العشرين على مبادرة الممر الاقتصادي الذي يحفّز دول أخرى على إنشاء مشاريع منافسة أو مكمِّلة له، كما يجب ألا يكون بديلًا عن المشروع الذي تقدمت به الدول الصناعية السبع في العام الماضي، بـ 600  مليار دولار، لتمويل مشاريع حيوية في الدول الفقيرة، الذي يمكن أن يهيئ هذه الدول للاستفادة القصوى من الممر الاقتصادي عندما يكتمل، ففي غياب التنمية الاقتصادية والبنى الأساسية، لا يمكن الدول النامية أن تعظِّم استفادتها من المشروع .

هناك خلافات بين الممر الاقتصادي الجديد و طريق الحرير ، إذ أن مبادرة الحزام والطريق، يأتي التمويل من دولة واحدة فقط وهي الصين، أما مشروع الممر الاقتصادي الجديد فيجري النقاش حوله منذ فترة من الزمن، وينصب التركيز فيه على جدوى التنفيذ الممول من مصادر متعددة خاصة عبر شراكات تمثل القطاعين العام والخاص، و تجدر الإشارة إلى أن دولا مؤسِسة في مشروع الممر الاقتصادي  تشارك أيضًا في  مبادرة الحزام والطريق التي قامت أولا على أساس الاستثمار في مجالات البنى التحتية ، وقد ضمت عشرات الدول عبر العالم (155 دولة) ومن بينها كل من السعودية والإمارات، و لكن المهم في القضية تركيز مشروع الممر الاقتصادي على الربط السككي، والبحري، والنقل الرقمي بتركيب كابلات الألياف البصرية، وبالتوازي وبشكل مستقل تأسيس ممرات خضراء عابرة للقارات (بروتوكول أميركي - سعودي) تحت مسمى الشراكة العالمية للبنية التحتية والاستثمار التي ستساهم فيها السعودية مالياً.

على الدول المنضمة لهذه التكتلات التنسيق الدقيق لكيفية الاستفادة من هذه التكتلات و التجمعات و كيفية تحقيق المنفعة، لأنها سوف تخلق نوعاً من التضارب في المصالح الاقتصادية والسياسية وبالتالي في نفس الوقت، تخلق تعارضاً في المصالح قد تؤدي غلى مشاكل اقتصادية، و من الضروري لجميع الأطراف دراسة هذه المشاريع بشيء من التأني في حساب الربح و الخسارة من هذا التداخل في المصالح الاقتصادية و بالتالي السياسية، و في الحقيقة هناك تضارب في المصالح و كل طرف يبحث عن المنفعة من خلال تحليل الكلفة المنفعة من جراء هذا التداخل في المصالح، التي يكون بعضها فيه نوع من التسرع ، وهنا ضرورة تحديد ما هي المنفعة و ما هي التكلفة للدخول في هذه التجمعات المتشابكة في المصالح، من أجل إيجاد بيئة دولية جديدة من العلاقات الاقتصادية الإقليمية ، تعود بالفائدة على دول مجلس التعاون الخليجي و الدول العربية .

في الختام، إن المصالح الاقتصادية تتضارب و تتوافق وفقاً للتطورات السياسية و الاقتصادية التي تحصل في العالم مع مرور الوقت، و يبقى التكامل الاقتصادي العربي الضمانة الأكيدة لمواجهة كل المشاكل التي تحصل في العالم والتي تواجه الدول العربية، شريطة تحقيق مستويات متقدمة من التكامل والتعاون الاقتصادي العربي، كما يجب زيادة الطاقة الاستيعابية لقناة السويس لجعلها أكثر قدرة على المنافسة في المستقبل، إذ أن البقاء للأصلح، و من الجدير بالذكر ، إن دول البريكس و منظمة شنغهاي ، لهما نفس الأهداف تقريباً، و الصين دولة مؤسسة و رائدة في هذين التجمعين، بجانب كون معظم دول المجموعتين السابقة الذكر ، هم أعضاء في الممر الاقتصادي و منتدى الحزام و الطريق ، لذا هناك تشابك في المصالح، و هذا يحتم على الجميع التفاهم و التعاون لكي يربح الجميع، لتحقيق الأمن والسلام والتنمية في العالم، و سيكون عامل توازن في مواجهة تجمع البريكس و منظمة شنغهاي للتعاون، حيث أن هذه التجمعات تحقق المصالح الاقتصادية و السياسية إذا خلصت النوايا بعيداً عن المطامع و سوء النية، و إذا نجحت الجهود في إقامة نظام اقتصادي مالي دولي مستقر جديد تساهم به جميع الشعوب و الدول بدون استثناء أو إقصاء.

مقالات لنفس الكاتب