array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 192

الممر يمنح السعودية مكانة حامل ميزان التوازن الاستراتيجي بيد وحجر ثقل الوزن باليد الأخرى

الخميس، 30 تشرين2/نوفمبر 2023

إن مشروع الجسر الأخضر والرقمي عبر القارات والحضارات، على حد تعبير رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولافون دير لاين، الذي يربط بين الهند ومنطقة الخليج العربي وأوروبا، بممرات للسكك الحديدية والموانئ البحرية، والمعروف اختصارًا بــ" الأيماك"، يطرح أهمية المشاريع الجيواقتصادية العملاقة التي أضحت أحد المميزات الكبرى التي ستحدد مستقبل توزيع القوة والقدرة للفاعلين الدوليين والإقليميين في إطار إعادة ترتيب النظام الدولي الجديد. وعليه، فإنه لا يمكن أن نحلل أهمية ومكانة مشروع "الأيماك" بدون أن نأخذ بعين الاعتبار الحركية والديناميكية الجيواقتصادية، بما فيها التكتلات الاقتصادية الكبرى والممرات التجارية، التي تعرفها مراكز الثقل في منطقة الهندي-الهادي، ومنطقة أوراسيا والمنطقة الإفريقية التي تشكل منطقة الحافة بالنسبة لمنطقة القلب الجيوسياسية التقليدية والمعاصرة. وإذا أخذنا بمعايير المقاربة الجيوسياسية، فإن كل مشروع جيواقتصادي عملاق يستند على سياسة احتواء الخصوم المنافسين وتحييد قدراتهم التوسعية في مناطق القلب الحيوية، في إطار اللعبة الاستراتيجية الكبرى التي تقوم على من يتولى إدارة السيادة العالمية، ماليًا، اقتصاديًا وعسكريًا. وهو ما جعل معظم المراقبين والملاحظين لمشروع الممر الاقتصادي الهندي-الخليجي-الأوروبي لا يبعدون فكرة أن مشروع "الأيماك" هو متحدي وموازي للمشروع الصيني العملاق "الحزام والطريق"، وتم تبسيطه باستنساخ الأدبيات التاريخية المختزلة في إطار التنافس بين الطريق التجاري للحرير القديمة وطريق التوابل الهندية.


أولاً: أهمية المشروع وأهدافه المنشودة


إن تحليل وثيقة بروتوكول مذكرة التفاهم حول مبادئ الممر الاقتصادي الهند-الشرق الأوسط-أوروبا المنشورة على الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض الأمريكي، التي تجمع بالترتيب، المملكة العربية السعودية، الاتحاد الأوروبي، الهند، الولايات المتحدة الأمريكية، الإمارات العربية المتحدة، فرنسا، ألمانيا الاتحادية وإيطاليا، تبين لنا الأهمية الاستراتيجية لهذا المشروع الذي حدد هدفه الأساسي في تحفيز التنمية الاقتصادية من خلال تعزيز التواصل والتكامل الاقتصادي بين آسيا والدول العربية الخليجية وأوروبا. حيث يتكون مشروع "الأيماك" من ممرين منفصلين، الممر الشرقي الذي يربط الهند بالخليج العربي، والممر الشمالي الذي يربط بين الخليج العربي وأوروبا. ويمكن المشروع دول القارتين الآسيوية والأوروبية المعنية به من إنجاز المشاريع الحيوية التي اعتزمت أطراف بروتوكول التفاهم على إنجازها، وتتمثل أساسا في: تمكين السلع والخدمات من العبور من الهند عبر الخليج نحو أوروبا عبر شبكة النقل بالسكك الحديدية والطرق البحرية، مد دول المنطقة بكابلات الكهرباء والاتصال الرقمي، تشييد الأنابيب لتصدير الهيدروجين النظيف، كما يهدف مشروع الممر إلى تأمين سلاسل التوريد الإقليمية، وتسهيل وتحسين التجارة البينية مع مراعاة الآثار البيئية والاجتماعية، من حيث خفض انبعاثات الغازات الدفيئة وتوليد فرص العمل. ويبقى المشروع في بعده القانوني والتنظيمي قائمًا على الالتزامات السياسية للمشاركين فيه، على أن توضع آلية تنسيقية لتحديد المعايير الفنية والتصميمية والتمويلية والقانونية لإدارة مشروع الممر، وذلك وفق خطة العمل والالتزام بجدول زمني خلال الستين يومًا التي تلي الإعلان عن بروتوكول التفاهم.
التوقعات الأولية لأهمية هذا المشروع حسب التقديرات الأوروبية أنه سيزيد من وتيرة وحجم التجارة البينية بين الهند وأوروبا عبر الخليج العربي بنسبة 40 %، حيث صدرت الهند ما قيمته 70 مليار يورو من السلع للاتحاد الأوروبي ما بين 2022-2023م، بينما التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي بلغ 186 مليار دولار سنة 2022م، وهي مؤشرات إيجابية تدفع كل الأطراف للعمل على إنجاح مشروع الأيماك. بينما التوقعات الأمريكية حسب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي وصفه بالاتفاق التاريخي، سيساهم في جعل الشرق الأوسط أكثر استقرارًا وازدهارًا. خصوصًا، وأن المشروع في حد ذاته هو مبادرة من الرئيس الأمريكي في إطار الشراكة الشاملة في البنية التحتية والاستثمارات، التي كشف عنها لأول مرة في قمة المجموعة 7 في سنة 2022م، بهيروشيما باليابان، التي طرحت خيار التعبئة المالية للمشروع بقيمة 600 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية العالمية في آفاق 2027م، وكانت تهدف من خلاله الولايات المتحدة الأمريكية البحث عن الفرص الجديدة للطلب العالمي لتمويل المنشآت الرفيعة المستوى في الدول ذات الدخل المحدود أو الدول الوسيطة، مما دفعها إلى الإعلان عن إجراءات أولية ترمي بالأساس إلى إنشاء عدة ممرات اقتصادية لجذب الاستثمارات في البنية التحتية في عدة بلدان ذات القطاعات المتعددة والمتنوعة، وخصصت في البداية 30 مليار دولار على سبيل الإعانات للتمويل الفدرالي وتمويل القطاع الخاص. كل ذلك في إطار استراتيجية عالمية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية لاحتواء الصين بالمشاريع البديلة والموازية.


ثانيًا: الحسابات الاستراتيجية لأطراف المشروع


بالنسبة للأوروبيين، فإن المشروع يشكل فرصة لتوسيع وتنفيذ مخططهم الخاص، بوابة العالم، الذي يهدف إلى تمويل المنشآت في البلدان الاقتصادية الصاعدة والسائرة في طريق النمو، الذي تم تخصيص غلاف مالي له يقدر بــ 300 مليار يورو في الفترة الممتدة ما بين 2021-2027م، ولا يخفي المراقبون الأوروبيون بأن المشروع في حد ذاته، يرتب ضمن المنافسة الأوروبية-الصينية حول مشاريع المنشآت الحيوية وتمويلها لاسيما في القارة الإفريقية، منطقة النفوذ التقليدية للأوربيين التي أضحت تهيمن عليها الصين على كل المستويات، ففي الإثنى عشرة سنة الماضية، استحوذت الصين على مكانة الشريك التجاري الأول لإفريقيا، وحسب دراسة نشرها مركز التنمية الشاملة، فإن البنوك الصينية قدمت قروضًا لمشاريع المنشآت في إفريقيا أكثر بمرتين مقارنة بما قدمته المؤسسات المالية لتمويل التنمية في الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، اليابان وفرنسا مجتمعين معًا. وفي فترة عشرين سنة 2000-2020م، تضاعفت الصادرات الصينية نحو إفريقيا بأكثر من عشرين مرة، لتنتقل من 5 مليارات دولار في سنة 2000م، إلى أكثر من 110 مليارات سنة 2020م، وعليه، فإن من بين الأهداف الحيوية لأوروبا في اندماجها في الممرات الاقتصادية الكبرى الموازية لطريق الحرير الصينية، تكمن في تحييد هذا الصعود الصيني المتسارع الذي عجزت أوروبا عن كبحه في إفريقيا، وهو ما يقلق الفرنسيين بدرجة كبيرة بعد الخسارة في المكاسب الاستراتيجية في منطقة الفرنك الفرنسي التقليدية بغرب إفريقيا، والتراجع الكبير في حصتها من الصادرات نحو إفريقيا التي تهاوت في العشرين سنة الماضية بمقدار النصف، من 12 % إلى 7 % في ظل المنافسة الصينية المتصاعدة. وهو ما يفسر التوافق الأمريكي-الأوروبي حول إعلان تمويل ممر لوبيتو الإفريقي، على هامش فعالية الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار لمجموعة العشرين بالهند، وهو المشروع الذي يربط جنوب الكونغو الديمقراطية وشمال غرب زامبيا بأسواق التجارة الإقليمية والعالمية عبر ميناء لوبيتو في أنغولا. حيث التزمت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في بيان مشترك بدعم الدول الإفريقية الثلاثة لدراسة جدوى توسيع خط السكك الحديدية الجديد بين زامبيا وأنغولا، وهو التزام أمريكي-أوروبي على ترقية البنية التحتية في جميع أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بغرض تحسين الاقتصادت المحلية بتعزيز إمكانيات تصدير المعادن والسلع الزراعية والمنتجات الأخرى، وتنشيط حركية تنقل المواطنين وإيجاد فرص عمل والتقليل من الانبعاثات الكربونية بدعم مشاريع الطاقة النظيفة والاستثمار المتنوع في المعادن الحيوية وتنمية سلاسل القيمة الزراعية لمعالجة قضايا الأمن الغذائي.
وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تستند على مبادرات الممرات الاقتصادية الكبرى لمواجهة التمدد الصيني عبر مشروع الحزام والطريق الذي يربط 150 دولة في أوراسيا وإفريقيا، فإن الاتحاد الأوروبي لا يخفي دوافعه المتحمسة تجاه مشروع "الإيماك" في بيئة جيوسياسية متوترة في قلب أوراسيا في الحرب الدائرة بين روسيا-أوكرانيا والحلف الأطلسي، حيث يجد في دول الخليج الخيار الاستراتيجي الأفضل لوضع حد للتبعية الطاقوية لروسيا، وفي الوقت ذاته، مواجهة الحركية الدبلوماسية النشطة الصينية- الهندية-الروسية تجاه منطقة الخليج العربي.
فيما يخص الأهداف المعلنة من قبل الهند، فإنها تعكس توجهاتها المسطرة بإنشاء ممرات اقتصادية وتجارية جديدة لمواجهة المشاريع الضخمة والطموحة للصين في باكستان ومنطقة الهندي الهادي، وإدراكها في ذلك أن الصين تستخدم مبادرة الحزام والطريق في اتجاهين متكاملين، الهيمنة الجيواقتصادية والضغط المالي على الشركاء للوصول إلى بناء الشراكات الأمنية والعسكرية بإرساء مجموعة من القواعد العسكرية لحماية تمددها التجاري والاقتصادي. كما أن الهند تنظر لمستقبلها ومكانتها في النظام الدولي القادم على أنها يمكن أن تنتقل من سياسة عدم الانحياز التي دمغت سياستها الخارجية منذ الستينات من القرن العشرين مع، جواهر لآل نهرو، إلى تعدد الانحياز في المشاريع الاقتصادية، وهو ما يتضح في الممر الاقتصادي شمال-جنوب الذي تم توقيعه بين الهند، روسيا وإيران في سنة 2000م، الذي يعكس السياسة البرغماتية للهند التي تستغل النزاعات الدولية وسياسة العقوبات الغربية المفروضة على روسيا وإيران للاستفادة من التمويل بالطاقة والمنتجات النفطية الروسية. ولا يمكن إغفال الحسابات الاستراتيجية الهندية الطامحة للانتقال من مكانة المحور الجيوسياسي إلى الفاعل الجيوستراتيجي، فهي تمتلك شرعية عناصر القوة التي تدفعها لذلك، فمنذ أبريل 2023م، أصبحت الهند البلد الأكثر سكانا في العالم بأكثر من مليار و425 مليون نسمة، بمعنى هندي واحد من كل خمسة أشخاص في العالم. وحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن الزيادة الديمغرافية في الهند ستبقى بوتيرة متصاعدة لتصل إلى 1.7 مليار نسمة في آفاق 2060م، وتتميز القوة الديمغرافية في الهند من حيث الفئة العمرية، بأنها الأكثر شبابًا في العالم بـ 40 % من السكان بأقل من 25 سنة. وتكمن قوة شبابها في اعتبارها أكبر احتياطي استراتيجي عالمي للموارد البشرية في القطاعات الصناعية والإنتاجية الأكثر حيوية في العالم، الصناعات الصيدلانية، الكيميائية، الإعلام الآلي، الطاقات المتجددة وغيرها. إلى جانب الديناميكية الديمغرافية، فإن الهند تصنف من ضمن الاقتصاديات الأكثر سرعة في النمو في العالم منذ 2014م، حسب تقديرات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، حيث حققت نموًا يقارب الرقمين في سنة 2021م، بنسبة 9.1 % حسب البنك العالمي، و7 % في سنة 2022م. واستطاعت الهند أن تفرض نفسها كخامس قوة اقتصادية في العالم في سنة 2022م، متفوقة على مستعمرتها التقليدية بريطانيا التي كانت لا تغيب عنها الشمس، ومرشحة مستقبلاً أن تكون الثانية اقتصاديا في العالم قبل سنة 2075م، حسب دراسة لبنك غولدمان ستش. ومن الناحية العسكرية، فإن الهند ذات القدرات النووية ترتب الرابعة عالميًا من حيث القوة العسكرية في العالم. ولهذه الحسابات الاستراتيجية مجتمعة، تنظر الهند للممر الاقتصادي "الإيماك" كفرصة تاريخية لبناء قدراتها الأوراسية مع حليفين استراتيجيين لا يمكن الاستغناء عنهما للارتكاز عليهما لإنجاز مشروعها كلاعب جيواستراتيجي، الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تزال تخطط للحفاظ على تفوقها العالمي والاتحاد الأوروبي المرتبط أمنيًا بالحلف الأطلسي،الذي لا يمكنه فك الارتباط الاستراتيجي عن واشنطن كما تبينه الحرب الروسية-الأوكرانية-الأطلسية، من جهة، والتهديد الاستراتيجي الوجودي المشترك لكل منهما، المتمثل في المشاريع الصينية الجيواقتصادية، من جهة أخرى. ولعل التفاؤل المفرط لرئيس الوزراء الهندي، ناريندار مودي، بمشروع "الأيماك" يعبر بشكل جيد عن هذه الحسابات الاستراتيجية الهندية، على حد قوله:" إن الممر الجديد المعلن عنه على هامش قمة العشرين في دلهي، سيصبح أساس التجارة العالمية لمئات السنين القادمة".
أما فيما يخص المكاسب الاستراتيجية التي ستعود على منطقة الخليج لهذا الممر، لاسيما الدولتين المعنيتين بالمشروع، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فهو يمنحها مكانة حامل ميزان التوازن الاستراتيجي بيد، وحجرة ثقل الوزن ذاته، باليد الأخرى، كما قال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين في فترة التعددية القطبية التي عرفتها أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية، بمعنى أن الربط بين آسيا وأوروبا سيمر حتمًا عبر منطقة الخليج، مما يجعلها ترجح نجاح المشروع بوضع حجرة الوزن في أي خلل ممكن بين القارتين الآسيوية والأوروبية، وذلك لما تملكه من أوراق استراتيجية مطلوبة لمجموع الفاعلين الدوليين والإقليميين. فالسعودية تصنف كدولة مفتاحية في المشروع بالنظر لبيئتها الداخلية المرتبطة برؤية 2030م، التي تعكس ترجمة القدرات التي تمتلكها المملكة في الموقع الاستراتيجي الحيوي، القدرة الاستثمارية الكبيرة، والمكانة والسمعة العالمية في قلب العالم العربي-الإسلامي. وتهدف الرؤية السعودية المستقبلية إلى تنويع الشركاء الدوليين وتنويع مصادر الدخل خارج المحروقات بمشاريع مستقبلية، يتصدرها مشروع نيوم الذي سيحول الصحراء إلى مدينة مستقبلية مبتكرة في غرب المملكة تعمل بنسبة 100% بالطاقة المتجددة. وستستفيد حتما كل هذه المشاريع من الشراكات المتنوعة للسعودية بما يخدم أجندتها الداخلية والإقليمية والدولية، بالأخص أن المشاريع التي يطرحها الممر الاقتصادي الهندي-الخليج-أوروبا سيعزز أكثر من هذه الاستراتيجية المسطرة. وبما أن السعودية التي تقوم بدور حامل حجرة ثقل الميزان الاستراتيجي بين الفاعلين الدوليين الثلاثة، الهند، الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، فإنها ستعزز أكثر من مصالحها التجارية والاقتصادية مع كل الأطراف المعنية بمشروع"الأيماك"، ولم تخف رغبتها في إنجاح المشروع منذ الإعلان عن ميلاده، حيث التزم ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، بــ 20 مليار دولار للمساهمة في تجسيد المشروع. فالمشروع في جناحه الشرقي، سيمكن السعودية من تسريع وتيرة وحجم التبادلات التجارية التي قاربت 43 مليار دولار في سنة 2022م، بين الرياض ونيودلهي، يميل الميزان التجاري لصالح السعودية بـــ 34 مليار دولار حجم الصادرات، حيث ترتبط الهند في أمنها الطاقوي بالسعودية التي تغطي 18% من حاجياتها النفطية. إلى جانب الحركية البشرية الهندية نحو السعودية التي تحتضن أكثر من مليونين ونصف هندي كموارد بشرية في مختلف القطاعات تساهم في التنمية المتبادلة، حيث تقدر تحويلات المالية للعمالة الهندية بالسعودية بــ 8 مليارات دولار سنويًا. وفي إطار الأمن المتبادل، فإن دول الخليج بيدها ورقة الأمن الطاقوي في الاتجاهين الشرقي والشمالي للدول المنخرطة في مشروع الأيماك، بما فيها خطوط الأنابيب الهيدروجينية المزمع إنشاؤها على طول الممر، لما تمتلكه المنطقة من إمكانات للطاقات المتجددة لاسيما الشمسية منها، حيث تعتمد دول مجلس التعاون الخليجي في توليد الكهرباء على الطاقة الشمسية أكثر من أي تقنية أخرى من الطاقات المتجددة تصل إلى 97% من السعة المركبة للمصادر المتجددة في دول الخليج، ويعود ذلك بالأساس للمستويات المرتفعة من سطوع الشمس وزيادة الساعات التي تتوفر خلالها أشعة الشمس، توفر المنطقة على الأراضي التي تسمح بتركيب الألواح الشمسية. وإلى جانب الطاقة الشمسية فإن مشاريع الهيدروجين الأخضر في الخليج تتكيف مع المشاريع المطروحة في مبادرة "الأيماك" للتقليص من الانبعاثات الحرارية بفضل مشاريع الطاقات النظيفة، فالسعودية تخطط لبناء أكبر محطات توليد الهيدروجين الأخضر في العالم، بسعة تفوق عن 4 غيغاواط من الطاقة الشمسية والرياح من المتوقع تشغيل المحطة في آفاق 2025م.


ثالثًا: التحديات المطروحة أمام المشروع.


نجاح كل المشاريع الاقتصادية الكبرى مرتبط بمجموعة من العوامل المتضافرة، أولها، الإرادة السياسية لصانعي القرار ووضوح الأهداف الاستراتيجية البعيدة المدى، ثانيًا، ضمان التمويل اللازم لمجمل المشاريع الاندماجية المناسبة لإنجازها في الآجال الزمنية المسطرة، وثالثًا، توفر الاستقرار الجيوسياسي العالمي. التجارب السابقة للمرات الاقتصادية الكبرى التي انخرطت فيها الهند تعد مثالًا حيًا لاختبار هذه المقاربة، حيث توفرت الإرادة السياسية وغاب التمويل الكاف مع تصاعد التوترات الجيوسياسية في المحيط الجغرافي للمشاريع، مما عطل تفعيلها في الميدان. فالمشروع الثلاثي للطريق السريع الذي يربط الهند، ميانمار وتايلاندا الذي اقترح في سنة 2002م، عرف تأخرًا معتبرًا بسبب نقص التمويل. مشروع ميناء شابهار الإيراني ومبادرة بنغلادش-بهوتان-النيبال-الهند عرف بدوره صعوبات وتأخر معتبر بسبب نقص التمويل الكاف. بينما تعطل مشروع الممر الدولي للنقل شمال-جنوب، الذي يربط سان بطرسبرغ بميناء مومباي في الهند عبر إيران، حيث يعد المسار بديلاً لطريق الملاحة البحرية الذي يربط أوروبا بدول الخليج والمحيط الهندي عبر قناة السويس. وتعد الاضطرابات الجيوسياسية العالمية عاملاً كابحًا لنجاح هذه المشاريع الضخمة، من جهة، وعاملاً محفزًا للبحث عن المسارات البديلة، من جهة أخرى. فالعقوبات الأمريكية / الأوروبية المفروضة على روسيا بسبب الحرب الأوكرانية جعلها تسارع لتفعيل مشروع شمال-جنوب، بالتعهد بتمويل الجزء الخاص بإيران التي تواجه تحديات في إتمام البنية التحتية المحلية لغياب التمويل المطلوب لبناء خط سكة الحديد رشت-أستار، و22 نفقًا و15 جسرًا على امتداد الممر البري الإيراني، وهذا الممر البديل الروسي- الإيراني-الهندي يمكن أن يكون البديل لحركة النقل عبر قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط وفي التقديرات الروسية-الإيرانية أنه إضافة للالتفاف على العقوبات الاقتصادية، فإنه سيقلل من مسافة النقل وتكلفته، حيث يستغرق النقل عبره 25 يوما لقطع 7200 كلم مقارنة بقناة السويس البالغ طوله 16 ألف كلم ويستغرق ما بين 36 إلى 40 يومًا. لكن كل من روسيا وإيران تبقى بحاجة إلى الوصول للأسواق الخليجية وشرق إفريقيا والهند وهو ما جعلها تحدد سنة 2025م، تاريخ لإطلاق الممر الذي سينقل ما بين 20 و25 مليون طن من البضائع سنويًا.
أما التحدي الأكبر على المستوى الإقليمي الشرق أوسطي فيحتاج المشروع إلى الكثير من التوضيح فيما يخص ثلاثة لاعبين إقليميين، إسرائيل، مصر وتركيا. أولا، لأن الضبابية في إدماج إسرائيل في المشروع لا يمكن أن يحقق التفاؤل المفرط للرئيس جو بايدن، الذي بشر بمساهمة مشروع الأيماك بجعل الشرق الأوسط أكثر استقرارًا وازدهارًا، لأنه يصطدم مع أهم محدد لنجاحه وهو استقرار البيئة الجيوسياسية الإقليمية والدولية، فعملية طوفان الأقصى والعدوان الانتقامي لإسرائيل على الشعب الفلسطيني زاد من عدم الاستقرار السياسي والأمني، وفي غياب التطبيق الكامل لخيار السلام الاستراتيجي عبر قيام الدولة الفلسطينية وفق الإجماع العربي الذي طرحته المبادرة العربية في 2002م، وتم التأكيد عليه في البند 25 من البيان الختامي لقمة الرياض للجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي (11-11-2023م) الذي أكد مرة أخرى، أن الشرط الأساسي للسلام مع إسرائيل وإقامة علاقات طبيعية معها يرتبط بإنهاء احتلالها لجميع الأراضي الفلسطينية والعربية وتجسيد استقلال الدول الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة. وعليه، فإن سقف الأمل الذي رفعه، بنيامين نتانياهو، في انضمامه للمشروع الذي اعتبره، المشروع التعاوني الأكثر أهمية في تاريخ إسرائيل، لا يمكن انجازه على حساب حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحريته في إقامة دولته بكل أركانها السيادية، وبالتالي لن تكون إسرائيل النقطة المركزية في الممر الاقتصادي ما بين الهند وأوروبا كما تحلم به إسرائيل. أما فيما يخص الجانب المصري، فإن الطرح المتعلق بإيجاد ممرات بديلة عن قناة السويس يثير بعض التساؤلات فيما يخص مستقبل المكانة المصرية في ظل ممرات التجارة الدولية، رسميًا، القاهرة لا ترى في المشروع ذلك الخطر الوجودي لمستقبل مكانتها الملاحية، لأن تقديراتها الحالية والمستقبلية تؤكد على استمرارية الأهمية الاستراتيجية لقناة السويس التي تعد الممر الأول في العالم بنسبة تتراوح بين 15-18 % من التجارة العالمية، وإذا تم ربط ذلك بالنمو المتصاعد للتجارة العالمية فإن التأثيرات لن تكون محسوسة، وحسب رئيس هيئة قناة السويس، أسامة الربيع، فإن التكلفة الاقتصادية والسرعة في نقل البضائع تجعل من قناة السويس الأكثر تنافسية في العالم، مع العلم أن مشروع الممر الاقتصادي الجديد لن يأخذ من القناة إلا نسبة قليلة لا تتعدى 0.1 %. أما فيما يخص تركيا، فكان ردها سريعًا بعد الإعلان عن مشروع الأيماك، حيث صرح الرئيس أردوغان بعد عودته من قمة العشرين بالهند، بأنه لن يكون هناك ممر بدون تركيا والخط الأكثر ملاءمة لحركة المرور من الشرق إلى الغرب هو الخط العابر من تركيا، وأن السعر العالمي للغاز الطبيعي سيتم تحديده في تركيا خلال الفترة المقبلة من خلال الإجراءات التي ستتخذ في إنشاء قاعدة الغاز الطبيعي.

مقالات لنفس الكاتب