array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 192

الأمير محمد بن سلمان دق ناقوس الخطر وحدد مكامن الفشل الدولي في التعامل مع أزمة غزة

الخميس، 30 تشرين2/نوفمبر 2023

بتاريخ ١١ نوفمبر الماضي، عقدت في الرياض قمة استثنائية جمعت بين القمتين العربية والإسلامية لمناقشة موضوع الأزمة الإنسانية في قطاع غزة المحتل. هذه القمة التي أتت في ظروف قاسية ومؤلمة يعاني فيها الأشقاء في غزة من أسوأ حملة عسكرية شعواء تقتل الشجر والحجر والطفل والمسن. إن المآسي والآلام التي مرّ بها الأشقاء من سكان القطاع تطلبت اتخاذ قرارات سريعة وواثقة تعبر عن الغضب العربي والإسلامي بشكل عام وعن رغبة المملكة العربية السعودية باتخاذ إجراءات سريعة وفعالة تخفف من آلام الناس تحت القصف والحصار. وهذا ما عجل بعقد قمة موحدة تمثل حوالي ربع سكان الكرة الأرضية. وبشكل لافت، استطاعت المملكة العربية السعودية الاستجابة السريعة للظروف من خلال دمج القمتين العربية والإسلامية لتخرج بنتائج مكونة من واحد وثلاثين بنداً تحتوي في معظمها على إجراءات عملية تساهم في رفع الحصار عن قطاع غزة وتخفيف معاناة أهله، واصفة الأعمال الإسرائيلية بالجرائم والعدوان.

 

لقد بدأت القمة بكلمة لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ـ يحفظه الله ـ، هذه الكلمة كانت عبارة عن صرخة في وجه المجتمع الدولي ودقت ناقوس الخطر الناجم عن الهمجية التي قد تصل بالدول في حروبها ضد المدنيين العزّل. فقد أكد سموه الرفض "القاطع لهذه الحرب الشعواء التي يتعرض لها أشقاؤنا في فلسطين وراح ضحاياها الآلاف من المدنيين العزل ومن الأطفال والنساء والشيوخ، ودمرت فيها المستشفيات ودور العبادة والبنى التحتية. كما حدد سموه مكامن الفشل الدولي في التعامل مع هذه الأزمة الإنسانية والإجراءات الواجب اتخاذها لتخفيف معاناة الناس وتأمين احتياجاتهم فقال سموه: "إننا أمام كارثة إنسانية  تشهد على فشل مجلس الأمن والمجتمع الدولي في وضع حد للانتهاكات الإسرائيلية الصارخة للقوانين والأعراف الدولية والقانون الدولي الإنساني، وتبرهن على ازدواجية المعايير والانتقائية في تطبيقها، وتهدد الأمن والاستقرار العالميين، لذلك فإن الأمر يتطلب منا جميعاً جهداً جماعياً منسقاً للقيام بتحرك فعّال لمواجهة هذا الوضع المؤسف، وندعو إلى العمل معاً لفك الحصار بإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية وتأمين المستلزمات الطبية للمرضى والمصابين في غزة".

هذه الكلمات جاءت لتذكير المجتمع الدولي بأن التعايش السلمي يتطلب قواعد وأسس يقوم عليها هذا التعايش. فكيف يطلب منا العالم الاعتراف بإسرائيل والقبول بها كدولة وكل تصرفاتها في غزة خلال الشهر المنصرم كانت عبارة عن جرائم لا يمكن القبول بها والتعايش معها ضمن مجتمع إقليمي يسعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية. لذلك فقد اختتم سمو ولي العهد كلمته بتقديم "السبيل الوحيد" اللازم لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار الإقليمي بأنه "إنهاء الاحتلال والحصار والاستيطان". ولتحقيق التعايش السلمي لجميع دول المنطقة بما فيها إسرائيل يجب أن يحصل "الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة بحدود ١٩٦٧م، وعاصمتها القدس الشرقية".

هذه الكلمات، في مجملها تمت ترجمتها في القمة على شكل قرارات تكونت من واحد وثلاثين بندًا جاءت على شكل ثلاث عناصر رئيسية:

إدانة همجية الاحتلال وإجراءات فورية بوقف الحرب ورفع الحصار المفروض على القطاع بالإضافة إلى بيان سياسة الدول العربية والإسلامية اتجاه الصراع العربي الإسرائيلي بشكل عام.

 

أما بالنسبة للعنصر الأول فقد جاءت البنود ٢٠١، ١٣، ١٤، ١٥، ١٦، ٢٠، ٢١، ٢٢، ٢٣ على شكل إدانة واضحة لكل تصرفات الاحتلال في غزة بشكل خاص والأراضي الفلسطينية بشكل عام. فقد ركزت الإدانات على: أولاً العدوان الهمجي الغاشم على قطاع غزة وما تضمنه من مجازر وجرائم حرب، والرفض القاطع بتوصيف ذلك ضمن الدفاع عن النفس أو أي ذريعة أخرى.

 

كما أدان المجتمعون ازدواجية المعايير التي تعامل بها المجتمع الدولي مع الأزمة والتي ساهمت في تحصين إسرائيل وإفلاتها من العقوبة على تصرفاتها المشينة. وكذلك فقد رأى المجتمعون أن عملية تصفية القضية الفلسطينية من خلال التهجير القسري هي مرفوضة وتعتبر جريمة حرب في القانون الدولي. فبالتالي يرفض المجتمعون أي توجهات يقوم بها جيش الاحتلال بتهجير السكان جنوباً ومحاولات تفريغ الجزء الشمالي من قطاع غزة تمهيداً لنقله إلى المستوطنين. كما أن اعتداءات الاحتلال على المدنيين العزل في مدن ومخيمات غزة والضفة الغربية تعتبر مرفوضة وتشكّل إرهاب دولة. كما يدين المجتمعون أي اعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية، حيث يرى المؤتمر أن هذه الاعتداءات عبارة عن جريمة تنتهك حرية العبادة ومحاولات بائسة لتغيير الطبيعة التاريخية لمدينة القدس ومقدساتها وخاصة المسجد الأقصى المبارك.

 

وأخيراً يؤكد المؤتمر على إدانة التصريحات والأفعال العنصرية غير المسؤولة لقادة الاحتلال كالتهديد باستخدام السلاح النووي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة باعتبار هذا السلاح يشكل تهديداً حقيقياً للأمن والسلم الدوليين، ومما يتطلب العمل الدولي الجماعي لنزع سلاح إسرائيل النووي وجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من هذا السلاح ومن كافة أسلحة الدمار الشامل. كما أدان المؤتمر استخدام الفسفور الأبيض المحرم دولياً ضد السكان المدنيين في غزة ولبنان.

 

العنصر الثاني من قرارات المؤتمر كان يتعلق باتخاذ إجراءات فورية لرفع المعاناة عن السكان في قطاع غزة المحتل. وتتمثل هذه الاجراءات بالطلب من المنظمات الدولية الإنسانية بسرعة إيصال احتياجات السكان من غذاء وماء ودواء ووقود بالإضافة إلى تجريم أعمال الاحتلال من قتل وتهجير وجرائم حرب. وفي هذا المجال طالب المؤتمر من المجتمع الدولي التكاتف والعمل معاً لوقف إجراءات الاحتلال الإجرامية من قتل وتدمير للبنى التحتية من مستشفيات ومدارس ومساكن. وتمثلت هذه المطالب بما يلي:

 ١-كسر الحصار المفروض على القطاع وإدخال المساعدات المطلوبة إلى القطاع فوراً. في هذا الجانب قامت المملكة العربية السعودية بتجهيز خمسمائة شاحنة وقود بالإضافة إلى شحنات من الغذاء والأدوية فقد جهزت المملكة العربية السعودية طائرات نقل محملة بكافة مواد الإغاثة الغذائية والدوائية مطالبة المنظمات الدولية بالمساعدة على إدخالها فوراً إلى القطاع.

٢-المطالبة بوقف تصدير الأسلحة إلى المحتل والمستوطنون الإرهابيون الذين يستخدمونه لقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والمسنين. هذا السلاح الذي كان أداة لتدمير المدارس والمساكن والمستشفيات ودور العبادة.

٣-العمل على توثيق جرائم الاحتلال والطلب من مدعي عام محكمة الجنايات الدولية باتخاذ الإجراءات القانونية لمحاكمة مجرمي الحرب عن جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني في كل من

قطاع غزة والضفة الغربية المحتلتين.

٤-تكليف وزراء خارجية كل من المملكة العربية السعودية والأردن ومصر وقطر وتركيا وإندونيسيا ونيجيريا وفلسطين بالإضافة إلى الأمينين العامين لجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي للتحرك الفوري الدولي للدفع بوقف الحرب والعمل على تحقيق سلام حقيقي شامل ودائم حسب القرارات الدولية والاتفاقات المتعلقة بالأمن والسلم الإقليميين وحسن الجوار.

٥-العمل مع المنظمات الدولية لمنع التهجير القسري لسكان القطاع باعتبار هذا الإجراء مخالف لاتفاقية جنيف الدولية لعام ١٩٤٩م، وملحقاتها ودعوه لجميع الدول للضغط على إسرائيل للتوقف عن هذا الإجراء البغيض فمن المهم أن تعلم دول العالم بأن الدول العربية والإسلامية لا يمكن أن تقبل باقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه.

٦-المطالبة الحديثة لكافة الأطراف بإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين المدنيين ووقف الإجراءات التعسفية التي تقوم بها إسرائيل من تنكيل بالأسرى وعائلاتهم.

 

‏ولتحقيق هذه المطالب، بدأت المملكة العربية السعودية بتحرك دولي على المستويات الرسمية بمخاطبة ومقابلة مسؤولي الدول في كافة أرجاء العالم للمساهمة في المضي قدمًا نحو تحقيقها.

‏كما عملت المملكة على توجيه الإعلام محليًا ودوليًا لتوثيق جرائم الاحتلال وتوضيح الصورة التي كانت إسرائيل وأدواتها قد نجحت في تشويهها.

‏هذه الصورة التي كانت قائمة على فكرة مغلوطة بأن إسرائيل هي ضحية إرهاب عربي وإسلامي بينما الحقيقة هي أن الاحتلال هو الإرهاب والقتل والتدمير.

‏أما العنصر الثالث فكان لبيان سياسة الدول العربية والإسلامية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي بشكل عام. هذه السياسة التي تقوم على التمسك بخيار السلام القائم على قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية لعام ٢٠٠٢ والتي تقوم على انسحاب إسرائيلي كامل مقابل سلام كامل.

‏لقد وضح المؤتمر أن شرط السلام هو انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي التي احتلتها عام ١٩٦٧م، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه في تقرير المصير والعودة وحل مشكلة اللاجئين حسب قرار الأمم المتحدة رقم ١٩٤ لعام ١٩٤٨م.

ولتحقيق هذا السلام، دعا المؤتمرون إلى تحرك دولي لإطلاق عملية سلمية شاملة تقوم على أساس حل الدولتين. دولة فلسطينية مستقلة استقلالاً كاملاً على حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧م، وعاصمتها القدس الشرقية وتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

‏هذا السلام، يرى المؤتمرون أنه السبيل الوحيد لأن تصبح إسرائيل دولة مقبولة في منطقة الشرق الأوسط بعيدًا عن العنف والحروب وتسمح لشعوب المنطقة كافة للعيش بسلام وحسن الجوار والسعي للتقدم والازدهار. وهذا ليس بموقف عربي جديد فقد قدمت المملكة العربية السعودية المبادرة العربية للسلام منذ أكثر من عشرين عاماً. ولو دفع العالم بها في حينه نحو التطبيق لتفادت منطقة الشرق الأوسط العديد من مآسي وويلات الحروب التي توالت خلال العقدين الماضيين والتي أودت بحياة عشرات الآلاف وأوقفت عجلة التنمية والتقدم التي كان من الممكن أن تصنع الاستقرار والطمأنينة والثراء لكافة شعوب المنطقة.

‏فور انتهاء المؤتمر، بدأت المملكة العربية السعودية اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق نتائج المؤتمر وعلى المستويين الإقليمي والدولي، والإنساني والسياسي. فإقليمياً، بدأت المملكة أولاً بالإجراءات الإنسانية بإرسال طائرات محملة بالمواد الغذائية والدوائية التي يحتاجها قطاع غزة وعلى وجه السرعة وفعلاً وصلت هذه الطائرات إلى مطار العريش في جمهورية مصر العربية وبانتظار قرار دولي يجبر إسرائيل على السماح بالمرور الآمن لهذه المواد. كما عملت المملكة على تجهيز ناقلات الوقود والتي وصل بعضها إلى قطاع غزة وبقي منها بانتظار هدنة إنسانية تسمح بدخولها، وكما عملت المؤسسات الشعبية في المملكة بالعمل على حملة تبرعات شعبية للمساعدة في إعادة الإعمار في المناطق المنكوبة في غزة.

 

‏أما دولياً فقد بدأ وزير الخارجية السعودي ومع اللجنة التي كونها المؤتمر من وزراء خارجية الأردن ومصر وقطر وتركيا وإندونيسيا ونيجيريا وفلسطين جولتهم العالمية بدءاً من الصين وذلك لشرح الموقف العربي والإسلامي تجاه جرائم الاحتلال والتهجير والاستخفاف في القوانين والقرارات الدولية. كما ستقوم اللجنة بشرح الصورة للسلام العادل الذي تسعى الدول العربية الإسلامية لرؤيته كحقيقة في فلسطين والذي يقوم على حل الدولتين. بالإضافة لذلك، فقد قام وزير الخارجية السعودي وأثناء مؤتمر "حوار المنامة ٢٠٢٣"، بمقابلة عدد من وزراء خارجية دول العالم ومسؤولي الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة حيث بين سمو الوزير موقف المملكة الواضح والرافض للتهجير القسري وانتهاكات الاحتلال بحق المدنيين في قطاع غزة.

 

إن مؤتمر القمة الإسلامية ـ العربية الذي استضافته المملكة والذي شكل سابقة في توحيد جهود العالمين العربي والإسلامي في سبيل تحقيق انفراج في الوضع في غزة والذي يأمل المؤتمرون من أن يخفف من معاناة المدنيين الأبرياء في القطاع ووقف نزيف الدم الناجم عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الوحشية، حيث تكاتفت جهود الدول المشاركة إلى إدانة ولجم العدوان وتحميل المجتمع الدولي مسؤولياته في تحقيق هذا الغرض. فما نجم عن المؤتمر ليس مجرد قرارات وإنما إجراءات عملية بدأت فور انتهاء أعمال المؤتمر.

كما انتهى المؤتمر إلى التركيز على أن العرب والمسلمين بقيادة المملكة العربية السعودية ليسوا عدميين ينتقدون ويدينون ولا يسعون إلى تقديم الحلول المعقولة للمشاكل الإقليمية. فقد بين المؤتمر أن العرب كافة بالإضافة إلى الدول الإسلامية يؤيدون مبادرة المملكة العربية السعودية والتي تقدمت بها المملكة منذ أكثر من عشرين عاماً والتي تؤكد على أن حل القضية الفلسطينية وأن السبيل إلى الانتهاء من دوامة العنف وعملية بناء الاستقرار الإقليمي لا يمكن تحقيقها بالقوة العسكرية وبفرض الشروط أو إلغاء الآخر. إن مبادرة المملكة لعام ٢٠٠٢م، قامت على أساس حل الدولتين وبما يحقق للشعب الفلسطيني الحرية والاستقلال على حدود ما قبل حرب ١٩٦٧م، وكما يحقق لإسرائيل السلام الدائم الذي من خلاله تستطيع الانفتاح على دول الجوار والمساهمة في استقرار الإقليم وتقدمه وازدهاره.

مقالات لنفس الكاتب