array(1) { [0]=> object(stdClass)#13002 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 194

الرهان على تحرك عربي/ إسلامي لإحياء المبادرة وإلزام إسرائيل بمراجعة مواقفها

الخميس، 25 كانون2/يناير 2024

يجتهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتوسيع رقعة الحرب التي اشتعلت في السابع من أكتوبر 2023م، في قطاع غزة ونقلها إلى جبهات جديدة في المنطقة. هناك من يدعمه في هذا التوجه إنطلاقًا من حسابات الربح والخسارة ومتطلبات المصالح وفي مقدمتهم إيران. في الجانب الآخر هناك تكتل واسع في الإقليم يحذر من انتشار رقعة المواجهات ويهمه إبعاد شبح التوتير والتصعيد الذي سيحمّل دول المنطقة وشعوبها المزيد من الأزمات والأعباء المكلفة التي هي بغنى عنها. 

1 –   إسرائيل والغرب بعد إهدار فرصة المبادرة السعودية

فرطت إسرائيل وداعموها في الغرب أكثر من مرة بأكثر من عرض على طريق تسوية الصراع العربي الإسرائيلي والوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية. إختارت تجاهل الكثير من المبادرات العربية والإسلامية والتي كان أهمها وأكثرها اعتدالًا وانفتاحًا في الإقليم، المبادرة العربية للسلام التي اقترحتها المملكة العربية السعودية ووافق عليها القادة العرب في القمة العربية التي عُقدت في بيروت عام 2002م.

نظرة خاطفة على أهم بنود المبادرة التي تقدمت بها المملكة العربية السعودية، التي تبنتها الدول العربية والإسلامية ورفضتها إسرائيل، تساعدنا على إحياء ما قيل سعودًيا وعربيًا وإسلاميًا قبل 21 عامًا لتل أبيب ومن يقف إلى جانبها من عواصم غربية وما زالت بنوده وأسسه قائمة حتى اليوم:

- الانـسحاب الإسرائيلي الكامــل مــن "الأراضـي العربيـة المحتلـة" بمـا فـي ذلـك الجولان السـوري والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.

- التوصـل إلــى حــل عــادل لمــشكلة اللاجئــين الفلــسطينيين يتفــق عليه وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.

- قبـول قيـام دولـة فلـسطينية مـستقلة ذات سـيادة علـى الأراضـي الفلـسطينية المحتلـة منـذ الرابـع مـن يونيـو 1967م، فـي الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.

توجهت أنظار العالم في أواخر مارس عام 2002م، نحو العاصمة اللبنانية بيروت التي إستضافت أعمال القمة العربية الـ 14 والتي طرحت فيها المملكة العربية السعودية مبادرتها، التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز داعيًا فيها إسرائيل إلى عدم تفويت الفرصة عبر الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة باتجاه حدود ما قبل العام 1967م، بما فيها مدينة القدس وإعلان الدولة الفلسطينية مقابل حل الدولتين والتطبيع العربي الكامل مع إسرائيل. لجأت القيادات الإسرائيلية كعادتها للمناورة وإعتماد خيار الرهان على قدراتها العسكرية وعلى الدعم السياسي والاقتصادي الذي يقدمه لها العديد من العواصم الغربية، فوصلت الأمور إلى ما هي عليه من تأزم وانسداد يدفع الملايين ثمنه. هل تستفيد تل أبيب من دروس ما جرى في غزة ومخاطر إتساع رقعته وتدخل في عملية تفاوض حقيقية أم هي ستواصل التلطي وراء سياساتها المدعومة غربًيا وتفرط بفرصة جديدة سانحة لها اليوم؟

 

بعد مرور أكثر من عقدين على المبادرة السعودية يطرح الكاتب والمفكر العربي إميل أمين سؤالًا يقول فيه: " ماذا لو كانت إسرائيل قد قبلت مبادرة المملكة العربية السعودية للسلام؟ كانت المبادرة في كلمات قليلة تبغي قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967م، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، يتفق عليها وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، ثم الانسحاب من هضبة الجولان. في المقابل تعتبر الدول العربية أن النزاع العربي -الإسرائيلي قد انتهى، مع الدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل، مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة، وإنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار السلام الشامل. عرض سعودي/ عربي /إسلامي ينطلق من مبادىء وأسس القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وما يقوله المنطق والواقع، لكن إسرائيل قالت لا وإختارت مواصلة ما بدأت به قبل 8 عقود.

نجحت الرياض في نقل الكرة إلى الساحة الإسرائيلية وداعميها في الغرب، لكن تل أبيب عولت دائمًا على الضوء الأخضر الذي منح لها في المنطقة من قبل بعض الحلفاء والشركاء، لتواصل خططها السياسية والأمنية وعرقلة القرارات الأممية والعروض الدولية المقدمة لها من قبل أكثر من دولة وتكتل إقليمي ودولي ورفض إعادة الأراضي التي احتلتها والعودة إلى خرائط ما قبل العام 1967م.

ما الذي كان سيحمله معه قبول المبادرة السعودية وقتها؟ وهل كان سيجنب المنطقة المزيد من التصعيد والتأزم ويفتح الأبواب الإقليمية على وسعها باتجاه التأسيس لحالة من الأمن والاستقرار وازدهار قبل عقدين من الزمن؟

مخرج سلمي استراتيجي بطابع إقليمي يعكس الصورة الإيجابية الانفتاحية للخطاب العربي باتجاه التسوية العادلة للصراع، رحب به البعض في إسرائيل والعديد من العواصم الغربية، وأعلن استعداده للتفاوض حوله مع العواصم العربية، لكن دون الذهاب وراء ترجمة حقيقية للمواقف خصوصًا من الجانب الإسرائيلي الذي اختار الاستقواء بالدعم الغربي والأمريكي تحديدًا.

عرض سعودي / عربي/ إسلامي كان سيحمل معه الكثير من فرص وبوادر الأمن والسلام والتعاون السياسي والاقتصادي، عرقلته إسرائيل ولم تذهب الدول الغربية الداعمة لها وراء الاستفادة من الفرصة السانحة وتجييرها إلى مساحة إقليمية باتجاه التهدئة والاستقرار، وتركت المنطقة أمام وضعية حافة الهاوية وقاب قوسين أو أقل من التوتر والانفجار المحتمل في كل لحظة كما هي الوضعية اليوم.

 

2-هل الأجواء مواتية للعودة إلى المبادرة السعودية؟ وهل تريد إسرائيل السلام في المنطقة؟  

ما هي اليوم فرص المبادرة السعودية المعلنة قبل عقدين تحت شعار قمة الحق العربي في بيروت بتسجيل إختراق سياسي دبلوماسي يحرك مسار القضية الفلسطينية ويعيد الملف إلى الواجهة الإقليمية والدولية من جديد؟ وهل سيكون هناك أي تحرك عربي/ سعودي باتجاه تعديل مواد ومضمون المبادرة المقترحة عام 2002م؟ وهل الظروف الإقليمية والدولية القائمة اليوم تدعم تسريع العودة إلى طرح المبادرة السعودية وتحريكها إقليميًا ودوليًا وأمميًا؟ وكيف سيكون شكل الموقف التركي حيال خطوات بهذا الاتجاه بعدما أعلنت أنقرة تبنيها الكامل ودعمها المفتوح لقرارات قمة الرياض العربية الإسلامية الأخيرة؟ وما هي فرص المجتمع الدولي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليتحول إلى محاور سلمي يدعم أي تحرك عربي/ دولي باتجاه الحوار السياسي والدبلوماسي من جديد الهادف لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي؟

 

 

يرى الكاتب الإسرائيلي المعروف عاموس هاريل، إن سياسة التهديدات الأمنية التي اعتمدتها إسرائيل لسنوات في الأراضي الفلسطينية وسمحت لغالبية الإسرائيليين بممارسة حياتهم اليومية بإحساس محدود بالمخاطر، انعكست سلبًا بشكل كبير داخل المجتمع الإسرائيلي، مما أدى إلى تغيير جذري في الحياة اليومية الإسرائيلية. ويتابع القول : إن إسرائيل تجد نفسها في مأزق استراتيجي بسبب الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر الماضي مع حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، إذ تجاوزت تكلفة الحرب 18 مليار دولار، في حين عادت صراعات إسرائيل التي لم تحل بعد مع الفلسطينيين وحزب الله إلى الساحة الإقليمية. تجنب هاريل حساب الأضرار والخسائر التي ألحقتها القوات الإسرائيلية بغزة ولم يكن في الحسبان بعد أن إيران قد تحرك جبهة البحر الأحمر عبر الحوثي في محاولة لخلط الكثير من الأوراق التي تخدم أهدافها.

تل أبيب وبدلًا من استغلال فرص السلام والاتفاقيات الموقعة معها من قبل بعض الدول العربية حاولت تجيير ذلك لصالح خططها ومشاريعها وحساباتها السياسية والأمنية وحدها. ووقفت وراء اتفاقيات أوسلو لأخذ ما تريد وتخلت عن تعهداتها المقدمة للأطراف الأخرى، مما أدى إلى زيادة عدد المستوطنات التي تشكل أكبر عقبة أمام مسار السلام. كما واصلت عمليات مصادرة الأراضي الفلسطينية، وتجاهل الوضع في الجولان وجنوب لبنان مستقوية بالدعم الغربي لها على طريق إجهاض أوسلو وما رافقه من تعهدات للفلسطينيين في مسائل القدس واللجوء والاستيطان ووقف التهويد. ما بعد غزة بقول إن نقاشات الداخل الإسرائيلي بدأت تسير باتجاه العودة إلى ما فرطت به القيادات الإسرائيلية قبل عقدين وأن قناعة الكثير من الإسرائيليين باتت تميل نحو خيار حل الصراع والسلام الحقيقي عبر التفاهمات والعودة إلى طاولة الحوار الإقليمي التي تضع على رأس جدول أعمالها قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة كشريك كامل لإسرائيل، وأن لا بديل عن السلام وعن الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني. العقبة الأكبر اليوم هي حكومة نتياهو ومن يدعمها من متشددين في الداخل الإسرائيلي، لكن هناك من يدعو حتى في صفوف " الليكود " مثل مئير طريت، إلى التجاوب مع مبادرة السلام العربية لعام 2002م، يقول طريت، الذي خدم في عدة حكومات في الماضي بمناصب وزارية رفيعة، منها العدل والداخلية، إن المبادرة " لا تزال على الطاولة، ومن شبه اليقين أنها الحل الوحيد لسلام دائم لنا وللمنطقة كلها ". ظاهراً، يبدو الوضع بلا مخرج ولا توجد حلول سحرية لتثبيت الاستقرار والسلام في المنطقة، لكنني أعتقد بأنه يوجد حل ممكن وصحيح للمتاهة التي نوجد فيها، المبادرة العربية والسعودية التي تبنتها الجامعة العربية عام 2002م، وهي تعكس عملياً الموقف الرسمي المشترك للدول العربية بالنسبة لحل النزاع الإسرائيلي – العربي ". 

كلام مشابه سبق وردده قبل عامين آمي أيالون رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي «الشاباك»، وهو يقر بأن إسرائيل كانت تعيش على وهم أنها تستطيع أن تحصل على كل شيء بالقوة، لكن كل هذه الأوهام انهارت خلال أسبوع واحد.

الطريق إلى السلام كما قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود مرهون بإسرائيل وتحقيق الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية حسب المبادرة السعودية للسلام .. الهروب لا يفيد.

3 -كيف ستتصرف واشنطن؟

أبلغ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن القيادات الإسرائيلية أثناء جولته الإقليمية الرابعة خلال 3 أشهر، أن الجانب الفلسطيني له حقوقه المشروعة وأن واشنطن ستدعم بعد إنتهاء الحرب على غزة تفعيل خطط حل الدولتين. موقف أمريكي جديد في هذا الاتجاه قد يكون بين مؤشرات التحول المرتقب في سياسة أمريكا الفلسطينية ونظرتها إلى الحل المتوازن والمقبول كما رددت أكثر من مرة. وقد يشكل فرصة مهمة لتسريع تفعيل المبادرة السعودية المدعومة عربيًا وإسلاميًا ومن قبل العديد من العواصم الإقليمية والدولية الفاعلة.

استكمالًا لما قد يكون مقدمة لقراءة أمريكية جديدة في التعامل مع الملف الفلسطيني،

نشرت صحيفة " نيويورك تايمز" تحليلًا بعنوان " بلينكن يتحدث عن رؤية كبرى للسلام في الشرق الأوسط لكنه يصطدم بحائط في إسرائيل " يقول إنه عندما وقف وزير الخارجية الأمريكي على مدرج مطار القاهرة، قبل عودته إلى الولايات المتحدة، أعرب عن " ثقته في الدعم الذي قال إنه حصل عليه من القادة في جميع أنحاء الشرق الأوسط لرؤية غزة ما بعد الحرب، وفي نهاية المطاف فهي تشمل دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل ". وأوضح أنه في نهاية أسبوع من الدبلوماسية عالية المخاطر مع عشر حكومات " لن يحدث أي من هذا بين عشية وضحاها. لكن هناك رغبة أكبر الآن لدى الدول لاتخاذ القرارات الصعبة والقيام بما هو ضروري للتقدم بهذا المسار ".

الموقف الأمريكي بعد أسابيع على تطورات المشهد بشقيه العسكري والسياسي في غزة، قد يذهب باتجاه مغاير هذه المرة. فواشنطن التي كانت الضامن الأول للكثير من خطط السلام والاتفاقيات والمعاهدات بين الجانبين العربي والإسرائيلي، بدأت تشعر أنها مطالبة بتنفيذ الكثير من التعهدات المقدمة سواء في موضوع "الأرض مقابل السلام" والذي يشكل جوهر قرار مجلس الأمن رقم 242، وجوهر العملية السلمية كما رددت القيادات الأمريكية منذ سنوات طويلة، وإلزام تل أبيب بالتخلي عن المراوغة في مسألة الانسحابات من الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وجنوب لبنان، وما أعلنته حول وجود القدس داخل إطار الأراضي المحتلة. إلى جانب تعهدات أمريكية سابقة بإلزام إسرائيل وقف عمليات الاستيطان، وفتح الطريق بشكل رسمي علني واضح أمام تفعيل مبادرة عام 2002م، العربية.

 

أبلغ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للرئيس الفلسطيني محمود عباس تأييد واشنطن " تدابير ملموسة " لإقامة دولة فلسطينية، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر " إن بلينكن أكد موقف واشنطن الثابت على وجوب قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل والعيش في سلام وأمن ".

المواقف الأمريكية الأخيرة لا يمكن فصلها عن الدعوات التي بدأت تظهر إلى العلن على لسان أكثر من قيادي عربي وإسلامي وغربي وهي تطالب بعقد مؤتمر دولي جديد للسلام في المنطقة. المواقف العربية والإسلامية التي توحدت في قمة الرياض الأخيرة ترى من جديد أن الطريق الأسهل والأقصر هنا هو الالتفاف حول بنود ومضمون المبادرة السعودية.

4 -الرؤية التركية للملف الفلسطيني بين الأمس واليوم

أكدت القيادات السياسية التركية أكثر من مرة أن موقف أنقرة حيال القضية الفلسطينية ثابت لا يتغير وهذا ما رأيناه من خلال إعلان تركيا التزامها ببيان قمة الرياض الإسلامية/ العربية في نوفمبر المنصرم. وبهذا تلتقي المواقف التركية والعربية في التعامل مع مسار الملف الفلسطيني والصراع العربي الإسرائيلي ككل رغم التقارب والانفتاح التركي الإسرائيلي. تعود أسباب ذلك بالدرجة الأولى لخيارات شرائح المجتمع التركي وبنيته الاجتماعية وخلفيته التاريخية ونظرته الدينية في التعامل مع الملف.

كانت العلاقات التركية / الإسرائيلية وما زالت تحت تأثير مسار الملف الفلسطيني بكل جوانبه. ترصد تركيا عن قرب ملف الصراع العربي / الإسرائيلي وتطورات المشهد السياسي والأمني في القضية الفلسطينية منذ العام 1947م، حتى اليوم. الموقف التركي بإختصار مبني على أساس حقوق دول عربية باسترداد أراضيها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. بين العوامل المؤثرة في الموقف التركي هناك الجوانب السياسية والأمنية والقانونية والإنسانية وأنقرة بنت استراتيجياتها ورسمت معالم سياساتها على هذا الأساس.

 مع وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا عام 2002م، سارعت أنقرة لإعلان دعمها لقرارات قمة بيروت والترحيب بالمبادرة السعودية وبنودها، وعملت في الوقت نفسه على تفعيل خطوات انفتاحها على الجانب الإسرائيلي باتجاه لعب دور الوسيط المقبول في إطار تحرك متوازن.

أنقرة التي رفضت السماح لواشنطن باستخدام قواعدها العسكرية عام 1967م، وكررت ذلك في العام 1973م، خلال الحروب العربية/ الإسرائيلية. ذهبت اليوم وراء مواقف أكثر تشددًا في مواجهة تل أبيب وسياساتها العدوانية على الشعب الفلسطيني. وجددت تبنيها للقرارات والمواقف العربية المعلنة بعد انفجار الوضع في غزة. واختارت أن تكون جزءًا من التحرك العربي الإسلامي المتكامل في التعامل مع الملف، والتصعيد المباشر ضد نتنياهو وحكومته والمطالبة بتحميله المسؤولية السياسية والقانونية الكاملة في استهداف المدنيين وتدمير المباني وسقوط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى. التوتر التركي/ الإسرائيلي في غزة ليس مرتبطًا بالدفاع عن منظمة حماس بقدر ما يهدف للدفاع عن المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة والأماكن المقدسة ودور العبادة ومساءلة القيادة الإسرائيلية عما ترتكبه من جرائم هناك.

حالت بعض العواصم الغربية دون دخول تركيا على خط الوساطة بين تل أبيب وحماس باتجاه التهدئة في غزة. وعرقلت العرض التركي القائم على خطة الأطراف الضامنة لوقف إطلاق النار وتحويله إلى خارطة طريق سياسية بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. إلى جانب رفض تل أبيب للعروض التركية مستقوية بدعم هذه العواصم لإسرائيل في تصلبها وتعنتها واعتبار أنقرة غير حيادية وأنها لن تكون على مسافة واحدة من طرفي النزاع. فلماذا لن تقف أنقرة بكامل ثقلها ودورها الإقليمي إلى جانب المنظومة العربية وهي تتحرك لوضع استراتيجيات التعامل مع تل أبيب؟

رحبت تركيا في العام 2002م، بقرارات قمة بيروت وأعلنت دعمها للمبادرة السعودية وقتها وهي لن تغير في مواقفها هذه التي يواكبها الكثير من الحراك السياسي والدبلوماسي باتجاه التنسيق التركي / العربي المشترك في التعامل مع ما يجري في غزة اليوم، وتسريع ترجمته إلى فرص سياسية تضغط لدفع حلفاء تل أبيب في الغرب لمواجعة مواقفهم وسياساتهم ودعم الفرصة السياسية السانحة لفتح الطريق مجددًا أمام التسويات وإلزام إسرائيل بالتخلي عن مواقفها الحالية حيث يناقش العالم بأكمله فرص السلام بينما تناقش القيادات الإسرائيلية السياسية والعسكرية فرص التصعيد والتوتير والشحن الإقليمي .

هل الظروف مواتية حسب الجانب التركي لإعادة طرح المبادرة العربية في مؤتمر دولي كآلية للسلام في الشرق الأوسط بعد النتائج الكارثية للحرب الإسرائيلية على غزة؟

إعلان الرئيس التركي أنه لا مجال لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967م، عاصمتها القدس الشرقية وأن أصل الأزمة هو عدم تطبيق إسرائيل للقرارات الأممية. وتأكيده في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار الألماني شولتز: "إن هدفنا في تركيا، هو تهيئة مناخ يسوده الأمن والثقة، يعيش فيه الإسرائيليون والفلسطينيون جنبًا إلى جنب في سلام. أنا أعتقد أن من الضروري على الجميع أن يتحملوا المسؤولية لضمان السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط " يعكس مسار الموقف التركي الداعم لمواقف العواصم العربية وما تردده حول سبل الحل والتسويات العادلة على طريق حل الدولتين.

تكرار أردوغان دعم أنقرة لمقترح تنظيم مؤتمر سلام فلسطيني ـ إسرائيلي دولي يشارك فيه جميع الفاعلين المؤثرين في المنطقة، مصحوبًا " بالاستفادة من الدروس المأخوذة من النتائج المخيبة لاجتماعات عديدة مماثلة عقدت خلال الثلاثين عامًا الماضية "، يعكس الموقف التركي الداعم لطروحات العواصم العربية للتسوية العادلة والدائمة للصراع العربي / الإسرائيلي والعودة لخطة وبنود المبادرة السعودية وطرحها أمام مؤتمر دولي يبحث عن إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي ويساهم في بناء السلام الدائم.

بقدر ما ساهمت العواصم العربية في فتح الطريق أمام أبواب الحوار والتهدئة الإقليمية، بقدر ما ذهبت تل أبيب باتجاه التصلب والتشدد والتعنت. مسؤولية حلفاء إسرائيل اليوم هي أكبر وأهم من المواقف والسياسات المعتمدة قبل السابع من أكتوبر المنصرم، ومراجعة الدول الغربية لمواقفها ينبغي أن يسبق الموقف الإسرائيلي.

كشف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت النقاب عن مقترحات للحكم المستقبلي في المنطقة، والمعروفة إعلاميًا بخطة "اليوم التالي". خيارات تل أبيب شبه محدودة اليوم وهي لا يمكن لها بعد الآن سوى الدخول في حوار وتفاوض سياسي دبلوماسي حقيقي حول الحل الشامل للصراع، بدلًا من الطرق الملتوية والتهرب من المواجهة الحقيقية لمشاكلها في المنطقة وعلى رأسها التهرب من الاستجابة للمطالب والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

بقدر ما هناك الكثير من العواصم الغربية التي تقف إلى جانب إسرائيل بقدر ما نتابع الكثير من أجواء التحول في السياسات الغربية نتيجة الضغوطات الشعبية وكتل الرأي العام التي بدأت تعيد تشكيل مواقفها حيال ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

المتوقع اليوم هو التحرك العربي الإسلامي الواسع من خلال الإلتفاف وراء بنود مبادرة عام 2002م، وتبنيها كاملة خصوصًا وأنها جاءت بعد إتفاقيات مع القاهرة وعمان والسلطة الفلسطينية وتعهدات إسرائيلية تجاه السلم والتطبيع وإعادة الأراضي المحتلة. وإلزام تل أبيب بتنفيذ مضامين القرارات الأممية الصادرة عن مجلس الأمن في موضوع الصراع وإنهائه وحل الدولتين وإعلان القدس عاصمة للدولة الفلسطينية. والرهان هو على خطة طوارئ عربية إسلامية عاجلة باتجاه إعادة إحياء المبادرة العربية التي اقترحتها المملكة العربية السعودية، يواكبها تحرك دبلوماسي وسياسي عربي وإسلامي واسع متعدد الجوانب تجاه دعم المبادرة السعودية وإعادة تفعيلها من جديد. وإلزام إسرائيل إقليميًا ودوليًا وتحديدًا من قبل العواصم الغربية الداعمة لها، بمراجعة مواقفها وسياساتها في التعامل مع الملف الفلسطيني.

مقالات لنفس الكاتب