array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 194

توافق المبادرات الصينية مع المبادرة العربية يحقق نجاح عملية السلام مهما كانت صعبة

الخميس، 25 كانون2/يناير 2024

أعادت أحداث السابع من أكتوبر القضية الفلسطينية إلى دائرة الضوء والاهتمام الدولي لأول مرة منذ عقود طويلة، إذ دخل الشرق الأوسط في دائرة عنف جديدة، وقد بدا الغرب مضطرباً تجاه هذه التطورات، ترافق هذا الأمر مع ظهور خلل في التفكير الاستراتيجي الغربي، فقد أظهرت دول الغرب ارتباكًا في التعامل مع هذه التطورات الجديدة التي ربما لم تشهدها القضية الفلسطينية منذ حرب 1973م.

وسط هذا الارتباك كلّه لم يتوان الغرب عن الدفع بكامل قوته العسكرية والدبلوماسية للدفاع عن إسرائيل بوصفها قاعدته المتقدّمة في الشرق الأوسط، واشترك فعلياً في عمليات القتل والإبادة الإسرائيلية الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وذلك على الرغم من الإدانات المتواصلة من قبل الدول العربية والإسلامية ومعظم دول الجنوب والتي أدانت الحملات المدعومة غربياً التي تقوم بها إسرائيل.

وبالرغم من الحملات الانتقامية الواسعة التي تقوم بها إسرائيل إلا أنه لا انتصار حقيقي يلوح في الأفق، بل أدى العنف الإسرائيلي غير المسبوق إلى انقسام كبير في أوساط الرأي العام الغربي، وهو ما قد ساهم في دخول التحالف الغربي الإسرائيلي في عزلة دولية. وفي ظل استمرار العمليات العسكرية، وتعثّر التوصل إلى حل سياسي عاد طرح حل الدولتين إلى الواجهة مجددًا، وهو ما أعاد الأنظار إلى عام 2002م، وتحديدًا إلى قمة بيروت عندما أعلن ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز عن مبادرة السلام العربية في الشرق الأوسط. وقد نصّت المبادرة على قيام دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود عام 1967م، وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان السوري المحتل.

تتناول هذه الورقة الموقف الصيني من مبادرة السلام العربية ومسألة حل الدولتين، والذي هو جوهر هذه المبادرة. إذ سيتم تقسيم الورقة إلى الأجزاء التالية: في الجزء الأول سيتم مراجعة الجذور التاريخية لموقف الصين من مسألة حل الدولتين. بينما يعالج الجزء الثاني الرؤى الصينية في السلام ومبدأ حل الدولتين. أما الجزء الثالث فسيتناول دور الصين في دعم وتطوير المبادرة،  كما سينتهي بتقديم بعض المقترحات والتوصيات.

الجذور التاريخية لموقف الصين من حل الدولتين ومبادرة السلام العربية

من المعروف تاريخيًا أن الصين قد أعلنت وقوفها بجانب الحق الفلسطيني لأول مرة في مؤتمر باندونج (Bandung) للدول الإفريقية والآسيوية في إندونيسيا في الفترة من 18 – 24 أبريل عام 1955م، حيث قابل رئيس مجلس الدولة الصيني تشو إنلاي لاى (Zhou En Lai) رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك أحمد الشقيري لأول مرة والذي كان ضمن الوفد السوري. أظهرت الصين خلال هذا المؤتمر وقوفها إلى جانب العرب في نضالهم من أجل القضية الفلسطينية، وفى الحقيقة فإن وقوف الصين بجانب الفلسطينيين أذهل القادة العرب، وبالفعل منذ ذلك الوقت استمرّت الصين في دعمها الرسمي والشعبي للقضية الفلسطينية.

فعلى الصعيد الأهلي أرسلت اللجنة الصينية للتضامن الإفريقي الآسيوي في 15 مايو 1960م، بمناسبة العيد الوطني لفلسطين برقية إلى أحمد الشقيري، أكدت فيها مساندة الشعب الصيني في نضاله ضد إسرائيل القاعدة العدوانية المتقدمة للولايات المتحدة الأمريكية، وعبّرت البرقية عن وقوف الصين إلى جانب النضال الفلسطيني العادل من أجل عودة الشعب الفلسطيني إلى وطنه واستعادة حقوقه الشرعية. وكانت اللجنة الصينية للتضامن الإفريقي الآسيوي قد أرسلت بعد أقل من أسبوع برقية أخرى في 20 مايو 1960م، إلى أحمد الشقيري والمؤتمر الوطني الفلسطيني الذي افتتحت أعماله في غزة في نفس اليوم، عبرت فيها اللجنة عن وقوفها الصارم إلى جانب النضال الفلسطيني. كما أرسلت الجمعية الإسلامية / الصينية برقية إلى أحمد الشقيري "دعماً لنضال الشعب الفلسطيني ضد الإمبريالية الأمريكية". في 20 مارس 1964م، نُظّمت في بكين مسيرة تعبيراً عن موقف الصين الحازم لمساندة الكفاح الفلسطيني والشعب العربي ضد ممارسات إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية. في وقت قالت فيه صحيفة الشعب اليومية والتي هي الناطق الرسمي باسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في افتتاحيتها بتاريخ 17 مارس 1964م، "سيقدّم الشعب الصيني الدعم الكامل للشعب الفلسطيني والشعوب العربية في كفاحها ضد إمبريالية الولايات المتحدة، الكفاح الذي يعتبره الشعب الصيني دفعة قوية لنضال الشعوب ضد إمبريالية الولايات المتحدة الأمريكية". وبناءً على الدعوة المقدمة من اللجنة الصينية للتضامن الإفريقي الآسيوي زار القائدان الفلسطينيان ياسر عرفات وخليل الوزير (أبو جهاد) الصين في 17 مارس 1964م، حيث استُقبلا استقبالاً حاراً وعقدا محادثات هامة مع لياو شينغ تشي (Liao Cheng Zhi) عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وناقش الجانبان العلاقات الثنائية، وقد وافقت الصين خلال الزيارة على فتح مكتب اتصال غير رسمي لحركة "فتح" وكان ذلك أول مكتب اتصال فلسطيني خارج العالم العربي.

وفي خطوة هامة قرّرت الصين تطبيق قرار جامعة الدول العربية بمقاطعة إسرائيل ومنع عقد الصفقات التجارية مع السفن الاسرائيلية التي وُضعت في القائمة السوداء من قبل الدول العربية ومُنعت من دخول المياه الإقليمية الصينية. وفى نفس الوقت قام الحاج محمد لى تانغ (Haj Mohmed Lin Tang) بزيارة رسمية إلى مخيم خان الشيخ للاجئين الفلسطينيين أعلن خلالها استعداد شعب الصين وحكومته لمساعدة الشعب الفلسطيني من أجل استعادة أراضيه. علماً أن مساندة الصين للنضال الفلسطيني في فترة الستينات جاءت في وقت حاسم وصعب حيث ترددت فيه الكثير من الدول في دعم المقاومة الفلسطينية، إلا أن الصين في ذلك الوقت قامت بتقديم مساعدات سياسية ومعنوية شديدة الأهمية للمقاومة الفلسطينية مما شكل دافعاً كبيراً لها للتقدّم للأمام.  وتوّجت بكين مواقفها الحازمة المؤيدة لقضايا النضال الفلسطيني بترحيبها بإعلان تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في القمة الثانية للجامعة العربية في 19 سبتمبر 1964م، واعتبرت الصين تأسيس المنظمة لحظة فارقة في كفاح الشعب الفلسطيني.

وبهذا يتضح مما سبق أنّ الصين ظلت منذ مؤتمر باندونغ 1955م، تقدّم دعماً مستمراً للقضية الفلسطينية (قضية العرب المركزية). كما أنه من الممكن ملاحظة أن المنظمات الأهلية والشعبية الصينية ظلت أيضاً تقدّم دعماً قوياً لفلسطين إذ يبدو ذلك بشكل واضح من خلال البيانات والمسيرات التي نُظّمت في المدن الصينية دعماً للنضال الفلسطيني. وفى الحقيقة يمكن اعتبار تطبيق الصين منذ وقت مبكّر للعقوبات التي فرضتها الدول العربية على إسرائيل، واعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية دليلاً كافياً على الدعم اللامشروط الذي تقدّمه الصين لقضية العرب المركزية.                                 

رؤى الصين للسلام في الشرق الأوسط ومبدأ حل الدولتين

اعتمدت الصين مبدأ السلام كقاعدة في علاقاتها مع الدول الأخرى، وأطلقت مبادئ سلمية حتى في تعاملاتها الاقتصادية بين الدول، فالسلام هو من الثوابت التي لا تنتهجها الصين في علاقتها مع الدول الأخرى فحسب، بل تدعو باقي الدول إلى تطبيقها. وانطلاقا من هنا دعت الصين إلى حل الدولتين فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ولعلّ أبرز موقف تاريخي ظهرت فيه نظرة الصين إلى حل الدولتين هو تصريح وزير الخارجية الصيني هوانغ هوا (Huang Hua) في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 28 سبتمبر 1976م، والتي أشار فيها إلى أن "سياسة الاستيطان الاسرائيلية تقف عائقاً أمام طموحات الشعب العربي وأكد بأن الحل الوحيد لمشكلة الشرق الأوسط هو استرجاع الأراضي العربية كافة، واستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني". فيما يلي تسلسل زمني يظهر الرؤية السلمية الصينية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، تلك السلمية المتمثلة بشكل رئيسي بالطروحات المتعلقة بحل الدولتين:

يعد العام 1977م، عامًا مفصليًا بالنسبة للعالم عمومًا، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، إذ قبلت فيه مصر بالحل السلمي للنزاع العربي الإسرائيلي، وتحديدًا عندما قام الرئيس المصري "أنور السادات" بزيارته لإسرائيل في 19 نوفمبر 1977م، تلك الزيارة التي مهّدت الطريق إلى اتفاقية كامب ديفيد في سبتمبر 1978م، على الرغم من أن الصين لم تصدر أي بيان تعارض أو تساند فيه "كامب ديفيد" إلا أنها أبدت تفهّمًا جزئيًا لهذه الخطوة، وهو ما ظهر على لسان رئيس الوزراء الفرنسي الذي قال: "إنّ الصين وفرنسا تأملان في أن تزول كل الصعوبات التي تواجه السادات في سياسته الجديدة".

وقد اتخذت بكين موقفاً أكثر وضوحاً تجاه الحقوق الفلسطينية ومبدأ حل الدولتين عندما أعلن الكنيست الإسرائيلي في يوليو 1980م، أن القدس سوف تكون العاصمة الأبدية وغير المجزأة له. قوبل ذلك الإعلان بموجة غضب عارمة في الأقطار العربية والعالم الإسلامي وكان رد الفعل الصيني أن أصدر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بياناً تمت فيه إدانة الإجراءات غير القانونية التي تقوم بها إسرائيل لتغيير وجه القدس وناشدت الصين إسرائيل أن تنسحب من كامل الأراضي العربية التي احتلتها منذ 1967م، بالإضافة إلى القدس. وفي هذا الاتجاه رحّبت الصين أيضاً بخطة ولي العهد الأمير فهد بن عبد العزيز آل سعود التي تتكوّن من ثمانية بنود لحل القضية الفلسطينية وجوهرها حل الدولتين. وقد اطلعت القيادة الصينية على الخطة عن طريق دبلوماسيين عرب، وأشارت في معرض ترحيبها بالمبادرة إلى أنها تعترف بحقوق كل الدول في المنطقة بما فيها إسرائيل للعيش في سلام، ووصفت المبادرة بأنها "القرار الحقيقي والصحيح الذي سيقود للحل السلمي للنزاع".

في ديسمبر 1982م، دعمت بكين خطة البنود الثمانية لحل مشكلة الشرق الأوسط التي اعتُمدت في مؤتمر القمة العربية الاستثنائي الثاني عشر في فاس التي لا تختلف عن نص مبادرة ولي العهد السعودي إذ أشار ذلك المؤتمر إلى أن النقاط الواردة كان قد اقترحها كل من الرئيس الحبيب بورقيبة وجلالة الملك فهد بن عبد العزيز.

وبعد توقيع منظمة التحرير الفلسطينية في 13 سبتمبر 1993م، الاتفاق الذي سُميّ رسميًا باسم إعلان "المبادئ الفلسطيني-الإسرائيلي" في أوسلو، دعمت الصين هذه الاتفاقية بوصفها أيضاً خياراً فلسطينياً وعربياً يفتح الطريق لحل الدولتين والاستقرار في الشرق الأوسط. إلا أنه وبسبب التعنت الإسرائيلي لم تقم الدولة الفلسطينية التي كانت تأمل منظمة التحرير أن يكون الاتفاق سابق الذكر بداية الطريق لإقامتها، وما كان تحت سيطرة السلطة الفلسطينية من أراض بعد الاتفاق أعادت إسرائيل احتلاله بعد أقل من 8 سنوات. وعادت المنطقة مرة أخرى إلى التوتر وساد التشاؤم فيها.

في عام 2002م، تقدّمت المملكة العربية السعودية بمبادرة جديدة، وهي مبادرة ولي العهد الأمير عبدالله بن عبد العزيز آل سعود للسلام في الشرق الأوسط ودعت المبادرة الجديدة إلى ما يلي:   ①انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ 1967م، تنفيذًا لقراري مجلس الأمن (242 و338) واللذين عزّزتهما قرارات مؤتمر مدريد عام 1991م، ومبدأ "الأرض مقابل السلام".   ② قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية، وذلك مقابل قيام الدول العربية بإنشاء علاقات طبيعية في إطار سلام شامل مع إسرائيل.

منذ عام 2013م، انتقلت الصين من الموقف المؤيد الثابت للنضال الفلسطيني وحل الدولتين والداعم لمبادرات السلام العربية، إلى تقديم رؤيتها الخاصة للحل كقوّة صديقة كبرى ولاعب أساسي في المنطقة. وقد طرح الرئيس الصيني "شي جين بينغ" في 6 مايو 2013م، خلال مباحثاته مع الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" الرؤية الصينية ذات النقاط الأربع حول تسوية القضية الفلسطينية القائم على حل الدولتين ومن أهم بنودها: "التمسك بإقامة دولة فلسطين المستقلة والتعايش السلمي بين دولتي فلسطين وإسرائيل، إقامة دولة مستقلة ذات سيادة كاملة على أساس حدود عام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية والذي هو حق غير قابل للنقاش للشعب الفلسطيني، ومفتاحًا لتسوية القضية الفلسطينية، احترام حق البقاء لإسرائيل وهمومها الأمنية المعقولة يجب أن تكون موضع الاحترام الكافي". وهنا لا بد من الإشارة إلى أن بعض المحللين الغربيين والإسرائيليين قد رأوا أن النقاط سابقة الذكر مرفوضة بالكامل إسرائيليًا وأمريكيًا، بينما رحّبت الدول العربية والإسلامية ومعظم دول الجنوب بهذه المبادرة.

عادت الصين لتعلن دعمها لمبادرة السلام العربية وذلك خلال زيارة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود للصين في مارس 2014م،  حينما أكد الجانبان على أهمية تحقيق السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط وفقاً لمبادرة السلام العربية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وموحدة ذات سيادة كاملة وعاصمتها القدس الشرقية، وأبدى الجانب الصيني تقديره للمساهمة السعودية في سبيل تعزيز السلام في المنطقة.

في يناير 2016م، أصدرت حكومة الصين "وثيقة السياسة الصينية تجاه الدول العربية"، وقد كانت تلك الوثيقة مناسبة أخرى أكدت فيها الصين موقفها الثابت تجاه حل الدولتين، إذ قدّمت الصين في الجزء الثاني من هذه الوثيقة دعمها الكامل للقضايا العربية الرئيسية وفي مقدمتها دعمها لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة على حدود عام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية. كما أكدت دعمها لأية جهود تقوم بها الجامعة العربية في سبيل إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما يعني أن الصين مستعدة لدعم أية مبادرة جديدة للجامعة العربية لتحريك المياه الراكدة في المجتمع الدولي.  وقد تلا إصدار هذه الوثيقة إلقاء خطاب من قبل الرئيس الصيني "شي جين بينغ" في مقر جامعة الدول العربية، حيث أكد الرئيس "شي" بلهجة واضحة وصارمة في رسالة لعدد من الأطراف قائلاً "لا يجوز تهميش القضية الفلسطينية وكذلك لا يجوز وضعها في الزاوية المنسية"، وأضاف  إن القضية الفلسطينية قضية جذرية للسلام في الشرق الأوسط، إذ قال: "تدعم الصين بحزم عملية السلام في الشرق الأوسط، وتدعم إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة على حدود عام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية. كما نتفهم مطالب فلسطين المشروعة بالانضمام إلى المجتمع الدولي بصفة دولة". وهكذا كسر الرئيس "شي" الصمت الذي عم المنطقة والعالم تجاه أخطر قضايا المنطقة.

في مارس عام 2017م، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" الصين ليتم طرح حل الدولتين مجدّدا من قبل الرئيس "شي"، إذ تم التنويه بأن التوتر في الشرق الأوسط وتحديدًا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يصب في مصلحة الصين ولا إسرائيل معلناً دعمه لقيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. وعاد الرئيس "شي" في يوليو في العام ذاته، ليؤكد خلال زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس "دعم الصين لتسوية سياسية للقضية الفلسطينية قائمة على أساس حل الدولتين". وتجلّى تجديد الصين موقفها الثابت من مبادرة السلام العربية مرة أخرى خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز للصين في عام 2017م، حيث أكد البيان المشترك على أهمية "تحقيق حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية، وفقاً لمبادرة السلام العربية وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة".   

ومن الملاحظ أنه منذ إطلاق الرئيس "شي" مبادرة النقاط الأربع لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين في عام 2013م، فإنّ جميع المبادرات التي أطلقتها الصين التزمت بمضمون وجوهر النقاط الأربع مع تغيرات إضافية محدودة، إذ أضافت الصين في عام 2017م، عناصر جديدة لرؤيتها للحل منها "أهمية الالتزام بمفهوم أمني مشترك ومتكامل وتعاوني ومستدام وتعزيز السلام من خلال التنمية". كما دعت إلى حوار ثلاثي "فلسطيني إسرائيلي صيني"، وأعلنت نيتها لاستضافة منتدى حول السلام بين فلسطين وإسرائيل والصين، وهو ما لم يتحقق حتى اليوم.

 في مارس 2021م، أطلقت الصين أيضًا ما سُميّ بـ "النقاط الخمس" أكدت فيها على أهمية حل الدولتين بما يتوافق مع النقاط الأربعة التي طُرحت عام 2013م، وفي يوليو من العام ذاته طرحت الصين ثلاث نقاط لتنفيذ مبدأ "حل الدولتين" أكدت خلالها على أهمية الوحدة الداخلية الفلسطينية. وكانت آخر هذه المبادرات أفكار قدّمها الرئيس "شي" في يونيو 2023م، حملت ثلاثة اقتراحات أكدت على المبادرات السابقة أضيف إليها "الدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام متعدد الأطراف". وقد توّجت الصين 68 عاما من الدعم الثابت للقضية الفلسطينية باتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع دولة فلسطين التي تم توقيعها العام الماضي.

والجدير بالذكر أن الرئيس "شي" قد بعث برسائل تهنئة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني على مدى السنوات العشر الماضية، وقدم عدة مقترحات الصين بشأن تعزيز تسوية القضية الفلسطينية، مما يدل على أن الصين تتحمل مسؤولية الدولة الكبيرة لحث جميع الأطراف أن تعمل معًا من أجل التوصّل إلى توافق دولي من أجل التوصل إلى تسوية شاملة وعادلة ودائمة في أقرب وقت ممكن.

دور الصين في دعم وتطوير مبادرة السلام العربية

بناء على ما سبق ذكره، كانت الصين الدولة الوحيدة خارج العالم العربي التي قدّمت دعماً استراتيجياً ثابتًا للقضية الفلسطينية توجته مع كامل الالتزام بقرار الدول العربية بدعم مبادرة السلام العربية في الشرق الأوسط منذ الإعلان عنها في 2002م، فالدبلوماسية الصينية كانت قد قرأت منذ وقت مبكر جذور وطبيعة الصراع ورأت بأن حل الدولتين يبدو الخيار الممكن والأوحد والأكثر منطقية لحل النزاع في المنطقة، ولذلك التزمت به منذ سبعينيات من القرن الماضي. ومنذ تبني الصين لمبادرة السلام العربية تقدّمت بعدد من المبادرات لحل النزاع التزمت جميعها بحل الدولتين، مواصلة دعمها لمبادرة السلام العربية حتى بعد أن تراجعت الكثير من الجهات عن تقديم هذا الدعم، وكاد يطويها النسيان، كما استمرّت الصين بمهارة دبلوماسية هادئة في تذكير المجتمع الدولي بجوهر هذه المبادرة "حل الدولتين" من خلال طرحها في فترات وأوقات مختلفة لعدد من المبادرات الصينية والتي التزمت جميعها بمبدأ حل الدولتين. إن مثابرة الصين العضو الدائم في مجلس الأمن على تذكير المجتمع الدولي بضرورة هذا الحل جعل مبادرة السلام العربية حاضرة وحية. وفي تقديرنا كان ذلك أكبر دعم مستدام حصلت عليه مبادرة السلام العربية على الإطلاق.

بالرغم من أن الظروف قد تغيرت بشكل واسع إلا أن مبادرة السلام العربية والتي تتضمن في جوهرها "حل الدولتين" لا تزال صالحة لحل النزاع في المنطقة وبالطبع تحتاج إلى تطوير عناصر جديدة وآليات مبتكرة لتنفيذها. وفي هذا السياق لا بد من إعادة قراءة نصوص المبادرات الصينية بشكل معمّق للاستفادة من بعض الأفكار والبنود الواردة في متنها. على سبيل المثال تدعو الصين إلى خلق آليات دولية لحل النزاع، وبناء آلية بقيادة منظمة الأمم المتحدة لإقامة الدولة الفلسطينية، كما أكدت المبادرات الصينية على ضرورة الالتزام بمفهوم أمني مشترك ومتكامل وتعاوني ومستدام، وكذلك على أهمية تعزيز السلام من خلال التنمية، هذا بالإضافة إلى أن الصين دعت أيضًا إلى مؤتمر دولي للسلام متعدد الأطراف.

 بناء على ما سبق من عرض، وتحديدًا فيما يتعلق بالرؤية الصينية للحل، تُعدّ الصين دولة مؤيدة لمبادرة السلام العربية، إذ يظهر هذا التأييد في التوافق ما بين الجانبين الصيني والعربي في عدة نقاط، والتي قد جاء بعض منها في البيان المشترك ما بين الصين وجامعة الدول العربية الذي صدر مؤخرًا منها: "ضرورة وقف إطلاق النار على نحو فوري وشامل، والتنفيذ الشامل والفعال للقرارات المعنية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الوضع في غزة، والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وحماية المدنيين بخطوات ملموسة، ضرورة الالتزام بمبدأ "حكم فلسطين من قبل الفلسطينيين"، وضرورة العمل على تحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية.

وبناء على ما سبق، ونتيجة للطروحات السابقة، يمكن اقتراح ما يلي:

  • انطلاقًا من موقع الصين كصديق لجميع الأطراف، فإنها تتمتع بميزة تمكّنها من لعب دور الوسيط، وهذه بالطبع سمة الصين كدولة تؤمن بالسلام، وانطلاقًا من إيمانها به يمكنها أن تدعو إلى تحقيقه.
  • تتوافق المبادئ الصينية المقترحة في المبادرات الصينية جوهريًا مع مبادئ مبادرة السلام العربية، وهو ما يعني أن البناء على الأساس المشترك لن يكون مستحيلًا، مهما كانت تلك العملية طويلة وصعبة.
  • إقامة مؤتمر دولي واسع النطاق من أجل ترسيخ فكرة السلام في الشرق الأوسط، يتم خلاله إعادة تقييم النقاط الواردة في مبادرات السلام الصينية والعربية، لجعلها أكثر واقعية بما يُتيح تطبيقها بطريقة عملية، وبذلك يتم العمل على الحصول على تأييد المجتمع الدولي لمبادرات السلام، مع أهمية ترسيخها على أرض الواقع.
  • الاستمرار في متابعة وتقييم النقاط الناتجة عن مبادرات السلام، بما يؤدي إلى تحديثها بشكل مستمر ويتناسب مع تطورات الأوضاع، وبما يُفضي إلى إجماع دولي عام عليها.

خاتمة

لا بديل عن السلام والحلول السلمية، ولعلّ الجولة الراهنة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تثبت مرة أخرى أن العنف لا يمكن أن يحل المشكلة، ولذلك من الضروري العمل على تحويل هذا الصراع إلى فرصة لتحقيق السلام الشامل والعادل.

مقالات لنفس الكاتب