array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 194

مواقف السعودية تجاه القضية الفلسطينية: استمرارية واعتدال ومصداقية

الخميس، 25 كانون2/يناير 2024

إن مما لا شك فيه أن القضية الفلسطينية واحتلال إسرائيل لأراض عربية، شكلت واحدة من أكثر القضايا تعقيداً منذ الحرب العالمية الثانية وإلى الآن. وأصبحت القضية المركزية الأولى بالنسبة للدول العربية وشعوبها. وقد خصصت الدول العربية جزءًا هامًا من جهودها الدبلوماسية والمادية والعسكرية لحل وخدمة هذه القضية. وفي مقدمة هذه الدول كانت المملكة العربية السعودية التي ساهمت بدور فعال ومتواصل في هذه القضية. هذا الدور الذي بدأ منذ ثلاثينيات القرن الماضي في عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ــ طيب الله ثراه ـ دعم مادي ومعنوي وسياسي للفلسطينيين بهدف تحقيق أمانيهم بالحرية والاستقلال والاستقرار، ولا يزال هذا الدعم قائماً إلى اليوم ولم ينقطع يوماً رغم جسامة الأحداث التي مرت على المملكة والعالم العربي خلال نفس الفترة.

تميزت مواقف المملكة العربية السعودية تجاه القضية الفلسطينية بثلاث سمات شكلت في مجملها الأسس التي قامت عليها سياسة المملكة العربية السعودية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص. وهذه السمات هي: الاستمرارية والاعتدال والمصداقية البعيدة عن الشعبوية ولكن واقعية في الطرح والممارسة. فعند طرح مواقف المملكة سواء السياسية منها أو الدبلوماسية أو المادية.

إن مواقف المملكة تجاه القضية الفلسطينية بدأت تتبلور منذ عام 1936م، عندما قامت الثورة الفلسطينية الكبرى ضد سلطات الانتداب البريطاني وسياساته في فلسطين. فقد كانت تلك السلطات تشجع وتساعد المستوطنين الصهاينة في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وطرد أصحابها منها. في تلك الفترة أمر الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ــ وزراءه في الخارجية والمالية بإرسال مساعدات ومعونات للشعب الفلسطيني. وفي الوقت نفسه تم التواصل مع الحكومة البريطانية لإعادة النظر في مواقفها وإدارتها لفلسطين القائمة على توفير الدعم والمساعدة للمستوطنين الصهاينة على حساب سكان الأرض من الفلسطينيين. وكان الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ــ حازماً في هذا الموقف، حيث رفض كل الإغراءات البريطانية للتخلي عن دعمه للفلسطينيين. فقد رفض عرضاً من البريطاني جون فيلبي بأن تحصل المملكة على معونة بقيمة 250 مليون ريال بالإضافة إلى استقلال كافة الإمارات العربية عدى عدن مقابل تغيير سياسته تجاه فلسطين.

ومنذ ذلك الوقت إلى الآن لم تتغير مواقف المملكة في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في تحقيق آماله في الاستقلال وتقرير المصير. ففي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وفي مراسلاته مع الرئيس الأمريكي روزفلت، بين الملك عبد العزيز أهمية حقوق الشعب الفلسطيني ورفض فكرة الاستيطان الصهيوني في فلسطين وكان ــ رحمه الله ــ يعتقد اعتقاداً راسخاً أن موقفه نابع من إيمانه العميق بعدالة هذا الموقف وجزء من حرصه على عروبة فلسطين وعدالة القضية الفلسطينية. واستمر هذا الموقف في كل الفترات اللاحقة.

ففي عهد الملك سعود بن عبد العزيز ـ رحمه الله ــ تكونت اللجان الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني. وفي سبتمبر/ أيلول عام 1964 م، أعلنت المملكة العربية السعودية اعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية. وفي عهد الملك فيصل بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ ساهمت المملكة في إبراز منظمة التحرير الفلسطينية في المحافل الدولية والإقليمية والإسلامية. وقد تم تقديم الدعم المادي لها حيث قدمت المملكة خمسة ملايين جنيه استرليني لتكوين الكتائب التي بدأت لتحرير فلسطين. فيما بعد وفي حرب 1973م، قامت المملكة بقطع النفط عن الدول الغربية الداعمة لإسرائيل في عدوانها على العالم العربي. وساهمت بشكل كبير في تلك الحرب سواء في تقديم الدعم المادي أو المعنوي لكل من مصر وسوريا أو من خلال المشاركة الفعلية في القتال على الجبهة السورية. ولاحقاً في عهد الملك خالد بن عبد العزيز ـ رحمه الله ــ وعندما اجتاح الجيش الإسرائيلي لبنان عام 1982م، أمر الملك بتزويد المقاتلين الفلسطينيين بالسلاح من مخازن الحرس الوطني. واستمر الدعم بشكل متواصل من أجل تحقيق آمال الشعب الفلسطيني بتحقيق دولته المستقلة على أرضه. هذا الدعم الذي بدأ منذ ثمانينات القرن العشرين بدأ يتسم بالاعتدال والواقعية في الطرح. وبدأت المملكة تتخذ من السبل الدبلوماسية كأدوات لتحقيق آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال. وأخذت المملكة على عاتقها حمل هذه الآمال والتطلعات إلى كافة المحافل الإقليمية والدولية.

 

الاعتدال

منذ بدابة الثمانينات بدأت المملكة تبرز كقوة إقليمية ذات تأثير عالمي، فالمملكة كمركز ومؤسس لمنظمة العمل الإسلامي ودولة ذات ثقل ضمن الدول العربية ومؤسس رئيس في منظمة أوبك، أصبحت الدولة الأكثر تأثيراً في منطقة الشرق الأوسط. من هذا الموقع، بدأت المملكة تسعى إلى تقديم مشاريع ومبادرات تهدف إلى تحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية وفي نفس الوقت تعطي إسرائيل الفرصة بأن تكون دولة مقبولة في منطقة الشرق الأوسط تستطيع العيش بسلام مع باقي دول المنطقة. ففي أغسطس من عام 1981م، قدم الأمير فهد بن عبد العزيز، وكان ولياً للعهد آنذاك، مبادرة شاملة لحل القضية الفلسطينية تكونت من ثمانية مبادئ:

  • انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967م، بما فيها القدس العربية.
  • إزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي العربية بعد العام 1967م.
  • تأكيد حق الشعب الفلسطيني في العودة، وتعويض من لا يرغب بالعودة.
  • ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة.
  • تخضع الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة لمدة لا تزيد عن بضعة أشهر.
  • قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس.
  • تأكيد حق دول المنطقة في العيش بسلام.
  • تقوم الأمم المتحدة أو بعض الدول الأعضاء فيها بضمان تنفيذ تلك المبادئ.

لقد كانت هذه المبادرة أول محاولة حقيقية لإيجاد حل عادل وشامل وواقعي للقضية الفلسطينية يضمن حقوق جميع الفرقاء بالعيش بأمن وسلام ويفسح المجال لتحقيق تعايش سلمي للجميع. إلا أن المبادرة جوبهت برفض من إسرائيل وعدد من الدول العربية وجزء من كوادر منظمة التحرير الفلسطينية ومن منطلق الرغبة بتحقيق توافق عربي حول القضية الفلسطينية، أعلنت المملكة في القمة العربية في المغرب في نوفمبر من نفس العام سحب المبادرة وأعلنت "أنها على استعداد لأن تقبل أي بديل يجمع عليه العرب".

بعد ذلك مر عقدين من الصراعات العربية-العربية واختلاف في وجهات النظر، استطاعت إسرائيل إلى جر منظمة التحرير إلى توقيع اتفاق منفرد في أوسلو عام 1994 م، لم يحقق للفلسطينيين سوى سلطة ضعيفة في أجزاء من الضفة الغربية دون أي سيادة أو استقلال. ومع ذلك قبلت السعودية بما كان خيار الشعب الفلسطيني ولو أنه لم يحقق شيئًا بأمل تطوير ذلك الخيار إلى اتفاق شامل ونهائي، ولكن ذلك لم يحصل.

عادت المملكة العربية السعودية في العام 2002م، وقدمت مبادرة جديدة سميت بمبادرة الأمير عبد الله والذي كان ولياً للعهد آنذاك وتبنتها جامعة الدول العربية حيث سميت بمبادرة السلام العربية وكانت متطورة عن سابقتها بوضوحها في التطرق إلى إسرائيل كدولة ستحصل على نتائج إيجابية في حال وافقت على المبادرة التي نصت على:

انطلاقاً من اقتناع الدول العربية بأن الحل العسكري للنزاع لم يحقق السلام أو الأمن لأي من الأطراف

  • يطلب من إسرائيل إعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الاستراتيجي أيضاً.

كما يطلب من إسرائيل:

  1. الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى حدود الرابع من يونيو 1967م، بالإضافة إلى الأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.
  2. التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم للمتحدة رقم 194.
  3. قبول قيام دولة فلسطينية ذات سيادة على الأراضي المحتلة منذ الرابع من يونيو حزيران 1967م، وتكون عاصمتها القدس الشرقية.

مقابل ذلك تقوم الدول العربية بــ:

  1. اعتبار الصراع العربي الإسرائيلي منتهيًا، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لكافة دول المنطقة.
  2. إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل.

كما نصت المبادرة إلى رفض كل أشكال التوطين للفلسطينيين في دول اللجوء وكما تدعو إسرائيل والمجتمع الدول لقبول المبادرة ودعمها والعمل على تنفيذها.

هذه المبادرة لاقت دعماً عربياً واسعاً، وحتى منظمة التحرير بكافة أطيافها قبلتها. وفي مؤتمر القمة العربية في الرياض عام 2007م، كان هناك تأييد واسع للمبادرة. وكان هناك تأييد واسع بين الفلسطينيين للمبادرة فأظهر استطلاع للرأي أن 72 % من الفلسطينيين يؤيدون المبادرة. وحتى حكومة إسرائيل برئاسة ايهود أولمرت رأت أن المبادرة تشكل أساسًا جيدًا للتفاوض في حال تعديل بند اللاجئين.

وفي عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ ازداد الجهد الدبلوماسي اتجاه المساهمة في حل القضية الفلسطينية. ورافق ذلك أيضاً حث الدول العربية والإسلامية للمساهمة في الحفاظ على بقاء القضية الفلسطينية حية من خلال الدعم المادي والمعنوي للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة ودعم صمودهم على أرضهم. ففي قمة القاهرة أكتوبر عام 2000م، بين الملك عبد الله كيف يكون الاعتدال في المواقف دون التخلي عن الثوابت حيث قال: "إن الخيار أمامنا هو خيار صعب ودقيق وهو خيار الوقوف بثبات وصمود متمسكين بمبادئنا وحقوقنا المشروعة .. إنه خيار الاستقلالية في العمل". كما أكد ـ رحمه الله ـ على عروبة القدس حيث قال إن "القدس الشرقية قضية عربية غير قابلة للتنازل أو المساومة. وربط أي علاقة مع إسرائيل بإحراز تقدم حقيقي على مسارات عملية للسلام.

ولاحقاً في العام 2004م، حمل الملك عبد الله رحمه الله القضية الفلسطينية في جولاته الخارجية إلى الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا مبيناً بكل وضوح رفض المملكة لأي إجراءات تؤدي إلى تهويد مدينة القدس من خلال تغيير ملامحها أو توسيع سلطات بلديتها والاستيلاء على المزيد من الأراضي منها.

وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيزـ يحفظه الله ـ استمر هذا الدعم وتواصل بنفس الوتيرة مع الحفاظ على الاعتدال في الخطاب والنهج. ففي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الــ 75 في سبتمبر من العام 2020م، قال الملك سلمان "إن السلام في الشرق الأوسط هو خيارنا الاستراتيجي، وواجبنا ألا ندخر جهداً للعمل نحو تحقيق الاستقرار والازدهار والتعايش بين شعوب المنطقة كافة. وبين أن المملكة تدعم جميع الجهود الرامية إلى الدفع بعملية السلام".

ولدى افتتاحه للقمة الإسلامية التي عقدت في الرياض في يونيو 2019م، قال الملك سلمان بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ إن القضية الفلسطينية "تمثل الركيزة الأساسية لأعمال منظمة التعاون الإسلامي، وهي محور اهتمامنا حتى يحصل الشعب الفلسطيني الشقيق على كافة حقوقه المشروعة والتي كفلتها قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية" كما أكد رفض المملكة القاطع لأي إجراءات تمس الوضع التاريخي والقانوني للقدس الشريف.

وفي يناير عام 2020م، وفي رد فعلها على خطة الرئيس الأمريكي ترمب للسلام، أعلنت وزارة الخارجية السعودية تأكيد المملكة على " دعمها لكافة الجهود الرامية للوصول إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية".

وفي اتصال هاتفي مع الرئيس ترامب أعرب الملك سلمان عن حرص المملكة "على الوصول إلى حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية من منطلق المبادرة العربية للسلام".

كما أن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ـ يحفظه الله ـ أضاف إلى تلك المواقف السابق ذكرها في ترسيخ ثوابت المملكة تجاه القضية الفلسطينية. فقد أكد سموه في كلمة ألقاها خلال قمة دول البريكس الافتراضية في نوفمبر 2023م، أن "السعودية تطالب بإطلاق عملية جادة وشاملة لحل القضية الفلسطينية". كما أن المملكة ترفض ما يجري في قطاع غزه من "جرائم وحشية في حق المدنيين والأبرياء والمنشآت الصحية ودور العبادة" مطالباً بجهد دولي جماعي لوقف تدهور الأوضاع الإنسانية في غزه. وبين سموه وبشكل واضح لا لبس فيه أن "موقف المملكة الثابت والراسخ هو أن لا سبيل لتحقيق الأمن والاستقرار في فلسطين من نيل حقوقه المشروعة وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967م". كما شدد على رفض المملكة القاطع لأي تهجير للفلسطينيين من غزه.

وعندما اشتدت الضغوط الأمريكية على المملكة لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل كان رد سمو ولي العهد بأن القضية الفلسطينية جزء هام جداً من هذه العملية: ففي مقابلة مع فوكس نيوز في سبتمبر 2023م، (قبيل أحداث غزة) قال سموه: "بالنسبة لنا فإن القضية الفلسطينية مهمة للغاية. ويجب الوصول لحل بشأنها".

هذا الموقف، تم تأكيده في تصريحات وإجراءات وزارة الخارجية الدبلوماسية. ففي اجتماع حول حالة حقوق الإنسان في فلسطين والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في جنيف شدد سمو زير الخارجية السعودي على أن "للفلسطينيين الحق في حياة كريمة والحق في الأمان والحق في المأوى المناسب والحق في الحصول على الضروريات الأساسية. وفوق كل شيء لديهم الحق في تقرير المصير. في الوقت الحالي تنتهك كل هذه الحقوق".

وأكدت هذا الموقف سمو السفيرة السعودية لدى الولايات المتحدة. ففي مقابلة لها مع شبكة CNN يوم 17 يناير الماضي أوضحت سموها أن "الطريق الوحيد لازدهار الشرق الأوسط هو الوحدة. وازدهاره الاقتصادي. وأن تكون منطقة متوازنة ومستقرة". وبينت بوضوح أن تحقيق الأمن والسلام والرفاهية يتحقق من خلال الدولة الفلسطينية.

مما سبق يتبين بما لا يدع مجالًا للشك أن الدعم المتواصل لقضية فلسطين من قبل المملكة لمدة تقارب القرن من الزمان لم تكن سياسة موسمية أو قرار قابل للتغيير، وإنما مبدأ راسخ ابتدأ منذ عهد الملك المؤسس وما يزال قائماً إلى الآن.

هذا الموقف ومع استمراريته، كان دائماً معتدلاً يقوم على العقلانية المتطورة مع التغيرات في النظام الدولي والإقليمي، دون التخلي عن الثوابت. فالمبادرات السعودية التي منذ العقد الثامن من القرن الماضي والتي قامت على أساس حل الدولتين، كانت عقلانية واستجابة للتغيرات الدولية والإقليمية. ولكن دعم الشعب الفلسطيني المادي والمعنوي بقي قائماً والثوابت لم تتغير على مر السنين والظروف. فبقي حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة وعروبة القدس أحد أهم ركائز سياسة المملكة العربية السعودية الشرق أوسطية. فبالتالي لا يقصد بالاعتدال التكيف مع الظروف الإقليمية والدولية ولكن تعني محاولة الحصول على أكبر كم من الحقوق في ظل المتغيرات والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية. وكلما كانت المواقف معتدلة كلما كانت أكثر مصداقية ومعبرة عن حقيقة السياسة لدولة ثابتة في الإقليم وتزداد مكانتها العالمية يوماً بعد يوم.

لم تكن مواقف المملكة العربية السعودية تجاه القضية الفلسطينية موجهة نحو الجماهير ولم تسعى المملكة يوماً للحصول على الشعبية والتصفيق لأي موقف. ففي بداية ستينيات القرن الماضي عندما كانت الشعبوية القومية هي السائدة والإذاعات العربية كانت تروج لهذه السياسة أو تلك، كانت المملكة تعمل بصمت ودون الجهر من القول. وبعد الثورة في إيران عام 1979م، ازدادت الشعبوية والتي أصبحت تحمل طابعاً إسلامياً وكذلك كانت وسائل الإعلام تروج لهذه السياسة أو تلك، كانت المملكة مع أنها الأكثر تمثيلاً للإسلام والعروبة تعمل بصمت. هذا الصمت أكسبها مع الوقت المصداقية الحقيقية. ومع توسع دور المملكة الإقليمي والدولي الذي تم بهدوء، أصبحت سياسات المملكة وثوابتها تعبر عن حقيقتها دون أي ترويج أو تجميل أو صخب إعلامي.

كما لم تسع المملكة للحصول على الثناء والتثمين من أي جهة، وإنما كانت تعمل ضمن ثوابت راسخة قائمة على إيمان ثابت بصحة وعقلانية وأخلاقية مواقفها.

ففي كلمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ــ حفظه الله ـ قبل أكثر من ثلاثين عاماً وكان حينها رئيساً للجنة الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني أن السعودية "لم تتخذ يوماً من الأيام موقفاً مؤيداً وداعماً للقضية الفلسطينية من أجل أن يأتيها الشكر والتثمين من أي كان على هذه المواقف المبدئية، لأن القضية الفلسطينية بالنسبة للمملكة ليست مجرد قضية دولية عابرة، وإنما هي بالفعل قضيتها الأساسية والمركزية".

مقالات لنفس الكاتب