إن إسرائيل مشروع استعماري لأهداف استراتيجية في المنطقة العربية والإسلامية تم الإعداد له لأكثر من قرنين لتجميع اليهود في فلسطين تحت شعار " العودة لأرض الميعاد " وهذا قبل إعلان الحركة الصهيونية 1897م، عندما عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال بسويسرا، وعندها قال هرتزل ستقام الدولة اليهودية خلال خمسة أعوام أو خمسين عاماً، الأولى في حالة إقناع السلطان العثماني بالسماح لليهود للهجرة إلى فلسطين والثانية يعني العمل خلال خمسين عامًا بتنفيذ المشروع بعد إسقاط الدولة العثمانية والتعاون مع الدول الاستعمارية الغربية وخاصة لتنفيذ المشروع.
أعلن نابليون أثناء حملته على مصر 1798م، في بيان له على تشجيع توطين اليهود في فلسطين على اعتبار أن الوجود اليهودي يخدم المصالح الفرنسية، وبعد فشل حملة نابليون، تبنت بريطانيا الفكرة فقامت في عام 1838م، بافتتاح أول قنصلية لها في القدس وأعلنت أن من أهدافها الحماية الكاملة لليهود المقيمين في فلسطين، وفي رسالة رجل المال اليهودي البريطاني اللورد روتشيلد إلى وزير الخارجية بالمرستون في مارس 1840م" إننا لو نظرنا إلى خريطة هذه البقعة من الأرض فسوف نجد أن فلسطين هي الجسر الذي يوصل بين مصر والعرب في آسيا ..والحل الوحيد هو زرع قوة مختلفة على هذا الجسر في هذه البوابة، لتكون بمنزلة حاجز يمنع الخطر العربي ويحول دونه"، والملاحظ أنه قراءة تاريخية للأهمية الاستراتيجية لترابط بلاد الشام ومصر فالحروب الصليبية والتتار كانت هزيمتهما في وحدة المنطقة من صلاح الدين إلى السلطان قطز.
كان وزير الخارجية البريطانية آنذاك اللورد بالمرستون من أشد المتحمسين لتوطين اليهود وكتب إلى السفير البريطاني في إستنبول رسالة في 11 أغسطس 1840م، بحث السلطان العثماني بالسمع لليهود بالتوطين لخدمة المصالح البريطانية، وأن تكون فاصلاً بين محمد على باشا في مصر وطموحاته ولكن بالمرستون لم ينجح في دعوته بإقناع السلطان العثماني، ولكن استمرت بريطانيا في المشروع الصهيوني وبعد الحرب العالمية الأولى أصدرت وعد بلفور 1917 م، وحصلت على الانتداب البريطاني في فلسطين 1920م، واتبعت سياسة تنفيذ إقامة الدولة اليهودية وكان أول مندوب سامي بريطاني في فلسطسن هو هربرت صموئيل صهيوني متحمس لتنفيذ المشروع حتى تم إعلان الدولة اليهودية عام 1948م، بعد أن وفرت بريطانيا كل الوسائل للمشروع من سياسة بناء الاستيطان وقيام المنظمات الصهيونية المسلحة وبناء البنية التحية واستعمال اللغة العبرية إلى جانب العربية والانجليزية وبناء الجامعة العبرية في القدس 1925م، وعندما انسحبت 1948م، سلمت المواقع العسكرية والأسلحة التي لديها إلى المنظمات اليهودية، وبعد الحرب العالمية الثانية وإعلان قرار التقسيم 181 في نوفمبر 1947م، تولت الولايات المتحدة تبني رعاية المشروع الصهيوني وكانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بإسرائيل رغم تحذير المؤسسات الأمريكية للرئيس ترومان من خطورة هذا الاعتراف، حيث اعترضت الخارجية والمؤسسة العسكرية والاستخبارات بأن المنطقة لن تستقر إذا تم الاعتراف بإسرائيل كدولة في الشرق الأوسط وهذا ما زال يتأكد منذ قيامها والشرق الأوسط في دوامة عدم الاستقرار بسببها.
ولذلك لا نستغرب، أن هرع زعماء الدول الأوروبية والولايات المتحدة لإسرائيل بعد هجوم المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023م، لخوفهم على انهيار المشروع الصهيوني بعد الانتصار المفاجئ للمقاومة ونهاية أسطورة الجيش الذي لا يقهر وظهر ترهل المؤسسات الإسرائيلية وضعفها والخلافات السياسية التي تعصف بها.
1948: جيوش لم تهزم ولكن نخبة سياسية هزمت
يروي أكرم زعيتر في يومياته العاشر من أبريل 1951م، أن صحفيًا عراقيًا سأل ساطع الحصري كيف غلبت سبع دول أمام إسرائيل فأجابه لقد غلبت لأنها سبع دول؟ وكان جواباً في صميم الحقيقة، ويقول هيثم الكيلاني في كتابه " الاستراتيجيات العسكرية للحروب العربية –الإسرائياية 1948-1988" أن المسؤولين السياسيين العرب عالجوا شؤون قضية فلسطين، ومنها الحرب ـ ببعض الخفة وضعف المسؤولية والاتكالية. فلم يكونوا قط على قدر التحدي الذي يوجههم، فقد نصًبوا على جيوشهم قيادة عامة مقرها في عمان، ولم يعطوها الصلاحيات والسلطات التي تخص هذه القيادة، ولم تكن حائزة ثقة بعض الحكومات، إضافة إلى أنها لم تكن أهلاً لهذا المستوى الرفيع من القيادة العسكرية العامة "، فالقيادة البريطانية التي يرأسها الجنرال غلوب تنفذ السياسة البريطانية في فلسطين التي تنفذ قرار التقسيم، وكان قائدًا للجيش الأردني، ولذا بقيت القيادة الموحدة إسمية. بالاضافة إلى الخلافات السياسية وعدم الثقة بين القيادات السياسية العربية نفسها وخضوعها لنفوذ الدول المستعمرة.
كانت النخبة السياسية الحاكمة في مصر والعراق وسوريا ولبنان تدور في الفلك البريطاني في ظل التنافس البريطاني/ الفرنسي وصراع الاستخبارات والصفقات وتجنيد عملاء لهما، ويذكر المؤرخ الإسرائيلي مائير زامير في كتابه The Secret Anglo-French War in the Middle East(2015) والذي اعتمد فيه على الوثائق البريطانية والفرنسية، أن بريطانيا سعت لإخراج فرنسا من سوريا ولبنان عن طريق جذب النخبة السياسية فيهما إليها بالتهديد والترغيب بالأموال والمناصب فكان شكري القوتلي ورياض الصلح وجميل مردم ضمن النفوذ البريطاني، وكان جميل مردم الذي تولى رئاسة الحكومة السورية، وفي عهده 1939م، تخلى عن لواء الاسكندرونة لتركيا بضغط من فرنسا التي اكتشفت ارتباطه ببريطانيا فأصبح عميلاً مزدوجاً وارتبط مردم بالوكالة اليهودية عن طريق الاستخبارات الفرنسية وكان الياهو ساسون (يهودي من أصل سوري) المكلف من بن غوريون للتعاون مع باريس للاتصال مع جميل مردم، الذي قدم معلومات حساسة لابن غوريون عندما كان سفيرًا لسوريا في مصر ومندوبها للجامعة العربية التي تأسست آنذاك 1945م، وكان ينقل خطط بريطانيا للشرق الأوسط والموقف العربي في الجامعة، ومهما يكن فعندما أعلنت إسرائيل، حاربت الجيوش العربية ببسالة ووصل الجيش المصري إلى مشارف تل أبيب ودخل الجيش الأردني إلى اللد والرملة وكان الجنرال كلوب مهتمًا بخط التقسيم 1947م، وفي ظل تقدم الجيوش العربية فرضت الهدنة الأولى وعندما أستئنف القتال بعد عدة أيام تغيرت المعادلة لتدفق الأسلحة والمتطوعين بدعم الدول الغربية لليهود ودخلت الحرب في دوامة الصفقات السياسية وتقدمت إسرائيل خارج خطة التقسيم واحتلت مناطق جديدة وكانت الهدنة الثانية بين الدول العربية وإسرائيل في هدنة رودوس 1949م، التي استمرت .
الانقلابات العسكرية والاختراق الأجنبي والعدوان الإسرائيلي
بعد إعلان الدولة أخذت إسرائيل في التوسع واحتلت أم الرشراش ( إيلات حاليًا 1949م)، وأخذت تفكر في مشروعها الصهيوني الكبير وأخذت تعتمد على الولايات المتحدة لأن المشروع الصهيوني منذ بدايته يعتمد على دولة كبرى لتنفيذه وحمايته فارتبطت مع بريطانيا التي تبنت المشروع ومع تراجع بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية دخلت الولايات المتحدة بقوة لدعم إسرائيل لقوة ونفوذ اللوبي الصهيوني، وشجعت الولايات المتحدة الانقلابات العسكرية في الشرق الأوسط لتعزيز نفوذها ولإيجاد نخبة جديدة في الحكم بعيدًا عن النخبة الموالية لبريطانيا وفرنسا ولخدمة إسرائيل أيضًا ولإدخال المنطقة في الصراع الداخلي على السلطة، فهندست الاستخبارات الأمريكية (CIA) انقلاب حسني الزعيم في سوريا مارس 1949م، وحسب الوثائق الني كشفت وفي دراسة آفي شليم فإن الزعيم عرض على بن غوريون توطين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل ولكن بن غوريون رفض العرض والمثير للدهشة أن انقلاب الزعيم كان تحت شعار تحرير فلسطين وسقط الزعيم بانقلاب في أغسطس من نفس العام وتتابعت الانقلابات العسكرية في سوريا صراع استخباراتي أمريكي بريطاني.
شاركت إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، بالاشتراك مع فرنسا وبريطانيا ولما فشل العدوان وبسبب الضغط الأمريكي الرئيس أيزنهاور، انسحبت إسرائيل ولكنها بقيت تفكر في تنفيذ خطتها، ودخلت في الصراعات السياسية في لبنان والعراق بدعم الأكراد والعلاقة مع الموارنة خاصة أن للحركة الصهيونية علاقة مع حزب الكتائب قبل قيام الدولة، وكان بن غوريون يقول أن على إسرائيل أن تكون ضمن المعادلة الداخلية في كل دولة عربية من خلال دعم الأقليات أو تجنيد العملاء أو شبكات التجسس لإثارة الاضطرابات لتنفيذ التوسع ، فكانت فضيحة لا فون في مصر 1954م، بقيام اليهود بتفجيرات المراكز البريطانية والأمريكية في مصر من أجل توتر العلاقات المصرية مع كل من واشنطن ولندن وكان الانقلاب العسكري في العراق وإعلان الجمهورية في يوليو 1958م، وكانت الاضطرابات في لبنان بين التيار القومي الناصري والرئيس كميل شمعون الذي كانت بريطانيا قد جندته لصالحها كما قامت إسرائيل بتحويل مياه نهر الأردن من أجل توفير مياه للاستيطان وعملت إسرائيل على تهجير يهود العراق والمغرب، ولذلك لم يكن السلام مع العرب في قاموس إسرائيل بل هو للاستهلال للرأي العام الدولي، وكانت تحضر لحرب 1967م، قبل سنوات للسيطرة على فلسطين كاملة وسيناء والجولان وجنوب لبنان، واستغلت الانقلابات في سوريا والصراع بين العسكريين فنجحت في زرع أيلي كوهن (تحت مسمى كامل أمين ثابت ) كمهاجر سوري في الأرجنتين عاد 1962م، ليخدم بلاده وتغلغل في علاقات بالضباط وزياراته لجبهة الجولان حتى تم اكتشافه ديسمبر 1965م، ويعتبر من أخطر الجواسيس في دولة عربية لوصوله لأعلى المستويات والمعلومات الخطيرة استفادت منها إسرائيل في التخطيط لحرب 1967م. ويؤكد جي لارون Laron في كتابه عن حرب السادس من يونيو 67 (2018م) ، أن بن غوريون كان يخطط للتوسع الإسرائيلي وفي أغسطس 1950م، تم مناقشة خطة عسكرية للحدود الجديدة وفي اجتماع هيئة الأركان الإسرائيلية 1963م، لاحظ رئيس الوزراء ليفي أشكول أن المؤسسة العسكرية تعد للهجوم للتوسع وتم مناقشة الخطة السابقة وتم إعداد الجيش للهجوم في الوقت الذي كانت الجيوش العربية في حالة دفاع وفي صراعات سياسية على السلطة، وأخذت إسرائيل تنتظر الفرصة المناسبة للتوسع فاستغلت الحرب الباردة العربية وتورط الجيش المصري في اليمن وتولى الرئيس جونسون رئاسة الولايات المتحدة بعد اغتيال الرئيس كنيدي، وكان جونسون مؤيدًا لإسرائيل بقوة وأعطاها الضوء الأخضر للهجوم، ولذلك حسب ما يقوله لارون افتعلت إسرائيل الأزمة في مايو 1967م، فسربت إسرائيل لأحد العملاء المزدوجين للاستخبارات السوفيتية أن إسرائيل تحشد على الحدود السورية بسبب العمليات الفدائية منها، وكانت هناك اتفاقية دفاع مشترك بين سوريا ومصر وكان الهدف جر مصر تمهيدًا لضربة عسكرية، وتأزم الوضع السياسي ودخلت القوات المصرية إلى سيناء ولم تكن نية الأنظمة العربية الدخول في حرب مع إسرائيل ولذلك استغلت إسرائيل الفرصة بالهجوم الكاسح أولا على الجبهة المصرية ثم احتلت الضفة الغربية والقدس ثم احتلت الجولان، وحققت ما كانت تخطط له باحتلال فلسطين كاملة والقدس والوصول لقناة السويس والجولان، ورفضت إسرائيل فيما بعد قرار مجلس الأمن الدولي 242 الذي قبلته مصر والأردن وهو يعني اعتراف بإسرائيل في حدود الهدنة 1948م، ولكن ليس هدف إسرائيل الانسحاب علماً بأن الدول العربية تبنت السلام كاستراتيجية لديها، وكان إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية 1964م، الهدف الرئيس هو وجود كيان فلسطيني يتفاوض مع إسرائيل ولذلك كان الدعم العربي في حدود وكان يتم تحجيم العمل الفدائي والمنظمة عندما تتجاوز الحدود السياسة وطرحت واشنطن مبادرة وزير خارجية الولايات المتحدة روجر ديسمبر 1969م،والتي تنص على الانسحاب الإسرائيلي والمفاوضات بين الطرفين ولكن إسرائيل رفضتها وطرح روجر خطته الثانية لوقف إطلاق النار ووافقت مصر عليها ثم وافقت إسرائيل وكانت حرب الاستنزاف مستمرة منذ 1968م، ولكن بقيت إسرائيل ترفض الانسحاب من الأراضي المحتلة حتى وصل الأمر ، إلى ضرورة عملية عسكرية فكانت حرب 6 أكتوبر 1973م، فكان عبور الجيش المصري وتقدم الجيش السوري في الجولان واستعمال سلاح البترول لأول مرة في المعركة بأمر من الملك فيصل بن عبدالعزيز وصدر قرار مجلس الأمن الدولي 338 والذي ينص على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية والتأكيد على قرار 242 وقام هنري كيسنجر وزير الخارجية آنذاك بدبلوماسيته المكوكية لفك الاشتباك بين الجيش المصري والإسرائيلي وكانت مفاوضات الكيلو 101 والتي تبعتها تحولات سياسية عربية ولكن الموقف الإسرائيلي منذ 1948م، كان ثابتًا على تحقيق المجال الحيوي الإسرائيلي وعدم الانسحاب من الأراضي المحتلة.
اتفاقية كامب ديفيد أهداف إسرائيلية وانقسام عربي
قدمت الدول العربية تنازلات في سبيل تحقيق السلام بقبولهم قرار 242 و338 ولكن إسرائيل ازدادت تمسكًا بالأراضي المحتلة ومع فوز حزب ليكود في انتخابات الكنيست 1977م، أصبح اليمين الإسرائيلي بزعامة مناحم بيغن رئيسًا للوزاء والأشد تمسكاً بالمشروع الصهيوني، وفي نفس الوقت كان الرئيس كارتر يتولى رئاسة الولايات المتحدة وبغض النظر عن ظروف زيارة الرئيس السادات للقدس نوفمبر 1977م، كان الهدف الاستراتيجي من دخول إسرائيل في اتفاقية سلام مع مصر هو إخراج أكبر دولة عربية من الصراع العربي الإسرائيلي وهي الدولة التي خاضت أربعة حروب مع إسرائيل وتملك أكبر قوة عربية سكانًا وجيشًا وكما يتردد في الدوائر الغربية لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون سوريا، وكان هنري كيسنجر في دبلوماسيته المكوكية يردد بنقل القضية الفلسطينية من صراع عربي إسرائيلي إلى صراع عربي / عربي فمع زيارة السادات تحقق حلم كيسنجر فانقسم الصف العربي ونقل مقر الجامعة العربية إلى تونس وأصبح الموقف العربي ضعيفًا وأكثر تعقيدًا وانشغلت واشنطن بالثورة الإيرانية 1979م، والتدخل السوفيتي في أفغانستان ديسمبر 1979م، ولذلك لم يحدث تقدمًا في القضية الفلسطينية وأصبح الرئيس كارتر مشغولاً بأزمة الرهائن والانتخابات الأمريكية لدورة ثانية. وفاز الرئيس ريغان في الانتخابات الرئاسية 1981م، وكان من المؤيدين لإسرائيل ولذلك أصبح التفكير الإسرائيلي القضاء على الوجود الفلسطيني في جنوب لبنان حيث انتقل نشاط منظمة التحرير الفلسطينية بعد أزمة الأردن 1970م، إلى جنوب لبنان، وقامت إسرائيل في عام 1978م، بعملية الليطاني لابعاد مقاتلي المنظمة عن الحدود والسيطرة على مياه الليطاني التي كانت هدفًا لإسرائيل منذ مؤتمر 1919م، عندما قدم وايزمان خريطة الصهيونية للدولة اليهودية لمؤتمر الصلح في باريس فكان نهر الليطاني ضمن حدود الدولة ومنطقة شرق الأردن غرب سكة الحديد الحجازية ؟
وقامت إسرائيل خلال عملية الليطاني بإنشاء الحزام الأمني في الجنوب اللبناني لتضمن السيطرة الكاملة عليه وشجعت الضابط بالجيش اللبناني سعد حداد بالتمردعلى قيادته وأصبح تحت سيطرة وتوجيه الجيش الإسرائيلي وفي عام 1982م، أثناء عملية " سلام الجليل" التي شنتها إسرائيل على لبنان كان سعد حداد مؤيدًا ومشاركًا في الغزو الإسرائيلي على وطنه؟
مبادرات سياسية 1982: الملك فهد وبريجنيف وريغان
جاءت إدارة أمريكية جديدة تنتمي لليمين الليبرالي برئاسة ريغان والحرب الإيرانية –العراقية مشتعلة والانقسام العربي وفي أبريل 1981م، زار وزير الخارجية الأمريكية آنذاك ألكسندر هيج وهو جنرال أمريكي سبق أن عمل قائدًا لقوات حلف الناتو في أوروبا، وهو من المؤيدين لإسرائيل وتفوقها العسكري وصرح أثناء زيارته المنطقة بقوله "إن النزاع العربي / الإسرائيلي يجعل بعضاً من أوثق أصدقائنا منقسمين على أنفسهم. والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط لا يمكن حمايتها إلا باستراتيجية لا تغفل تعقيدات المنطقة ولا التهديد بتدخل خارجي .. فإذا كان أصدقاؤنا العرب على استعداد أكبر لركوب المخاطر من أجل السلام مع الإسرائيليين فإن التعاون في مجال الأمن سيكون سهلاً" ، وفي ظل الجمود السياسي وحكومة ليكود بزعامة بيغن ووزير الدفاع شارون كان لا بد من مبادرة جريئة لتحريك الوضع السياسي ولذلك طرحت السعودية ما عرفت بمبادة الملك فهد وكان آنذاك وليًا للعهد في أغسطس وقدمت للقمة العربية في فاس نوفمبر 1981م، ولكن لم يتم الاتفاق العربي عليها واضطرت السعودية لسحب المبادرة وقال الناطق الرسمي " نظراً لإيمان المملكة التام بأن أي استراتيجية عربية يجب أن تحظى بالتأييد الجماعي لكي تستطيع دفع الموقف العربي إلى الأمام، فقد قام الوفد السعودي بسحب المشروع مؤكداً لمؤتمر القمة أن المملكة العربية السعودية على استعداد تام لأن تقبل أي بديل يجمع عليه العرب" ، ورفضت إسرائيل المبادرة مباشرة في بيان لوزارة الخارجية الإسرائيلية جاء فيه "إن إسرائيل ترى في الاقتراح السعودي خطة لتدميرها على مراحل" وإن بنود المبادرة كانت إيجابية تضمنت ثمانية نقاط أهمها الدعوة لانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967م، وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس وإزالة المستعمرات التي أقيمت في الأراضي العربية المحتلة وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في العودة وتعويض من لا يرغب " ولكن هذه المبادرة تم عرضها في القمة العربية الثانية لفاس سبتمبر 1982م، وتم الإجماع العربي عليها، ولكن بعد اجتياح إسرائيل إلى جنوب لبنان ودخولها بيروت وخروج المنظمة الفلسطينية من لبنان، وكان الكسندر هيج أثناء زيارته أعطى إسرائيل الضوء للقيام بحملة عسكرية على جنوب لبنان لمسافة 40 كيلو مترًا ولكنها تجاوزت لاحتلال بيروت وبالطبع كان لها تأييد من حزب الكتائب وخاصة بشير الجميل الذي عين رئيسًا إلى لبنان ولكن تم اغتياله.
وفي ظل الظروف السياسية التي أعقبت احتلال بيروت ومجازر صبرا وشتيلا طرحت مبادرة بريجنيف الزعيم السوفيتي كمشروع للسلام في الشرق الأوسط 15 سبتمبر 1982م، وركزت المبادرة على حق الشعب الفلسطيني على تقرير مصيره وإقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس الشرقية وإنهاء حالة الحرب، ولكن إسرائيل رفضتها ولكن الدول العربية قبلتها، وطرح الرئيس ريغان مبادرته في الأول من سبتمبر 1982م، وعلى كل رفضت إسرائيل كل المبادرات السياسية واستمرت في مشروعها الصهيوني حتى أنها لاحقت منظمة التحرير في تونس عندما قامت الطائرات الإسرائيلية بغارة استهدفت مقر المنظمة فيها واغتالت القائد خليل الوزير (أبو جهاد) في تونس. وعادت المبادرة السعودية مرة أخرى عام 2002م، في قمة بيروت.
الانتفاضات الفلسطينية واتفاق أوسلو1993 وغياب عرفات
إن استمرار الاحتلال الإسرائيلي وتدهور الأوضاع الاقتصادية في الأراضي المحتلة واستمرار الاعتقالات والقتل للمدنيين والاضطهاد وغياب الأفق السياسي كانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى ديسمبر 1987م، وكان عصيانًا مدنيًا وجد الجيش الإسرائيلي أمام مقاومة النساء والأطفال والشيوخ وهو جيش ليس معدًا لمواجهة هذا العصيان وتأزمت الأوضاع حتى داخل إسرائيل نفسها، وفي 15 نوفمبر أعلن الرئيس عرفات قيام الدولة الفلسطينية من الجزائر ولكنه أشار إلى قرار التقسيم (181 ) 1947م، واحترامه الشرعية الدولية، وهي قفزة للأمام أنه على استعداد للاعتراف بإسرائيل، ولكن الأحداث تطورت بالغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس 1990م، وهي كارثة بكل المقاييس الاستراتيجية يعيش العالم العربي تبعاتها حتى الآن، واستغلت الولايات المتحدة الفرصة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية التي كانت تلهث خلفها لسنوات، في وقت كان فيه الاتحاد السوفيتي ينهار ، لذلك أخذ بوش يدعو لنظام عالمي جديد وللتدخل العسكري، كان بوش الاب بحاجة لدعم عربي ووعد بالتحرك السياسي على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، فأرسلت كل من مصر وسوريا والمغرب قواتهم الى حفر الباطن، كان هدف بوش الأب البترول العراقي والقواعد العسكرية وتدمير القوة العسكرية العراقية، وبالفعل عقد مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991م، ورفضت إسرائيل الحضور في حالة حضور ممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية ولكن حضر الجانب الفلسطيني ضمن الوفد الأردني وقبلت إسرائيل الحضور مقابل عشرة مليارات دولار من الولايات المتحدة وعلق إسحق شامير رئيس وزراء إسرائيل ساخرا سنتفاوض لمدة عشرين عامًا يعني المراوغة لانه لا يريد حلاً سياسيًا يؤدي لانسحاب إسرائيل واستمرت المفاوضات الثنائية والتعددية ولكن إسرائيل لم تكن جادة في كل هذه المفاوضات، وإنما لمخاطبة الرأي العام الدولي، وبعد أن شعرت المنظمة بأنها في أضعف حالاتها وفي حالة عزلة مع الانقسام العربي، دخلت في مفاوضات سرية مع إسرائيل أدت إلى اتفاق أوسلو سبتمبر 1993م، وكان محمود عباس رئيس الفريق الفلسطيني، وكانت إسرائيل تريد سلطة فلسطينية تتولى ضبط الشارع الفلسطيني ووقف الانتفاضة الفلسطينية ودخلت المنظمة في مفاوضات معقدة وتم اغتيال إسحق رابين بسبب توقيع الاتفاق ورغم عودة رجال السلطة وعلى رأسها عرفات إلى غزة وأريحا ثم استقر مقام السلطة في مدينة رام الله ولكن جميع تحركات السلطة تتم بإذن إسرائيلي وبسبب فشل المفاوضات ودخول المستوطنين المتكرر للمسجد الأقصى وتزعم شارون لدخول المسجد في عام 2000م، كانت الانتفاضة الفلسطينية الثانية وحاصرت إسرائيل الرئيس عرفات في المقاطعة مركز إقامته وتريد التخلص منه، وحدث 11 سبتمبر 2001م، فحصرت الولايات المتحدة، إدارة بوش الابن كل جهودها لمحاربة الإرهاب والتخطيط لاحتلال العراق، وكان المحافظين الجدد المحيطين ببوش الابن يدفعوا بكل قوة للاحتلال تحت شعارات الأسلحة الكيماوية وحقوق الإنسان وكلها شعارات مزيفة وفي ظل هذه الظروف وتراجع القضية الفلسطينية طرحت المبادرة العربية 2002م، محاولة عربية لحل الصراع لأن إسرائيل رفضت كل المحاولات والمبادرات والقرارات الدولية .
السعودية والمبادرة العربية والإجماع العربي
وصلت المفاوضات الفلسطينية / الإسرائيلية في كامب ديفيد بين الرئيس ياسر عرفات وإيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل آنذاك إلى الفشل، والسبب الرفض الإسرائيلي للمطالب الفلسطينية وفي ظل تعقيدات الوضع الدولي والإقليمي طرح الملك عبد الله (ولي العهد آنذاك) المبادرة السعودية التي كانت طرحت في قمة فاس 1982م، ويصف الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى في كتابه سنوات الجامعة ظروف طرح المبادرة بقوله " على الجانب العربي، كنا نبحث عن مخرج، فالهجمة شرسة علينا باعتبارنا إرهابيين أو على الأقل منتجين لهم، وذلك في أعقاب أحداث 11 سبتمبر ، فكان لا بد من الانتقال من خانة الدفاع دون تقديم تنازلات مؤلمة أو مع تنازلات متبادلة . وكان الأمير (الملك) عبد الله بن عبد العزيز هو وحده صاحب المكانة التي تؤهله لطرح المبادرة العربية دون مزايدة من آخرين "، وحظيت المبادرة بالإجماع العربي ورفضتها إسرائيل وكان رئيس الوزراء آنذاك أريل شارون ومازالت ترفضها إسرائيل حتى الآن.
كان الكاتب الأمريكي توماس فريدمان قد أشاد بها واطلع عليها قبل طرحها وقال في مقابلة صحفية مع عاصم الشيدي " لكني ما زلت أعتبرها أفضل إطار حتى الآن لتحقيق السلام في الشرق الأوسط "، ولم ترفضها إسرائيل فقط، بل رفضتها الولايات المتحدة، فالمبادرة تقوم على الأرض مقابل السلام ولكن إسرائيل تطرح السلام مقابل السلام، وتفضل إسرائيل العلاقات الثنائية مع الدول العربية وتتجنب التعامل مع أي إجماع عربي، ودخلت بعض الدول العربية على خط التطبيع متجاوزة المبادرة العربية التي أكدت على الأمن الجماعي مقابل الانسحاب الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية وتصر السعودية على تنفيذ المبادرة العربية ولن تكون لها علاقات أوتطبيع إلا بعد موافقة إسرائيل على تنفيذ المبادرة كأساس للسلام، ولذلك نرى أن إسرائيل منذ إنشائها عام 1948م، وهي ترفض جميع مبادرات التطبيع وتؤكد على تمسكها بالمشروع الصهيوني التوسع، الاستيطان، الضم .
الموقف الدولي والإقليمي: تحولات تخدم القضايا العربية
تتبنى الولايات المتحدة الدولة الأولى في العالم المشروع الصهيوني، كل الرؤساء منذ ترومان حتى بايدن يؤكدون بالقول والفعل حماية إسرائيل وتزويدها بالسلاح والأموال وتمدها بالجسر الجوي كما حدث في حرب أكتوبر 1973م، أو في طوفان الأقصى حاليًا. إن السياسة الخارجية الأمريكية، سياسة إدارة الأزمات وليس حلها، تتحرك عند أزمة تهدد مصالحها فقط، وتحمي إسرائيل في مجلس الأمن الدولي بحق الفيتو ، أما روسيا وحتى في العهد السوفيتي تستفيد من استمرار الصراع وليست في مكانة تحدي الولايات المتحدة وأنها ترى وجود إسرائيل في مصلحتها وقد أشار المستشرق الروسي الكسي فاسيليف مستشار غورباتشوف في شؤون الشرق الأوسط في كتابه السياسة الروسية : أنه في حالة تهديد وجود إسرائيل ستكون القوات الروسية سباقة لحمايتها، ويظهر ذلك من التنسيق الروسي / الإسرائيلي في سوريا، فالغارات الإسرائيلية تتم بالتنسيق مع القوات الروسية، أما الموقف الأوروبي فهو يسير في الفلك الأمريكي ويقدم المساعدات للسلطة الفلسطينية، ولكن لا يستطيع فرض سياسة معينة عليها لانقسام الاتحاد الأوروبي فدولة مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا تأييد مطلق لإسرائيل وشريان دعم سياسي ومالي لها وتستمر في ذلك إلا إذا شعرت بتهديد مصالحها، أما أسبانيا وبلجيكا وبعض الدول الأوروبية الأخرى فهي مؤيدة للحقوق الفلسطينية وظهر من سياستها في إدانة الإبادة الجماعية.
إن شعوب العالم الآن ترفض الإبادة الجماعية وتدينها كما يظهر من المظاهرات التي تشهدها مدن العالم في شماله وجنوبه وشرقه وغربه، ويحتاج الأمر إلى إعادة تفعيل النظام العربي ورسم سياسة عربية موحدة تبني على ما تحقق من إنجاز لطوفان الأقصى وكما قال الأمير تركي الفيصل إن طوفان الأقصى أنهى اسطورة الجيش الذي لا يقهر، ونقل القضية الفلسطينية إلى مكانتها قضية شعب مشرد من وطنه ويحتاج إلى حقوقه . ثم ثبت زيف الديمقراطية الغربية وإزدواجية المعايير وكشف زيف تمثال الحرية الأمريكي وأنهى اسطوانة إسرائيل كدولة ديمقراطية وحيدة في الشرق الأوسط وأثبت أمام الرأي العام العالمي أنها دولة الإبادة الجماعية والفصل العنصري.
إن موقف دولة جنوب إفريقيا في تقديم شكوى لمحكمة العدل الدولية ضد إسرائيل باقترافها جرائم حرب وإبادة جماعية مبادرة سياسية مهمة يبنى عليها، وبالتعاون مع دول عدم الانحياز يشكل قوة مهمة لدعم الحقوق العربية، كما أن توحيد الفصائل الفسطينية وقيادة جديدة تنهي كل التنسيق مع إسرائيل وخاصة التنسيق الأمني ومتابعة التطورات الداخلية الإسرائيلية التي تشهد انقسامًا حادًا وقد تشهد تغييرات على مستوى القيادات السياسية والعسكرية بسبب فشلها في مواجهة طوفان الأقصى، وهي في حالة ضعف وانتهيار نفسي. إن القوة هي الأساس في العلاقات الدولية والدول الإسلامية والعربية تملك جميع موارد القوة لتفرض دورها في العالم، في ظل ما يعانية النظام الرأسمالي من تدهور، ومحاولة جادة لتغيير النظام الدولي للتعددية القطبية، فعدد كبير من الدول العربية والإسلامية محورية ولها مكانتها في حالة تضامنها للدفاع عن قضاياها بعد فشل كل محاولات السلام لعدو يرفض السلام ويمارس الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.