إن مفهوم الأمن القومي بصفة عامة ينطلق من الآية القرآنية الكريمة "أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" وهنا في الآية نلاحظ اقتران الأمن بصورة أساسية بمفهوم التنمية وتوفير متطلبات الحياة، وبالتالي فإن الأمن القومي بمعناه الشامل يدور حول محورين أساسيين، وهما: كيفية توفير الأمن بمعناه الضيق، وكيفية توفير الأمن بمعناه الواسع وهو كل ما يكفل تحقيق التنمية، مثل الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ويضاف إليهم الأمن العلمي بكل أبعاده. وبالتالي فإن الحديث عن الأمن في البحر الأحمر بصفة عامة يجب أن ينطلق من هذين المحورين. غير أن تحقيق الأمن للدول المتشاطئة يعني كيفية مواجهتها لما يتعرض له إقليم البحر الأحمر من تهديدات، وفي نفس الوقت كيف توفر متطلبات دعم التنمية الشاملة وحماية مصالحها ودعم الاستقرار واستيعاب أية توترات يمكن أن تؤثر سلبيًا على ذلك.
بالنظر إلى جغرافيا البحر الأحمر، نلاحظ أن الشواطئ السعودية والمصرية تمثل الحيز الأكبر من جغرافيا البحر الأحمر بصفة عامة؛ فشواطئ السعودية وحدها تمثل حوالي 40% من إجمالي شواطئ البحر الأحمر وتليها الشواطئ المصرية التي تبلغ حوالي 26% من إجمالي شواطئ البحر الأحمر.
وتمثل التهديدات التي يتعرض إليها البحر الأحمر في الفترة الأخيرة أهمية كبيرة؛ بالنظر إلى أن هناك مشروعات تطوير وتنمية متصاعدة، ترجمها البرنامج التنموي الطموح الذي يقوده ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان لتحديث سواحل البحر الأحمر في المملكة، والقيام بعملية بناء وإصلاح ليس فقط اقتصاديًا ولكن سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا يشمل تلك المنطقة وسياحيًا على 17 جزيرة سعودية يجري تحويلها إلى مراكز سياحية وثقافية عالمية.
وفي مصر أيضًا، تشهد سواحل البحر الأحمر عملية بناء وتنمية طموحة. وكل هذه البرامج الاقتصادية والتنموية تجعل من التهديدات التي يتعرض لها الاستقرار والأمن في الخليج أهمية قصوى وتتطلب الانتباه إلى مدى التأثيرات السلبية لتلك التهديدات على تلك البرامج التنموية بصورة كبيرة، وإمكانية تفجر الأوضاع العسكرية وتهديد الاستقرار.
ملاحظات مبدئية
إن الأمن في البحر الأحمر لم يعد قضية محلية أو قضية إقليمية فقط، ولكنه أصبح قضية دولية خاصة في السنوات العشر الأخيرة، وهو ما وضح بصورة جلية من خلال عدة عوامل:
أولًا: تكثيف الاهتمام الدولي بالتواجد داخل المنطقة أو الانخراط في قضاياها والنزاعات الجارية فيها، فضلًا عن تشابك القضايا المثارة في إقليم البحر الأحمر والأقاليم المجاورة بقضايا المنطقة وتشابك القضايا فيما بينها وانخراط الأطراف المختلفة فيها.
ثانيًا: إن الأمن في البحر الأحمر هو نطاق فرعي للأمن الإقليمي بصفة عامة والأمن الدولي، وهناك ترابط واضح ما بين الأمن في البحر الأحمر والأمن في الخليج والأمن العربي بصفة عامة، وإن كان هناك وضوح أكثر لارتباط الأمن في البحر الأحمر بالأمن القومي للمملكة العربية السعودية والأمن القومي لمصر بدرجة كبيرة، باعتبارهما أكبر دولتين متشاطئتين في داخل إقليم البحر الأحمر.
ثالثًا: إن إقليم البحر الأحمر ليس فقط بحدوده من العقبة وبورسعيد شمالًا حتى باب المندب جنوبًا، ولكن ذلك يمتد حتى القرن الإفريقي خارج باب المندب وخليج عدن، بعد اعتبار أن كل هذه المنطقة تعد إقليمًا متماسكًا، ويتأثر الأمن في البحر الأحمر بما يجري في تلك المنطقة بصورة كبيرة.
رابعًا: إن البحر الأحمر قد شهد خلال السنوت الأخيرة نزاعات كبيرة ومتعددة، خاصة في الضفة الغربية للبحر الأحمر بصورة أساسية، سواء النزاع داخل السودان والذي أدى إلى تقسيمه بظهور دولة جنوب السودان، ثم الصراع الجاري في الصومال والذي تعدد الانقسامات التي حدثت فيه، وكذلك الصراع في إثيوبيا والطموحات الإثيوبية المختلفة. كل هذا بجانب القرصنة التي امتدت من خارج باب المندب إلى منطقة خليج عدن، وذلك كله أدى إلى تراكم النزاعات داخل البحر الأحمر وهدد الاستقرار والأمن بصورة كبيرة.
تهديدات متصاعدة
وفي الحقيقة فإن الأمن في البحر الأحمر قد شهد تصاعدًا في التوترات والأزمات والتهديدات التي يشهدها بصورة واضحة، ارتبطت بدرجة أساسية بتنامي الصراع ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، والذي كانت من مظاهره الأساسية انتقال الصراع من منطقة آسيا وبحر الصين الجنوبي إلى المسارات البحرية الأساسية التي تمتد على اتساع المنطقة وعلى اتساع العالم.
وكان البحر الأحمر نقطة ارتكاز أساسية في هذا المجال، عبر عنها سعي البلدين إلى إقامة قاعدتين كبيرتين في جيبوتي؛ إذ تعد القاعدة الأمريكية هناك من أهم القواعد الأمريكية في إفريقيا، وتعد القاعدة الصينية في جيبوتي القاعدة الصينية الوحيدة العسكرية خارج أراضيها. وتمركز الصراع في تلك المنطقة في المحيط الهندي وفي مداخل منطقة الخليج وانتقل إلى البحر الأحمر، لينقل العسكرة الجارية بين البلدين أو بين الصين والدول الغربية على اتساعها إلى منطقة البحر الأحمر؛ فقد سعت بريطانيا أيضًا في إطار هذا الصراع والتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى دعم تمركزها في المنطقة وفي مدخل البحر الأحمر، وكذلك الحضور الفرنسي في القرن الإفريقي. هكذا نرى أن البحر الأحمر قد تأثر بصورة كبيرة بالتنافس الدولي، ليس فقط داخله، ولكن فيما يتعلق بالقرن الإفريقي والصراع الجاري حوله بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة.
وقد تصاعدت التهديدات للأمن والاستقرار في البحر الأحمر في السنوات الأخيرة بصورة كبيرة بالاستراتيجية الإيرانية للتواجد، حسب ما تعلنه دوائرها الاستراتيجية العسكرية، في الممرات والمسارات البحرية المختلفة سواء بتأكيد النفوذ الإيراني بصورة أساسية أو للتأثير على الاستراتيجيات المنافسة لها للقوى الإقليمية والدولية الأخرى. وبالتالي ظهر ما يسمى بالسياسة البحرية للحرس الثوري الإيراني أو "الباسيج البحري" لدعم التواجد العسكري ليس فقط في منطقة الخليج ومضيق هرمز ولكن التمدد في المحيط الهندي والبحر الأحمر وباب المندب والوصول إلى البحر المتوسط.
كما أن هذا التواجد الإيراني قد تصاعد بصورة كبيرة في إطار سعي إيران لتثبيت نفوذها في الدوائر المحيطة بالمنطقة بصفة عامة، ليس فقط في منطقة الخليج ولكن في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن من خلال ما يسمى بالأذرع الإيرانية أو الوكلاء المحليين؛ لتنفيذ سياساتها. وتتولى تلك الأذرع تثبيت النفوذ والقيام بالأدوار التي لا تريد إيران أن تتحمل مسؤوليتها بصورة مباشرة. وكان الانخراط الإيراني في الأزمة اليمنية ترجمة واضحة على هذا المستوى؛ فقد وضح حجم التأثير الإيراني في الأزمة اليمنية واحتواء الحوثيين وتسليحهم بصورة كبيرة، بما جعل من الحركة أهم الوكلاء الإيرانيين في منطقة الشرق الأوسط.
وفاق الدعم الإيراني للحوثيين دعمهم لحزب الله بصورة كبيرة، وتزايدت أهمية الحوثيين العسكرية في السنوات الأخيرة في ظل افتقاد حزب الله مجموعات عسكرية كبيرة خاصة من مجموعات النخبة في انخراطه في الصراع في سوريا وتعرضه وتعرض قيادته ومواقعها الاستراتيجية هناك لضربات إسرائيلية مكثفة، كما أن انشغاله في الحرب الجارية حاليًا في المنطقة الشمالية من إسرائيل -ولو أنه انشغال منضبط بسبب الموقف الإيراني- أعطى فرصة لأن يكون الذراع الأكثر تأثيرًا هو الذراع الحوثي في البحر الأحمر، وهو ما نقل الأزمة والتوتر بصورة كبيرة من منطقة الشمال إلى داخل منطقة البحر الأحمر.
وتتعدد التهديدات التي تشهدها منطقة البحر الأحمر في الفترة الحالية، جراء التطورات الجارية في القرن الإفريقي والصراع الجاري في السودان والصراع الجاري بين إثيوبيا والصومال مؤخرًا حول سعي إثيوبيا لإقامة قاعدة عسكرية في "صوماليلاند" واعتراض الحكومة الفيدرالية على ذلك؛ أو كذلك جراء الصراع الداخلي في اليمن والذي رغم وقف إطلاق النار فإن التمدد الحوثي ينذر بإمكانية تفجر الأوضاع بصورة تهدد الاستقرار الذي تتمتع به اليمن نسبيًا في الفترة الأخيرة.
وقد زاد من حدة الصراع في البحر الأحمر في الفترة الأخيرة وهدد الاستقرار والأمن الأزمة الجارية حاليًا في غزة والحرب الإسرائيلية المتصاعدة على القطاع، وكذلك امتداد الحرب الإسرائيلية بصورة أقل فيما يتعلق بشمال إسرائيل والمواجهة المنضبطة حتى الآن بينها وبين حزب الله، وتصاعد التساؤلات حول الدور الإيراني الذي كان يدعم حماس بالدرجة الأولى والحديث الذي تكرر كثيرًا سواءً من القيادات الحمساوية أو من قيادات إيرانية عسكرية وسياسية عما يسمى بوحدة الساحات ومحور المقاومة والحديث عن التحالف القائم ما بين أذرع إيران وبين حماس، وهو الأمر الذي أدى إلى تركيز إيران على تحريك الحوثيين لتهديد الملاحة في البحر الأحمر، في إشارة إلى أنها تقوم بدور ما يساهم في الإيحاء بأن إيران متواجدة في الأزمة الجارية في غزة وأنها تدعم حماس.
التهديدات الحوثية لأمن البحر الأحمر
من الملاحظ أن قيام الحوثيين بالتعرض للسفن التجارية التي تعبر باب المندب وتوجيه ضربات لها سواء داخل البحر الأحمر أو في خليج عدن، قد أدى إلى تهديد الاستقرار في المنطقة وفي البحر الأحمر وهدد التجارة الدولية بصورة كبيرة، وأثار ذلك الكثير من المخاوف حول تأثير ذلك على التجارة الدولية بصفة عامة وعلى سلاسل الإمداد ما بين آسيا وأوروبا بصورة كبيرة. الأمر الذي لم يهدد فقط الملاحة وإنما رتب آثارًا سلبية على الاقتصاد المصري من خلال توقف عبور السفن الرئيسية والناقلات المختلفة سواء للغاز أو البترول عبر قناة السويس، وتراجع العائد في ظل أزمة اقتصادية مصرية تفرض الحاجة إلى عادات تلك القناة.
ورغم أن الحوثيون أعلنوا مساندتهم لحماس ومشاركتهم في الحرب الجارية في غزة إلا أن ما أطلقوه من أسلحة أو من صواريخ أو طائرات مسيرة لم تمس الأراضي الإسرائيلية أو تمثل تهديدًا لهم يرتب آثارًا عسكرية ما، ولكنها سقطت وللأسف على الأراضي المصرية، مهددًا السياحة وأدى إلى تراجعها بصورة كبيرة. وبالتالي كانت المشاركة الحوثية دفعت مصر ثمنها ولم تتأثر إسرائيل بينها حتى الآن. الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعلان تكوين تحالف عسكري سمي "حارس الازدهار"، وأعلنت أن هذا التحالف سيكون هو الأداة الأساسية لضبط ومنع الحوثيين من تهديد التجارة العالمية، وإثبات أن منطقة البحر الأحمر تدخل جيو سياسيًا ضمن الاستراتيجية الأمريكية العسكرية والسياسية بصورة كبيرة.
ورغم أن واشنطن أعلنت انضمام 39 دولة إلى هذا التحالف، إلا أنه لم يشارك في العمليات سوى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بل إن فرنسا أعلنت أنها سوف تشارك منفردة في تامين سفنها، وكذلك إيطاليا، كما امتنعت دول متشاطئة خاصة مصر والمملكة العربية السعودية من المشاركة في ذلك لأسباب متعددة، منها أن هناك إدراكًا واضحًا بأن الموقف الأمريكي من الحوثيين كان ضعيفًا ولم يكن على مستوى المواجهة، خاصة وأن الإدارة الأمريكية الحالية هي من رفعت الحركة من قائمة الإرهاب، ورغم أنها أعادتها إلى تلك القائمة فإنها أعادتها ككيان إرهابي وليس كتنظيم إرهابي، وهناك تفاوت بين المستويين.
الأمر الآخر أن الولايات المتحدة الأمريكية أرادت في البداية تحجيم الحوثيين ليس فقط من أجل تامين حرية الملاحة ولكن حتى تتفرغ إسرائيل بعملياتها في غزة والتي أكدت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا الاتفاق على عدم وقف إطلاق النار حتى تاريخه. يضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية اضطرت في النهاية إلى أن تقوم بعمليات عسكرية واضحة لضرب الحوثيين ليس فقط الصواريخ الموجهة للسفن واسقاطها هي والطائرات المسيرة ولكن تطور الموقف العسكري بعد ذلك وتواصل خلال الفترة الأخيرة لضرب مراكز تجميع ومراكز تخزين الطائرات المسيرة والصواريخ وكذلك الصواريخ المعدة للضرب، بما أثر على القدرات العسكرية للحوثيين. إلا أن المصادر الأمريكية لا تزال تؤكد أن هناك إمدادًا إيرانيًا واضحًا للحوثيين، وأن هناك قيادات وعناصر خبراء من الحرس الثوري الإيراني يديرون العملية العسكرية للحوثيين، كما كانت هناك إحدى القطع العسكرية البحرية الإيرانية في البحر الأحمر التي كانت تساعد في رصد السفن العسكرية والسفن التجارية التابعة لإسرائيل وتمد الحوثيين بها لضربها.
التقدير
الملاحظ في الفترة الأخيرة أن اتصالات قد جرت بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران أدت إلى نوع من الردع الأمريكي لإيران، خاصة وأن هناك تقارير تقول إن الولايات المتحدة الأمريكية وجهت عبر وسطاء بين البلدين تهديدات لإيران بإمكانية توجيه ضربات مباشرة لأهداف إيرانية، وهو ما تحاشته واشنطن حتى الآن إذا استمر الموقف الإيراني أو موقف الأذرع الإيرانية يهدد المصالح الأمريكية بصورة واضحة خلال الفترة القادمة، وهو ما انعكس بصورة واضحة في انضباط الفصائل العسكرية العراقية التي كانت تعد أداة أساسية لإيران خاصة كتاب حزب الله منذ أكثر من أسبوع وتوقفها عن عمليات التهديد أو عمليات توجيه ضربات أو طائرات مسيرة لأهداف أمريكية أو مصالح أمريكية مشتركة مع الأكراد في العراق وسوريا.
الأمر الذي يؤكد أن المرحلة القادمة يمكن أن تشهد نوعًا من الانضباط للحوثيين، خاصة مع استمرار الضربات الأمريكية والبريطانية المكثفة. كما أنه من المتوقع أيضًا أن يشهد الأمن في البحر الأحمر نوعًا من عودة الاستقرار نسبيًا، خاصة بعد قيام الاتحاد الأوروبي بتسيير دوريات سوف تصاحب السفن التجارية الأوروبية القادمة من آسيا عبر خليج عدن في البحر الأحمر، ويُعتقد أن إيران سوف تراعي ذلك تمامًا حتى لا تخسر الموقف الأوروبي منها.
على هذا النحو، نتوقع أن يشهد الموقف الإيراني نوعًا من التغيير النسبي، خاصة وأن إيران في تحركها بصفة عامة، سواء في الأمن في البحر الأحمر أو في منطقة المشرق العربي على اتساعها، كانت تركز على أن تكون طرفًا في أي تسويات قادمة في المنطقة ومنها التطورات في غزة، وهو ما عبر عنه تصريح وزير الخارجية الإيراني بأنهم يسعون مع دول مؤثرة في المنطقة لتحقيق تسوية سلمية في أزمة غزة.
ومن ناحية أخرى، فإنه من الضروري الإشارة هنا إلى أن الأزمة اليمنية في ظل التهديدات الحوثية وعمليات التصالح التي كانت جارية هناك قد شهدت نوعًا من التراجع الكبير بسبب ممارسات الحوثي وتهديداته للأمن والاستقرار في المنطقة، وبالتالي فإن الأزمة اليمنية أيضًا لا يرجح أن تشهد تقدمًا فيما يتعلق بالجهود المبذولة لتحقيق تسوية، في ظل التمدد الحوثي العسكري بصورة كبيرة والذي هدد الاستقرار ليس فقط في البحر الأحمر ولكن داخل اليمن ذاتها وأدى إلى نوع من الاستقطاب، وقد عبرت عنه مظاهرات لقبائل كانت محسوبة على الحوثيين في الأسابيع الأخيرة داخل صنعاء وفي الجبال المحيطة بها.
الخلاصة
إن التهديدات التي يشهدها الأمن في البحر الأحمر بصورة كبيرة خلال الفترة الأخيرة يجب الانتباه أنها لا تقتصر على تهديد الأمن في البحر الأحمر فقط، ولكنها تمتد إلى الأمن العربي بصفة عامة وإلى الأمن في الخليج والأمن القومي المصري بصورة كبيرة والأمن في القرن الإفريقي. وهو ما يحتم أن تكون هناك تحركات عربية منظمة لمواجهة أية تطورات مستقبلية تهدد الاستقرار والأمن، وألا تكون المواجهات قاصرة على صيغ لقوى دولية وإقليمية لها أجنداتها الخاصة التي قد لا تتوافق مع الأجندات العربية ومتطلبات الأمن القومي العربي بصورة كبيرة.
ومن هنا تبرز ضرورة أن يبدأ ذلك من خلال تحالف مصري سعودي ثنائي ربما ينضم إليه الأردن، ويبدأ هذا التحالف في بلورة موقف مشترك يركز على كيفية الدعم وتوفير القدرات سواء العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية لمواجهة مثل هذه التهديدات، ونسج علاقات إقليمية ودولية تسمح بذلك، وأن ينضم إلى هذا التحالف مستقبلًا من يرغب من دول البحر الأحمر، وإن كان ضم إسرائيل إلى ذلك سوف يواجه محاذير كثيرة.
وبصفة عامة، فإنه يمكن التأكيد على أن الاستقرار في البحر الأحمر سوف يرتبط بصورة كبيرة بما يتم إنجازه فيما يجري في غزة اليوم، وشكل غزة فيما بعد الحرب، وشكل التسوية القادمة، وهل يمكن أن تنجح المحاولات الجارية حاليًا لتحقيق نوعًا من التسوية السياسية للأزمة الفلسطينية الإسرائيلية بصفة عامة والوصول إلى صيغة معينة تسمح بإقامة دولة فلسطينية وانتهاء الصراع. وإذا ما تم اتخاذ خطوات أساسية لإنهاء الصراع سوف ينعكس ذلك بصورة كبيرة على التهديدات الأمنية التي يشهدها البحر الأحمر؛ فمن الثابت أن الأمن والاستقرار في المنطقة كل لا يتجزأ، وأن تحقيق الاستقرار واستيعاب التوتر القائم في المشرق العربي بصفة عامة يمكن أن ينعكس على الاستقرار والأمن في البحر الأحمر والخليج والقرن الإفريقي.