array(1) { [0]=> object(stdClass)#13007 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 196

الرؤية الخليجية للأمن والاستقرار والبناء

الأحد، 31 آذار/مارس 2024

في خضم الأحداث التي تعج بها منطقة الشرق الأوسط والعالم، ومع ظهور تحديات ومخاطر جديدة ومتصاعدة، أعادت دول مجلس التعاون الخليجي النظر في ترتيبات الأمن الإقليمي واعتمدت رؤية جديدة لدعم مسيرتها الأمنية التي تنتهجها منذ أن تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981م، هذه الرؤية نابعة من إدراك دول مجلس التعاون لطبيعة التحديات الأمنية التي تواجهها منطقة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط عمومًا، والتي طالما واجهتها دول الخليج بطريقة عملية وعقلانية بعيدًا عن الاندفاع أو الانجرار خلف شعارات براقة، واستطاعت بفضل هذه السياسة أن تتجاوز فترات صعبة متتالية منذ النصف الثاني من القرن العشرين وحتى الوقت الحاضر حيث اجتازت مرحلة الحرب الباردة بأقل قدر من الخسائر، ثم تعاملت بحكمة مع حرب الخليج الأولى والثانية ، وتزامن ذلك مع انخفاض أسعار النفط وضعف المداخيل المالية وزيادة الأعباء جراء التطورات الإقليمية، ونجحت دول المجلس أيضًا في مواجهة ما يسمى بثورات الربيع العربي التي داهمت المنطقة العربية منذ نهاية عام 2010م، ومازالت تداعياتها مستمرة حتى الآن في العديد من الدول العربية التي تحولت إلى دول رخوة وهشة، ثم جاءت مرحلة الحرب الإسرائيلية على غزة وانعكاسها على البحر الأحمر الذي يمثل أهمية كبيرة لدول مجلس التعاون و خاصة السعودية التي تمتلك أطول شاطئ عليه ولها عدة موانئ هامة  على هذا الممر الملاحي الحيوي .

وقد انتهجت دول مجلس التعاون حزمة سياسات متكاملة لمواجهة التحديات الأمنية، فإضافة إلى التعقل وضبط النفس إلى أقصى حد، اعتمدت على التسليح الحديث فزودت جيوشها بأحدث الأسلحة وأكثرها تطورًا ليكون ذلك معادلًا ووازنًا مع عدد القوات المسلحة الخليجية، والتزمت بسياسة دفاعية فقط للدفاع عن سيادتها وحدودها ومقدراتها وليس الدخول في حروب هجومية. كما انتهجت سياسات عقلانية مع دول الجوار أدت إلى حالة وفاق مع الجار الشرقي المطل على الخليج العربي وهو إيران لإنهاء فترة من التوتر، وبالتوازي مع ذلك وضعت دول الخليج نصب أعينها هدف التنمية والبناء والاستفادة من عائدات النفط والغاز، لبناء اقتصادات قوية وتوسيع القاعدة الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل وإيجاد تنمية حقيقية لخدمة الشعوب بتأهيل الكوادر والكفاءات البشرية المؤهلة والمدربة القادرة على حمل لواء مسيرة النهضة الشاملة التي تعيشها دول الخليج.

وبقدر ما استفادت دول مجلس التعاون من توظيف عائدات النفط لخدمة مصالحها واستراتيجياتها المستقبلية، استفادت أيضًا من تجارب الدول الأخرى التي خاضت حروبًا لم تحقق منها شيئًا سوى إهدار مقوماتها وبعثرة مقدراتها في مغامرات غير محسوبة ، لذلك لم تكرر هذه التجارب الفاشلة، وساعد دول الخليج على تجنب هذه المغامرات قدرتها على تحديد المخاطر والتهديدات التي تواجهها بدقة ومن ثم وضعت أولويات المواجهة بالطرق المناسبة وبما يناسب احتياجاتها وقدراتها على تنفيذ خططها ومشاريعها.

لذلك جاءت الرؤية الخليجية للأمن الإقليمي التي اعتمدها المجلس الوزاري في دورته 158 بتاريخ 3 ديسمبر الماضي، وأعلنت عنها وزارة الخارجية السعودية في 26 يناير من العام الحالي، معبرة عن احتياجات دول الخليج من المشروع الأمني ومنسجمة مع مواقفها السياسية تجاه المنطقة والعالم، فهي تضمنت في أولى بنودها حل الخلافات عبر التفاوض والحوار وتجنب تداعيات الحروب، ثم عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، ودعم جهود تفعيل مبادرة السلام العربية وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وتطوير القدرات الذاتية وتعميق الشراكات للحفاظ على الأمن البحري وأمن الممرات المائية، وإيجاد الحلول الفاعلة للتغير المناخي، وتعزيز مبادئ التعايش والاحترام المتبادل مع دول العالم. وهذه الأهداف جاءت داعمة للأمن بمعناه الشامل الذي يؤسس للاستقرار وإرساء السلام في المنطقة وإخلائها من أسلحة الدمار الشامل وحل المشكلات بالتفاوض والحوار وليس بالقتال والصراع المسلح ونزع فتيل الصراع الأيديولوجي والصدام بين أتباع الحضارات والديانات والمذاهب لذلك ركزت الرؤية على بندين مهمين في هذا الصدد هما حل الخلافات بالتفاوض والحوار وتعزيز مبادئ التعايش السلمي والاحترام المتبادل مع العالم، وهنا يجب على دول الجوار والعالم التعامل مع دول الخليج والمنطقة بالمفهوم الذي تدعو إليه الرؤية، وبدء العمل الجماعي الجاد لإيقاف الحرب على غزة وتفعيل المبادرة العربية للسلام وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود ما قبل 5 يونيو عام 1967م، وحل المعضلات في اليمن والسودان وليبيا وسوريا، وغيرها، وأن تتعامل إيران بهذه الروح مع دول مجلس التعاون  والتخلي عن مشاريعها التي أثبتت عدم جدواها لمسايرة توجه دول المنطقة نحو الاستقرار والسلام والتنمية والبناء.    

مقالات لنفس الكاتب