array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 196

التكامل الخليجي فرصة لبناء صرح تكاملي تجعل الإقليم منطقة صناعية وتكنولوجية متقدمة

الأحد، 31 آذار/مارس 2024

تعتبر قضية الأمن، هاجس دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاستراتيجي الأول. بدايةً: كان إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية (٢٥ مايو ١٩٨١م)، لدواعٍ أمنية، ذات أبعاد استراتيجية خطيرة وناجزة، حفزها اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، التي عرفت بحرب الخليج الأولى، التي استمرت لثمانَ سنوات (٢٢ سبتمبر ١٩٨٠ – ٢٠ أغسطس ١٩٨٨م). قد لا يكون اندلاع تلك الحرب مفاجأة لدول المجلس، فكل الدلائل كانت تشير أن منطقة الخليج مقدمة على مرحلة عدم استقرار خطيرة، نتيجة لاندلاع الثورة الإسلامية، بزعامة الخميني، في إيران (٧ يناير ١٩٧٨ – ٢١ فبراير ١٩٧٩م). أخذ الأمر قرابة السنة لاقتلاع نظام الشاه والإتيان بنظام الملالي بزعامة الخميني، بأجندة الأخير الخطيرة والمنذرة بقدوم موجة عنف عارمة، ما شهدته إيران خلال اشتعال جحيم الثورة من سقوط أعتى أنظمة الحكم تطلعاً للهيمنة الإقليمية، في المنطقة، قد لا يُقارن بما قد يحدث للمنطقة من عدم استقرار عنيف، لن يقف عند منطقة الخليج العربي، قد يتعداه إلى منطقة الشرق الأوسط، شرق السويس، من تركيا شمالاً إلى باكستان جنوباً، وقد يعبر قناة السويس إلى منطقة شمال إفريقيا، حتى سواحل المحيط الأطلسي، غرباً.

لم يخف شاه إيران أطماعه التوسعية، في منطقة الخليج العربي، حتى أنه أطلق على نفسه وسَوقَ لنظامه بأنه: ضابط شرطة منطقة الخليج العربي، كما لم يخف صلاته القوية بالدول الاستعمارية التقليدية، بالذات زعيمة ما يسمى بالعالم الحر، في عهد نظام الحرب الباردة (الولايات المتحدة الأمريكية). الأخطر، وما له علاقة بأمن دول الخليج العربية، وبالأمن القومي العربي بصورة عامة، علاقة الشاه الوطيدة بإسرائيل. كانت إيران، في عهد الشاه أول دولة إسلامية تعترف وتقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ١٩٥٠م، إلا أنها أغلقت سفارتها في تل أبيب، عام ١٩٦٠م، وأغلقت كل صلاتها بإسرائيل، قبيل نجاح الثورة (١٩٧٩م (. إلا أن العلاقات توطدت بين البلدين، طوال فترة حكم الشاه، ولم تقتصر على المستويات الدبلوماسية، بل تعدتها إلى مستويات اقتصادية وعسكرية متقدمة. كانت إيران المصدر الرئيس للنفط لإسرائيل، بل وصل التعاون العسكري بين البلدين لبناء صناعة عسكرية مشتركة، لإنتاج صاروخ إيراني إسرائيلي مشترك.

قطع نظام الملالي بعد الثورة كل علاقاته مع إسرائيل، واحتضن القضية الفلسطينية، وجرى استقبال كبير لياسر عرفات في طهران بعد انتصار الثورة، بستة أيام! وإن كان أبو عمار مفرطًا بتفاؤله بالتحول الذي حدث في إيران الثورة، وتوج بتحويل مقر السفارة الإسرائيلية في طهران مقراً للتمثيل الدبلوماسي لمنظمة التحرير الفلسطينية في طهران. سرعان ما تدهورت العلاقات بين طهران الملالي وياسر عرفات، عندما انحاز الأخير للعراق في حربه مع إيران.. وعندما عارضت طهران مساعي منظمة التحرير الفلسطينية التوصل لاتفاقات سلام مع إسرائيل، عندها تحول تأييد طهران لمنظمة التحرير الفلسطينية للفصائل الإسلامية، وفتح أبواب خلفية للولوج إلى دهاليز القضية الفلسطينية، بما يتجاوز التعبير عن الغضب من ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، إلى الإصرار المباشر، بالأمن القومي العربي.

كان أخطر ما جاءت به ثورة الخميني المسماه بالإسلامية، ما أطلق عليه، حينها: مبدأ تصدير الثورة. بمعنى: إيران أخيراً، أفصحت، بما لم يكن يجرؤ عليه شاه إيران، بإحياء التطلعات التوسعية لنظام الملالي في طهران، عن طريق محاولة تصدير الثورة لمجتمعات جيرانها العرب. الأخطر، من الناحية الاستراتيجية هنا، في مبدأ تصدير الثورة الذي رفعت رايته ثورة الملالي في طهران، أنه كان إحياءً لإرثٍ تاريخيٍ للفرس ضد العرب، باستخدام عباءة الإسلام للتستر وراءها، لإحداث أمرين كلاهما جلل من الناحية الاستراتيجية. الأول: تطبيق استراتيجية توسعية في المنطقة، تخترق الحدود الطبيعية والجغرافية والتاريخية، من البوابة الشرقية للعالم العربي، وصولاً لمنطقة العمق الحرجة للأمن القومي العربي، شرق السويس، لتلتقي في تلك النقطة الأطماع التوسعية الإيرانية والإسرائيلية في أرض العرب ومواردهم. الثاني: تحقيق حلم الثأر من العرب، الذي ظل يقض مضاجع الفرس، لأربعة عشرة قرناً، عندما قوض العرب إمبراطورية آل ساسان، ليدخلوا الإسلام إلى قلب أهل فارس، قبل أن يفتحوا بلاد الفرس. لم ينس ملالي الثورة الخمينية معركة القادسية الحاسمة، بقيادة سعد بن أبي وقاص، التي سبقتها انتصارات خالد بن الوليد عند فتح العراق.

المخاطر الخارجية على أمن الخليج

لو نظرنا إلى خريطة منطقة الخليج العربي، خاصةً دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، نجدها لوجستياً محاطة بتضاريس جغرافية وعرة، بل لنقل، من الناحية الاستراتيجية (عدائية). حرب الخليج الأولى كانت تعكس خطراً استراتيجياً، ذا طبيعة ثقافية وتاريخية خاصة جداً ودقيقة، بل وحتى ناجزة. العربُ تاريخياً، لم يكونوا يأمنون لجيرانهم، في الشرق. حتى بدخول الإسلام في مجتمعات الشرق، بالذات الفرس.  كان الشرقُ يمثل تاريخياً واستراتيجيًا الخاصرة الرخوة لعرب شبه الجزيرة العربية، حتى منطقة الهلال الخصيب وجنوب الأناضول، وصولاً لشرق السويس ومنطقة شرق المتوسط، بل إلى ما وراء ذلك في العمق العربي السني، مروراً بالشمال الإفريقي وبلاد الساحل في منطقة الصحراء الكبرى، وحتى الشمالية الشرقية للمحيط الأطلسي.

في الشرق نشأت فرق الخوارج والمعتزلة، وتمترست طوائف الشيعة المتعددة. ومن الشرق دخلت العناصر غير العربية، إلى بلاط الخلافة العربية، بالذات في عهد الخلافة العباسية. ومن الشرق دخل التتار، وأسقطوا الخلافة العباسية، ولم تعد بعد سقوط بغداد في أيدي التتار الخلافة الإسلامية للعرب، أبداً. مع ذلك صمد حمى العرب الإسلامي السني، شرق الفرات، حتى المحيط الأطلسي، بطول الساحل الجنوبي للبحر المتوسط، بدايةً من مصر وحتى المغرب العربي، مروراً بليبيا وتونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا.. وجنوباً بعمق شبه الجزيرة العربية.

لكن لم تكن هذه المنطقة، با تساعها، في العصر الحديث آمنة، بالنسبة للدول العربية المطلة على الساحل الغربي للخليج العربي، بالذات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. التحولات الجيوسياسية، بخلفياتها الأيدلوجية، شكلت تحديات أمنية، حقيقية ومحتملة، بدايةً من القرن الماضي. أكبر كيان سياسي، يعود الفضل لتأسيسيه، لقيادة سياسية فذة لرجل واحد هو: جلالة الملك عبد العزيز بين عبد الرحمن آل سعود. الملك عبد العزيز، بنفاذ بصيرةٍ فذة، رأى حركة التاريخ تنطوي أمامه، معطيةً له الفرصة التاريخية السانحة، ليكون آخر الفاتحين العظام، منشئاً المملكة العربية السعودية، بمساحةٍ تزيد عن ثلثي مساحة شبه الجزيرة العربية.

الملك عبد العزيز فطن إلى أن التحديات الأمنية لمملكته الفتية، لم تأت من تواجد القوى الاستعمارية، في المنطقة، خاصةً تلك المحيطة بجنوب شبه الجزيرة العربية والركن الجنوبي الغربي من الخليج العرب، بل كانت بؤرة التحدي الرئيسية تأتي من الشمال، بالذات من منطقة بادية الشام والعراق. حكام الحجاز من أشراف مكة، تم إخراجهم من شبه الجزيرة العربية، إلا أنهم استقروا على حدود المملكة العربية السعودية، شمال شبه الجزيرة العربية، مفعمين بمرارة الخروج المذل، طامعين في العودة، متى سنحت لهم الفرصة من ذلك.  

غزو العراق للكويت في الثاني من أغسطس ١٩٩٠م، كان بمثابة ثوران البركان الذي كان يعتمل في المنطقة، من بداية القرن الماضي، حتى جاءت ساعة ثورانه، ونفث حممه، بغزو الكويت، وما كان له أن يقف، بدون تدخل أممي حاسم.

التحدي الثاني، الذي واجهته منطقة الخليج العربي، ولم تتشكل معالم دوله، بعد، هو: تحدي أيدلوجي في المقام الأول من تداعيات عهد الحرب الباردة، بدعوى التقدمية والتمدين، ضد ما أسموه الرجعية والتخلف! كان المد القومي، في نهاية الخمسينات وبداية الستينات، هو التيار الغالب في النظام الإقليمي العربي، على المستويين الرسمي والشعبي. جاء الخطر هذه المرة من الجنوب، لا من الشمال. ما يسمى بثورة اليمن (سبتمبر ١٩٦٢م)، كانت بمثابة تعويضًا عن فشل المد القومي، في الشمال، بفشل الوحدة المصرية السورية (١٩٥٨ – ١٩٦٠م). اليمن لم يكن نقطة الحدود الرخوة لدفاعات منطقة الخليج العربي، في تلك الفترة فحسب، بل استخدم لاحقًا، من قبل ملالي طهران، مستغلين البعد الطائفي للصراع، ليعيدوا سيناريو استراتيجيتهم التوسعية، هذه المرة من الجنوب، امتداداً لتوسعهم، بعد الاحتلال الأمريكي للعراق (٢٠٠٣ م)، في العراق وسوريا، ليطبقوا كالكماشة على منطقة الخليج العربي، من الشمال والجنوب معاً.

باختصار الخطر الخارجي على منطقة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، محيطٌ بهم، بإحاطة الخليج العربي، شمالاً، بامتداد حدود شبه الجزيرة العربية الشمالية.. وشرقاً بوجود الجار الطامع في أرضهم وثرواتهم مدفوعاً بثارات تاريخية يصعب عليه نسيانها، وجنوباً بجبهة اليمن، التي لطالما كانت تهديدًا للعرب، من خصومهم وأعدائهم الإقليميين، من قبل الإسلام، وحتى اليوم. ولا ننسى، في هذا المجال، إسرائيل، التي تحاول تحقيق أطماعها التوسعية في المنطقة، ما فشلت تحقيقه بالقوة. التطبيع مع إسرائيل في المرحلة القادمة، يشكل أكبر خطر واضح وناجز على أمن دول الخليج العربية والأمن القومي العربي، انطلاقًا من إجراءات التطبيع، التي بدأت فعلاً من خلال دولة عضو في المجلس.  

التنافس داخل أعضاء المجلس

في حقيقة الأمر دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لا يواجهون فقط تحديات أمنية خارجية، بأبعاد استراتيجية ممتدة وخطيرة، فقط… بل أيضاً يواجَهون بتحديات داخلية، لا يمكن الاستهانة بخطورتها الأمنية على الجميع، إذا ما استمرئ تجاهلها.. والقفز عليها، والاستهانة بخطورتها السياسية والأمنية.

ليس فقط الهاجس الأمني لدول المجلس، الذي حفز إنشاء تجمعهم الإقليمي، فحسب… بل هنك تطلعات طموحة لتكامل إقليمي فاعل وكفء، يعزز من أواصر التعاون بينهم.. ويدعم من قوة الردع الجماعي لديهم، ويضمن استقراراً مستداماً لمجتمعاتهم.. وازدهاراً ونفوذاً لدولهم.

أكثر من أربعين عاماً مضت على تجربة مجلس التعاون لدول الخليج العربية مضت، ولم تنشأ بينهم بعد، مؤسسات إقليمية تكاملية، تعضد من أواصر التعاون بينهم، دعك من دفعهم للاقتراب من صيغ أكثر تقدماً للتكامل الإقليمي الفاعل بينهم، ولا نقول الانتقال من مرحلة التعاون، إلى الاتحاد، لتظل صيغة الوحدة بين دولهم بعيدة المنال.

هناك قيم ومصالح مشتركة بين دول المجلس توفر الأرضية الصلبة لتعاون وتكامل إقليمي فاعل، في شتى النواحي الأمنية، والسياسية، والاقتصادية، والتنموية. سياسياً: دول مجلس التعاون تشكل فيما بينها تكتلا إقليمياً، يحظى بتجانس سياسي بين أنظمة الحكم، لا يتوفر في أي تكتل إقليمي آخر، نجحت بين أعضائه صيغة التكامل الإقليمي، بمستويات متقدمة، حتى أنها قضت على بؤر الصراع التاريخي في داخلها، حتى أصبح اللجوء إلى الحرب، من رابع المستحيلات، في تسوية الخلافات فيما بينها، مثل ما هو الحال في تجربة دول الاتحاد الأوروبي.

 دول المجلس تحكم مجتمعاتها مَلَكيات تقليدية مستقرة، تتمتع بشرعية داخلية، تحكمها قيم اجتماعية وقبلية ودينية وطائفية إلى حدٍ كبير، توفر استقراراً مطلوباً لمتطِلبات التنمية والنمو، بما لا يتوفر في أي تجمع تكاملي إقليمي آخر، في المنطقة، حتى على مستوى النظام العربي.

دول المجلس، تتمتع أيضاً مجتمعاتها بمستويات اقتصادية وتنموية عالية، تجد في تجربة التكامل الإقليمي، فرصاً واعدة لبناء صرح تكاملي إقليمي، بقيم مضافة هائلة، تجعل من إقليمهم منطقة صناعية وخدمية وتكنولوجية متقدمة، تجتذب رؤوس أموال أجنبية ضخمة، للاستثمار في قطاعات عريضة من التنمية، تساهم بصورة إيجابية واعدة في تعدد مصادر الدخل، بعيداً عن الاعتماد الكلي على موارد الطاقة الإحفورية، التي لابد أن يأتيها وقت لتنصب. هناك فرص توسع للدخل القومي للجميع، في مجالات الصناعة والخدمات والسياحة والتكنلوجيا، وحتى الزراعة، رغم الطبيعة القاسية للمناخ، في هذه الدول.

التعاون، لا يعني غياب التنافس. نقصد بالتنافس الحميد، وليس التنافس الضار. التكامل الاقتصادي، هو في النهاية تحفيز لآلية وقيمة التنافس، بما يفيض بالفائدة العميمة على الجمبع. كل عضو في المجلس، لابد أنه يتمتع بميزة تنافسية عن الأعضاء الآخرين، في أوجه التكامل الإقليمي المختلفة. هذا التنافس، فيما يخص الميزات التنافسية التي يتمتع بها كل عضو من أعضاء المجلس، هي في نفس الوقت تكمل نقصاً ما عند الأعضاء الآخرين. فالميزات التنافسية، بين أعضاء المجلس، عن طريق صيغة التكامل الإقليمي، تتكامل فيما بينها، لتنتج في النهاية تكتلاً تكاملياً يستفيد استفادة قصوى من الموارد المتاحة (الحقيقية والمحتملة) عند الجميع، وفقاً لما يتمتع به كل عضو من ميزانية تنافسية لا تتوفر عند الجميع.  

حتى على مستوى الاستثمارات في الخارج، يجب أن تقوم على مبدأ الميزات التنافسية لكل عضو في المجلس، ليحدث التكامل على مستوى استثمارات الأعضاء الخارجية، ليسهم في النهاية بزيادة ثروة التجمع الإقليمي، ككل. حتى في محاولة جلب الاستثمارت الخارجية، يجب أن تعتمد، بصورة أساسية على الميزة التنافسية لكل عضو في قطاعات التكامل المختلفة.

لكن التنافس في المجالات الاقتصادية والتنموية، يجب ألا يمتد إلى القضايا السياسية، خاصة الشائكة منها، حتى لا تتحول إلى صراع يبطء من حركة التكامل الإقليمية، إن لم يوقفها. بدايةً: يجب أن تقوم صياغة التكامل الإقليمي، بما تتضمنه من تنسيق أمني على مبادئ وأسس سياسية مشتركة وواضحة ومجمعٌ عليها.

مع احتفاظ كل عضو، بحقوقه وامتيازاته السيادية، كدولة مستقلة ذات سيادية، يجب ألا تتطور أي صيغة تكاملية، لأي مجموعة من الدول، إلى ما من شأنه الانتقاص من سيادة العضو في إدارة سياسته الداخلية والخارجية، بما يتوافق مع حقه بممارسة السيادة المطلقة، فيما يتخذه من قرارات أو سياسات، ذات صبغة سيادية. لكن هذا لا يعني أن تكون هناك خطوط عريضة للتعامل مع القضايا الأمنية والسياسية، خاصةً على مستوى حركة السياسة الخارجية، تقوم أساساً على مبادئ عامة ملزمة للجميع.

على سبيل المثال: لا يجب أن يفهم من أي صيغة للتكامل الإقليمي، على أنها إجازة للتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة عضو، على مستوى مؤسسات التكامل الإقليمي، ولا على مستوى الأعضاء الآخرين، مهما بلغ ثقلهم في معادلة التكامل الإقليمي. كما أنه فيما يخص القضايا الكبرى، التي تلتزم بها الدول الأعضاء، ويرون أنها وثيقة الصلة بمصالحهم وأمنهم القومي، يجب أن يتُعامل بها ومعها بصيغة التعاطي الجماعي، ولا تترك لاجتهادات كل عضو على حدا.

كما أن صيغة التكامل الإقليمي، لا تعني زوال الخلافات بين الدول الأعضاء، بل تعني الاعتراف وحتى القبول بتطور الخلافات بينها حول القضايا الجماعية أو البينية أو القومية، بأشكالها ومسمياتها المختلفة، لكن لابد في مثل هذه الحالات النزول إلى ما تقول به مؤسسات التكامل الإقليمي، بدايةً بالنظام الأساسي وما تم الاتفاق عليه من آليات التعامل مع هذه الخلافات، إن نشأت، مع الابتعاد لدرجة التحريم اللجوء إلى القوة أو التهديد بها، وتعظيم دور آلية التفاوض والنقاش والقبول بمبدأ التسويات، بعيداً عن أيةِ إجراءات عنيفة. هذه النقطة مهمة جداً وقد أشارت إليها (رؤية دول الخليج للأمن الإقليمي)، التي اعتمدها المجلس الوزاري الخليجي في دورته (١٥٨). لعل وزراء خارجية دول المجلس عند مناقشتهم واعتمادهم لرؤيتهم الأمنية، كان في ذهنهم ما عرف بأزمة مقاطعة قطر (٥ يونو ٢٠١٧ – ٥ يناير ٢٠٢١م) وكانوا مصممين على عدم تكرارها.

تحديات الأمن وإمكانات الردع

دول مجلس التعاون الخليجي، يواجهون تحديات خارجية وداخلية، تصب في الأضرار بأمن دولهم..  ورفاهية شعوبهم، واستقرار منطقتهم، ذات الاستراتيجية الكبرى، بالنسبة للمنطقة والعالم. إلى حد الآن صمدت دول المجلس، منذ إنشائه أمام أخطار إقليمية أحاطت بهم، إحاطة السوار بالمعصم، لأكثر من أربعة عقود، حتى قبل أن ينشئوا كيانهم الإقليمي، بصورة رسمية. لكن التحديات الخارجية، رغم خطورتها الاستراتيجية، لم تهدد بصورة مباشرة دول المجلس، بقدر ما هددته تجربة المقاطعة، التي كادت تعصف بتجربتهم التكاملية، في أزمة يونيو ٢٠١٧م، واستمرت لقرابة الأربع سنوات. كانت، تلك السنوات الأربع، بالفعل سنوات عجاف، كادت أن تفرط عقد تكتلهم التكاملي الإقليمي، لو الحكمة السياسية، التي سادت دول المجلس، تصدت من خلالها لتلك "الفتنة" الإقليمية، إن جاز تسميتها بالفتنة.

لكن التصميم، الذي أبداه قادة المجلس، بألا تتعدى تلك "الفتنة" حدود ومحاذير الغاية السياسية والأمنية، من إنشاء مجلسهم، أسفر عن نجاح منقطع النظير، لإصرارهم مواصلة المسيرة.. والعمل على تجاوز تلك الفتنة، والتعهد، بعدم تكرارها، تأكيداً لمبدأ المصير المشترك.. وتحقيقاً لرؤية دول المجلس للأمن الخليجي، الذي يبدأ من تحييد المتغيرات السلبية، التي تعترض مسيرة المجلس، خاصةً تلك التي قد تتطور من داخل أروقة ودهاليز المجلس، نفسه.

كما أنه في غياب وجود قوة ردع فاعلة لحماية حمى منطقة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بإمكانات ردع ذاتية، إلا أن تعامل دول المجلس مع حروب الخليج المتتالية، بما فيها حرب غزو العراق للكويت، حيث توجت جهودهم في النهاية بتحرير الكويت، وعودتها لعضوية المجلس وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة، لهو إنجازٌ يظهرُ عن إمكانات ردع كامنة، باستخدام قدرات ردع حاسمة اشترك فيها العالم بأجمعه، لاستعادة الهوية الدولية لدولة الكويت. إمكانات الردع لا تعني، في النهاية، توفر قدرات قتالية ذات إمكانات ردع فاعلة، بموارد ذاتية خالصة، لكن قوات الردع هذه يمكن الحصول عليها من قبل أشقاء وأصدقاء، يمكن الاعتماد عليهم والاستثمار في صداقتهم، لاستدعائها عند الضرورة، وإن كان ذلك لا يعني ضروة وجود إمكانات ردع ذاتية، نابعة من موارد المجلس وقدرات شعوبه.

قوة الردع الذاتية :هناك بنى تحتية سياسية واستراتيجية ومؤسساتية يمكن تسخير مواردها لإنشاء قوة ردع خليجية كفوء وفاعلة. بموجب تفعيل اتفاقات الدفاع المشترك، التي تحدثت عنها الرؤية الأمنية الأخيرة، يمكن بناء قوة ردع كفوء وفاعلة، لمواجهة تطورات أمنية، قد تطرأ في أي لحظة، أو حتى ردعها، حتى لا تتفاعل بصورة طائرة، بل وحتى تكون كافية لردع الأعداء والخصوم الإقليميين، من مجرد التفكير في العبث بالأمن الإقليمي، لدول المجلس.

كما هناك إمكانية عقد اتفاقات أمنية، ذات طبيعة استراتجية، مع أصدقاء إقليميين ودوليين، تستثمر من خلال قنوات التعاون المصلحي المشترك مع تلك الجهات لخلق شكل من أشكال المصلحة المشتركة الحفاظ على أمن دول المجلس، ضد أية تهديدات حقيقية أو محتملة لأمن دول المجلس.

أمن منطقة الخليج العربية، بالذات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ذو أهمية استراتيجية عليا، ليس فقط لأمن المنطقة، بل أمن واستقرار وسلام العالم، بأسره. هذه حقيقة استراتيجية وتاريخية، يعيها العالم بأسره. هذه المنطقة التي تعرف في أدبيات الاستراتيجيات الحديثة، بأنها عنق العالم، الذي يتنفس منها العالم، والتي يمكن أن يخنق بها العالم، أيضاً. طالما نعمت هذه المنطقة بالأمن والاستقرار والسلام، نعم العالم، بأسره، بالأمن والاستقرار والسلام.

مقالات لنفس الكاتب