array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 197

الإصرار على المعادلة الصفرية بمكاسب كاملة لطرف وخسائر كاملة للآخر يطيل أمد الحرب

الإثنين، 29 نيسان/أبريل 2024

ما بين المفهوم الاستراتيجي لحلف الناتو الصادر عام  2010م،  وجاء فيه "أن الناتو لا يشكل تهديداً لروسيا " داعياً" إلى "شراكة استراتيجية حقيقية بين الجانبين" وبين مفهوم الحلف الاستراتيجي الصادر عام 2022م،  والذي جاء في مقدمته" أن ذلك المفهوم يصدر في وقت حرج لأمن دول الناتو" وأن" الحرب الروسية على أوكرانيا أدت إلى زعزعة السلام وتغيير البيئة الأمنية بما يؤكد مجدداً على أهمية الهدف الأساسي لحلف الناتو وهو الدفاع الجماعي"  لحماية "مليار نسمة هم مواطني دول الناتو" ، تساؤلات كثيرة تفرض ذاتها  منها هل دخل العالم في مناخ حرب باردة جديدة مصلحياً وليست أيديولوجياً على غرار سابقتها بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي قبل انهياره في مطلع التسعينيات من القرن الماضي؟ أم أن ذلك مخاض لهيكل أمني جديد في أوروبا؟ بل والأهم هل ما يحدث في تلك البقعة الجغرافية البعيدة نسبياً عن منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي لن يكون ذي صدى سواء حالياً أو حتى في المستقبل القريب؟ ويستهدف هذا التحليل الإجابة عن تلك التساؤلات.

 أولاً: مصالح حلف الناتو التوسعية ومعضلة روسيا الأمنية

 يقول الدكتور محمد عزيز شكري في كتابه المعنون" الأحلاف والتكتلات في السياسة العالمية" الصادر عام 1978م، ضمن سلسلة عالم المعرفة التي تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت أن “التحالفات هي وظيفة ضرورية لتوازن القوى تعمل في دول العالم المتعددة، لذلك فهي قديمة قدم انقسام العالم إلى كيانات سياسية تتصارع على القوة والنفوذ"، وعلى الرغم من وجود تعريفات لاحقة للتحالفات بل ورسائل علمية تم إعدادها بهذا الشأن فإن ذلك التعريف يعبر وبوضوح عن أصل التحالفات وأهدافها حيث أنها ذات صلة وثيقة بمسألة توازن القوى، فالولايات المتحدة أكبر دولة في حلف شمال الأطلسي “الناتو" هي من دعم تأسيس الحلف عام 1949م، كأداة أمنية لتحقيق توازن القوى في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية بالتوازي مع الأداة الاقتصادية وهي مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد تلك الحرب إذ تأسس الناتو لاحقاً لتأسيس حلف وارسو الذي تأسس عام 1955م، وهذا الأخير بدوره تأسس رداً على انضمام ألمانيا الغربية لحلف الناتو في العام ذاته بما يعنيه ذلك من أن التحالفات والتحالفات المضادة تأتي في إطار إما الحفاظ على توازن القوى أو تكريس الخلل في توازن القوى الذي يعد الأساس الراسخ لتحقيق الأمن الإقليمي في منطقة ما، ومما يؤكد ذلك أنه خلال حقبة الحرب الباردة كانت دول العالم تدور في فلك قوتين عظميين ضمن صراع أقرب ما يكون منضبطًا صحيح أن ذلك الصراع كاد أن يخرج عن السيطرة أحياناً  خلال   أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962م، عندما قام الاتحاد السوفيتي بنصب صواريخ نووية في كوبا التي تبعد 90 ميلاً عن سواحل ولاية فلوريدا  الأمريكية في ذروة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي آنذاك  إلا أن الطرفين نجحا في نزع فتيل أزمة على مدى 13 يوماً كادت أن تضع العالم على شفا مواجهة نووية، إلا أن جذور الصراع بين حلف الناتو وروسيا الذي بلغ ذروته مع بداية الحرب الروسية- الأوكرانية في فبراير 2022م ، تعود إلى السنوات التي تلت انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990م، والتي أدت إلى سيادة نظام أحادي القطبية كانت حرب تحرير دولة الكويت في فبراير عام 1991م، ثم الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، ساحتين شرق أوسطيتين لاختبار ملامح ذلك النظام وقوته، إلا أن سعي الناتو للتمدد والتوسع من خلال ضم جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق كان التحدي الأكبر لروسيا وخاصة في دول اعتبرتها روسيا "مناطق تماس استراتيجي" ومنها أوكرانيا التي كانت في سبيلها للانضمام للحلف قبل اندلاع  الحرب الروسية- الأوكرانية منذ عامين فمنذ عام 1949م، وحتى عام 2024م، زاد عدد أعضاء الناتو من 12 إلى 32 عضواً خلال عشر جولات من توسع الحلف و انضمام كل من فنلندا والسويد كأحدث عضوين ،وذلك وفق أساس قانوني يتمثل في المادة العاشرة من ميثاق حلف الناتو  والتي تمنح الحق لأي دولة أوروبية الانضمام لهذا التحالف ويكون بإمكانها المساهمة في أمن دول الحلف بإجماع أراء الدول الأعضاء، وأساس عملي تمثل في برامج الشراكة من أجل السلام والتي أطلقها الحلف عام 1994م، بهدف  التعاون بين الحلف و الدول الأوروبية في ستة مجالات من بينها إصلاح قطاع الدفاع وكان ذلك أساساً مهماً لتأهيل تلك الدول وإعدادها لتكون أعضاء في الناتو خلال مراحل مختلفة وإذا كانت تلك هي مصالح الناتو في التمدد من أجل تطويق أو احتواء القوة الروسية التي وإن انتهت أيديولوجيا بيد أنها باقية نووياً بشكل يفوق قوة الغرب، فإن روسيا ربما قبلت ذلك التوسع على مضض بل كانت تطالب  صراحة بأن ذلك تهديد لها فالرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين قال خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الأمريكي بيل كلينتون آنذاك" نعتقد أن توسع الناتو شرقاً هو خطأ وخطأ فادح “، بل أنه كانت هناك أصواتًا من الغرب ذاته ترى أن استمرار تلك السياسة الأطلسية التوسعية  تعد استفزازاً لروسيا ورسالة واضحة بأن الغرب يسعى لـ "تطويق" روسيا وهو الأمر الذي أدى إلى بلوغ الصراع بين الطرفين إلى مستوى أزمة حافة الهاوية على الرغم من أن روسيا سعت لمأسسة الحوار مع الناتو من خلال تأسيس مجلس الناتو – روسيا  عام 2002م، كآلية لمناقشة القضايا الأمنية بين الجانبين ولكن تم تجميد أعماله قبيل الحرب الروسية- الأوكرانية ولم تستطع روسيا من خلاله الحصول على ضمانات أمنية، وتلك هي خلاصة الصراع، ففي مواجهة طموحات الناتو التوسعية ترى روسيا أنه يجب الحفاظ على مفهوم " الدولة العازلة" وهي مسألة استراتيجية في الصراعات الدولية فمع تأكيد ينس ستولتنبرج الأمين العام للحلف غير ذي مرة على أن دعوة الحلف لانضمام أوكرانيا أمر حتمي ولكن بعد انتهاء الحرب فإن ذلك سيكون تجاوزاً لما تعتبره روسيا “الخطوط الحمراء" في صراعها مع الحلف مع وجود تماس مباشر للحلف مع روسيا وما سوف يفرضه ذلك من مضامين وأدوات جديدة للصراع.

ثانياً: تأثير الحرب الروسية -الأوكرانية على منظومة الأمن العالمي والأوروبي 

عند بدايات الحرب الروسية- الأوكرانية عام 2022م، أثيرت الكثير من التحليلات وكان جلها إما أن الغرب يريد استدراج روسيا إلى صراع مفتوح في أوكرانيا بما يعني استنزاف القدرات الروسية على المدى البعيد أو أن ذلك بداية مواجهة عسكرية، ومع استبعاد الخيار  الأخير والذي يؤكده الخطاب المتبادل لكل من روسيا والناتو ،ففي  السابع والعشرين من مارس 2024م، قال  الروسي فلاديمير بوتين في حديث أمام عدد من الطيارين الروس أن" روسيا ليس لديها أي خطط تجاه أي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو" ،وأنها لن تهاجم بولندا أو دول البلطيق أو جمهورية التشيك" ولكنه أضاف “إذا قام الغرب بتزويد أوكرانيا بمقاتلات إف-16 فسوف تسقطها القوات الروسية" وقال “إن تلك الطائرات بإمكانها حمل أسلحة نووية ولكنها ستكون أهدافاً مشروعة لروسيا إذا انطلقت من دولة ثالثة"، وقد جاءت تلك التصريحات في أعقاب تصريح مهم للغاية صدر قبل أيام  من تصريحات بوتين أدلى به روب باور رئيس اللجنة العسكرية في الناتو  وقال" أن الحلف مستعد لصراع محتمل مع روسيا" وأضاف" لا نية لنشر قوات أطلسية على الأراضي الروسية وأن أحد شروط عضوية أوكرانيا في الناتو هو ألا تكون  هناك عمليات عسكرية على أراضيها".

ويعني ما سبق أننا لانزال أمام صراع محسوب لن يصل إلى حافة الهاوية وينطلق ذلك من ثلاثة عوامل مهمة  العامل الأول: توازن القوى بين الجانبين "التقليدي والنووي"،  فعلى الرغم من  أن  جيوش 7 دول فقط من الناتو وفي مقدمتها الجيش الأمريكي التي بلغت 32 مع انضمام السويد رسمياً تتفوق على الجيش الروسي الذي يحتل المركز الثاني في تصنيف جيوش العالم بعدد جنود يبلغ مليون و300 ألف جندي بيد أن المسألة لا ترتبط بالقدرات التقليدية فروسيا تتفوق نووياً بحوالي 6255 رأس نووي في مقابل 6056 لدى الناتو، ولكن لابد من الربط بين ذلك التصنيف التقليدي وتأثير الحرب الأوكرانية سواء على صعيد القدرات العسكرية للجانبين أو الخطط الاستراتيجية لتطوير تلك القدرات مستقبلاً، ففي التقرير السنوي لعام 2024م، الذي يصدره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن ويعتمد على مؤشرات موثوقة تضمن أن خسائر روسيا من الدبابات منذ بدء الحرب مع أوكرانيا بلغت 3000 دبابة وعلى الرغم من أن التقرير يؤكد قدرة روسيا على التحمل لمدة ثلاث سنوات أخرى قادمة بمعدل التسليح الحالي ولكن سيكون ذلك من حيث الكم على حساب الكيف والقدرات القتالية بالرغم من زيادة روسيا ميزانيتها الدفاعية الرسمية للعام 2024م، بأكثر من 60% بما يقدر بحوالي ثلث ميزانيتها الوطنية وربما تكون تلك النسبة قابلة للزيادة مستقبلاً وفقاً لمتطلبات الصراع، أما العامل الثاني فيرتبط بتأثر التقارب الروسي- الصيني على مضامين ومسارات ذلك الصراع، وهو ما يخشاه الناتو والولايات المتحدة على نحو خاص  ومن ثم لم يكن مستغرباً أن يشير المفهوم الاستراتيجي للناتو الصادر عام 2022م،- وهو عبارة عن وثيقة تضمن مراجعة أمنية لترتيب التهديدات وسبل مواجهتها – إلى الصين باعتبارها "تهديداً استراتيجياً" ومما جاء فيه" طموحات جمهورية الصين الشعبية المعلنة وسياساتها القسرية تتحدى مصالحنا وأمننا وقيمنا" وهو الأمر الذي أصبح موضوعاً لخطاب محتدم بين الولايات المتحدة أكبر أعضاء الناتو والصين، فخلال زيارة قام بها سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي  للصين في 9 إبريل 2024م، ولقاء نظيره الصيني وانغ يي الذي أكد على أن "بكين تعتزم العمل على تعزيز التعاون الاستراتيجي مع موسكو"  الأمر الذي وجد صدى سريعاً  لدى الولايات المتحدة التي حذرت على لسان كيرت كامبل نائب وزير الخارجية الأميركي المسؤول عن إعادة رسم السياسات الأمريكية تجاه آسيا "الصين بتحميلها المسؤولية إذا حققت روسيا مكاسب في أوكرانيا" وهو الأمر الذي رفضته الصين من خلال تأكيد ماو نينغ الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية بأن" بكين لا تقبل أي انتقاد أو ضغط، وترفض التدخل في التعاون الاقتصادي الصيني / الروسي"، أما العامل الثالث فيتعلق بمدى التوافق بين أعضاء الحلف ذاتهم بشأن دعم أوكرانيا وقدرات تلك الدول فعلى الرغم من أن وزراء خارجية الناتو وخلال اجتماعهم في 3 إبريل 2024م، أعلنوا مناقشة فكرة تأسيس صندوق بقيمة 108 مليار دولار لتقديم الدعم العسكري اللازم لأوكرانيا على مدى خمس سنوات كخيار بديل إذا ما تخلى ترامب عن دعم أوكرانيا حال وصوله للسلطة مجدداً- كما زعم- بالإضافة لخطة لدعم أوكرانيا في الصمود خلال مواجهتها مع روسيا، فإن ذلك الاقتراح يوجه صعوبات منها  عدم توافر موارد مالية كافية لدى حيث يكمن الخلاف الأساسي بين الولايات المتحدة وشركائها في الناتو في مدى التزامهم بتخصيص 2% من ناتجها المحلي الإجمالي للنفقات العسكرية في الناتو ،حيث تشير التقارير إلى أن هناك 9 دول من أصل 30 دولة هي من التزمت بتخصيص تلك النسبة للإنفاق الدفاعي عام 2022م، وقد شهد اجتماع وزراء خارجية الحلف المشار إليه تباينات حادة بشأن كيفية دعم أوكرانيا مستقبلاً.

 وعلى صعيد تأثير الصراع الروسي- الأوكراني على منظومة الأمن الأوروبي فالمسألة تبدو أكثر تعقيداً من حالة الناتو، فعلى الرغم من أن تهديد ترامب بشأن التخلي عن دعم حلفائه في الناتو ما لم يقوموا بسداد  التزاماتهم في ميزانية الحلف  لا يعدو كونه مفردات رائجة لحملته الانتخابية فإن مسألة أوكرانيا برمتها قرعت أجراس الإنذار بشأن "الانكشاف الأمني الأوروبي"  وما يثيره ذلك من حتمية إيجاد بديل أمني أوروبي، صحيح أن معظم  الدول الأوروبية وخاصة الصغرى منها والتي يتداخل عضوية 23 منها ما بين الناتو والاتحاد الأوروبي  لاتزال ترى في الناتو هو المظلة الأمنية الأهم ولكن تشير تطورات الأحداث إلى أن أوروبا بما تصبح بين مطرقة ترامب وسندان بوتين مما يحتم عليها تأسيس بديل أمني ذاتي أوروبي ولو بشكل تدريجي، ويرتبط ذلك بضرورة إحداث توافقات وتوفير موازنات وغيرها من الإجراءات، بل أن القناعات الأوروبية بشأن ذلك البديل الذاتي تفرضها ضرورات الواقع سواء التوتر في الشرق الأوسط أو في بحر الصين الجنوبي دون ردع أمريكي كاف أو على الأقل ضمان المصالح الأوروبية على المدى البعيد.

 ويعني ما سبق أنه من الصعوبة تحديد توقعات بشأن مدى الحرب وطبيعتها، فروسيا لديها موارد من شأنها إطالة أمد الحرب والغرب برغم التردد في دعم أوكرانيا فإنه يرى في هزيمتها تشكيل واقع أمني جديد في أوروبا.

ثالثاً: تأثير الصراع الروسي- الأوكراني على منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي 

ربما يبدو أن ذلك الصراع البعيد نسبياً على المستوى الجغرافي غير ذي تأثير على منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي إلا أن ذلك ليس صحيحاً، فكلا الطرفين يرتبط بمصالح وشراكات مع تلك المنطقة والتي انعكست وبوضوح في استراتيجياتهما  للأمن القومي أو تلك الاستراتيجيات الفرعية ذات الصلة بالأمن البحري، وتلك سمة لصراع القوى الكبرى  الذي لا يقتصر على منطقة بعينها بما يعنيه ذلك من تعزيز آلية المساومات، حيث تضمنت العقيدة البحرية الجديدة لروسيا والتي صدرت عام 2022م، خططاً جديدة لتطوير القدرات البحرية الروسية ،بالإضافة إلى الطموحات البحرية لروسيا في منطقة الشرق الأوسط والتي تتمثل في  أمرين الأول: أن  الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط يعد مهماً لضمان الأمن القومي لروسيا، والثاني: سعي روسيا لوجود نقاط ضمان لوجستية- فنية في البحر الأحمر وهي المنطقة ذاتها التي أعلنت الولايات المتحدة تأمين الملاحة البحرية فيها من خلال تأسيس  تحالف بحري" حارس الازدهار" في نهاية عام 2023م - ليس من بينها حلف الناتو- من ناحية ثانية فإن انشغال الولايات المتحدة بأكثر من جبهة ومن بينها أوكرانيا يتيح لمنافسيها الولوج لمنطقة الشرق الأوسط وتأسيس شراكات استراتيجية – ليست بديلة عن العلاقات مع الولايات المتحدة على الأقل في المدى المنظور- ولكنها يجب أن تؤخذ بالاعتبار ومنها توقيع مصر على شراكة استراتيجية شاملة مع الصين خلال الأعوام من 2024م- 2028م، في يناير 2024م، وذلك بعد مرور أقل من عام على رعاية الصين لاتفاق استئناف العلاقات السعودية- الإيرانية، فضلاً عن  تطور العلاقات المصرية- الروسية حيث تقوم روسيا بتنفيذ المشروع النووي السلمي لمصر، وفي يناير 2024م تم افتتاح الصبة الخرسانية الأولى التي ستستخدم كأساس للوحدة النووية الرابعة من محطة الضبعة للطاقة  النووية السلمية، ولا يقتصر الدور الروسي على مصر فقط حيث سعت  روسيا لبناء مركز دعم لوجستي في مدينة بورتسودان في عام 2020م، ناهيك عن الشراكات الروسية المتنامية مع دول الشمال الإفريقي عموماً وكذلك الخليج العربي وهما المنطقتان اللتان لدى حلف الناتو فيهما شراكتان وهما الحوار المتوسطي عام 1994م، ومبادرة استانبول عام 2004م، بل أن شركاء الولايات المتحدة الأوروبيين وبعد تردد دام  على مدى عقود رأوا أن الوقت قد حان لإطلاق استراتيجية للشراكة الأوروبية مع دول الخليج العربي في مايو 2022م، صحيح أن جلها القضايا الاقتصادية والتجارية ولكنها تمثل إطاراً جماعياً لدول الخليج ضمن شراكتها الدولية الأخرى.

ولعل الأمر المهم في سياق معادلة العلاقات الدولية الراهنة البالغة التعقيد هو أن دول المنطقة لا تنتظر نتيجة معادلة صفرية من ذلك الصراع، أي أنه يكون هناك طرف يحظى بنصر شامل والآخر يمنى بخسائر فادحة ، فهناك تأثيرات حدثت بالفعل سواء على صعيد الأمن الغذائي أو قطاع النفط في ظل اتفاق أوبك+(أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك" بالإضافة لروسيا) وتأثير قرارات ذلك الاتفاق على أسعار النفط العالمية ومن ثم العلاقات الخليجية- الغربية، من ناحية ثانية توجه بعض دول منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي للحصول على عضوية تكتلات اقتصادية دولية ، ففي  الأول من يناير 2024م، أعلنت مجموعة" البريكس" دعوة  دول جديدة للانضمام إلى عضويتها من بينها كل من السعودية و الإمارات ومصر  وهي الدعوة التي أثارت الكثير من الجدل، فالبريكس تجمع يضم عدة دول تجمعها مصالح مشتركة ولكن من بين أهدافها "مواجهة هيمنة الدولار الأمريكي" على الاقتصاد العالمي بما يعنيه ذلك من إعادة هيكلة النظام العالمي ذاته وخاصة أنه من بين أعضائها ما يمكن أن نطلق عليه" الدول المناوئة" للسياسات الغربية عموماً ومن بينها" روسيا، الصين" ،أما الدول الخليجية المرشحة فلديها شراكات أمنية ومجالات متنوعة للتعاون الاقتصادي مع الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي تعد هدفاً لسياسات البريكس على المدى البعيد ومع أن التصريحات الخليجية الرسمية أكدت وبما لا يدع مجالاً للشك أن الاعتبارات الاقتصادية وليست السياسية هي من تحكم ذلك القرار ومن ذلك تعليق الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء بأن "مجموعة البريكس ليست مجموعة ضد أمريكا أو الغرب"، فإن توجه دول الخليج العربي للحصول على صيغ مختلفة من العضوية في التكتلات الاقتصادية في مناطق مختلفة من العالم أضحت جزءًا من سياساتها الخارجية  ومنها بالإضافة لتجمع البريكس، تجمع دول جنوب شرق آسيا "الآسيان"، منظمة شنغهاي للتعاون، وهي تجمعات وإن لم  تكن مناوئة لقيادة الولايات المتحدة للنظام العالمي في الوقت الراهن ولكنها تضم دولاً تجمعها مصالح استراتيجية مشتركة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.

خلاصات الورقة

 

  • على الرغم من أن القضية الأساسية مثار الخلاف الجذري بين روسيا وحلف الناتو، هي إصرار الأخير على التمدد بضم دول ترى روسيا أنها تنهي الميزة الاستراتيجية بوجود مناطق عازلة فإن الحلف لم يعلن عزمه إنهاء هواجس روسيا بل أن تأكيد مسؤولي الحلف على أن انضمام أوكرانيا لعضوية الحلف مسألة وقت يعني أننا إزاء صراع محتدم وفي ظل التوظيف الكثيف للتكنولوجيا العسكرية "طائرات الدرونز" في ذلك الصراع، وقناعة طرفي الصراع على تحقيق المعادلة الصفرية أي مكاسب كاملة لطرف تكون هي خسائر كاملة للطرف الآخر، فإنه ربما سيكون طويل الأمد.
  • أكدت تطورات الحرب الروسية- الأوكرانية وما ترتب عليها من نتائج مباشرة على منظومة الأمن الأوروبي وكذلك الأمن العالمي أن ثمة تحولاً ولو نسبياً في هيكل منظومة الأمن العالمي والأوروبي، صحيح أنها لا تشي بنظام دولي متعدد الأقطاب، ولكنها على الأقل أتاحت للأطراف الدولية المناوئة للناتو والولايات المتحدة توظيف تداعيات تلك الحرب.
  • لم يكن لدى دول الشرق الأوسط والخليج العربي رفاهية الانتظار بشأن نتائج ذلك الصراع، بل حتمية القرار من حيث عدم الانحياز لطرف دون الآخر، بل القناعة بأن تلك التحولات – النسبية- في النظام العالمي تملي على تلك الدول الآن وأكثر من أي وقت مضى الانضواء في تكتلات الاقتصاد هو محركها الأساسي بما يؤمن لها أيضاً دعماً سياسياً من جانب الأطراف الدولية أعضاء تلك التكتلات.
مقالات لنفس الكاتب