شكل التهديد النووي بعدًا حاضرًا منذ اليوم الأول للأزمة الروسية الأوكرانية؛ على خلفية التلويحات الروسية بأشكال وطرق متنوعة بعدم استبعاد اللجوء للبديل النووي، وكذلك التحديات المرتبطة بمدى أمن وسلامة المنشآت النووية الأوكرانية، يُضاف لذلك وجود تداعيات للأزمة على ملفات نووية إقليمية، وتحديدًا الملف النووي الإيراني وغير ذلك.
ورغم أن التهديدات النووية ليست بالأمر الجديد على المستوى العالمي؛ وذلك على خلفية وجود العديد من الأزمات الإقليمية والدولية أطرافها من دول لديها قدرات نووية، إضافة إلى عدم الالتزام بالضمانات الأمنية الدولية التي تُشكل رادعًا في هذا الشأن، كما أن التهديد النووي الروسي لأوكرانيا ليس وليد الأزمة الراهنة، إلا أن التهديد والتلويح الروسي المستمر بصيغ متعددة باستخدام السلاح النووي في الحرب الأوكرانية رفع من درجة تهديد تلك الحرب للأمن والسلم الدوليين؛ إذ لم يشهد العالم منذ ستينات القرن العشرين (أزمة الصواريخ الكوبية) تهديدًا نوويًا حقيقيًا. بحيث تجاوزت الأزمة الروسية الأوكرانية تداعياتها على الأراضي الأوكرانية والدولتين الأطراف الرئيسة في الحرب لتصبح أزمة دولية أثرت على العالم بأشكال عدة ومناحي متنوعة.
وقد طرح هذا التهديد عددًا من الإشكاليات على المستويات الأمنية عالميًا. فمن ناحية يتنافى التلويح الروسي باستخدام السلاح النووي مع العقيدة النووية الروسية وحتى العقيدة النووية الصينية -الحليف لروسيا-، كما أن هذا الأمر يطرح تساؤلات بشأن الضمانات الأمنية الدولية خاصة أن تلك التهديدات ترافقت مع قيام روسيا بتعليق المشاركة في اتفاقية "ستارت-3"، وكذلك الإعلان الروسي في ديسمبر 2022م، باستكمال تحديث قدراتها النووية (البحرية والجوية والبرية) بنسبة 90% مع الإعلان عن الاستمرار في تطوير القدرات النووية الروسية. وهو ما أثار تساؤلات بشأن التداعيات على سياسات الردع النووي. كذلك وجود أبعاد إقليمية للأزمة في ملفات نووية سواء ما تعلق بالملف النووي الإيراني أو الإعلان الروسي عن الاتجاه لنشر أسلحة نووية تكتيكية على أراضي بيلاروسيا.
-الحرب الروسية/ الأوكرانية والردع النووي
تُشير التحليلات إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية وفيما يتعلق بالملف النووي مرت بمرحلتين، ترافقت المرحلة الأولى مع بداية إطلاق روسيا لحربها ضد الأراضي الأوكرانية، حيث تعمدت روسيا عدم الإعلان عن خططها العسكرية مع عدم الإعلان عن تحركات قواتها. وكانت بداية الهجوم العسكري نحو العاصمة الأوكرانية كييف، مع تجنب احتلال المدن مكتفية بالبقاء على أطراف العاصمة قبل أن تنسحب، أما القوات الأوكرانية فقد تحاشت الاشتباك المباشر، وكان الدعم العسكري الغربي في بدايته، كما كان محدودًا. أما المرحلة الثانية فقد شهدت رفع درجة الاستعداد النووي وكانت بداية الحديث عن اللجوء للبديل النووي، حيث ركزت فيها العمليات العسكرية الروسية على المنطقة الشرقية من الأراضي الأوكرانية، من خلال قيام القوات الروسية بالسيطرة على مناطق لوغانسك ودونيتسك بالشرق ومقاطعتي خيرسون وزاباروجيا بالجنوب. وتم الإعلان عن ضم تلك المناطق للسيادة الروسية. وبدأ يحدث تغيير لأوضاع القوات الروسية على الأرض. وقد تمثلت الخطورة في تلك المرحلة هي أن الجيش الروسي أعلن عملية الضم دون إكمال السيطرة على كافة أراضي دونيتسك.
وفي هذه المرحلة طُرحت فكرة احتمالية لجوء روسيا للسلاح النووي تحت مبرر الدفاع عن أراضي تم ضمها بالفعل لروسيا لتصبح أراضي روسية. حيث بدأ في تلك المرحلة التصعيد في الخطاب الروسي ومن ذلك التهديد في سبتمبر 2022م، باستخدام كافة الوسائل المتاحة لحماية الأراضي الروسية. وذلك قبل أن يعلن في الشهر ذاته عن ضم المناطق الأربع.
ورغم أن التهديدات الروسية باللجوء للسلاح النووي تأتي في إطار سياسة الردع النووي وهو ما يدركه الغرب تمامًا، إلا أن هناك العديد من النقاط التي يمكن الإشارة إليها. من بينها أنه من الخطأ ربط التهديد النووي الروسي لأوكرانيا بالحرب الأخيرة، فمنذ عام 2014م، كان الرئيس الروسي يلوح بتهديدات نووية ضد أوكرانيا. وبذلك فهذا ليس بالتهديد الجديد، وإن كان يأتي في سياق مختلف.
من ناحية ثانية، فقد كانت هناك تصريحات متناقضة بشأن هذا الملف، ففي نوفمبر 2022م، أعلنت الخارجية الروسية عدم جواز استخدام السلام النووي في الأزمة مع أوكرانيا. وفي مارس 2023م، صدر المفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية والذي لم يُشر إلى البعد النووي بشكل مباشر وإنما أكد على "ستستخدم روسيا الجيش لصد ومنع أي هجوم مسلح ضدها أو ضد أي من حلفائها". وكذلك "ستقوم روسيا بالتحقيق في التطوير المفترض للأسلحة البيولوجية والسمّية". أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعلى هامش مشاركته في منتدى سانت بطرسبرغ في يونيو الماضي، فقد أشار إلى أن بلاده ليست بحاجة لاستخدام السلاح النووي، وأن التفكير في هذا الأمر يقلل من إمكانية خفض عتبة استخدام الأسلحة النووية. قبل أن يصرح بعد أقل من تسعة أشهر وتحديدًا في مارس 2024م، أن بلاده مستعدة لاستخدام أسلحة نووية إذا تعرض وجود الدولة الروسية للتهديد. مُشيرًا إلى أن بلاده مستعدة لحرب نووية فنيًا وعسكريًا، لكن "ليس كل شيء يدفع باتجاهها في الوقت الحالي". مؤكدًا أن بلاده ستقوم بتجارب نووية إذا قامت الولايات المتحدة بالأمر ذاته.
من ناحية أخرى، وفيما يتعلق بردود الفعل الغربية، فقد غلب عليها التعامل بعدم مبالاة مع التهديد الروسي فرغم تهديد جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2022م، بالقضاء على الجيش الروسي حال لجوء الرئيس فلاديمير بوتين لاستخدام السلاح النووي، وكذلك تحذير ينس ستولتنبرغ، أمين عام حلف شمال الأطلسي، روسيا من عواقب وخيمة في حال شنت هجومًا نوويًا على روسيا. وكذلك تحذير مستشار الأمن القومي الأمريكي في سبتمبر 2022م، من عواقب كارثية بالنسبة لروسيا في حال لجوؤها لهذا البديل، وغير ذلك من التصريحات الغربية التي كانت مجرد رد فعل لتصريحات روسية، فمن الواضح وجود قناعة غربية بعدم جدية روسيا وهو ما اتضح بشكل واضح في ردود الفعل. حتى فيما يخص الجدل بشأن تزويد البنتاغون الأمريكي لأوكرانيا بذخائر عنقودية في يوليو 2023م، وذلك ردًا على ما أعلنه بأن روسيا تستخدم ذخائر عنقودية بشكل عشوائي في أوكرانيا، فإن التحليلات تُشير إلى أن تلك الذخائر لا تُعدّ سلاحًا نوويًا، كما أن وزارة الدفاع الأمريكية أعلنت أنها حصلت على ضمانات مكتوبة من أوكرانيا بعدم استخدام تلك الذخائر بشكل يضر المدنيين. وبذلك فرغم أن الغرب يتابع الوضع عن كثب، إلا إنه يدرك أن التهديدات الروسية تأتي في إطار سياسة الردع النووي.
وتجدر الإشارة إلى أن روسيا تمتلك ترسانة نووية هي الأضخم في العالم، حيث تمتلك نحو 5977 رأسًا نوويًا، من بينها نحو 1500 رأس قديمة يتم تفكيكها والباقي ينقسم بين أسلحة نووية استراتيجية تضم صواريخ باليستية أو صواريخ توجه لأهداف بعيدة المدى وتبلغ نحو 1674 رأسًا نوويًا، أما الأسلحة النووية التكتيكية فهي تلك الموجودة داخل القواعد العسكرية إلا أنها غير معدة للإطلاق وتشمل نحو 2815 رأسًا نوويًا. ومن بين الصواريخ الباليستية الروسية فهناك نحو 400 صاروخ باليستي عابر للقارات يمكنها أن تحمل نحو 1185 رأسًا نوويًا. كما يوجد لدى روسيا عشر غواصات نووية يمكنها أن تحمل نحو 800 رأس نووي. وخلال الحرب البادرة كان الاتحاد السوفيتي يمتلك 40 ألف رأس نووي أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد كان لديها نحو 30 ألف رأس نووي. وتمتلك موسكو ميزة نسبية فيما يُطلق عليه الأسلحة النووية التكتيكية التي يمكن اللجوء إليها لتحقيق بعض الأهداف.
يُضاف لذلك، فإن الحرب الروسية الأوكرانية لم تطرح الجدل بشأن اللجوء للسلاح النووي فقط، وإنما شهدت أيضًا استعراضًا لقدرات كل من روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية في مجالات الطائرات الاستراتيجية والصواريخ. وتُشير التحليلات إلى تفوق روسي في مجال الصواريخ الفرط صوتية، أما بالنسبة للجانب الأمريكي فقد كان هناك إعلان عن تجارب لإنتاج أنواع جديدة من الصواريخ الفرط الصوتية في ظل تمتع روسيا بقدرات خاصة بها. وبجانب الاستعراض الأمريكي للطائرة الجديدة (بي رايدر 21)، كان هناك الاستعراض الروسي بإعلان دخول الخدمة لما يُطلق عليه "الصاروخ الشيطان" والقادر على إطلاق عشرة رؤوس نووية.
أحد الجوانب الأخرى ذات الصلة بالبعد النووي بالأزمة الروسية الأوكرانية هي التهديد الذي واجهته المنشآت النووية الأوكرانية وخاصة مفاعلي تشيرنوبل وزابوريجيا.
-التلويح بالسلاح النووي والعقيدة النووية الروسية
يُشكك البعض في جدية التهديدات الروسية لعدة أسباب في مقدمتها كونها تتنافى مع العقيدة النووية الروسية والتي تقوم على أن رئيس الاتحاد الروسي هو من يتخذ قرار استخدام الأسلحة النووية وفقًا لعدة ضوابط تتمثل في وجود معلومات موثوقة بشأن إطلاق صواريخ باليستية تجاه الأراضي الروسية أو أراضي حلفاء روسيا، أو قيام طرف عدو باستخدام أسلحة الدمار الشامل تجاه أراضي روسيا أو أراضي الحلفاء وتشمل الأسلحة النووية أو الكيميائية أو البيولوجية. وكذلك أن يقوم العدو بإحداث تأثير أو ضرر للمنشآت الحيوية الروسية والتي من شأن تعطلها أن يؤثر ذلك على إجراءات الاستجابة للقوات النووية، كما أنه من بين الشروط أن يحدث عدوان على الأراضي الروسية بالأسلحة التقليدية بشكل قد يجعل وجود الدولة ذاته مهددًا.
وفي ظل عدم توافر الشروط الخاصة باللجوء للسلاح النووي، يصبح التهديد الروسي غير متوافق مع العقيدة النووية للبلاد. وتجدر الإشارة إلى أن العقيدة النووية الروسية الأخيرة قد أعلنت في 2 يونيو 2020م، أما العقيدة النووية الأمريكية التي أعلنت مؤخرًا فقد صدرت في 27 أكتوبر 2022م، والتي أعادت التأكيد على مضمون سابقتها والصادرة قبل أربع سنوات من حيث اعتزام واشنطن مضاعفة الإنفاق على الترسانة النووية وتخفيف القيود المفروضة على استخدام السلاح النووي. إضافة على اقتراح تحديث الثالوث النووي بما يشتمله من طيران استراتيجي وصواريخ باليستية عابرة للقارات وغواصات حاملة للرؤوس النووية.
يُضاف لذلك، فإن لجوء روسيا لهذا البديل، حتى ولو على نطاق محدود من شأنه، خسارة الدعم الصيني، حيث تقوم العقيدة النووية الصينية على "عدم البدء في استخدام السلاح النووي" لذا فمن المحتمل في هذه الحالة أن تخسر روسيا الدعم الصيني خاصة في الجانب العسكري.
-الحرب الروسية الأوكرانية والضمانات الأمنية الدولية
أعادت الأزمة الروسية الأوكرانية الحديث بشأن الضمانات الأمنية للقوى النووية، خاصة في ظل إعلان الرئيس الروسي في 21 فبراير 2023م، تعليق مشاركة بلاده في "معاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية" والتي يُطلق عليها "ستارت-3". وهي أخر المعاهدات المتبقية بين الولايات المتحدة وروسيا فيما يتعلق بخفض ومراقبة الأسلحة النووية.
وكانت المعاهدة التي دخلت حيز التنفيذ في فبراير 2011 م، قد نصت على خفض كمية الرؤوس النووية العابرة للقارات التي تمتلكها الدولتين بنسبة 30%، و50% كنسبة خصم فيما يخص الحدود القصوى لمنصات الإطلاق الاستراتيجية. والهدف أن تُشكل المعاهدة ضمانة أمنية بين الدولتين. وكانت تلك الاتفاقية جزءًا مهمًا من منظومة إجراءات بناء الثقة بشأن حظر الانتشار النووي بين الدولتين. خاصة أن مقارنة الاتفاقية بسابقاتها (سولت 1، ستارت 1، ستارت 2) نجد أن الاتفاقية شكلت تحولًا مهمًا ليس لمجرد كونها نصت على خفض القدرات النووية لكل دولة، وإنما لوضعها لنظام متبادل للتفتيش من خلال لجان مشتركة بين الدولتين.
وبذلك شكل الانسحاب الروسي من الاتفاقية، فرصة من قبل الدولتين للتخلي عن التزاماتهما بموجب الاتفاقية بشأن تقليل التسلح النووي، كما أن شكل انهيارًا فيما يخص إجراءات بناء الثقة المتبادلة بين الدولتين في هذا الشأن.
يُضاف لهذا فإن التهديد النووي الروسي تجاه أوكرانيا يتنافى من التعهدات الروسية السابقة تجاه أوكرانيا، فقد انضمت أوكرانيا في 5 ديسمبر 1994م، إلى معاهدة منع الانتشار النووي من خلال ما يُطلق عليه "مذكرة بودابست". والتي وقعها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والمملكة المتحدة بالإضافة إلى أوكرانيا، حيث تعهدت الدول الثلاث بعدم التهديد باستخدام أو استخدام السلاح النووي ضد أوكرانيا كونها دولة غير نووية. والأكثر من ذلك مساعدة أوكرانيا كدولة غير نووية حال تعرضها لعدوان أو تهديد باستخدام أسلحة نووية.
غياب الضمانات الأمنية الدولية من شأنه تعميق المعضلة الأمنية، وخطورة ذلك على مستقبل الأمن العالمي.
-الحرب الروسية / الأوكرانية والتهديدات النووية الإقليمية
الملف النووي في إطار الأزمة الروسية / الأوكرانية لم يرتبط بالأطراف المباشرة للحرب فحسب، وإنما كان هناك ارتباطات بأطراف غير مباشرة بالصراع ومنها الملف النووي الإيراني، فقد اندلعت الحرب في وقت تُجرى فيه ترتيبات أمريكية / إيرانية من أجل العودة مرة أخرى للاتفاق النووي والذي كان الرئيس دونالد ترامب قد أعلن الانسحاب منه، ومع اندلاع الحرب والدور الإيراني في تزويد روسيا بالطائرات المُسيرة مما أثر على فرص التوقيع على الاتفاق مع الولايات المتحدة بشأن ملفها النووي.
ملف آخر يرتبط ببيلاروسيا، حيث صرح الرئيس الروسي في 25 مارس 2023 م، أن بلاده تتجه لنشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا؛ والأخيرة تجاور ثلاث دول أعضاء في حلف الناتو وهي: بولندا، وليتوانيا ولاتفيا. وذلك كرد فعل على قيام المملكة المتحدة بإرسال ذخيرة من اليورانيوم المنضب إلى أوكرانيا. مما شكل تصعيدًا على حدود الناتو. وهي التصريحات التي وصفها بيان لحلف الناتو بأنها بـ "الخطيرة وغير المسؤولة". أما الرئيس البيلاروسي "ألكسندر لوكاشينكو" فقد وصف التصريحات الروسية بأنها خطوة من شأنها توفير الحماية لبلاده في مواجهة التهديدات الغربية.
وتجدر الإشارة إلى أن الدولتين تجمعهما صيغة كونفدرالية، إضافة لكون كل من روسيا وبيلاروسيا أعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وتُشير التحليلات إلى أن روسيا بالفعل قد أرسلت عشر مقاتلات لبيلاروسيا والتي يمكنها حمل أسلحة نووية ذات طبيعة تكتيكية من بينها صواريخ جوية مزودة برؤوس نووية، يبلغ مداها 2500 كم، وكذلك منصات منظومة إسكندر العملياتية التكتيكية، بنفس المدى. وهذا النوع الأخير من الصواريخ يمكنه إحداث انفجار بقوة 50 كيلو طن. وتتمثل المخاوف من إقدام روسيا على إرسال سلاح نووي استراتيجي ويدعم ذلك وجود 80 منصة ثابتة تحت الأرض لدى بيلاروسيا حالتها التقنية جيدة ويمكن استخدامها في إطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
ومن جانبها تهدف بيلاروسيا من وراء تلك التحركات أن تكون تلك الأسلحة رادعة في مواجهة حلف الناتو، في ظل الضغوط الغربية التي تواجهها بيلاروسيا.
وتجدر الإشارة إلى أن روسيا وعلى العكس من الولايات المتحدة لم تقم بنشر أسلحتها النووية خارج حدودها في حين أن الولايات المتحدة قامت بالفعل بنشر أسلحتها النووية في بعض الدول من بينها تركيا واليونان وألمانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى. ومن ثم تهدف روسيا من التصريحات بشأن نشر أسلحة نووية في بيلاروسيا إلى استفزاز الدول الغربية الداعمة لأوكرانيا.
وختامًا، هذه الحرب بالنسبة لروسيا هي حرب ذات أهداف تكتيكية وأهداف استراتيجية. فمن الناحية التكتيكية تهدف روسيا-كما تُعلن-إلى تحرير الناطقين باللغة الروسية وتحرير مناطق شرق أوكرانيا. وترى روسيا أن الانتصار الأكبر يتمثل في تحرير جنوب وشرق أوكرانيا. وعلى المستوى الاستراتيجي تهدف روسيا إلى تحدي الهيمنة الغربية والتفرد الأمريكي بقيادة النظام العالمي منذ نهاية الحرب الباردة وصولًا إلى نظام متعدد الأقطاب. بحيث يُنظر لتلك الحرب على أنها واحدة من الصراعات العالمية في إطار التحول نحو نظام متعدد الأقطاب. كما بلورت الحرب ما يمكن أن نطلق عليه سياسة الأحلاف وهي أحلاف لم تشكلها الحرب ولم يكن لها السمات ذاتها للأحلاف التي كانت سائدة في القرن العشرين. والنموذج الأبرز في هذا الشأن التحالف الصيني الروسي الذي شمل المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية.
ورغم أن الملف النووي في إطار العلاقات الروسية الأوكرانية لم يكن غائبًا، إلا أن الخطورة حاليًا تتمثل في غياب الضمانات الأمنية وغياب الأطر القانونية التي يمكنها أن تُشكل إطارًا حاكمًا ومدخل لإجراءات بناء الثقة بين القوى الدولية فيما يتعلق بالانتشار النووي. وهو الأمر الذي من شأنه تعميق المعضلة الأمنية على المستوى العالمي، بما يتطلبه ذلك من مراجعة سياسة الانتشار النووي على المستوى العالمي.
فالأزمة الروسية الأوكرانية وما انطوت عليه من تهديد نووي حقيقي منذ نهاية الحرب الباردة تتطلب مراجعة لسياسة الانتشار النووي والضمانات الأمنية على المستوى الدولي.