array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التنافس الإقليمي والدولي في القارة السمراء: القرن الإفريقي نموذجاً

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2010

تكتسب القارة الإفريقية عموماً بعداً استراتيجياً متميزاً ومتزايداً في السنوات القليلة الماضية على الصعيدين الإقليمي والدولي، رغم عقود التهميش والإبعاد والصراع الذي عانت منه بعد رحيل الاستعمار الأوروبي في منتصف وأواخر القرن العشرين. ودفعت الأهمية البالغة التي تتمتع بها القارة القوى الدولية (الصين والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل) إلى الدخول في حلبة التنافس لتحقيق مصالحها وجني أكبر قدر ممكن من المكاسب.

تعد القارة الإفريقية ثاني أكبر قارات العالم بعد آسيا، وتبلغ مساحتها حوالي 30 مليون كيلومتر مربع تشكل ما نسبته قرابة الـ 20 في المائة من مساحة اليابسة في الكرة الأرضية. وتضم إفريقيا حوالي (800) مليون نسمة تمثل قرابة (15 في المائة) من مجمل سكان الكرة الأرضية، وتتمتع بثروات طبيعية وموارد ضخمة.

تعتبر الصين واحداً من أهم الشركاء التجاريين لدول القرن الإفريقي

وتكتسب القارة الإفريقية أهميتها من كونها تشكل خزان العالم الاستراتيجي من الموارد الطبيعية والمواد الأولية والأحجار النفسية التي يشتد الضغط عليها في ظل التنافس الشديد بين كبرى الدول المستهلكة لهذه الموارد إثر ازدياد الطلب العالمي وتقلص نسبة الاحتياطيات العالمية ومعدلات الإنتاج في أماكن ومناطق أخرى من العالم، ومن الموارد التي تتمتع بها: النفط والغاز والموارد الطبيعية والأولية والمياه.   

أما منطقة القرن الإفريقي فهي شبه جزيرة تقع في شرق إفريقيا في المنطقة الواقعة على رأس مضيق باب المندب من الساحل الإفريقي، ويحدها المحيط الهندي جنوباً، والبحر الأحمر شمالاً، وتقع فيها حالياً جيبوتي والصومال وإريتريا وتجاورها كينيا وأثيوبيا وتتحكم في مضيق باب المندب.

وبخلاف التعريف الجغرافي الضيق للمنطقة، فهناك تعريفات أخرى سياسية تضيف للدول الأربع سالفة الذكر دولاً أخرى مثل السودان، وكينيا، وأوغندا، وتنزانيا وغيرها.

والقرن الإفريقي منطقة استراتيجية بالنسبة لقارتي آسيا وإفريقيا، فهو يضم مضيق باب المندب، المضيق الذي يفصل بين البحر الأحمر من ناحية والمحيط الهندي وخليج عدن وبحر العرب من ناحية أخرى. وتقدر مساحة القرن الإفريقي بمليوني كيلومتر مربع، ويسكنه نحو (90) مليون نسمة. ورغم أهمية هذه المنطقة إلا أنها تعاني حالياً من أزمة مجاعة وجفاف خطيرتين، وتعاني من مشكلات، بعضها ترجع جذوره إلى مرحلة الحرب الباردة -وربما أبعد من ذلك- وبعضها الآخر ظهر بشكل واضح خلال فترة ما بعد الحرب الباردة.

 الأهمية الاستراتيجية للقرن الإفريقي:

تبرز القيمة الجيوسياسية لإقليم القرن الإفريقي من إشرافه على بحر العرب والبحر الأحمر والمحيط الهندي أولاً، واشتراكه مع اليمن في الإطلالة المباشرة على خليج عدن، ومضيق باب المندب. وثانياً من المساحة البرية، التي تمثل هي الأخرى نقطة الانطلاق من المياه الدافئة إلى البر، وصولاً إلى قلب إفريقيا، الأمر الذي يتحقق بفضله الترابط بين البر والبحر معاً. وهذا ما يفسر تاريخ الصراعات الاستعمارية المحتدمة حول المنطقة منذ قرون طويلة بهدف السيطرة عليها، ما جعل منطقة القرن الإفريقي منذ القدم وحتى اليوم تحت رحمة المتنافسين.

ولعل العامل الثابت للتنافس الدولي أو الصراع على القرن الإفريقي هو الاستعمار الأوروبي الذي كان على الدوام المحرك الرئيسي لتكالب وتعاقب المصالح على دول القرن الإفريقي، بحيث ساهم عبر احتلاله المتواصل لأراضي وشعوب هذه المنطقة في إيجاد أوضاع هشة ومتفجرة في غالبية دول القرن الإفريقي.

ورغم المشكلات المختلفة التي تعاني منهاالمنطقة، إلا أنها حظيت باهتمام كبير من جانب القوى الفاعلة في النظام الدولي، سواء خلال فترة الحرب الباردة أو ما بعدها، ولعل ذلك يعود إلى تحكم المنطقة في طرق التجارة الدولية وطرق نقل النفط من الخليج العربي إلى أوروبا الغربية والولايات المتحدة، كما تشتمل المنطقة على غالبية دول حوض نهر النيل، ومن ثم فهي تتحكم في منابع نهر النيل.

اهتمت الولايات المتحدة بمنطقة القرن الإفريقي بشكل كبير في وقت متأخر

وكان لاكتشاف النفط داخل المنطقة دور في زيادة الاهتمام الدولي بها؛ حيث تم اكتشاف أول حقل نفطي في السودان في عام 1979، ونتيجة للصراع الداخلي في السودان انسحبت الشركات العاملة في مجال استخراج النفط من السودان. ومع بداية التسعينات من القرن الماضي عادت بعض شركات النفط إلى السودان، ولم يعد التنقيب على النفط قاصراً على الجنوب السوداني، لكن بدأ أيضاً في الشمال والشمال الغربي وحوض النيل الأزرق.

كما أن قرب القرن الإفريقي من مصادر النفط في الخليج العربيهو ما دفع الولايات المتحدة والدول الغربية إلى محاولة الدفاع عن هذه المصادر وتأمين الوصول إليها. ولعل من أبرز الأدوات التي استخدمت في ذلك إقامة القواعد العسكرية وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع دول المنطقة. ويمكن أن نشير هنا إلى القواعد التي أقيمت في جزر دهلك وحالب وكاجينو الأرتيرية.

 نماذج التنافس الاقليمي والدولي:

يتصاعد اليوم الاهتمام الدولي والإقليمي بمنطقة القرن الإفريقي بصورة ملحوظة وفق منظورات جديدة، تتجاوز أهمية هذه المنطقة الجغرافية باعتبارها منطقة ربط للتجارة الدولية وتشرف على مناطق إنتاج ونقل النفط، لتعكس حقيقة سياسات الهيمنة والنفوذ النظام الدولي الجديد التي وضعت بعد نهاية الحرب الباردة. لهذا، أعادت الولايات المتحدة صياغة تصوراتها حول منطقة القرن الإفريقي من الناحية الجيواستراتيجية، بمفهوم لا يلغي الميزات القديمة وإنما يضيف إليها أبعاداً وموضوعات متعدية لحدود التعريفات التقليدية، فتم في هذا السياق إعادة تشكيل مصطلح القرن الإفريقي الكبير ليعبر عن المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية والاستراتيجية للدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة.

وقد اجتذبت صراعات المصالح قوى دولية أخرى على رأسها الصين، وروسيا، وإيران، والهند، واليابان، بالإضافة إلى القوى الغربية ذات المصالح التقليدية، وإسرائيل. كما أسهمت حدة التنافس الدولي على الثروة والنفوذ وكثرة اللاعبين الدوليين وانهيار الدولة الصومالية ومستجدات الإرهاب والقرصنة، في إضفاء مزيد من الإشكاليات على مجمل التعقيدات التي تعتري منطقة القرن الإفريقي.

 نفوذ الولايات المتحدة في القرن الإفريقي:

اهتمت الولايات المتحدة بمنطقة القرن الإفريقي بشكل كبير في وقت متأخر، وكان ذلك راجعاً إلى اعتبارات عدة من بينها اكتشاف النفطداخل المنطقة؛ حيث تشير التوقعات إلى زيادة نسبة واردات النفط الأمريكية من إفريقيا جنوب الصحراء لتصل إلى (25 في المائة) من إجمالي واردات الولايات المتحدة من النفط على مستوى العالم بحلول عام 2015، ومن ثم وجهت شركات النفط الأمريكية أنظارها صوب النفط السوداني.

وتعتبر منطقة القرن الإفريقي سوقاً للمنتجات الأمريكية أكثر من كونها مصدراً للمواد الخام والمنتجات ذات الطلب الأمريكي، فرغم تدني قيمة الصادراتوالواردات الأمريكية للمنطقة، إلا أن نسبة الصادرات الأمريكية إليها تبلغ (14 في المائة) من إجمالي صادرات الولايات المتحدة إلى إفريقيا جنوب الصحراء.

وكان الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في أواخر عام 1994 قد أعلن مبادرة رئاسية أطلق عليها مبادرة القرن الإفريقي الكبير، وقدمت المبادرة مفهوماً موسعاً للمنطقة باعتبارها تضم عشر دول. وكانت المبادرة تسعى إلى تحقيق هدفين رئيسيين هما: زيادة قدرات المنطقة في مجال منع وإدارة الأزمات وحل الصراعات، وتحسين حالة الأمن الغذائي.

ولم تنجح المبادرة في تحقيق أهدافهاالمعلنة، فظلت المنطقة تعاني من عدم الاستقرار السياسي والصراعات بمختلف أنواعها وتردي الأوضاع الإنسانية ومشكلات الأمن الغذائي،ولقد أثرت الأوضاع السائدة داخل منطقةالقرن الإفريقي سلباً في المصالح الأمريكية، فقد تم تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي (كينيا) ودار السلام (تنزانيا) في السابع من أغسطس 1998. وفي أعقاب هذه التفجيرات قامت الولايات المتحدة بضرب مصنع الشفاء للأدوية في السودان بدعوى أنهيُستخدم في تصنيع أسلحة كيماوية لصالح أسامة بن لادن والنظام الحاكم في السودان، وثبت بعد ذلك خطأ هذه المزاعم الأمريكية.

وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، شنت الولايات المتحدة حرباً ضارية على الإرهاب، وأعلن مسؤولون أمريكيون أن الصومال والسودان واليمن تقع على قمة المرحلة الثانية للحرب الأمريكية على الإرهاب، وذلك بدعوى أنها وفرت الملجأ لفلول تنظيم القاعدة الفارين من أفغانستان.

وفي إطار هذه الحرب، قامت الولايات المتحدة بإنشاء قاعدة عسكرية جديدة في جيبوتي، ويبلغ حجم القوات الأمريكية في تلك القاعدة نحو 1800 جندي،وفي يونيو 2003 طرحت الإدارة الأمريكية مبادرة مكافحة الإرهاب في شرق إفريقيا، وأكدت المبادرة مركزية منطقة القرن الإفريقي في سياسات إدارة جورج بوش الرامية إلى محاربة الإرهاب.

وفي فبراير 2007م قرر الرئيس السابق بوش إنشاء (أفريكوم) مقر القيادة الإفريقية-الأمريكية لمواجهة الإرهاب لتتولى عدة مهام على مستوى القارة الإفريقية ككل، باستثناءمصر، وانطلق في أكتوبر 2008 النشاط الفعلي لـ(القيادة الإفريقية) لتكون القارة الإفريقية دائرة حركتها التدريبية واللوجستية والهجومية. وتقوم (أفريكوم) بمتابعة تنفيذ البرامج المتعلقة بالأمن والاستقرار في القارة الإفريقية التي كانت وزارة الخارجية تُشرف على تنفيذها.

مصطلح القرن الإفريقي الكبير تمت إعادة صياغته ليعبر عن مصالح الدول الغربية

بيد أن ضعف حماسة دول القرن الإفريقي لاستضافة مقر القيادة الإفريقية وارتفاع تكلفة التدخل العسكري في المنطقة، غيرا –نسبياً- من الرؤية الأمريكية حيال الأزمات والصراعات، التي تعاني منها المنطقة، ما دفعها للتركيز على المدخل السياسي والعسكري خدمة لمصالحها الحيوية، ليس في القرن الإفريقي فحسب، وإنما في كامل إفريقيا. فقد صارت واشنطن تتجاوز منطق السياسة والدبلوماسية، وتستهدف، بإجراءات عملية، إنشاء بنيات تحتية تستفيد منها شركات التعدين، والصناعات العسكرية، وخاصة النفط، الذي تعمل على الانفراد به باعتباره البديل عن نفط الخليج العربي وبحر قزوين المهدد بالنضوب وعوامل الاضطراب السياسي.

وتمثل إطلالة القرن الإفريقي على منطقة الشرق الأوسط ومداخله البحرية حافزاً مهماً للمشروع الأمريكي، فهي تسعى منذ أمد بعيد إلى إعادة ترتيب المنطقة بما ينسجم مع مصالحها الاستراتيجية، بما في ذلك أمن الكيان الصهيوني في إسرائيل. وما إنشاؤها لقوة (أفريكوم)، إلا تأكيد على هذا المنحى، وليس مجرد انعطافة على صعيد الاهتمام الأمريكي بإفريقيا عموماً والقرن الإفريقي خاصة.

 المصالح الصينية المتشابكة:

تنظر الصين إلى إفريقيا على أنها خزان استراتيجي للموارد الأولية والطبيعية في العالم، وهو ما يعطيها القدرة على تلبية حاجاتها المتزايدة من هذه المواد وبالتالي الحفاظ على النمو الاقتصادي للبلاد والصعود الجيوسياسي على المستويين الإقليمي والدولي.

وعملت الصين على وضع هذه الاستراتيجية –خاصة في منطقة القرن الإفريقي- موضع التنفيذ منذ عام 1996، لكن الثمرة الحقيقية للمجهود الصيني بدأت تظهر منذ انعقاد المنتدى الصيني- الإفريقي في عام 2000، والذي أرسى أسساً متينة للعلاقة بين الطرفين لاسيما في المجال الاقتصادي والتجاري وفي جوانب أخرى سياسية وحتى عسكرية.

وشكل عام 2006 مرحلة تقييمية للمنجزات المحققة، وكان النجاح باهراً، إذ شهد هذا العام قمة إفريقية- صينية حضرها رؤساء 43 دولة إفريقية وممثلون عن 5 دول أخرى، الأمر الذي أعطى مؤشراً على مدى أهمية وثقل الدور الصيني في إفريقيا، كما أعطى مؤشراً آخر عن مدى ثقة الدول الإفريقية بهذا الدور المتنامي لبكين خاصة أنها لا تسعى إلى هيمنة سياسية ولا تمتلك نزعة استعمارية وهو ما يعني أنها ماضية في اتجاهها الصحيح في القارة الإفريقية، وأن دورها سيتعاظم مستقبلاً.

وتحصل الصين اليوم على (25 في المائة) من إجمالي وارداتها النفطية من القارة الإفريقية. وبعد اكتشاف النفط داخل السودان دخلت الصين وبقوة في مجال استخراج وإنتاج النفط السوداني، ففي عام 1996م حصلت شركة النفط الوطنية الصينية (CNPC) على (40 في المائة) من أسهم شركة نفط النيل الأعظم السودانية (GNPOC).

وأصبحت الصين أكبر منتج ومستورد للنفط السوداني؛ حيث تحصل الصين على حوالي 7 في المائة من إجمالي وارداتها النفطية من السودان بمفردها، ولم يقتصر التعاون الصيني-السوداني على قطاع النفط فقط، بل شمل أيضاً مجالات أخرى مثل إنشاء محطات لتوليد الكهرباء، وتمويل بعض مشروعات إقامة سدود (مثل سد كاجبار)، وإنشاء خطوط أنابيب لنقل المياه من النيل إلى بورسودان. وبلغ حجم الاستثمارات الصينية في السودان نحو أربعةمليارات دولار، وتعتبر الصين أكبر مستثمر أجنبي في السودان.

وتعتبر الصين واحداً من أهم الشركاء التجاريين لدول القرن الإفريقي. وتدخل السودان وكينيا ضمن أكبر عشرة أسواق إفريقية تستوعب الصادرات الصينية للقارة، وكذلك تحتل السودان المرتبة الثالثة ضمن أكبر عشر دول إفريقية مصدرة للصين.

وشجعت الصين محاولات تحقيق تنمية اقتصادية داخل منطقة القرن الإفريقي، وذلك من خلال تقديم قروض منخفضة الفائدة، وإعفاء بعض الدول من الديون، ووضع تعريفات جمركية تفصيلية، وإقامة مشروعات لتحسين البنية الأساسية مثل الطرق والجسور ومحطات المياه والكهرباء وشبكات الري والاتصالات.

وعلى الجانب الآخر، كانت الصين مصدراًمهماً للأسلحة التي حصلت عليها بعض دول القرن الإفريقي مثل الصومال، وإريتريا، وإثيوبيا. ووفقاً لبعض الإحصاءات فقد وصلت قيمة الأسلحة التي حصلت عليها إثيوبيا وإريتريا من الصين خلال فترة الحرب الحدودية بينهما (من عام 1998 وحتى 2000) نحو مليار دولار، وكان ذلك تجاوزاً للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على مبيعات السلاح للطرفين.

 النفوذ الأوروبي في القرن الإفريقي:

رغم أن بعض الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا، تعتبر صاحبة نفوذ تقليدي داخل منطقة القرن الإفريقي، إلا أن الأمر في الآونة الأخيرة بعد عملية الاندماج الأوروبي لم يعد قاصراً على دور دول بمفردها، وإنما أصبح هناك دور جديد للاتحاد الأوروبي باعتباره قوة دولية لا يمكن إغفالها.

ويعتبر الاتحاد الأوروبي شريكاً تجارياً رئيسياً لكثير من دول المنطقة، ووفقاً لرؤية مفوضية الاتحاد الأوروبي فإن أوضاع عدم الاستقرار التي شهدتها منطقة القرن الإفريقي أثرت سلباً في العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي ودول المنطقة، وكذلك فإن عمليات الهجرة غير الشرعية وتدفق اللاجئين وتهريب الأسلحة الصغيرة داخل المنطقة ولدت تهديدات مختلفة قد يصل مداها إلى الاتحاد الأوروبي ذاته.

واستناداً إلى هذه الرؤية، طرحت مفوضية الاتحاد الأوروبي في عام 2006 استراتيجية للسلم والأمن والتنمية في القرن الإفريقي، وركزت الاستراتيجية على التعاون مع منظمة (الإيقاد) عبر رؤية مشتركة وخطة تنفيذية تركز على ثلاثة ميادين هي: السلم والأمن، والأمن الغذائي، والتطوير المؤسسي. وكذلك تضمنت الاستراتيجية التدخل الفعال من جانب الاتحاد الأوروبي في القرن الإفريقي لدعم وبناء القدرات الإفريقية في مجال منع الصراع، والوساطة، ونشر قوات حفظ سلام، وعمليات مراقبة وقف إطلاق النار، وإنشاء الفرقة العسكرية للتدخل السريع في شرق إفريقيا كجزء من قوات الانتشار السريع الإفريقية.

ويقوم الاتحاد الأوروبي في هذا الإطار ببناء قدرات مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي،وبالفعل قام الاتحاد الأوروبي بأدوار مختلفة لإحلال السلم داخل القرن الإفريقي؛ ففي أثناء الحرب الحدودية الإريترية-الإثيوبيةأرسل الاتحاد الأوروبي وفداً ثلاثياً إلى أديس أبابا، ضم ممثلين من ألمانيا والنمسا وفنلندا، وكانت مهمة الوفد محاولة القيام بجهود وساطة لوضع حد للحرب الدائرة بين البلدين.

وكذلك ساند الاتحاد الأوروبي مبادرة (الإيقاد) لإحلال السلام في السودان، وقدمت المفوضية الأوروبية (عام 2004) من خلال آليتها للرد السريع (RAM) نحو(1.5) مليون يورو لدعم عملية السلام التي تقودها (الإيقاد) في السودان.

 التغلغل الإسرائيلي في القرن الإفريقي:

يرجع التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا عموماً والقرن الإفريقي خصوصاً إلى منتصف القرن الماضي، بعد أن استخدمت إسرائيل العديد من الوسائل لتحقيق أهدافها وعلى رأسها ما يسمى (القوة الناعمة).

وشهدت العلاقات الإسرائيلية-الإفريقية ولا سيما غير العربية منها تحولات فارقة خلال الخمسين عاماً الماضية. وربما تعزى تلك التحولات إلى تغير الاهتمامات وترتيب أولويات السياسة الخارجية الإسرائيلية، فضلاً عن تطور ديناميات النظام الدولي.

فالعصر الذهبي للتغلغل الإسرائيلي في إفريقيا والذي شمل عقد الستينات سرعان ما شهد نهاية حاسمة له بعد حرب أكتوبر 1973 وقيام الدول الإفريقية بقطع علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل. وقد حاولت الدبلوماسية الإسرائيلية إعادة وصل ما انقطع مع إفريقيا خلال فترة الثمانينات وقد تحقق لها ما أرادت بعد توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993.

وعلى الرغم من عودة الروح للعلاقات الإسرائيلية-الإفريقية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة إلا أن مكانة إفريقيا شهدت تراجعاً في أولويات التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي. بيد أن ظهور بعض التهديدات الأمنية على الساحة الإفريقية ولا سيما في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر، وحدوث نوع من التكالب الاستعماري الجديد على موارد وثروات إفريقيا الطبيعية، قد دفعا القيادة الإسرائيلية إلى إعادة التأكيد مرة أخرى على محورية إفريقيا في عملية صياغة السياسة الخارجية الإسرائيلية.

ويمكن القول إجمالاً إن السياسة الإسرائيلية تجاه إفريقيا حكمتها منذ البداية مجموعة من الاعتبارات والأهداف العامة، لعل من أبرزها: الاعتبار السياسي، حيث تمثل إفريقيا قوة تصويتية كبرى في المحافل الدولية ولا سيما الأمم المتحدة، وهو ما يعني أن بمقدور الأفارقة إحداث تغيير هائل في السياسات الرامية لفرض العزلة الدولية على إسرائيل. بيد أن ثمة اعتبارات استراتيجية تمثلت في حاجة إسرائيل إلى كسر حاجز العزلة التي فرضتها عليها الدول العربية من خلال إقامة شبكة من التحالفات مع دول الجوار غير العربية ولا سيما في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا.

ولم تكن الاعتبارات الاقتصادية ببعيدة عن تفكير صانع القرار الإسرائيلي، فإفريقيا غنية بمواردها وثرواتها الطبيعية، كما أنها تعد سوقاً محتملة للمنتجات الإسرائيلية.

وفي بداية التسعينات من القرن الماضي تمت إعادة تأسيس العلاقات بين إسرائيل وإفريقيا مرة أخرى وبصورة أقوى بفضل توقيع اتفاقات أوسلو ومعاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية وهو ما يعني إزالة كافة العقبات التي كانت تعترض العلاقات الإسرائيلية-الإفريقية.

واللافت أن دولاً إفريقية جديدة لم تكن لها علاقات من قبل مع الكيان الإسرائيلي قد أضيفت إلى القائمة، مثل زيمبابوي ونامبيا وإريتريا وموريتانيا. ومن المثير للدهشة أن رد الفعل الإسرائيلي على هذه العودة الإسرائيلية المتسارعة اتسم بالفتور الشديد وعدم الحماسة.

ويلاحظ أن إفريقيا في معظم سنوات هذه المرحلة عانت من التهميش وعدم النظر إليها بحسبانها أولوية كبرى في السياسة الخارجية الإسرائيلية وحتى في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي، حيث ظهر جيل جديد من الإسرائيليين لا يبالون كثيراً بواقع الأفارقة وأزماتهم التي يعانون منها.

ومع مطلع الألفية الجديدة أعادت إسرائيل النظر بأهمية قصوى لمنطقة القرن الإفريقي لأسباب كثيرة منها:  

* الاعتبارات الأمنية: ثمة مخاوف إسرائيلية من انتشار الجماعات الإسلامية المتطرفة في كثير من مناطق إفريقيا كما هو الحال في الخبرة الصومالية.

* التغلغل الإيراني المتزايد في إفريقيا: رأت إسرائيل في إيران وسياستها الإفريقية تهديداً مباشراً لمصالحها الاستراتيجية في القارة السمراء.

* الاعتبارات الاقتصادية والتجارية : إذ تحاول إسرائيل أن تبني على تقاليد عصرها الذهبي في إفريقيا، وهي تستخدم هيئة التعاون الدولي (مشاف) التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية باعتبارها الذراع الدبلوماسية التي تسهم في تقوية علاقاتها مع الدول الإفريقية.

* التكالب الدولي الجديد على استغلال الموارد الطبيعية الإفريقية يفرض على إسرائيل أن تعيد حساباتها لتدافع عن مصالحها ويكون لها نصيب معلوم في عملية التنافس الدولي التي تشهدها الساحة الإفريقية.

 

مقالات لنفس الكاتب