بدأت الحرب التجارية بين بكين وواشنطن خلال الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2016م، حينما انتقد العلاقات التجارية مع الصين وتحدث حينها عن الحصة الكبيرة من واردات السلع الصينية إلى بلاده، والتي تجاوزت حصة الصادرات الأمريكية إلى الصين، مما شكل عجزًا تجاريًا بين البلدين. ففي عام 2016م، بلغت واردات السلع الصينية إلى أمريكا 481.5 مليار دولار، في حين بلغت الصادرات الأمريكية إلى الصين 115.5 مليار دولار. وفي عام 2017م، بلغ حجم التبادل التجاري بين أمريكا والصين 710.4 مليار دولار. وبلغت حصة الصادرات من أمريكا 187.5 مليار دولار، والواردات إليها 522.9 مليار دولار. وبذلك بلغ العجز التجاري الأمريكي 335.4 ملياردولار.
بداية الصراع
في أغسطس 2017م، بدأ دونالد ترامب تحقيقًا فيما عرف بـ "سرقة" الصين للملكية الفكرية للشركات الأمريكية. وكانت السابقة هي أن السلطات الصينية أجبرت الشركات الأمريكية بالعمل كجزء من الشركات المحلية ومن ثم نقل تقنياتها وتطويراتها إلى الشركاء الصينيين. وفي بداية عام 2018م، تأكدت هذه الحقيقة من خلال تحقيق أمريكي، وحينها أمر ترامب بإعداد قائمة الرسوم التي سيتم زيادتها بعد انتهاء التحقيق كعقوبات.
فبادئ ذي بدء، فرض الرئيس الأمريكي تعريفة 30% على الألواح الشمسية المستوردة إلى بلاده. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الصين دولة رائدة عالميًا في إنتاج الألواح الشمسية، وهي محاولة واضحة لتوجيه ضربة لهذا القطاع الحيوي.
وفي مارس 2018م، رفعت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية 25% على واردات الصلب وإلى 10% على الألومنيوم.
وردت الصين على ذلك، حين رفعت التعريفات التجارية على 128 نوعًا من السلع المستوردة من أمريكا. لتشمل المكسرات والفواكه والنبيذ، لتخضع لرسوم قدرها 15%. بالإضافة إلى فرض تعريفة بنسبة 25% على لحم الخنزير الأمريكي. ودعت الصين إلى حل سلمي للخلافات، قائلة إن التدابير المتخذة تهدف فقط إلى التعويض عن الأضرار.
وفي أبريل 2018م، نشرت واشنطن قائمة بالسلع التي ستخضع لزيادة في الرسوم الجمركية على وارداتها بنسبة 25%. وكانت تتضمن القائمة حوالي 1300 سلعة. بمجالات، الإلكترونيات وقطع غيار الطائرات والأقمار الصناعية وأجهزة الراديو والمعدات الطبية وغيرها من السلع التي تمثل أكبر صادرات الصين إلى أمريكا. فردت الصين بفرض رسومًا إضافية على اللحوم والفواكه والسلع الأخرى المستوردة من أمريكا.
وفي يوليو 2018م، فرض ترامب رسومًا جمركية بنسبة 25% على عدد إضافي من البضائع الصينية، بقيمة إجمالية قدرها 34 مليار دولار، مما دفع الصين إلى الرد بشكل مماثل.
وفي أغسطس 2018م، فرضت واشنطن رسومًا جمركية بنسبة 25% على 279 صنفًا من البضائع الصينية تقدر قيمتها بنحو 16 مليار دولار، ففرضت الصين رسومًا إضافية بنسبة 25% على البضائع الأمريكية، بنفس الحجم.
وفي سبتمبر 2018م، فرض ترامب رسومًا جمركية بنسبة 10% على سلع إضافية بقيمة 200 مليار دولار أخرى. وردت الصين بفرض رسوم جمركية بنسبة من 5% إلى 10% على بضائع بقيمة 60 مليار دولار تستوردها من أمريكا.
محاولات حل الصراع
في ديسمبر 2018م، اتفق زعماء الدولتين على تعليق زيادات التعريفات مؤقتًا.
فقد وصل العجز التجاري الأمريكي للعام 2018م، إلى أعلى مستوى له منذ عشر سنوات، إذ بلغت صادرات البضائع الصينية إلى أمريكا 478 مليار دولار، وبلغت الواردات الأمريكية إلى الصين 155 مليار دولار.
وفي مايو 2019م، رفعت أمريكا مرة أخرى الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية، ليصل المبلغ حينها إلى 200 مليار دولار. وهدد الرئيس الأمريكي بسحب المصنعين الأمريكيين من الصين. فقامت إدارة ترامب بإدراج شركة هواوي، في القائمة السوداء، مما منع الوكالات الحكومية والعسكرية من شراء منتجاتها.
وفي أكتوبر 2019م، ارتفعت الرسوم الجمركية الأمريكية على البضائع الصينية من 25% إلى 30%.
ومع نهاية عام 2019م، واستنادًا إلى نتائج النصف الأول من العام، انخفض العجز التجاري الأمريكي مع الصين. كما انخفضت الصادرات والواردات المتبادلة، مما أثر بالتأكيد على النمو الاقتصادي لكلا البلدين. وقال حينها رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إن هذه التوترات التجارية مع الصين تشكل خطراً كبيراً على الاقتصاد الأمريكي.
ثم توصلت واشنطن وبكين، خلال المفاوضات في أمريكا، مبدئيًا إلى نوع من الاتفاق. الذي تبلور في أن الصين وافقت على زيادة مشترياتها من المنتجات الزراعية الأمريكية، ووافقت الولايات المتحدة على تخفيف التعريفات التجارية على البضائع الصينية وتعليق زيادات التعريفات الجمركية على المنتجات الجديدة في أكتوبر 2019م. واعتقد الطرفان أنهما أحرزا تقدما في المفاوضات وأخبرا الصحفيين أن النزاعات التجارية قد يتم حلها قريبًا.
لكن الوضع الحالي لم يعد يشبه الخلافات العادية، فقد تركت سلسة المواجهات الاقتصادية أثرًا خطيرًا وزعزعت كل قلاع الثقة التجارية وراح ضحية هذه المواجهات شركات أجنبية لا ناقة لها ولا جمل في هذا المعترك، وتردى اقتصاد الدول الضعيفة بسبب هذه الحرب الاقتصادية. والأخطر هو أن التوترات الاقتصادية تحولت إلى صراع جيوسياسي خطير.
عواقب يمكن أن تترتب على اقتصادات البلدان الأخرى
بسبب انخفاض الصادرات، عانت الأعمال التجارية في المقام الأول. ودفع الأمر الشركات والبلدان إما أن تدفع رسومًا جمركية باهظة أو أن تنقل الإنتاج إلى أمريكا. ويؤدي كلا الخيارين إلى ارتفاع التكاليف، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع. وبذلك يقع دفع الرسوم على عاتق المستهلك، فينخفض الطلب وينخفض مستوى الإنتاج. ليستمر هذا السونامي ليضرب بالمزيد من الشركات الأمريكية تعاني من الخسائر. ومن بينها هارلي ديفيدسون وتيسلا وجنرال موتورز وفورد وبوينغ ونايكي وأبل وغيرها. ونتيجة لذلك، تؤدي الحرب التجارية إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للدولتين المتصارعتين.
كما أن الحرب التجارية لا تؤثر فقط على سوق إنتاج السلع الأساسية في الصين. بل على سوق المواد الخام أيضًا. فالصين أكبر مشتر للنفط، وبسبب انخفاض معدلات الإنتاج، ينخفض الطلب على النفط. وهذا من أحد أهم الأسباب الذي دفع الصين لتستغل الحرب الروسية / الأوكرانية لتشتري ما تريده من النفط الروسي رغم خضوعه للعقوبات.
هل تؤدي الحرب التجارية إلى حرب عملات؟
اتهمت واشنطن الصين بـ"التلاعب بالعملة" بسبب انخفاض اليوان بمستوى تاريخي. وذلك حين سمحت الصين لعملتها بالانخفاض إلى ما دون مستوى كان يعتبر حتى ذلك الحين نوعًا من "الخط الأحمر". ليساوي الدولار الأمريكي أكثر من 7 يوانات للمرة الأولى منذ 11 عامًا. واعتبرت واشنطن هذا بمثابة تلاعب بالعملة. واتهمت الصين بإغراق السوق بالعملة الصينية.
وبذلك تنتقل الحرب التجارية إلى مستوى جديد من التصعيد. وقليلون كانوا يعتقدون أن الصين قد تستخدم سلاح العملة، لكنها فعلت ذلك. وهذا قد يكون بداية صراع تجاري لا رجعة فيه بين البلدين. وأقدمت الصين على هذه الخطوة لتجنب تداعيات العقوبات الأمريكية المفروضة من إدارة ترامب والحفاظ على السوق، إذ سيحصل المصدرون على المزيد من اليوان مقابل كل دولار يكسبونه، مما يسمح لهم بتغطية تكاليف الإنتاج، وكسب الربح بالعملة المحلية.
وبعد استعادة مستوى سبعة يوانات لكل دولار مجددًا، أصبح محتملًا أن يكون سقوط اليوان مجرد "تهديد" لأمريكا والعالم أجمع، مفاده أن الصين مستعدة لخفض قيمة العملة ويمكن أن تنفذ ذلك في أي وقت. وبالرغم من أن بكين رفضت رسميا الاتهامات بالتلاعب بالعملة مؤكدة أنها لا تنوي فعل ذلك.
لكن الأرجح في تراجع السلطات الصينية جاء بسبب انتقادات شديدة اللهجة. حينما صرح ترامب: "الصين استخدمت دائمًا التلاعب بالعملة لسرقة أعمالنا ومصانعنا، والإضرار بوظائفنا، وخفض أجور عمالنا وسلع مزارعينا والإضرار باقتصادنا"
ثم تأكد هذا الاتهام رسميًا من قبل وزارة الخزانة الأمريكية. حين ذكرت أن رئيس الإدارة، ستيفن منوشين، يعتزم تقديم شكوى لصندوق النقد الدولي.
ويخشى خبراء من أن تحذو دول آسيوية حذو الصين بخفض قيمة عملاتها الوطنية. وهذا سيدفع إلى إضعاف الدولار عن طريق خفض أسعار الفائدة، مما قد يؤدي "حرب عملات" عالمية.
من سيفوز بحرب التكنولوجيا؟
دخلت أمريكا والصين مرحلة حادة من المواجهة في الصراع من أجل الهيمنة التكنولوجية العالمية. وأصبح التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي طريقًا مباشرًا للهيمنة على العالم.
فقد أظهرت الحرب التجارية التقنيات التي تخطط القوى العظمى لتأمين الهيمنة العالمية عليها وهي: الذكاء الاصطناعي، وأنظمة المراقبة والاتصالات. فالنجاح في المنافسة على المواهب، ومعدل نمو استثمارات رأس المال ونمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن زيادة عدد مستخدمي الإنترنت عبر الهاتف المحمول، سيلعب دوراً مهماً في تحقيق الهيمنة.
إذ تهيمن أمريكا والصين حاليًا على المسرح العالمي. فهما يسيطران على ما يقرب من 40% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم. وفي عام 2017م، بلغت حصة أمريكا في الناتج الإجمالي العالمي 24.4% (19 تريليون دولار)، والصين -15.4% (12 تريليون دولار).
الصراع التكنولوجي الأكثر شراسة
إذ يعتقد معظم الاقتصاديين أن الصين سوف تتفوق على أمريكا من حيث الناتج المحلي الإجمالي في غضون 10 إلى 15 عامًا وتصبح أكبر اقتصاد في العالم. فقد كتب إدوارد وونغ، المراسل الدولي لصحيفة نيويورك تايمز: "ينظر بعض كبار المسؤولين في واشنطن إلى الصين باعتبارها منافسًا أيديولوجيًا شرسًا، فهم يعتقدون أن الحزب الشيوعي لا يسعى إلى إخضاع المواطنين فحسب، بل أيضًا إلى نشر أدوات السيطرة الاستبدادية في جميع أنحاء العالم، ولا سيما أنظمة المراقبة والاتصالات وتقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء موطئ قدم عسكري عبر المحيطات والقارات والجبال". من وجهة نظر وونغ.
إذ تشير الأحداث الأخيرة التي شملت شركة هواوي وغيرها من شركات التكنولوجيا الصينية إلى أن الصراع التجاري الصيني /الأمريكي امتد بسرعة إلى مناطق أخرى. فتصاعد التوترات بين الجانبين بشأن التكنولوجيا لم يكن مفاجئًا، فقد أخفت الحرب التجارية تنافسًا أعمق في التكنولوجيا والابتكار.
ونتيجة لذلك، فإن أكثر من نصف المبلغ الخاضع حاليًا للتعريفات الجمركية الأمريكية العقابية ( 250 مليار دولار) يتضمن بعض عناصر التصنيع عالية التقنية، ووفقًا لبحث أجرته شركة AXA Investment Managers. " تؤكد حقيقة أن "الحرب التجارية" هي في الأساس حرب تكنولوجية.
وباعتقادي أن القيادة التكنولوجية هي الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للهيمنة العالمية لأمريكا، وأن الحرب التجارية مجرد أداة لاحتواء الصين وضمان احتفاظ أمريكا بالتفوق التكنولوجي لعقود قادمة. ولذا فإن الصراع بين القوتين العظميين في العالم على الريادة العالمية في المجال التكنولوجي من المرجح أن يكون أكثر شراسة وانتشارًا وأطول بكثير من الصراع التجاري.
فمن سيفوز في الحرب التكنولوجية الباردة؟
يبلغ عدد مستخدمي الهواتف الذكية في الصين أربعة أضعاف عدد مستخدمي الهواتف في الولايات المتحدة. وهذا يفتح فرصًا كبيرة للشركات الصينية بدءًا من التجارة الإلكترونية والمراسلة وحتى الألعاب والمدفوعات الرقمية.
وبمقارنة بين مؤشرات نصيب الفرد من الناتج القومي. سنجد بأنه على الرغم من أن أمريكا تتراجع أمام الصين من حيث عدد المستهلكين، إلا أن نصيب الفرد من الناتج المحلي للفرد الأمريكي أعلى 7 مرات منه في الصين، وهذا يمنح شركات التكنولوجيا الأمريكية ميزة كبيرة لتوليد الإيرادات في السوق المحلية وسيمكنها من تطوير منتجات جديدة وتحقيق الأرباح أيضًا، كما تسيطر الشركات الأمريكية على قدر كبير من الملكية الفكرية وبذلك تقوض إنتاجية منافسيها الصينيين.
ومع دخول العالم عصر الجيل الخامس، فقدت الشركات المصنعة لمعدات الاتصالات الأمريكية مواقعها على مدار العشرين عامًا الماضية. إذ يهيمن على هذه الصناعة ثلاثة من الموردين الأجانب، وتتمتع شركة هواوي بأقوى مكانة بينهم. ولذلك أدرجتها واشنطن على القائمة السوداء، ليتحقق فعلا شبح "الحرب الباردة التكنولوجية".
وفي ظل ما يشهده عالمنا اليوم من منافسة على استقطاب المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي، لا تزال الصين متأخرة في هذا السباق. حيث تمكنت أمريكا من الريادة العالمية بأكثر من 28 ألف متخصص مقارنة بـ 18 ألف متخصص في الصين.
طريق الهيمنة على العالم
مع أن أنظمة الاتصالات والمراقبة والنقل المستقل من التقنيات الواعدة التي سيكون لها تأثير كبير على التقدم التكنولوجي، إلا أن التكنولوجيا الأساسية والحاسمة للبشرية ستكون الذكاء الاصطناعي. فهو محرك التقدم التكنولوجي في عالمنا الرقمي الذي يعتمد على البيانات بشكل متزايد، حيث ينمو الاستثمار في الذكاء الاصطناعي بسرعة مضطردة في جميع أنحاء العالم.
ولكن إلى جانب جلب الثروة، يجلب الذكاء الاصطناعي مخاطرًا هائلة على البشرية، وخاصة تلك البلدان التي ستخسر "معركة الذكاء الاصطناعي". وقد تكون جميع البلدان باستثناء أمريكا والصين.
فالذكاء الاصطناعي، في التكنولوجيا والصناعة، سيقود نحو الاحتكار. حيث سيتحسن المنتج بالبيانات الجديدة، وهذا سيخلق حلقة مفرغة فكلما كان المنتج أفضل، زاد عدد المستخدمين، والمزيد من المستخدمين سيجلب المزيد من البيانات، وكلما زادت البيانات كان المنتج أفضل. فهذه الدورة ستجعل المنافسة بين الشركات العملاقة ومنافسيها شبه مستحيلة، ولذلك فقد تولت الشركات الصينية والأمريكية بالفعل الريادة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي.
فجميع عمالقة الذكاء الاصطناعي يتمركزون بالفعل في واشنطن وبكين، ويعملون على بناء مراكز ضخمة للبيانات لتشغيل مجموعة متنوعة من المنتجات مثل السيارات ذاتية القيادة، والطائرات بدون طيار، وترجمة اللغات والتعرف على الوجه، وبرامج إدراك لغة الجسد وتوليفها، وغير ذلك الكثير.
أمريكا تستعد لتوجيه ضربة "مؤلمة" للصين
أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن تعريفات جديدة على الصين في 14 مايو 2024م، وتستهدف التعريفات صناعات مثل السيارات الكهربائية والإمدادات الطبية ومعدات الطاقة الشمسية. إذ يحافظ بايدن على موقف متشدد تجاه الصين، وذلك على خلفية المعركة الانتخابية واتهام واشنطن لبكين لمحاولة التدخل بها، وكذلك الاتهامات المتزايدة لبكين في دعمها لموسكو في عدوانها على أوكرانيا، وفي الربع الأول من العام الجاري، كانت "جيلي" هي الشركة الصينية الوحيدة التي صدرت سيارات إلى أمريكا وبلغت 2217 سيارة فقط، وفي أبريل الماضي دعا بايدن إلى مضاعفة الرسوم الجمركية الأمريكية على منتجات الصلب الصينية ثلاث اضعاف.كما تستعد إدارة بايدن لفتح جبهة جديدة في جهودها لحماية الذكاء الاصطناعي الأمريكي من الصين وروسيا.
ففي الربع الأول من عام 2024م، تفوقت الولايات المتحدة على الصين كأكبر شريك تجاري لألمانيا نزعها هذه الصفة من الصين. كما أصبح من المعروف أن الإدارة الرئاسية الأمريكية تخطط لزيادة التعريفات الجمركية على واردات السيارات الكهربائية الصينية من 25% إلى 100%، مع تكثيف الجهود لحماية الصناعة الأمريكية قبل الانتخابات.
كيف ستؤثر الانتخابات الأمريكية
تراقب الصين عن كثب الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية، التي سيتنافس فيها جوزيف بايدن ودونالد ترامب. لكن الوضع القائم بين واشنطن وبكين لم يعد يعتمد على شخص الرئيس الأمريكي.. ونعلم أن المستثمرين يشعرون بالقلق بشأن عودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض. ولكن الصراع سيستمر في ظل رئاستي كلا من بايدن وترامب. لذا من المتوقع أن تهدف السلطات الصينية إلى التركيز على الأمن الاقتصادي الداخلي، وإنشاء بيئة ملائمة للرقائق، وتعزيز جوهر الاقتصاد من خلال التركيز على تصنيع التكنولوجيا المتقدمة.
ولكن المصدرين الصينيين المعُتمدين على المستهلكين الأمريكيين قد لا يجدوا أسواقًا بديلة، إذ تشير التوقعات إلى أن المرحلة الجديدة من الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد تبدأ في وقت مبكر من العام 2025م، المقبل.
حرب بلا حق ولا باطل
في الحقيقة، بدأ ترامب، بعد وصوله إلى السلطة، حروبًا تجارية مع كل شركاء الولايات المتحدة الرئيسيين: جيرانها في أمريكا الشمالية، والاتحاد الأوروبي، والصين. وكلفت العالم 700 مليار دولار.
وبالنظر إلى طبيعة الاقتصاد الصيني الموجه المعتمد على التصدير، وخصوصًا إلى أمريكا، فإن الرسوم الجمركية الأمريكية أكثر إيلامًا من الرسوم الصينية. لكن الصين اتبعت نهجًا "خلاقًا" في الرد على القيود الأمريكية من خلال فرض رسوم على فئات محددة (فول الصويا ومنتجات تعدين الألومنيوم) التي يعتمد على إنتاجها ناخبو ترامب في الغرب وجنوب الولايات المتحدة.
وبعد فرض حزمة الرسوم العقابية، بدى الأمر وكأن ترامب ينتصر حيث ظهرت إشارات تباطؤ حاد في النمو الاقتصادي الصيني، واضطر البنك المركزي إلى تسجيل انخفاض قياسي في قيمة اليوان. وفي أمريكا، على العكس، خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي معدل الخصم بشكل طفيف، وارتفعت أسواق الأوراق المالية، ووصل معدل تشغيل العمالة محليًا إلى أعلى مستوى له منذ نصف قرن تقريباً. ولكن سرعان ما أصبح من الواضح أن أمريكا تخسر المال بما لا يقل عن خسارة الصين. ليصبح واضحًا بأن الحرب التجارية يجب أن تتوقف، حيث وصل الطرفان إلى مرحلة مهمة للغاية من صفقة تشمل زيادة مشتريات المنتجات الزراعية الأمريكية وحل القضايا المتعلقة بالملكية الفكرية وتنظيم الصرف الأجنبي والخدمات المالية.
ومع ذلك، ظلت القضايا المثيرة للجدل الرئيسية دون حل. فلم تقدم الصين سوى تعهدات غامضة بحماية الملكية الفكرية (سرقة التكنولوجيا الأمريكية)، والتوقف عن التلاعب بسعر الصرف، وتحرير سوق الخدمات المالية، والدعم الذي تقدمه بكين للشركات الصينية.
ومع تأكيد الصينيين أنهم على استعداد لزيادة مشترياتهم من القمح والأرز والذرة، لكنهم أوضحوا أنهم لن يدفعوا مبالغ زائد فقط بالأسعار العالمية وفقط عندما يحتاجون إليها، فإذا وجدوها أرخص في مكان ما على سبيل المثال في أوكرانيا فلن يشتروها من الولايات المتحدة، وهذا يعني أن الحرب التجارية ستستمر حتماً في المستقبل.
كما أن إدارة ترامب عزّزَت صورة الصين في أذهان الأمريكيين كعدو. ولم يعد أي من المرشحين الرئاسيين حتى الديمقراطيين يجرؤ الحديث عن فكرة إلغاء الرسوم الجمركية على البضائع الصينية .
ومع أن الصين تعاني من الخسائر واقتصادها يتباطأ. إلا أنها لم تقدم حتى الآن تنازلاً جدياً واحداً وأظهرت استعدادها للتحمل. وقليل من يعتقدون أنه في ضوء التغيير المحتمل للسلطة في أمريكا، ستطلق بكين عملية لإرضاء البيت الأبيض.
ومن الواضح أنه حتى الآن أن الأمريكيين اختاروا استراتيجية أكثر صحة وأطول أمداً للتنمية الاقتصادية. فهم يجرون الأبحاث العلمية ويخلقون تطورات تقنية متقدمة، ويخترعون، فالأمريكيون لا يملأون بلادهم بمصانع لا نهاية لها؛ فهم ينتجون على أرضهم فقط ما لا يمكن أن يثقوا به للآخرين: الطائرات، والأسلحة، وأحدث الأنظمة الطبية، وسفن الفضاء. كما إنهم ينتجون الطعام ويزودون أنفسهم به. فإذا ألقيت نظرة على هيكل التجارة الصينية الأمريكية، سترى: من الصين إلى أمريكا تتدفق الإلكترونيات الاستهلاكية والكمبيوتر والسلع الاستهلاكية. ومن أمريكا إلى الصين 30% معدات و70% مواد غذائية.
فإذا تضاعفت أسعار النقل البحري فجأة أو أصبحت التجارة عبر المحيطات مستحيلة، فسوف يحتفظ الأمريكيون بغذائهم، و"سيعانون" من نقص أجهزة آيفون الجديدة. لكن الصينيين سيبقون من دون ثلاث وجبات يومية محتفظين بأجهزة الآيفون، وهنا يبدو أن الأمريكيين أكثر فراسة وأبعد نظرًا.
كما أن الحرب التجارية بين أمريكا والصين، والتي لا زالت رحاها مستمرة حتى الآن أظهرت حقيقة مفادها أن هذين الاقتصادين الأكبر في العالم لا يمكنهما العيش دون بعضهما البعض.