مُنذ أكثر من ثلاثة عقودٍ خلت استأثرت العلاقات الاقتصادية الأمريكية / الصينية على أهمية استثنائية، إذْ تقدمت أمريكا لتتبوأ المرتبة الأولى عالمياً، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، فيما أرتقت الصين لتحتل المرتبة الثانية على المُستوى الدولي، وبخاصة إنَّ العلاقات الأمريكية /الصينية لا تمتلك إرث عدائي سابق، إلا إنها شهدت في السنوات العشرين الأخيرة، تصاعد ظاهرة التنافس الحاد بين الدولتين في مختلف القطاعات الاقتصادية.
وساهمت جُملة إجراءات في كلٍ من الولايات المتحدة والصين على انتقال المنافسة الاقتصادية لمرحلة " الحرب التجارية " عقب اتخاذ إدارة الرئيس الأمريكي السابق " ترامب " سلسلة قرارات عقابية لمواجهة التطور الاقتصادي الصيني، مما أدى لمعاقبة (48) شركة في عهده، وازداد هذا العدد إلى (59) شركة أخرى في عهد الرئيس " بايدن"، فضلا عن معاقبة (100) شركة أخرى لها صلة بالتعاون الصيني/ الروسي.
ومع انتقال الزعامة في الصين من " هو جين تاو " عام 2013م، إلى " شي جين بينغ " تخلت الصين عن مبدأ (بناء القدرات وانتظار الوقت) والانتقال لتتبنى (نمطًا جديدًا لعلاقات القوى الكبرى)، قوامه المشروع الاستراتيجي " مبادرة الحزام والطريق"، فضلاً عن تبني الصين لمبدأ " التعددية القطبية كمبدأ حاكم للعلاقات الخارجية"، وهو ما يتعارض في مضمونه مع مواقف أمريكا حيال الصين.
ومما زاد من أهمية الموضوع، تحسب بعض الدول بكون تداعياته الآنية والمُستقبلية لا ترتبط بأمريكا والصين فقط بل تتعدى إلى بعضٍ من دول العالم ومنها الدول العربية والتي ترتبط بعلاقات اقتصادية وثيقة مع كلا الدولتين. ولاستجلاء جانبٍ من حيثيات الموضوع، والتي دفعت العلاقات الاقتصادية الأمريكية ــــــ الصينية نحو مرحلة " الحرب التجارية"، لابد من التطرق للمحاور الاتية:
أولاً. الحرب التجارية الأمريكية ـ الصينية: أجمعت العديد من المصادر العلمية على أنَّ مُصطلح "الحرب التجارية "حديث نسبياً، ويتضمن استخدام الرسوم الجمركية والإجراءات الحمائية التي تعيق أو تعطل تدفق السلع والخدمات بين بلدين أو أكثر. وقد أثار اندلاع الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين على اهتمام غالبية دول العالم في مختلف الميادين، وبخاصة في الميدان الاقتصادي.
شكلت العلاقات الاقتصادية الأمريكية ـ الصينية نموذجًا فريداً يجمع ما بين التعاون والصراع، حيث تعمل الولايات المتحدة لضمان الهيمنة الدولية. فيما تسعى بكين لتجاوز هذه الإشكالية. فقد بدأت الحرب التجارية بينهما في عام 2018م، من خلال عدة قرارات أعلنتها إدارة " ترامب" لفرض رسوم جمركية تبلغ قيمتها (50) مليار دولار على السلع الصينية. وردت الحكومة الصينية بفرض رسوم جمركية مماثلة على (128) مُنتج أمريكي، وأصبحت الرسوم الأمريكية على ما قيمته (34) مليار دولار من البضائع الصينية فعالة في السادس من يوليو 2018م، وقامت الصين بالمثل على نفس القيمة.
وعقب استلام الرئيس " بايدن " السلطة في واشنطن في يناير 2021م، قام بالتوقيع على أمر تنفيذي تم بموجبه توسيع الحظر الذي سبق وأن فرضه " ترامب" على ضخ الاستثمارات الأمريكية في الشركات الصينية التي يُعتقد أن لديها صلات بقطاعي تكنولوجيا الدفاع والمراقبة في الصين وتقوم بتطوير وبيع تقنيات المراقبة للخارج. وقد ازداد عدد الشركات الصينية المفروض عليها هذا الحظر من (48) شركة في عهد " ترامب" إلى (59) شركة بموجب قرار بايدن الأخير. ودخل هذا الأمر التنفيذي حيز النفاذ في 2 أغسطس 2021م، (مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، ابوظبي، 8 يونيو 2021م). وبتاريخ 9 أغسطس 2023م، وقع الرئيس الأمريكي" جو بايدن" أمراً تنفيذياً آخر يخول وزارة الخزانة حظر أو تقييد بعض الاستثمارات الأمريكية في الكيانات الصينية اعتباراً من 2024م، وذلك في ثلاثة قطاعات، وهي أشباه الموصلات والإلكترونيات الدقيقة وتقنيات المعلومات الكمية وأنظمة الذكاء الاصطناعي.
ولعل من المفارقة قيام وزيرة الخزانة الأمريكية "جانيت يلين" خلال زيارتها بكين بتاريخ 5/4/2024م، بتحذير الصين من (مخاطر) دعم الحكومة الصينية لشركاتها، مما يُشكّل ــــ من وجهة النظر الأمريكية ـــــ تهديداً للمرونة الاقتصادية العالمية، وأعربت عن قلق واشنطن من "القدرة الفائضة" للإنتاج الصناعي الصيني، وحذّرت من أن هذا الفائض "قد يوفر كميات كبيرة من الصادرات بأسعار منخفضة، ما يمثل تهديداً للمرونة الاقتصادية العالمية" فيما أكد وزير الخارجية الأمريكي " أنتوني بلينكن "خلال المؤتمر الصحفي الذي أقامه في بكين بتاريخ (26 أبريل 2024م) على خضوع (100) شركة صينية لعقوبات أمريكية بفعل دخولها في شراكات مُختلفة مع الجانب الروسي.
فيما عبرَّ الرئيس الصيني " شي جين بينغ " في 22/11/2022م، عقب انتهاء المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني عن مواقف بلاده بتصريح قام بصياغته بأسلوب أدبي عكس خلفيته الفكرية كأديب وشاعر بقوله: " إن الحزب لن تُرهبه الرياح العاتية، أو المياه المتقلبة أو حتى العواصف الخطيرة، ".
كما اعتمدت الصين، في 28 يونيو 2023م، قانونًا جديدًا للعلاقات الخارجية، لمواجهة العقوبات الأجنبية التي تستهدف مصالحها، يضمن السماح للمحاكم الصينية بمعاقبة الشركات التي تستجيب للقوانين الأجنبية المُضّرة بالمصالح الوطنية وهو ما يُمثل ضغوطاً مُقابلة على الشركات الدولية، ويدفعها إلى التفكير مرتين قبل الانصياع للعقوبات الأميركية.
ثانياً. الولايات المتحدة الأميركية والصين: مُؤشرات اقتصادية: مع تباين المُنطلقات النظرية للتوجهات الاقتصادية لكلٍ من الولايات المتحدة والصين، إلا إنهما تنفردان بكونهما من أقوى الاقتصادات في العالم، وكما يتضح ذلك جلياً بالاستعراض المُقتضب لجانبٍ من الإمكانيات الاقتصادية لكلٍ منهما، وكما يأتي:
- المساحة والسكان: تمتلك كلٌ من الولايات المتحدة والصين موقعاً استراتيجياً في خارطة العالم، حيث تقع الولايات المتحدة في مُنتصف قارة أمريكا الشمالية فيما تحتل الصين موقعاً استراتيجياً في شرق قارة آسيا، ويفصل بينهما المحيط الهادئ، وبمسافة تبلع نحو (11,600) كم. واستناداً لأحدث إحصاءات البنك الدولي، تبلغ مساحة الولايات المتحدة نحو (9,831,510) كم2، فيما تبلغ مساحة الصين نحو (9,562,910) كم2. ومع إنَّ مساحة الصين أقل نسبياً من مساحة الولايات المتحدة إلا إنها تمتلك أكبر ثروة بشرية في العالم قوامها (1,412,175,00) مليون نسمة، وبضمنهم نحو (779,890,79) مليون نسمة من القوى العاملة. وبالمقارنة مع الولايات المتحدة التي يبلغ عدد سكانها (333,287.56) مليون نسمة وبضمنهم نحو (170,602.91) مليون نسمة من القوى العاملة. فإنَّ تعداد القوى العاملة في الصين يزيد مرتين عن إجمالي تعداد سكان الولايات المتحدة، مما يُشكل نقطة قوة لصالح الاقتصاد الصيني.
- الناتج المحلي الإجمالي ونصيب الفرد منه: يُمثل الناتج المحلي الإجمالي ما يُنتج داخل أي بلد في العالم من سلع وخدمات مُقومة بالدولار الأمريكي ولمدة زمنية مُحددة غالباً ما تكون لمدة سنة. ويُعتبر الناتج المحلي الإجمالي أحدَّ أهم المؤشرات الأساسية لقياس قوة اقتصاد أي دولة من دول العالم، ووفقاً لأحدث إحصاءات للبنك الدولي لعام 2022م، تمتلك أمريكا أعلى ناتج محلي إجمالي في العالم قوامه (25,439,700,00) تريليون دولار، ويبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي نحو (76,329,6) دولار سنوياً. وبالاتجاه المقارن تأتي الصين بالمرتبة الثانية عالمياً بناتج محلي إجمالي قدره (17,963,171,48) تريليون دولار، فيما يبلغ نصيب الفرد الصيني من الناتج المحلي الإجمالي (12,720,2) دولار سنوياً.
- الاحتياطيات المالية بما فيها الذهب: تمتلك الصين أعلى احتياطي مالي على المستوى الدولي وقدره (3,306,839.41) تريليون دولار ، وبضمنها (39) طن من الذهب في البنك المركزي الصيني، والذي كان من أكبر مشتري الذهب من البنوك المركزية في العالم لعام 2023م، بواقع (226) طناً. فيما تأتي الولايات المتحدة بالمرتبة الثانية بعد الصين باحتياطيات مالية قدرها نحو (706,644.22) مليار دولار وبضمنها (8133.46) طن من الذهب في البنك الفيدرالي الأمريكي. وتعكس المُعطيات الإحصائية المالية تفوق الاحتياطيات المالية الصينية على الاحتياطيات المالية الأمريكية.
- احتياطي النفط الخام والغاز الطبيعي: وفقاً للتقرير السنوي لمنظمة الأوبك لعام 2023م، تمتلك الولايات المتحدة احتياطي نفطي مؤكد قدرة (2) مليار برميل من النفط الخام، فضلاً عن احتياطيات غازية قدرها نحو (16.396) مليار م3. ويبلغ حجم الصادرات النفطية الأمريكية نحو (9.577) مليون برميل يومياً. وبالمقارنة مع الصين التي تمتلك (27) مليار برميل من احتياطيات النفط الخام، و(3.142) مليارم3، من الغاز الطبيعي. وتستورد الصين (11.674) مليون برميل من النفط يومياً للسنة ذاتها وهي من أكبر الدول المُستوردة للنفط الخام في العالم.
- . الانفاق العسكري: وفقاً لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في 22 أبريل 2024م، عن الانفاق العسكري العالمي تصدرت الولايات المتحدة الدول الأكثر إنفاقاً بنحو (916) مليار دولار لعام 2023م، وأعقبتها الصين بالمرتبة الثانية عالمياً بإنفاق قدره (296) مليار دولار للسنة ذاتها.
مؤشرات اقتصادية مقارنة بين الولايات المتحدة والصين لعام 2022
ت |
المؤشرات |
الولايات المتحدة الأميركية |
جمهورية الصين الشعبية |
1. |
إجمالي المساحة (مليون كم2) (1) |
9,831,510 |
9,562,910 |
2. |
إجمالي السكان (مليون نسمة) |
333,287.56 |
1,412,175.00 |
3. |
القوى العاملة (مليون نسمة) |
170,602.91 |
779,890.79 |
4. |
الناتج المحلي الإجمالي (تريليون دولار أميركي) |
25,439,700.00 |
17,963,171.48 |
5. |
نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي |
76,329.6 |
12,720.2 |
6. |
الاحتياطيات المالية بما فيها الذهب (مليار دولار أميركي) |
706,644.22 |
3,306,839.41 |
7. |
احتياطي الذهب في البنك المركزي (طن من الذهب) |
8133.46 |
2235.39 |
8. |
الاحتياطي النفطي المؤكد (مليار برميل) (2) |
55.2 |
27 |
9 |
احتياطي الغاز المؤكد (مليار م3) |
16.396 |
3.142 |
19 |
الإنفاق العسكري (مليار دولار أميركي) (3) |
916 |
296 |
ثالثاً. العلاقات الاقتصادية الأمريكيةـ الصينية:
- التبادل التجاري: استناداً لمكتب الإحصاءات الأمريكي لعام 2024م، تطورت أرقام إجمالي قيم صادرات الولايات المتحدة إلى الصين خلال السنوات 2019 ــــــــ 2023م، لتؤشر تصاعد تدريجي من (106,48) مليار دولار في عام 2019م، لتصل إلى (154,01) مليار دولا في عام 2022م، ثم لتتراجع في عام 2023م، إلى (147,80). وبالاتجاه المقابل عكست أرقام الاستيرادات الأمريكية من الصين للمدة ذاتها، أرقام متذبذبة تراوحت ما بين أعلى رقم وكان في عام 2022م، إذ بلغت قيم الواردات من الصين (536,30) مليار دولار وأدنى رقم كان في عام 2023م، (427,22) مليار دولار. وفي كل الحالات يعاني الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والصين من عجز تجاري بأرقام كبيرة جداً، مما شكل أحد أهم ملامح ظاهرة الحرب التجارية بين البلدين.
الاستثمارات المتبادلة: تعكس أرقام الاستثمارات الخارجية المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين خلال المدة (2017 ـــــــ 2022م)، أحدَ أهم عناصر القوة الاقتصادية لصالح الولايات المتحدة، إذْ تزايدت أرقام الاستثمارات الأمريكية في الصين بشكل تصاعدي، إذْ أنتقل إجمالي الاستثمارات الأمريكية من (105) مليار دولار عام 2017م، ليصل إلى (126) مليار دولار في عام 2022م، وبالاتجاه المقابل، تراوحت أرقام الاستثمارات الخارجية للصين في الولايات المتحدة للمدة ذاتها ما بين (36) مليار دولار في عام 2019م، و(20) مليار دولار في عام 2022م، مما عكس نقطة ضعف في القدرات الاستثمارية الصينية.
خامساً. التوجهات السياسية:
واجهت العلاقات السياسية الأمريكية ــالصينية مشاكل مُعقدة لاعتبارات ذاتية وموضوعية كثيرة، ارتبطت في بعضٍ من جوانبها بنتائج الحرب العالمية الثانية والخلافات الأيديولوجية بين الدولتين، وتأخر اعتراف الولايات المتحدة بالصين إلى سبعينيات القرن الماضي. وعلى مدى سنوات طويلة، زار وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "هنري كيسنجر" الصين أكثر من (100) مرة، ريثما أستطاع إعادة ترتيب العلاقات الأمريكية ــ الصينية.
وفيما يخص الصين فقد أجمع المختصون بإمكانية اختصار التوجهات المعاصرة للصين والتي تولى الحكم فيها منذ عام 1948م، (11) رئيساً، بثلاث مراحل، قوام كل منها ثلاثين عاماً، الأولى، مرحلة حكم الرئيس " ماو تسي تونغ" خلال المدة (1949 ـــــــــ 1978م)، وشَّكلَ الاقتصاد والنظام السياسي اللينيني سمتها الرئيسية. وبدأت المرحلة الثانية بتولي الرئيس " دينج شياو بينج" واستمرت مع حلفائه من (1978 ــــــــــ 2008م) بتطبيق بسياسة الإصلاح الاقتصادي واخفاء القدرات. فيما بدأت المرحلة الثالثة منذ عام 2008 م، وحتى الوقت الحاضر وأبرز معالمها تسنم الرئيس " شي جين بينغ " دست الحكم في عام 2013م، وتجلت بانتقال الصين في عهده لشخصية القوة الكبرى التي تنتهج سياسة خارجية رفيعة المستوى. مما شكل انعطافاً استراتيجياً أثار حفيظة الولايات المتحدة الأميركية ضد الصين.
رابعاً. القدرات العربية في مواجهة تداعيات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين: يمكن إيجاز الدور العربي في الميدان الاقتصادي، في مضمار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين من خلال محاولة تحديد الانعكاسات (السلبية) أو (المخاطر) على الاقتصادات العربية، والعمل على استغلال علاقاتها التجارية مع كلا القطبين الأمريكي والصيني وباستثمار (الفرص المتاحة) التي يُمكن استثمارها عربياً في خضم التداعيات المستمرة للحرب التجارية بين الدولتين، وذلك من خلال العلاقات الاقتصادية العربية الأمريكية من جهة والعربية الصينية من جهة أخرى ، ولعل أهمها الآتي :
- التجارة الخارجية: وفقاً للمصادر الرسمية الصينية والأمريكية، بلغ إجمالي التبادل التجاري بين أهم عشر دول عربية لعام 2022م، مع الصين نحو (394) مليار دولار مما عكس أحد أهم عناصر القوة لصالح الصين اقتصادياً. وبالاتجاه المقابل، بلغ إجمالي التبادل التجاري بين نفس الدول وللعام ذاته مع الولايات المتحدة نحو (113) مليار دولار أمريكي مما يعكس التأثير الصيني الواسع في الأسواق العربية.
- المشاريع الاستثمارية في الدول العربية : بلغت الكلفة الإجمالية للاستثمارات الأجنبية في الدول العربية نحو (200) مليار دولار لعام 2022م، فيما بلغ عدد المشاريع الاستثمارية (1617) مشروعاً استناداً للتقرير السنوي للمؤسسة العربية لضمان الاستثمار لعام 2022م، ولقد واصل قطاع الطاقة المتجددة في الدول العربية تصدره المرتبة الأولى من حيث التكلفة الاستثمارية لأهم عشرة مشاريع في المنطقة العربية خلال عام 2022م، وذلك من خلال (6) مشاريع، خمسة منها في مصر وواحد بالمغرب بقيمة (63.1) مليار دولار وبحصة (31%) من الإجمالي. وقد حل قطاع النفط والغاز بالمرتبة الثانية مستحوذاً على أربعة مشاريع بقيمة (25.3) مليار دولار وبحصة (12.6%) من الإجمالي. فيما استحوذت خمس دول عربية على غالبية الاستثمارات الخارجية وهي كل من: (الإمارات، والسعودية، وقطر، ومصر، والمغرب) على (92%) من عدد المشاريع، (1494مشروع) و(88%) من التكلفة الاستثمارية، (176.2 مليار دولار أميركي).
- الولايات المتحدة الأمريكية: واصلت الولايات المتحدة تصّدرها المرتبة الأولى كأهم الدول المُّصدرة للمشاريع الاستثمارية إلى الدول العربية في عام 2022م، وفق مؤشر عدد المشاريع، إذْ نفذت من خلال (231) شركة استثمارية (217) مشروعاً استثمارياً في الدول العربية، تُمثل (16%) من إجمالي عدد المشاريع وبتكلفة بلغت نحو (20.7) مليار دولار أمريكي، وتمثل (10.4%) من إجمالي المشاريع الاستثمارية العربية.
- جمهورية الصين الشعبية: احتلت الصين المرتبة التاسعة ضمن الدول العشر الأولى المُستثمرة في الدول العربية لعام 2022م، وفق مؤشر عدد المشاريع، حيث نفذت (36) مشروعاً وكانت حصتها نحو (2%) فقط من إجمالي المشاريع المستثمرة في الدول العربية.
خامساً. الآفاق المستقبلية:
- في ضوء ما تقدم، يتضح إنَّ الإمكانيات الاقتصادية الأمريكية /الصينية، تعكس في المُجمل تفوق الولايات المتحدة على الصين. وعلى سبيل المثال، فإنَّ أرقام (التبادل التجاري والاستثمارات الخارجية) للدول العربية مع كل من: أمريكا والصين لعام 2022م، تُظهر تفوق الصين في أرقام التبادل التجاري (394 مليار دولار)، وتراجعها في قطاع الاستثمارات بالدول العربية البالغة نحو (200) مليار دولار، نسبة الصين منها (2%) فقط. وبالمقارنة تتفوق أمريكا بمساهمتها بالاستثمارات بالدول العربية وبنسبة (17%)، وتتراجع في مجالات التبادل التجاري أذ تبلغ مجموع قيم التبادل التجاري مع الدول العربية نحو (113) مليار دولار.
- تمتلك الولايات المتحدة علاقات قديمة ومتشعبة مع الدول العربية، وبخاصة الخليجية منها، ولايزال الدور السياسي والعسكري الأمريكي أكثر فاعلية من الصين في المنطقة العربية. ولتحاشي أنْ يكون العرب ضحايا للتطورات الاقتصادية العالمية، لابد من مراعاة صانع القرار العربي لتحقيق المصالح العربية مع الاستمرار بعلاقات اقتصادية وسياسية متوازنة مع كل من الدولتين، " أميركا والصين".
- مع مراعاة كل ما تقدم، لابد من الأخذ بنظر الاعتبار إنَّ الحرب التجارية الأمريكية / الصينية ترتكز على (خلافات ثنائية)، عديدة لعل أهمها حول التجارة والتعريفات الجمركية، وارتفاع أرقام العجز في الميزان التجاري الأمريكي / الصيني، وقطاعات أشباه المواصلات والإلكترونيات الدقيقة، وأنظمة الذكاء الصناعي والقدرة الفائضة للإنتاج الصناعي الصيني. وتشير التجارب الدولية إلى أنَّ نسبة نجاح أي من العقوبات الاقتصادية، سواءً أكانت في قطاع التجارة الخارجية أم غيرها، وبخاصة إذا كانت مُفردة تتراوح ما بين (5 ــــــ 6%) فقط، أو على أقل تقدير يكون تأثيرها أحادي الجانب. فيما تُحقق العقوبات الجماعية كتلك التي يفرضها مجلس الأمن الدولي أهدافها بسهولة.
ختاماً، لابد من اعتماد سياسة اقتصادية عربية متوازنة بين الدولتين العظميين اقتصادياً: الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وتعزيز التعاون الاقتصادي العربي المشترك، ودراسة إمكانية اعتماد سلة العملات لأسعار صرف العملات العربية لتلافي تأثيرات تخفيض أسعار صرف الدولار الأميركي، سواءً أكان ذلك في المدى المنظور أم في الإطار الاستراتيجي.