array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

دول الخليج تواجه الركود بنمو 3.6% وارتفاع استثمارات الربع الأول للعام الحالي بـ 20.3% إلى 45 مليار دولار

الأربعاء، 29 أيار 2024

ســاهمت التعدديــة القطبيــة الجديدة والتطــورات الإقليمية والعالمية في بروز الصين كقوة عظمى في السنوات الماضية وعززت وجودها الاقتصادي والتكنولوجي والسياسي والعسكري في دول مجلس التعاون الخليجي خصوصًا في ظل توتر العلاقـات بـين الولايـات المتحدة ودول المجلـس. وشهدت العلاقة تطورًا متسارعًا، أصبحت الصين بموجبه شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا، ولم تكتف فقط بتواجدها الاقتصادي بل عززت دورها التكنولوجي والسياسي والعسكري. وقد جاء اهتمام الصين بالمنطقة رغبة منها لتلبية احتياجاتها الهائلة من الطاقة وتوسيع مصالحها الاقتصادية وعلاقاتها التجارية التي أصبحت أكثر تنوعًا. وتم إضفاء الطابع الرسمي على هذه العلاقة من خلال المفاوضات التي تمت ضمن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول المجلس والتي تبلورت من خلال مبادرة "الحزام والطريق" التي تم الإعلان عنها في عام 2013م. وشهدت التجارة الثنائية بين الصين ودول المجلس نموًا كبيرًا، ارتفعت التجارة من 10 مليارات دولار في عام2000   إلى 115 مليار دولار في عام 2016 م، وبلغت في 2022 م، أكثر من 180 مليار دولار، وأصبحت السعودية أهم شريك تجاري للصين في الشرق الأوسط، واحتلت الإمارات المرتبة الثانية، وحلت دول المجلس مجتمعة المرتبة السادسة كأكبر وجهة للتصدير إلى الصين وخامس أكبر وجهة للاستيراد.

وعلى الجانب الآخر اعتبرت الصين مضيق هرمز، الذي يمر عبره ثلث النفط العالمي المنقول بحرًا، وما يزيد على 45 % من وارداتها من النفط، ممرًا هامًا لنقل النفط في العالم، لذلك سارعت في ضخ الاستثمارات الضخمة في الموانئ الخليجية المتاخمة له، وفي المجمعات الصناعية والبنية التحتية للطاقة وشبكات المواصلات المختلفة. ومن خلال "طريق الحرير الرقمي" عملت شركات الصين التكنولوجية على تزويد دول الخليج بشبكات الجيل الخامس والتكنولوجيا الذكية. ومـع اسـتعداد الصـين لتوفيـر التقنيـات العسـكرية الحيوية كأنظمـة الطائـرات بـدون طيـار والصواريـخ الباليسـتية، تطورت العلاقة الصينية الخليجية بصورة كبيرة في مجالات السياسة الاقتصادية والأمنية، وفتحت أمامها فرصًا جديدة في المجال العسكري عبر مبيعات الأسلحة، والاستخدام المزدوج للموانئ والدبلوماسية العسكرية (مركز الإمارات للسياسات: 11:2024).

إلا أن الصين في سعيها للتصدي للحملة الأمريكية الموجهة ضد تقدمها في مجال التكنولوجيا المتعلقة بالرقائق والذكاء الاصطناعي، تخوض معركة تجارية حامية مع أمريكا التي تتهمها بالقيام بممارسات تجارية غير عادلة مع عدم التزام بقواعد منظمة التجارة العالمية، وسطوها على حقوق الملكية الفكرية الأمريكية والتي قدرت بحوالي 1.2 تريليون دولار خلال الفترة من 2013-2017.

 وبالرغم من المحادثات بشأن التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون والصين والتي بدأت في ٢٠٠٤ م، إلا أن التطبيق ما زال معلقًا رغم محاولة الجانب الصيني إبراز الموضوع خلال مختلف اللقاءات بين القيادات الحكومية في الصين ودول المجلس إلا أن الاتفاقية لم تفعل، في حين إن العديد من اتفاقيات التجارة الحرة مع دول أخرى تم تفعيلها، مثل اتفاقية التجارة الحرة مع كوريا التي وقعت في ٢٠٢٤م، واتفاقية الشراكة الشاملة مع الهند في ٢٠٢٢م، وقد يرجع البعض السبب إلى التحذير الأمريكي بخصوص التكنولوجيا الصينية، ويرى أخرون أنه قد يكون خشية دول مجلس التعاون من تدفق السلع الصينية الرخيصة الثمن ومنافستها للمنتج المحلي خصوصًا في ظل سعي دول المجلس إلى تفعيل خططها الاستراتيجية الرامية إلى تشجيع الصناعة المحلية.

رغم علاقات دول المجلس الوطيدة مع جميع القوى الكبرى إلا أن علاقتها بالولايات المتحدة شهدت تراجعًا في السنوات الأخيرة نتيجة التحول الاستراتيجي للولايات المتحدة وتخفيف التزاماتها الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، مما عزز الدور الصيني في التفاعلات الاقتصادية والسياسية في المنطقة. ومن المتوقع أنه مع التصعيد في المنافسة بين القطبين قد يتأثر تدفق التجارة الخليجية وشراكاتها الاقتصادية. لذلك فإن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين حتمًا ستكون لها تأثير وتداعيات على دول مجلس التعاون تستوجب مواجهة هذه التحديات وتقليص تداعياتها.

تأثير وتداعيات الحرب على دول المجلس

يشكل اعتماد دول مجلس التعاون الكبير على التجارة الخارجية تحديًا كبيرًا لتداعيات الحرب التجارية، والتي يمكن أن تعرقل تدفقات التجارة الدولية وتؤثر على أنشطة التصدير والاستيراد خصوصًا إذا علمنا أن حجم التجارة الخارجية لدول المجلس بلغت حوالي 1,067.6 مليار دولار أمريكي للعام 2019م. وقد مرت العلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجية وآسيا بوتيرة سريعة من النمو، نتج عنها تحول جذري على التجارة العالمية وقطاع الأعمال والعلاقات السياسية، ونظرًا لتصدر الصين المرتبة الأولى من بين أهم الشركاء التجاريين لمجلس التعاون من حيث إجمالي الصادرات السلعية بما قيمته 106.3 مليار دولار أمريكي، وبنسبة 17.4% من إجمالي الصادرات السلعية  لدول المجلس إلى الأسواق العالمية في 2019م، مقارنة بـ 98.7 مليار دولار في 2018م، بنسبة نمو بلغت 7.7%. فيما احتلت اليابان المرتبة الثانية بنسبة 12.9%، تليها الهند 12.1%، وكوريا الجنوبية 9.2%، وسنغافورة 5.0%، ثم الولايات المتحدة 4.0%. وفي نفس السياق ونظرًا لأن هذه الدول تعتبر من أكبر المستوردين للنفط الخام والغاز الطبيعي من دول المجلس، فإن الحرب التجارية قد يترتب عليها تداعيات سلبية على النمو الاقتصادي ويرفع من عدم اليقين الاقتصادي ويزيد من تكاليف التصدير والاستيراد بما يرفع أسعار السلع ويخلق تذبذبًا في الطلب على النفط وأسعاره يؤدي إلى انعكاسات سلبية على إيرادات دول المجلس ويعطل خططها الاستراتيجية ونموها الاقتصادي.

وعلى الجانب الآخر ونتيجة سياسات التنوع الاقتصادي الذي تعتمده دول المجلس، والذي يسير بخطى متسارعة في قطاعات اقتصادية ناشئة، يتنامى التدفق الاستثماري بين دول المجلس والدول الآسيوية في الاتجاهين وعبر قطاعات متنوعة بما في ذلك القطاعات النفطية وغير النفطية، مثل الإنشاءات والطاقة المتجددة والتكنولوجيا. وبالرغم من أن دول المجلس تجتذب الاستثمارات الأجنبية من كل من الولايات المتحدة والصين، إلا أن الاستثمار الصيني المباشر ارتفع من 10.66 مليون دولار إلى 2.2275 مليار دولار في عام 2011. ومن المتوقع أن يستمر الاستثمار الأجنبي المباشر في دول مجلس التعاون الخليجي في النمو. لكون دول المجلس وجهات جذابة للاستثمار الأجنبي المباشر الصيني، خاصة مع تكثيف المشاريع المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق. وفي الاتجاه الآخر صاغت الصين سلسلة من السياسات التفضيلية لجذب الاستثمار الأجنبي، وأطلقت مشاريع عديدة  للتنقيب عن النفط، مما فتح فرصًا  لتوسيع دول مجلس التعاون الخليجي استثماراتها  في الصين، فعلى سبيل المثال،  استحوذت شركة أرامكو السعودية في 2023م،على حصة قدرها 10% في مصفاة نفط صينية خاصة لشركة رونغشنغ الصينية من أجل انتاج 480 ألف برميل يوميًا من النفط الخام في إقليم شيناجيانغ في صفقة بلغت قيمتها 3.6 مليار دولار، كما وقعت أرامكو أيضًا مشروعًا مع شركتين صينيتين لبناء مصفاة ومجمع للبتروكيماويات بسعة 300 ألف برميل يوميًا (مركز الإمارات للسياسات:2024).

وفي نفس السياق فإن لدول مجلس التعاون علاقات استثمارية مع الولايات المتحدة. ففي قمة الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون في 2022 م، تم الإعلان عن “نية بعض الشركاء في مجلس التعاون الخليجي استثمار ما مجموعه 3 مليارات دولار في المشاريع التي تتوافق مع أهداف الشراكة الأمريكية للبنية التحتية والاستثمار العالمي لتوفير بنية تحتية عالية الجودة ومستدامة تحدث فارقًا في حياة الناس حول العالم وتقوي سلاسل التوريد الخاصة بنا وتنويعها" (البيت الأبيض: يوليو 2022).  وقد استحوذت الاستثمارات الإماراتية على الحصة الأكبر من إجمالي الاستثمارات العربية في الأسواق الأمريكية، ووصلت إلى 44.7 مليار دولار في 2020، وتركزت على أنشطة البحث والتطوير المرتبطة بالابتكار والتكنولوجيا بمقدار 1.7 مليار دولار، وفي دعم الصادرات الأمريكية بقيمة 1.3 مليار دولار. وفي المقابل بلغ حجم الاستثمارات الأمريكية في الإمارات نحو 19.4 مليار دولار. كما وقعت الإمارات في 2023م، اتفاق شراكة لاستثمار 100 مليار دولار في مشاريع الطاقة المتجددة من أجل زيادتها عالميًا لتصل إلى 100 جيجاوات في 2032م، وقد ارتفع التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات والولايات المتحدة من 5.22 مليار دولار في عام 2005 م، إلى 17.83 مليار دولار في عام 2020م، وبلغت قيمة الصادرات الأمريكية إلى الإمارات في 2021 14.75$ مليار. مما سبق يمكن القول إن حجم التمويل ومسار التدفق الاستثماري قد يتأثر من تداعيات الحرب التجارية ويترتب عليه انعكاسات سلبية على اقتصادات دول المجلس تؤدي إلى تقلبات في أسواق عملاتها واستقرارها المالي.

وتشكل العداوة التقنية حول تكنولوجيا الجيل الخامس من شبكة الانترنت، والشرائح الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي وغيرها بين الصين والولايات المتحدة تحد آخر أمام دول المجلس وقد تعرضت شركة هواوي، رغم كونها الأبرز في مجال تكنولوجيا الجيل الخامس، إلى منع نشاطها في الولايات المتحدة. وتسعى الولايات المتحدة إلى الضغط على شركائها من أجل منعها من استخدام التكنلوجيا الصينية بحجة وجود ثغرات أمنية تهدد الشبكات واعتراضها على أن شركة هواوي الصينية قد تخفي ثغرات أمنية تهدد الأمن السيبراني وإدارة مخاطر سلسلة التوريد والبنية التحتية. ونظرًا لاعتماد دول مجلس التعاون على التكنولوجيا الصينية من خلال تبنيها 5G  والتي ساهمت في تحسن كفاءة وقدرة البنية التحتية للاتصالات وغيرها الكثير من الخدمات  والاستخدامات العديدة، قد يشكل تحديًا آخر للخدمات التكنولوجية في دول المجلس.

وعلى الجانب الآخر، تشكل الاضطرابات في سلاسل التوريد تحديَا أخر لدول المجلس لكونها جزءًا هامًا من سلاسل التوريد العالمية. وقد برزت مشكلة سلاسل التوريد العالمية خلال جائحة COVID-19. مثل هذا الاختلال في سلاسل التوريد قد يشكل حواجز تجارية واختناقات غير متوقعة وتراجع في نمو الطلب العالمي مما يؤثر على التصدير والاستيراد والإنتاج والتوظيف والنشاط الاقتصادي العام للعديد من الصناعات والتي عادة لا يمكنها التعامل مع النقص والتأخير في عوامل الإنتاج وارتفاع الأسعار.

تجنب التأثير والتداعيات

تشير دراسة صادرة عن «آسيا هاوس» أن التوجه الخليجي يتعاظم نحو آسيا، وأن حجم التجارة الثنائية ينمو بين دول مجلس التعاون وأسواق آسيا الناشئة ليقترب من 6% سنوياً خلال العقد المقبل ليصل إلى نحو 578 مليار دولار بحلول عام 2030م، وسيتجاوز حجم التجارة بين هاتين الكتلتين الاقتصاديتين حجم تجارة منطقة الخليج مع الاقتصادات المتطورة بحلول عام 2028م، ونظرًا لسعي دول المجلس الحثيث في مجال التنويع الاقتصادي والذي يسير بوتيرة متسارعة أيضًا، فمن المتوقع أن تتسارع معدلات النمو في التدفق الاستثماري في الاتجاهين مما يعني أن الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد يترب عليها تبعات تؤثر بصورة مباشرة على اتجاه ومسار التجارة العالمية والأنشطة الاستثمارية مما قد يؤثر سلبًا على قطاع الأعمال ويعرقل العديد من القرارات الاقتصادية والسياسية.

مثل هذه التحولات العالمية والصراعات الجيوسياسية والكوارث الطبيعية، وتهديدات الأمن السيبراني، والمشاكل اللوجستية التي تجتاح العالم تواجه اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية بما فيها دول المجلس تحديات أمنية وسياسية واقتصادية تفرض عليها ضرورة التحرك الاستراتيجي الشامل على صعيد سياساتها الاقتصادية والأمنية وذلك من خلال استراتيجيات موحدة وشراكات متوازنة لمواجهة الصدمات المناوئة والحد من التداعيات السلبية. فتحدي الحروب التجارية يتطلب أهمية توزيع الشراكات الاقتصادية والتجارية وتحفيز تعددية الأطراف في بناء تحالفات عالمية تضمن لدول المجلس المضي قدمًا في استراتيجياتها الرامية إلى تنويع مصادر الدخل القومي خارج قطاع النفط وتطوير قطاعاتها الإنتاجية الأخرى بتأمين أسواق لصادراتها ضمن شراكات استراتيجية كفيلة بتأسيس اقتصاد تكاملي عالمي تصل مخرجاته إلى الأسواق العالمية.

ومع سعي دول المجلس للتحول إلى الطاقة النظيفة والتحول الرقمي، تبدو الشراكات الاستراتيجية الهامة خطوة إيجابية في طريق الازدهار المنشود، الرامي إلى تطوير اقتصاداتها واستدامة تنميتها. إلا أنه من المهم أن تدرك دول المجلس أهمية خططها التكاملية على مستوى دول المجلس مجتمعة، فهي خيار استراتيجي حكيم وخطوة إيجابية نحو بناء شراكات إقليمية تضمن توسيع الخيارات الاستثمارية للصناديق السيادية على المستوى العالمي وفي نفس الوقت ترشد تكاليف استثماراتها المحلية.

في عصر يتسم بالتقلب وعدم اليقين، تعد القدرة على الاستجابة السريعة لاضطرابات سلسلة التوريد أمرًا بالغ الأهمية للسلامة الوطنية والازدهار الاقتصادي، مما يستوجب تطوير استراتيجيات مرنة لسلاسل التوريد والممكنات المطلوبة من أجل ضمان انسياب مدخلات ومخرجات الإنتاج بصورة ميسرة وسلسة لا تعطل العملية الإنتاجية للوحدات الاقتصادية العاملة في دول المجلس، وتلبي متطلبات التطور الذي يتطلب حركة السلع ورأس المال والتجارة العابرة للقارات. وفي ظل اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي وطموحها لتعزيز التنمية الصناعية على نطاق واسع يصبح خلق وتطوير سلسلة توريد فاعلة ومرنة ليست مجرد خيارًا بل أمرًا ضروريًا لضمان نجاح واستدامة القطاعات الصناعية.  خصوصًا إذا علمنا أن استراتيجيات التصنيع في بعض دول المجلس تعتمد بصورة كبيرة على سلاسل التوريد لفئات مختلفة من المنتجات من دول معينة، فعلى سبيل المثال أن من بين جميع الآلات والمعدات الكهربائية المستوردة في السعودية والإمارات، يأتي 60٪ و65٪ على التوالي من ثلاث دول فقط، وأن 50% و55% من إجمالي آلات الحفر والصمامات المستوردة في السعودية والإمارات أيضًا تأتي من ثلاث دول (تقرير أوليفر وايمان:2024). وهذا ما يجعل الاهتمام بمرونة سلاسل التوريد أمرًا في غاية الأهمية. وتشير بعض التقارير إلى أن بعض دول المجلس أدركت حديثًا أهمية الاهتمام بسلاسل التوريد وبذلت جهودًا على الصعيد الوطني لتحسين مرونتها. ففي عام 2022 م، أطلقت السعودية مبادرة مرونة سلسلة التوريد العالمية كجزء من استراتيجيتها الوطنية للاستثمار لجذب الاستثمارات في سلاسل التوريد والتخفيف من تأثير الاضطرابات العالمية وجعل المملكة موقعًا مفضلًا للشركات الصناعية العالمية الرائدة. وفي نفس السياق ركزت دولة الإمارات على تحسين سلاسل الإمدادات الغذائية من خلال برامج مختلفة مثل تلك التي تدعم الإنتاج الغذائي المحلي والمستدام، وإنشاء مراكز لوجستية جديدة ونشر الحلول التكنولوجية المتطورة. ويمكن التأكيد على أن تبني نهج شامل لدول المجلس جميعها، مع العمل على توطين الوظائف المستقبلية وتطوير مرونة سلسلة التوريد الأخرى، "يمكن لصانعي السياسات حماية النمو الصناعي لدولهم بشكل أفضل، وضمان التكيف والاستجابة في مشهد عالمي دائم التغير "(أوليفر وايمان:2024).

التعاون الخليجي ودوره بالنهوض بالقطاع الاقتصادي

وفقاً للنظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي لدول الخليج العربية، يعتبر التكامل الاقتصادي أحد الأهداف الأساسية كما حددته المادة الرابعة، إلا أنه في واقع الأمر ما زالت هناك العديد من التحديات التي تعرقل أطر وأدوات التعاون والتكامل الخليجي. أبرز هذه العوائق هو التباين والاختلاف في سياسات الاقتصاد الكلي، في حين أن المطلوب تقليص حجم التفاوت وتوحيد الأطر والسياسات بما يخدم مصالح الدول جميعها.  وتشير البيانات إلى أن نسبة التجارة البينية بين دول المجلس لا تتعدى 11% من إجمالي التجارة الخارجية، لذلك فإنه من المهم تعزيز التجارة والاستثمار الإقليمي من خلال منظومة مجلس التعاون، وذلك بالانتقال إلى تدابير أكثر شمولًا تشجع الاستثمار البيني وتطور أنماط استهلاك وتوفر حماية المستهلك وتعزز التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي. وحيث أن التعاون والتكامل الاقتصادي يتطلب أطرًا وقواعد رئيسية، فإن هناك حاجة للبدء بوضع أنظمة متماثلة في الشؤون الاقتصادية والمالية والتجارية والجمارك والمواصلات وغيرها. إن الحاجة ملحة لتعزيز الروابط الخليجية والتي تتطلب العمل على تسريع عملية ربط الموانئ البرية والبحرية والسكك الحديدية وتفعيل أدوات الاتحاد الجمركي والخيارات اللوجستية من أجل تسهيل انسياب التجارة وتوحيد السياسات. والعمل على تسريع عملية الربط الكهربائي وذلك لضمان تعزيز التكامل والازدهار الإقليميين ويفعل الشراكات المثمرة في القطاعات الاقتصادية الرئيسية، بشرط أن يتزامن ذلك مع تعزيز تدفقات الاستثمار بين الدول الأعضاء بموجب اتفاقية التجارة الحرة لدول مجلس التعاون الخليجي.

وفي نفس السياق هناك حاجة لتعزيز بيئة الأعمال الإقليمية من خلال الجهود المشتركة الرامية إلى جذب الاستثمار الأجنبي بصورة جماعية وتوحيد وسائل وأطر الترويج لفرص التجارة الإقليمية من أجل تقوية القدرة التنافسية للشركات المحلية.

كما أن توليد آفاق استثمارية لرواد الأعمال المحليين ودعم شركاتهم الصغيرة والمتوسطة يمكن أن يحفزهم على التوجه إلى القطاع الخاص ومزاولة أعمالهم الخاصة التي تعزز الاستدامة والنمو والقدرة التنافسية العالمية لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي دون انتظار الوظائف الحكومية. وذلك يتطلب تعديل القواعد واللوائح التي تحكم التجارة وتوحيد عمليات الاستيراد والتصدير وتبسيط إجراءات التجارة البينية ومنح الشركات الصغيرة والمتوسطة الأولوية في المناقصات الحكومية. وفي نفس الاتجاه، إن الحرص على خلق وتطوير استثمارات جديدة في البنية التحتية بما ينسجم مع التنمية المستدامة ومن خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص سيساهم في الاستفادة الفعالة من القطاع الخاص لحل مشاكل تمويل الهياكل الأساسية وترشيد استخدام الموارد المالية. كما أن تعاون المؤسسات المالية والمؤسسات ذات الصلة في الدول الأعضاء سيوفر حوافز أكبر لآليات التعاون فيما بين المصارف ويقدم دعمًا كبيرًا للتعاون الاقتصادي والتجاري العالمي.

الخاتمة

في حين أن دول مجلس التعاون الخليجي لن تكون بمنأى عن تداعيات الحروب التجارية نتيجة شراكتها الاقتصادية والسياسية والأمنية لقطبي الصراع في هذه الحروب، إلا أن ما تشير إليه التقارير والتوقعات الاقتصادية تبشر باتجاهات ايجابية في مسار النمو الاقتصادي. فرغم التحديات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية والتخفيضات في الإنتاج النفطي، إلا أنه من المتوقع أن تتغلب دول المجلس على الركود العالمي وتسجّل اقتصاداتها نموًا في الناتج المحلي الإجمالي تصل نسبته 3.6% وانتعاشًا في الناتج غير النفطي، وتحسّنا في مستويات السيولة، وارتفاعًا في التصنيف الائتماني السيادي بعد سنوات من تخفيضه. (برايس واتر هاوس)، وجهودًا متسارعة لتعزيز الاقتصاد الأخضر وتوطينًا للقوى العاملة في القطاع الخاص، وتنوعًا لشراكات تجارية واقتصادية واستثمارية عالمية وغير تقليدية. كما أن استثمارات دول المجلس ارتفعت خلال الربع الأول من 2024 م، بنسبة 20.3٪، ووصلت إلى 45 مليار دولار مقارنة ب 37.4 مليار دولار في العام الماضي حسب تقرير شركة كامكو.

مقالات لنفس الكاتب