array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

السودان والأمن الغذائي الخليجي

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2010

يشكّل الاحتياج العالمي إلى الأغذية بأسعار مقبولة مشكلة أساسية في كل دول العالم. فتزايد القلق بشأن توفير الإمدادات الغذائية ناتج عن الأسعار الباهظة للسلع والانخفاض في مستويات المخزون الاستراتيجي العالمي والتكلفة المتزايدة للمدخلات الزراعية، بالإضافة إلى التنافس من جانب مصنعي الطاقة البديلة. وتتأثر منطقة الخليج بشكل خاص بهذه القضية نظراً لعدم وجود مساحات كافية من الأراضي الزراعية وندرة مياه الريّ فيها. وقد أدّى النقص في الأغذية إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية ما دفع بعض الحكومات إلى زيادة الدعم الغذائي، بما ساهم في تشكيل ضغط إضافي على ميزانيات هذه الدول.

تحظى مشكلة الغذاء في دول الخليج بالاهتمام المجتمعي نظراً لأن دول الخليج مجتمعة لم تحقق الأمل المنشود في إرساء دعائم التنمية المستدامة في قطاع الزراعة، ولا تزال الأرقام دون مستوى الطموح، خاصة إذا عرفنا أن مساحة الأرض المزروعة في دول الخليج مجتمعة لا تتجاوز 4,7 مليون هكتار، من مساحة إجمالية تبلغ 257,3 مليون هكتار تستحوذ المملكة العربية السعودية على نحو 73 في المائة منها، في حين تنفرد الإمارات بـ 21,6، وتتقاسم الدول الأخرى بقية النسبة 6. وهذه الحقيقة قد تصدم البعض في واقع عالمي يتجه إلى تحقيق مبدأ الاكتفاء الذاتي، والعمل على زيادة الرقعة المزروعة، من خلال مضاعفة الطاقة الإنتاجية للصناعات الغذائية ووضع استراتيجيات وبرامج تتصدى للزيادات السكانية وتأمين الغذاء لها.

ففي ظل حقيقة نمو سكاني خليجي يبلغ سنوياً حوالي 4,4 في المائة، تقابله قلة في التمويل الموجه للنشاط الزراعي، وعلى مستوى منظومة مجلس التعاون الخليجي، نجد أيضاً محدودية التنسيق الخليجي، وقلة إقامة مشروعات مشتركة في المجال الزراعي، ومع اتساع الفجوة بين العرض والطلب على السلع الغذائية استشعرت هذه الدول أهمية العمل لمواجهة هذه الحقيقة، سواء منفردة أو مجتمعة، وكان الموقف الرسمي الخليجي وفي أكثر من مناسبة، يؤكد أهمية وضع الاستراتيجيات لإيجاد مخرج لمواجهة الأزمة الغذائية المرتقبة، لذلك قررت دول الخليج وضع إجراءات وتدابير لضمان الأمن الغذائي لشعوبها والمحافظة على استقرار أسعار السلع الأساسية.

واتفق وزراء الصناعة والتجارة الخليجيون على إنشاء شركة للاستثمار الزراعي لدول المجلس وتبادل المعلومات والتنسيق المشترك في ما يتعلق بالمواد الغذائية واحتواء ظاهرة ارتفاع الأسعار.

كما قرر الوزراء القيام باستثمار مشترك في القطاع الزراعي في دول عربية وأجنبية متعددة، وإعطاء فرصة أكبر للنشاط الزراعي الداخلي بالاعتماد على التقنيات الحديثة، بالإضافة إلى برنامج مشترك للتخزين الاستراتيجي لسلع رئيسية، واستخدام المخزون الغذائي لحالات الطوارئ. واتفقوا أيضاً على إعفاء نحو 30 مادة غذائية من الرسوم الجمركية بهدف دعم أسعارها في الأسواق المحلية. فضلاً عن تكليف الأمانة العامة لمجلس التعاون بمخاطبة الشركات المتخصصة في المجال الزراعي لإعداد دراسة الجدوى المتعلقة بالمشروعات والخيارات المتاحة سواء بإنشاء صندوق أو شراكات استراتيجية مع دول أخرى في الخارج أو إنشاء شركة سواء كانت خاصة أو حكومية أو مشاركة بين القطاعين. كما أعلن عن تكليف المجلس الوزاري لوزراء الخارجية بإعداد دراسة بشأن العمل الجماعي للاستثمار في مجال الأمن الغذائي ووضع مقترحات بهذا الشأن بالتنسيق مع الأمانة العامة للمجلس.

وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها دول مجلس التعاون في التصنيع الغذائي وتطوير الموارد الزراعية والحيوانية، والجهود الحقيقية للتغلب على الظروف المناخية والطبيعية الصعبة التي تحد من اتساع رقعة الأراضي الزراعية، وتبني بعض دول المجلس خططاً وطنية للأمن المائي فإن تكلفة الفجوة الغذائية ما زالت عالية، ووفقاً لبيانات الهيئة العربية للاستثمار الزراعي بلغت تكلفة الفجوة الغذائية عام 2006 قرابة 14.8 مليار دولار منها 9.5 مليار دولار في السعودية و209 مليارات دولار في الإمارات ونحو 1.1 مليار دولار في الكويت و0.6 مليار دولار في عمان ونحو 0.35 مليار دولار في كل من البحرين وقطر. ويتوقع أن ترتفع تكلفة الفجوة خلال الفترة ما بين (2009 -2015) لتصل في المتوسط إلى 24 مليار دولار. ونظراً لمحدودية موارد التربة والمياه، بالإضافة إلى الظروف المناخية غير الملائمة في دول مجلس التعاون الخليجي، فإنه من الصعب على تلك الدول أن تعتمد على نفسها لتوفر احتياجات سكانها من السلع الغذائية.

ومن ثم كان التوجه الخارجي ضرورة ملحة لمواجهة هذه المعضلة، من هنا بدأت دول الخليج العربية في الاستثمار الزراعي في إفريقيا بوجه عام وفي السودان على وجه الخصوص نظراً لما يمتلكه من مقومات زراعية واعدة، فلديه مساحة شاسعة تقدر بحوالي 2.5 مليون كيلو متر مربع، ومن ثم فهو أكبر الأقطار العربية والإفريقية مساحة. لقد ساعد ذلك الاتساع على وجود مناخات وبيئات ونظم زراعية متعددة تهيئ الظروف لإنتاج مختلف المحاصيل الزراعية، فالنشاط الزراعي يمثل المصدر الرئيسي والأساسي للدخل لمعظم السكان، وهنالك العديد من السلع الزراعية التي يتمتع فيها السودان بميزات تفضيلية نسبية عالية، كما يعتبر الطلب العالمي عليها مرتفعاً، لذا فإن إمكانات الاستثمار فيها مضمونة النجاح وسريعة العائد كإنتاج اللحوم نظراً لامتلاك السودان ثروة حيوانية هائلة لكبر مساحة أراضيه الزراعية الخصبة ما أدى إلى توفر المراعي الطبيعية ومصادر المياه العذبة الممتدة على أرجاء واسعة والتي منحته ميزة تفضيلية عالية. ومن المعروف أن السودان يزخر بقاعدة عريضة ومتنوعة من مصادر المياه بما في ذلك المصادر السطحية والجوفية والماء العذب، كما أن الماء المالح يمثل مرتكزاً أساسياً لإنتاج السمك والأحياء المائية، وذلك عن طريق المصائد الطبيعية وعن طريق الاستزراع، وتشمل هذه المصادر نهر النيل وروافده، والبحيرات الاصطناعية المقامة عليه، كما تشمل المستنقعات والسدود والسهول الفيضية والبحيرات الطبيعية والحفائر، ومجاري الماء خارج حوض النيل في الوديان والخيران الدائمة والموسمية، فضلاً عن ساحل البحر. ومن المفيد الإشارة إلى أن تجارب النهضة الزراعية التي حدثت في كثير من الأقطار قامت باعتمادها على مرتكزات رئيسية عدة، منها وفرة الموارد الزراعية وللسودان قسط وافر منها، وكذلك اتساع قاعدة السوق الاستهلاكية المستهدفة والتي تستوعب كل المنتجات الزراعية، كما تتضمن تلك المرتكزات القوة المتنامية للاقتصاد الوطني، فضلاً عن المرتكزات الأخرى المساعدة والتي تعمل على رفع الكفاءة التنافسية للسلع الزراعية، وهي البنى التحتية الأساسية من طرق وقوى محركة والتقانة الزراعية المستخدمة.

إن السودان بما لديه من إمكانات زراعية يصبح المكان الأقرب والأنسب للاستثمارات الزراعية الخليجية؛ فمنذ 34 عاماً مضت والسودان مرشح دولياً من قبل منظمة (الفاو) ضمن ثلاث دول لتكون سلة غذاء العالم إلى جانب كل من كندا وأستراليا. وإذا كانت الأخيرتان من أكبر مصدري القمح في العالم، فإن المفارقة المثيرة أن السودان من بين أكبر مستوردي القمح (نحو 2.2 مليون طن سنوياً)، كما يتلقى المساعدات بهذا المجال نتيجة لاضطرابات سياسية وحروب. ويذهب عدد من خبراء الزراعة في السودان إلى أن كافة الأراضي قابلة للزراعة ما عدا مراقد المياه. ويمتاز مناخ السودان بالتعدد والتنوع من الصحراوي وشبه الصحراوي في الشمال، ومناخ السافنا في الوسط والاستوائي في الجنوب، ما يجعله مؤهلاً لأن يزرع مختلف المحاصيل الصيفية والشتوية وما بين الفصلين طوال العام. كما يتمتع بوفرة مائية قلما تتوافر في أي من بلاد العالم، فإلى جانب حصته من مياه النيل البالغة نحو 20 مليار متر مكعب، توجد مصادر للمياه من الأمطار والمياه الجوفية.

وانطلاقاً من المزايا السابقة فإن دول الخليج سعت إلى دعم الأمن الغذائي وتوفيره، وبدأت دولة الإمارات بتطوير أكثر من 70 ألف فدان من الأراضي الزراعية في السودان، تضاف إلى مشروع (زايد الخير) الذي تبلغ مساحته 40 ألف فدان تزرع قمحاً وذرة، كما تجري المملكة العربية السعودية محادثات مع السودان للسماح للشركات السعودية بإقامة مشاريع لزراعة القمح والشعير وفول الصويا والأرز وعلف الحيوانات. وتسعى الحكومة السودانية إلى تمهيد الطريق أمام المستثمرين السعوديين للمضي قدماً مستغلين خبرتهم ومعرفتهم وأموالهم للاستثمار فيه. في الوقت نفسه ذكرت مجموعة (صافولا) السعودية أنها تعتزم استثمار 100 مليون دولار في مشاريع زراعية بالسودان، من أجل ضمان إمدادات السكر والزيت ومنتجات الألبان. كما قامت الكويت بتنفيذ شراكة استراتيجية مع السودان.

وعلى الرغم من التوجه الخليجي إزاء السودان لـتأمين الإمدادات الغذائية فإن المشروعات الاستثمارية وخاصة الزراعية لا تزال دون المأمول لذا بات ضرورياً أن تعمل دول مجلس التعاون الخليجي على الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية ووضع خطة لتوجيه استثماراتها نحو السودان الذي سيبقى ليس سلة الغذاء العربي فقط وإنما سلة غذاء العالم إذا أحسن استغلال موارده وقدراته. 

مجلة آراء حول الخليج