array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

بتعزيز العلاقات الاقتصادية تستفيد أمريكا والصين ودول الخليج من الفرص الناشئة والتغلب على التحديات

الأربعاء، 29 أيار 2024

تقف صناعة الطاقة العالمية عند منعطف حرج، متأثرة بالعديد من العوامل المختلفة التي تتجاوز نطاق الجغرافيا السياسية التقليدية. كما يضفي النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين تعقيدًا على المشهد، في ظل عواقبه التي يتردد صداها في مختلف أنحاء العالم، مُخلفةً تأثيرًا عميقًا على أسواق الطاقة. بالتالي، فإن الجهود المبذولة لإعادة تشكيل النظام العالمي وسط هذه التحديات تشكل عقبات بقدر ما تتيح من فرص لأصحاب المصلحة داخل قطاع الطاقة العالمي. وتتجلى تبعات هذا النزاع التجاري بشكل واضح داخل المنطقة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي، بما يقتضي إجراء تعديلات استراتيجية داخل صناعة الطاقة. من ثم، فإن فهم هذه الديناميات يعد ضرورة حاسمة من أجل الإبحار بفعالية وسط هذا الكم من التعقيدات التي تشهدها أسواق الطاقة.

الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين

تتسبب الحواجز التجارية في عرقلة تدفق الطاقة، بما يُشكل تحديًا لقدرة الأسواق على التكيف وربما يعرض أمن الطاقة إلى الخطر. مع ذلك، تضمن الرد الصيني على القيود التجارية، زيادة صادرات التكنولوجيا الخضراء مثل ألواح الطاقة الشمسية، والمركبات الكهربائية، وهو الأمر الذي قد يعجل بالتحول العالمي صوب الطاقة المتجددة. في الوقت ذاته، من المتوقع أن يساعد قانون خفض التضخم الأمريكي في التشجيع على الاستثمار في سلاسل إمداد الطاقة النظيفة، وربما تستفيد دول مثل المكسيك من هذا الأمر. وبشكل عام، بينما يتسبب النزاع التجاري بين واشنطن وبكين في خلق حالة من الضبابية وعدم اليقين، قد يقود إلى نتائج إيجابية لجهود الانتقال العالمي صوب الطاقة المتجددة، وذلك مشروط بالمعالجة الفعالة للتوترات الجيوسياسية، وتعزيز التجارة النزيهة في وسائل التكنولوجيا الخضراء.

تتسم العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بالمنافسة الاستراتيجية ومساعي تأكيد الريادة داخل منظومة التجارة العالمية. في حين يتبنى كلا البلدان سياسات تجارية مستقلة تستهدف تطوير المصالح الاقتصادية الخاصة بكل منهما وتوسيع رقعة نفوذهما على الساحة الدولية.

سياسة التجارة الأمريكية:

لطالما ركزت الولايات المتحدة للحفاظ على ريادتها في وضع المعايير الدولية، لاسيما داخل منطقة المحيطين الهندي-الهادي، بهدف مجابهة الصعود الصيني. وسعت مبادرات مطروحة من قبل الكونجرس الأمريكي إلى تدعيم أدوات السياسة التجارية الدفاعية لمكافحة الممارسات التجارية الصينية غير العادلة وتحايل بكين على الحواجز الجمركية. وفي سبيل معالجة اختلالات الميزان التجاري، وحماية الصناعات المحلية، قامت الولايات المتحدة بتطبيق تدابير جمركية ومُعالجات تجارية.

سياسة التجارة الصينية:

دأبت الصين على متابعة السياسات الاقتصادية والتجارية بهدف تعميق اندماجها داخل المنظومة الاقتصادية العالمية وتعظيم نطاق نفوذها العالمي. كما أصبح الاهتمام بالعوامل غير الاقتصادية مثل الأمن القومي والأحداث الجيوسياسية جزءًا من استراتيجيتها التجارية إلى جانب الاعتبارات الاقتصادية. ومن خلال تطويع قوى السوق، والاستثمارات التكنولوجية، وتحقيق النمو الاقتصادي، تسعى الصين إلى تدعيم مكانتها في منظومة التجارة العالمية والاستثمار.

نقاط الضعف والقوة:

تفخر الولايات المتحدة بريادتها في مجالات التكنولوجيا، والابتكار، وبما لديها من تحالفات دولية قوية الأمر الذي يعزز قدرتها التنافسية على الساحة الاقتصادية الدولية. مع ذلك، يظل العجز التجاري والتحديات أمام معالجة الممارسات التجارية الصينية، مُقوضاً للهيمنة الأمريكية على التجارة العالمية. في المقابل، استفادت الصين من اتساع نطاق أسواقها، وقوة قدراتها التصنيعية، وزخم استثماراتها الاستراتيجية في مجال التكنولوجيا والبنية التحتية، مع ذلك لا تزال المخاوف المحيطة بحقوق الملكية الفكرية، ومستقبل الشركات المملوكة للدولة، والاختلالات التجارية عقبة أمام الهيمنة الصينية على حركة التجارة العالمية.

الأدوات المستخدمة:

تلجأ الولايات المتحدة إلى إجراءات الإصلاح التجاري، والضوابط الجمركية، وبرامج التجارة التفضيلية من أجل حماية صناعاتها الوطنية ومعالجة اختلالات ميزانها التجاري مع الصين، بينما يعمد الجانب الصيني إلى الاستفادة من قوى السوق، والاستثمارات التكنولوجية، واستراتيجيات النمو الاقتصادي من أجل تدعيم مكانته التجارية عالميًا.

التبعات على التجارة في قطاع الطاقة بين الشرق الأوسط وشرق آسيا

تضطلع منطقة الشرق الأوسط بدور حاسم كمورد رئيسي للنفط الخام إلى دول شرق آسيا، بالأخص الصين، التي تنفرد بلقب أكبر مستورد لنفط الشرق الأوسط عالميًا، وسط واردات تتجاوز حاجز ال 4 مليون برميل يوميًا. مع ذلك، فقد أدت الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على الواردات الصينية، بما ذلك واردات النفط، في ضوء النزاع التجاري المشتعل بين البلدين، إلى تعطيل تجارة الطاقة بشكل كبير بين الشرق الأوسط وشرق آسيا. ترتب على ذلك تحولات كبيرة في أسواق الطاقة العالمية. بشكل عام، يعتبر الاعتماد الصيني على إمدادات الشرق الأوسط من النفط الخام كبيرًا وجوهريًا. حيث تمثل المنطقة نحو 60 % من واردات النفط الصينية. في ضوء هذا السياق، أدى تصاعد التوترات والرسوم الجمركية بين الاقتصادين الأكبر عالميًا إلى تبعات بعيدة المدى على مشهد الطاقة العالمي وتجارة الطاقة بين الشرق الأوسط وشرق آسيا. بالتبعية، أتاح ذلك الفرصة أمام الموردين البديلين مثل روسيا وقطر من أجل زيادة حصتهم السوقية. في الوقت ذاته، خلف الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا تداعيات كبيرة على أسواق الطاقة العالمية. بعد أن تسبب العدوان الروسي على أوكرانيا خلال عام 2022م، في تعطيل تجارة الطاقة العالمية، نجم عن ذلك قفزة كبيرة في أسعار الطاقة، مما دفع العديد من الدول إلى البحث في تنويع مصادرها من الطاقة، وزيادة التركيز على بدائل الطاقة مثل الطاقة المتجددة في إطار مساعي الدول للتخفيف من حدة الاضطرابات التي تشهدها إمدادات الطاقة التقليدية.

الحرب التجارية بين أمريكا والصين وصادرات الطاقة الروسية:

تعتبر روسيا، بصفتها لاعبًا رئيسيًا على صعيد الطاقة العالمي، أكبر مُصدر للغاز الطبيعي وثاني أكبر مُصدر للنفط على مستوى العالم. وبينما تُعَد أوروبا الوجهة الرئيسية للصادرات الروسية، إلا أن موسكو آخذة في توسيع نطاقها التجاري لتشمل شراكات قوية مع دول الشرق الأوسط وشرق آسيا. وعليه، فقد تأثرت ديناميات تجارة الطاقة الروسية تأثرًا عميقًا جراء حدثين عالميين بارزين: الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والصراع الروسي/ الأوكراني. حيث أدت زيادة الولايات المتحدة للرسوم الجمركية على الواردات الصينية، بما في ذلك الواردات النفطية، في تعطيل تجارة الطاقة بين موسكو وبكين. في الوقت ذاته، أحدثت حرب روسيا وأوكرانيا اضطرابات داخل منظومة تجارة الطاقة العالمية، ترتب عليها ارتفاعات في أسعار الطاقة وتغيرات في أنماط التجارة.

من ثم، كان لهذه الأحداث تأثير على صادرات الطاقة الروسية إلى منطقة الشرق الأوسط وشرق آسيا. فعلى صعيد الشرق الأوسط، خلفت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تبعات على صادرات الطاقة الروسية، لاسيما وأن الصين تعتبر من بين أكبر المستوردين للنفط الروسي. كذلك أثرت حرب روسيا وأوكرانيا على صادرات الطاقة الروسية إلى المنطقة ودول الخليج، مع اتجاه دول أوروبا إلى خفض وارداتها من النفط والغاز الطبيعي الروسيين، فضلاً عن، تبعات الحرب الأوكرانية على صادرات روسيا إلى دول مجلس التعاون الخليجي التي تأثرت أيضًا بفرض واشنطن زيادة على الرسوم الجمركية على الواردات الصينية. وبشكل عام، خضعت تجارة الطاقة الروسية إلى تحولات كبيرة نتيجة الأحداث العالمية المتكشفة، حيث كان للحرب التجارية بين واشنطن وبكين والصراع الروسي الأوكراني، تأثيرًا كبيرًا على تشكيل سوق الطاقة العالمي.

الانعكاسات على المنطقة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي:

ألقت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين بظلالها على المنطقة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي، مما أدى إلى إعادة توجيه بوصلة تحولات الطاقة، ففي ظل تعزيز التعاون مع الصين، تضع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على رأس أولوياتهما هدف إزالة الكربون من خلال الاستثمار المكثف في طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وتأتي المشاركة الصينية في العديد من مشروعات الطاقة المتجددة واسعة النطاق عبر مختلف أنحاء المنطقة لتؤكد أهمية الدور الصيني في عملية الانتقال الطاقي التي تشهدها دول المنطقة العربية.

 اعترافا بدور الصين كحليف مهم، تتعاون دول مجلس التعاون الخليجي مع الصين في قطاعات مثل إنتاج المركبات الكهربائية، وتخزين الطاقة، والهيدروجين، وتقنيات امتصاص (التقاط) الكربون، معتبرة الاستثمارات الصينية عاملاً أساسيًا في مسيرة التقدم نحو الطاقة المستدامة. في الوقت ذاته، توطدت أيضًا الروابط الاقتصادية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، مع بروز الصين كشريك تجاري رئيسي لدول المجلس، وتدعيم الجانبين للشراكات الاستراتيجية التي ترتكز على التعاون في مجال الطاقة، وتطوير البنية التحتية، والابتكار التكنولوجي.

تُتيح الاستثمارات الصينية الكبيرة داخل دول مجلس التعاون الخليجي فرصًا بقدر ما تُولد تحديات، وتعكس في الوقت ذاته تعقيدات الترابط الاقتصادي العالمي. وعلى صعيد الطاقة، تهدف الاستثمارات الصينية في مشروعات النفط والغاز الطبيعي في دول مثل المملكة العربية السعودية، والإمارات، وسلطنة عمان إلى تأمين مصادر الطاقة، وتدعيم القدرات الإنتاجية، وتعزيز أمن الطاقة الصيني، ودعم مصالحها الاقتصادية داخل المنطقة. علاوة على ذلك، فإن مشاركة الصين في مشروعات البنية التحتية والتشييد، مدفوعة بمبادرات مثل مبادرة" الحزام والطريق"، تُعيد تشكيل البنية التحتية المادية لدول مجلس التعاون الخليجي، وتحسين الربط، وتسهيل التوسع الاقتصادي. وفي مجال التكنولوجيا والاتصالات، تؤكد الاستثمارات الصينية، لاسيما في مجال تطوير تكنولوجيا شبكات الجيل الخامس، الطموح الصيني للريادة في التقنيات الناشئة والابتكار الرقمي. بالمثل، تساهم المشاركة الصينية في مجال العقارات والتنمية الحضرية في تحفيز النمو الاقتصادي وخدمة مصالحها الاستراتيجية في مشروعات القوة الناعمة وتدعيم نفوذها الجيوسياسي.

مع ذلك، لا تزال التحديات قائمة، بما في ذلك التذبذب في أسعار النفط، والتوترات السياسية، والمنافسة الجيوسياسية بين أمريكا والصين، بما قد يؤثر على الاستثمارات الصينية في المنطقة. ورغم هذه التحديات، تبرز الفرص لتعاون اقتصادي أكثر عمقًا في ظل توافق الاستثمارات الصينية مع المساعي الخليجية لتنويع مصادر الاقتصاد. إضافة إلى ذلك، فإن الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به دول الخليج يعزز طرق التجارة الصينية المُدرجة ضمن مبادرة الحزام والطريق، ويشجع على المزيد من الاستثمار والتعاون. بالتالي، فإن تدعيم الاندماج المالي بين الصين ودول مجلس التعاون من شأنه أن يسهم في التدفق السلس للتجارة والاستثمارات، واحتضان نهضة اقتصادية متبادلة.

إعادة تشكيل ديناميكيات القوى في المشهد الاقتصادي العالمي: التنافس من أجل الريادة الاقتصادية داخل نظام عالمي متغير

يتسم المشهد الاقتصادي الراهن بصدام كبير بين القوى العظمى، وبالأخص الولايات المتحدة والصين، والمتجذر في نزاع تجاري مطول يتردد صداه عبر مختلف شبكات التجارة العالمية وأسواق الطاقة. ويمثل هذا النزاع، المدفوع بالطموحات الجيوسياسية، منافسة شرسة من أجل الريادة الاقتصادية والهيمنة في الصناعات المحورية والتقنيات المتقدمة. ولا تقف تبعاته عند التعريفات الجمركية والموازين التجارية فحسب، بل يؤثر كذلك على العلاقات الاقتصادية ويعيد هيكلة أسواق الطاقة بمختلف أنحاء العالم.

في الوقت ذاته، يتنافس اللاعبون المُؤثرون على الساحة الاقتصادية العالمية مثل الولايات المتحدة، والصين، والاتحاد الأوروبي إلى جانب الاقتصادات الناشئة مثل الهند والبرازيل في الريادة على صعيد القطاعات الرئيسية مثل الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، والتمويل. وبالتالي، فإن مساعيهم من أجل الهيمنة على هذه المجالات الحيوية تؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي وتمهيد الطريق أمام عصر جديد من الهيمنة الاقتصادية والابتكار. وفي خضم هذه المنافسة الاقتصادية، تؤدي الصراعات الناشبة إلى إعادة تشكيل التحالفات التقليدية، والعلاقات التجارية على الساحة العالمية. حيث تسعى الدول إلى عقد شراكات جديدة وتنويع التَبعيات الاقتصادية من أجل احتواء المخاطر المرتبطة بتكتلات القوى الاقتصادية المركزية. وتعكس عملية إعادة التقويم الجارية، إعادة هيكلة أساسية للنظام الاقتصادي العالمي بينما تتنقل الدول داخل تضاريس اقتصادية سريعة التطور. واستشرافًا للمستقبل، من المتوقع أن تتركز القوة الاقتصادية خلال الفترات القادمة داخل المناطق التي تمنح الأولوية للإبداع والابتكار، والتكنولوجيا، والتنمية المستدامة. كذلك ستنشأ مراكز النفوذ الاقتصادي داخل المناطق التي سيكون فيها للطاقة المتجددة، والتحول الرقمي، والتنوع الاقتصادي، أهمية قصوى، إيذانًا بحلول عصر جديد من النمو العالمي، والاستقرار، والازدهار.

استراتيجيات الدبلوماسية الاقتصادية:

الحوافز والمكاسب التي تقدمها واشنطن وبكين للحلفاء لإرساء أساس اقتصادي آمن

تُشارك أمريكا والصين بشكل معقد في المساعي الدبلوماسية الاقتصادية، حيث يسعى البلدان إلى تحصين مكانتهما على الساحة الاقتصادية العالمية. بالنسبة لواشنطن، فإن بناء إطار اقتصادي قوي يعد ضرورة استراتيجية بقدر ما هو عنصر أساسي في سياساتها الخارجية. وبحسب تقرير صادر عن مؤسسة "كارنيغي" فإن الاستراتيجية التي تعتمدها أمريكا تنطوي على نهج متعدد الأوجه. حيث تسعى واشنطن إلى تحجيم تأثير القوى الخارجية لاسيما الصين وروسيا، مع العمل في الوقت ذاته على تدعيم روابطها الاقتصادية عبر مظلة التحالفات الاستراتيجية مع الحلفاء الرئيسيين. هذه الاستراتيجية الشاملة تنطوي على استثمارات مستهدفة داخل قطاعات محورية مثل التكنولوجيا، والطاقة، والتفاوض على الاتفاقيات التجارية المفيدة والمشاركة النشطة في المؤسسات الاقتصادية الدولية للدعوة إلى إصلاحات موجهة نحو السوق بما يتوافق مع المصالح والقيم الأمريكية.

في المقابل، تعتبر الاستراتيجية الصينية بشأن تعزيز الروابط الاقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي متعددة الأوجه أيضًا، مازجة بين الدبلوماسية، والحوافز الاقتصادية، والتعاون الاستراتيجي. واعترافًا منها بأهمية المنطقة الخليجية كشريك اقتصادي، قامت الصين بصياغة نَهَج يركز على تعميق المشاركة وتعزيز العلاقات الدائمة. ومن الجوانب المحورية لهذه الاستراتيجية الصينية، التعاون الشامل عبر القطاعات السياسية، والأمنية، والاقتصادية، على أساس القيم المشتركة والثقة المتبادلة. وتأتي مبادرات مثل مبادرة "الحزام والطريق" كمنصة لتدعيم التنمية الاقتصادية والاستثمارات، وتتيح العديد من الفرص أمام البلدان الخليجية لتطوير البنية التحتية ودعم التنوع الاقتصادي. علاوة على ذلك، فإن تركيز بكين على التعاون في القطاعات المحورية مثل الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، والبنية التحتية يؤكد التزامها نحو المنطقة في التنمية المستدامة والمرونة الاقتصادية.

وضمن هذا الإطار المعقد للعلاقات الاقتصادية لدول مجلس التعاون، تبرز الحاجة الملحة لتجاوز النماذج التقليدية وتقليل الاعتماد على العائدات النفطية. هذه الحتمية، دفعت دول الخليج للسعي بنشاط إلى إقامة شراكات مع واشنطن وبكين، مع إدراك المزايا والفرص المميزة التي تتيحها كل قوة اقتصادية. وفي الوقت الذي تحافظ على تحالفاتها الاستراتيجية مع أمريكا، تعكف دول الخليج على استكشاف سبل توطيد تعاونها الاقتصادي مع الصين، حيث تُغريها آفاق الاستفادة من الطلب الصيني المتزايد على الطاقة، إلى جانب الاستفادة من الخبرات الصينية في تعزيز مساعي التنويع الاقتصادي. ومن خلال المناورة الدقيقة في خضم هذه الديناميكيات المتطورة، تسعى دول مجلس التعاون إلى استثمار التقاطعات بين مصالح أمريكا والصين وأصحاب المصلحة الإقليميين، لبناء أساس اقتصادي رصين يفضي إلى التنمية والازدهار المستدامين. علاوة على ذلك، ومع تعاظم التشابكات الاقتصادية العالمية، يزداد تركيز دول المجلس على تنويع محافظها الاستثمارية واستكشاف آفاق جديدة للنمو. ولا يقتضي ذلك العمل على توسيع الشراكات مع الحلفاء التقليديين فحسب، بل والبحث عن شراكات مع الأسواق الناشئة ودعم الصناعات القائمة على الابتكار. ومن خلال تبني نهج التفكير المستقبلي للتنمية الاقتصادية، تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى تنصيب نفسها كمراكز ديناميكية للابتكَار والازدهار في مشهد اقتصادي عالمي دائم التغير.

الدبلوماسية الاقتصادية في عصر صراع القوى العظمى: الحوافز التي تقدمها الولايات المتحدة والصين إلى الحلفاء

إن الحوافز الاقتصادية التي تعرضها كل من واشنطن وبكين تؤكد الأهمية الاستراتيجية للتعاون الاقتصادي المتعمق، لاسيما في سياق بناء التحالفات. على الصعيد الأمريكي، ينصب التركيز على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الحلفاء من خلال المشاركة في المؤسسات الاقتصادية العالمية مثل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. مبادرات مثل "مجلس التجارة والتكنولوجيا المشترك بين أمريكا وأوروبا، تزيد من التدعيم للتعاون التجاري والتكنولوجي بين الدول ذات التفكير المماثل. في المقابل، تنطوي استراتيجية بكين تجاه دول مجلس التعاون الخليجي على التعاون الشامل في المجالات السياسية، والأمنية، والاقتصادية، وتقديم حوافز مثل القيم المشتركة والثقة لتنمية علاقات دائمة. ويتماشى هذا النهج مع نموذج العلاقات الاقتصادية الذي تفضله دول مجلس التعاون الخليجي، مع التركيز على التعاون والتنويع الاقتصادي.

تتفاعل كل من واشنطن وبكين بنشاط مع دول الخليج في إطار الاستراتيجيات الاقتصادية الخاصة بها. من جانبها، تمنح واشنطن الأولوية إلى إرساء أساس اقتصادي متين للتعاون بين التحالفات، والدعوة إلى الإصلاحات الموجهة نحو السوق، وتقديم مزايا مثل زيادة مستويات التجارة والاستثمار. من ناحية أخرى، تعمل الصين على تعزيز التنويع الاقتصادي والتصنيع من خلال الشراكات في قطاعات مثل الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، والبنية التحتية. وتأتي مبادرات مثل مبادرة الحزام والطريق كمحركات رئيسية للتعاون الاقتصادي، حيث توفر سُبلًا لتطوير البنية التحتية وفرص الاستثمار. وتهدف هذه الاستراتيجيات إلى تعميق العلاقات الاقتصادية، والمساهمة في الازدهار المتبادل، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية داخل المنطقة.

تعكس الاتفاقات الاقتصادية المحددة بين واشنطن، وبكين، ودول الخليج جهودًا متضافرة لتعزيز التعاون الاقتصادي وصياغة تحالفات متبادلة المنفعة. حيث تضمن المشاركة الصينية مع البلدان الخليجية، نقاشات جارية من أجل إتمام اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين، والتي تستهدف تسهيل شامل لحركة التجارة والاستثمار عبر مختلف القطاعات مثل الطاقة، والزراعة، والتكنولوجيا الرقمية. إضافة إلى ذلك، فإن مبادرة مثل "الحزام والطريق"، والمجلس الأعلى للتعاون في مجال الطاقة، تظهر حجم الجهود المشتركة المبذولة من أجل تعزيز التعاون الطاقي والتبادل التكنولوجي بين الصين والدول العربية. وكلما أحرزت هذه الاتفاقيات تقدما، كلما أصبح الربط الاقتصادي بين بكين، وواشنطن، ودول الخليج أكثر عمقاً، ليُمهد الطريق أمام مزيد من التعاون وتوسيع نطاق الفرص التجارية.

الاتفاقيات الاقتصادية المحددة بين واشنطن وبكين ومجلس التعاون

تعكس الاستراتيجيات الاقتصادية التي تنتهجها أمريكا والصين جهودًا متضافرة لتعزيز التعاون الاقتصادي وإنشاء تحالفات متبادلة المنفعة مع حلفاء البلدين. وإدراكًا لأهمية الدور الذي تلعبه الروابط الاقتصادية في الشؤون العالمية، تمنح الدولتان الأولوية إلى بناء الثقة وتدعيم العلاقات الاقتصادية من أجل ترسيخ مكانة كل منهما داخل منظومة الاقتصاد العالمية المتشابكة والمترابطة. بالنسبة لأمريكا، ينصب التركيز على الارتقاء بالمعايير التجارية وممارسة ضغط على بكين من خلال مبادرات مثل "اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي" أو التوقيع على اتفاقيات تجارية ثنائية. ومن خلال المشاركة النشطة مع الحلفاء، تسعى واشنطن إلى خلق أعباء(تكاليف) اقتصادية على الجانب الصيني، وتحفيز الإصلاحات ضمن إطارها الاقتصادي. يشار إلى إنه في عام 2022م، وحده، شاركت أمريكا في مفاوضات تجارية مع حلفائها تقدر قيمتها بما يزيد عن 200 مليار دولار، وذلك كدفعة استراتيجية من أجل تنشيط وتعزيز التعاون الاقتصادي.

في المقابل، تتبنى الصين استراتيجية تركز على تنمية العلاقات الاقتصادية متبادلة المنفعة مع الحلفاء. وتسعى بكين إلى تخفيف التوترات مع الجانب الأمريكي من خلال التركيز على المجالات ذات المنفعة المتبادلة مثل؛ استقرار العملة، وتسهيل سبل التجارة، ومعالجة التحديات الاقتصادية الأوسع نطاقًا من خلال عمليات تتسم بالشفافية وتستند إلى قواعد. وفي عام 2022، تخطت تجارة الصين مع حلفائها حاجز 300 مليار دولار، لتعكس حجم وأهمية العلاقات الاقتصادية التي أقامتها مع الدول الأخرى. على صعيد مجلس التعاون الخليجي، عرضت كل من الولايات المتحدة والصين حوافز اقتصادية مصممة خصيصًا لكي تتوافق مع المصالح الاقتصادية لدول المجلس. يشمل ذلك تعزيز فرص الاستثمار، وتسهيل نقل التكنولوجيا، والتفاوض بشأن الاتفاقيات التجارية التي تدعم المنفعة المتبادلة. وخلال عام 2022م، شاركت الولايات المتحدة في اتفاقيات تجارية مع دول مجلس التعاون يتجاوز مجموعها 100 مليار دولار، لتظهر التزامًا نحو تعزيز آفاق التعاون الاقتصادي داخل المنطقة.

تتجلى مشاركة الصين الاستباقية داخل منطقة مجلس التعاون عبر المناقشات الجارية بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي والمشاركة في مبادرات مثل مبادرة الحزام والطريق، حيث تؤكد هذه المبادرات التزام بكين بتعزيز العلاقات الاقتصادية وتطوير مشروعات البنية التحتية في المنطقة، مما يجعل من الصين شريكًا تجاريًا مهمًا لدول مجلس التعاون الخليجي. ومع تقدم المناقشات واتخاذ الاتفاقيات طابعًا رسميًا، تصبح الروابط الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين ودول مجلس التعاون الخليجي مهيأة لتكون أكثر عمقًا. ومن المتوقع أن يؤدي هذا التعاون الوثيق إلى تسهيل التعاون في مجال الطاقة، وتعزيز تطوير البنية التحتية، وتوسيع الفرص التجارية عبر مختلف القطاعات، وبالتالي المساهمة في الازدهار الاقتصادي والاستقرار في المنطقة.

إرشادات السياسات العامة

توسيع نطاق الاستثمار: ينبغي على الصين العمل على تنويع استثماراتها داخل بلدان مجلس التعاون الخليجي لما هو أبعد من قطاع الهيدروكربون، والتركيز بشكل أكبر على التكنولوجيا والطاقة المتجددة.

الحساسيات الثقافية والسياسية: من الممكن أن يساعد فهم الظروف والمعطيات المحلية والجوانب الحساسة للدول الخليجية في تخفيف المخاطر المرتبطة بالتوترات الجيوسياسية. ومن شأن هذه الاستثمارات والشراكات أن تؤكد أهمية مجلس التعاون الخليجي في تدعيم الطموحات الاقتصادية والجيوسياسية للصين الأوسع نطاقًا لاسيما في إطار مبادرة الحزام والطريق. كما يتعين على الدول الخليجية إدارة هذه العلاقات الدولية المعقدة بحرص وعناية.

الختام

إن التفاعلات الاقتصادية بين أمريكا، والصين، ودول مجلس التعاون إنما تسلط الضوء على الأهداف الاستراتيجية الخاصة بكل منهم داخل مشهد اقتصادي عالمي دائم التغير، لاسيما في خضم التوترات التجارية المستمرة بين واشنطن وبكين والجهود الأوسع من أجل إعادة تشكيل الديناميكيات العالمية. وتستخدم كلتا القوتين العظميين نفوذهما الاقتصادي والجيوسياسي في تنمية الشراكات والسعي إلى اتفاقيات تدعم المنفعة المتبادلة. وفي الوقت الذي تهدف فيه أمريكا إلى الحفاظ على ريادتها في وضع المعايير العالمية وإدارة الصعود الصيني، تسعى بكين إلى تعميق اندماجها داخل المنظومة الاقتصادية العالمية وتوسيع رقعة نفوذها. هذه المشاركات الاقتصادية تضمن قطاعات مختلفة داخل الولايات المتحدة، والصين، ودول مجلس التعاون، من بينها: الطاقة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا، والتمويل. مع ذلك، فإن التحديات المستمرة مثل انعدام الاستقرار السياسي، والتوترات الجيوسياسية، والمساعي الخليجية لتنويع الاقتصاد، تشكل عقبات أمام التعاون المستدام. ولكن في كنف التحديات تولد الفرص، حيث ثمة توافق بين الاستثمارات الصينية واستراتيجيات التنويع الاقتصادية الخليجية، فضلًا عن انسجامها مع الموقف الجيوسياسي الاستراتيجي للمنطقة.

تُعَد مبادرات مثل "الحزام والطريق" محفزات لتنمية البنية التحتية وتعزيز الروابط التجارية، وتعزيز الاندماج الاقتصادي الأكثر عمقًا بين الصين ومجلس التعاون. وفي خضم ديناميكيات الحرب التجارية المتكشفة والسعي إلى نظام عالمي جديد، لاسيما على مستوى أسواق الطاقة، يجب على أصحاب المصالح التعاطي ببراعة مع التوترات الجيوسياسية وتوسيع آفاقها الاستثمارية إلى ما هو أبعد من القطاعات التقليدية.

في ظل توسع النفوذ الروسي داخل أسواق الطاقة العالمية، لاسيما من حيث حجم صادرات النفط والغاز، تخضع ديناميكيات تجارة الطاقة داخل المنطقة إلى تحولات وتغيرات كبيرة. كما تساهم صادرات الطاقة الروسية إلى الأسواق الرئيسية مثل أوروبا، وآسيا في إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي والتأثير على تحالفاتها الاستراتيجية. ومع استمرار الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، أصبح دور روسيا في صادرات الطاقة محوريًا بشكل متزايد، مما أضفى مزيدًا من التعقيد على ديناميكيات الاقتصاد العالمي. ومن خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية الأكثر وثاقة والتكيف مع الديناميكيات المحلية، تستطيع أمريكا والصين ودول مجلس التعاون فتح سبل جديدة للتقدم الاقتصادي، وبالتالي ممارسة التأثير على ديناميكيات التجارة العالمية خلال السنوات المقبلة. ويعد هذا النهج الاستراتيجي حتميًا للاستفادة من الفرص الناشئة والتغلب على التحديات، لتعزيز النمو الاقتصادي المستدام والاستقرار في المنطقة وخارجها.


 

مقالات لنفس الكاتب