تعيش اليوم مراكز الدراسات في مرحلة ازدهار في العالم عموماً والخليج خصوصاً ، بعد ما ادركت الانظمة السياسية المعاصرة والتي تتبنى الديمقراطية كمنهج للاداء ومنطق للتقيم ان هنالك ضرورة لاعطاء دور للمؤسسات العلمية الرسمية وغير الرسمية في صنع القرار الاستراتيجي للدولة والاستراتيجية الشاملة عبر التفكير ببناء الفلسفة والنهج والعقيدة واستقراء اتجاهات الادارة وفقاً للقدرات الاستراتيجية التي ترتهن عليها الدولة .
وتشير الادبيات الاستراتيجية ان هنالك ضرورة حقيقية اليوم الى تعزيز الادوار للمؤسسات الامنية عبر التفاعل مع مراكز الدراسات الاستراتيجية التي تعمل بالتعاون والتلازم مع المؤسسات التنفيذية على التأطير العلمي لاستراتيجيات الامن القومي للدولة والعمل على تأهيل الاستراتيجية الشاملة ، ولنتذكر هنا كيف لعبت مراكز الدراسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة الامريكية في تطوير رؤى مؤسسة الامن القومي الامريكي والاتجاه نحو افق جديدة لتعمل الولايات المتحدة من خلال الانتاج في مجال الادب الاستراتيجي لتأطير الاستراتيجية الامريكية الشاملة نحو العالمية .
ومن الممكن الاستدلال على هذه المكانة التي احرزتها مؤسسات التفكير الاستراتيجي في التفكير والتأشير لمستقبلات الاداء واتجهاتها المستقبلية في العمل على تاطير الافعال الخارجية ومحاولة ضبط ميكانزم السلوك الاستراتيجي الامريكي تجاه المجتمع الدولي ، محاولين من خلال ادوات البحث العلمي ( الاسقراء ، التفكير ، المبادرة ، الابداع ، المستقبليات ) للانطلاق نحو توفير بيئة عملياتية نظرية جاهزة للتطبيق وقابلة للتكيف والتغير مع تحديات البيئة الدولية.
ومن هنا كانت مراحل التفكير من قبل الانظمة السياسية في الخليج نحو التفكير ببناء مؤسسات وبيوتات التفكير الاستراتيجي سواء بقدرات علمية وطنية او محاولة المزاوجة بين الامكانات لراس المال البشري في مجال التحليل الاستراتيجي والمستقبلي والامكانات الدولية ، او من خلال استقدام برامج خاصة بمنطقة الشرق الاوسط والخليج العربي او منطقة غرب أسيا وشمال افريقيا MIDDLE EAST AND NORTH AFRICA ( MENA ).
وكما هو متعارف عليه ان الدول المعاصرة هي الدول القادرة على بناء وصناعة البدائل والقدرة على التسويق لادارة احد الخيارات متخذةً من القوة والضعف مدخلاً للتقييم والموائمة مع القدرات الاستراتيجية لتحديد الحوافز والمخاطر الاستراتيجية .
ولذلك عملت الدول في الشرق الاوسط والخليج على وجه الخصوص على بناء " ستراتيجية التبني " للنماذج الاستراتيجية في برامج التفكير الاستراتيجية ، أي انها حاولت استقطاب القدرات العالمية عبر البرامج الخاصة بمراكز الدراسات الاستراتيجية والجامعات العالمية الخاصة بالشرق الاوسط والخليج العربي محاولين بذلك زج اكبر عدد ممكن من القدرات الوطنية لاعادة هيكلة النمذجة الاستراتيجية للتفكير ومحاولين اكسابهم نمطية التفكير الاستراتيجي لمراكز التفكير في ادارة المعضلات الاستراتيجية وآليات تداول المعلومات وقنوات التحليل والادوات الفعالة في بناء معلومة " صنع القرار الاستراتيجي " عبر التدريب على التفكير المستقبلي والقدرة على بناء السيناريوهات والتمكين من اختيار البديل وفقاً للمختبرات الافتراضية في ادارة ميدان وبيئة صنع القرار واستقراء النمط السلوكي للاداء الاستراتيجي في مخرجات القرار ، ومن هنا نشأت المختبرات الافتراضية في استقراء العلوم السلوكية والتي تواكب او عملت على تطوير " منضدة الرمل " في التفكير والتخطيط العسكري .
ومن هنا فان قدرة الدولة على بناء مؤسسات قادرة على التفكير الاستراتيجي في القرن الحادي والعشرين باتت ضرورة حياتية وحاجة من اجل الاجيال القادمة والقدرة على حماية الامن الانساني بدلالة خيارات القرار الاستراتيجي والقدرة على ضبط التحديات والمخاطر والتنبؤ بعائد القرار وفق المختبرات الافتراضية والقدرة على تاهيل النماذج واساليب التقمص لشخصيات صنع القرار ، ولنتذكر هنا كيف ان الدراسات السلوكية الامريكية قد نجحت في تطوير نماذج متطورة في استقراء القرار الاستراتيجي ونمطية رد الفعل من قبل الدول المنافسة او المتصارعة على المكانة الدولية في ادارة النظام الدولي .
ومن هنا نجد من خلال استقراء مراكز الدراسات الاستراتيجية في الخليج العربي انها حاولت ومنذ العقد الثامن من القرن الحادي والعشرين الى القدرة على بناء مراكز التفكير الاستراتيجي والتي كانت بخطوات فردية من كل دول الخليج لابل حتى الدول الخليجي والتي لم تنتيمي الى مجلس التعاون الخليجي قد حاولت المسير بهذا الاتجاه ولنتذكر تجارب العراق وايران واللتان حاولتا بناء مراكز فكرية استراتيجية تحاكي النظام العقائدي في بناء الاستراتيجية الشاملة للدولة ، في حين ان مراكز الدراسات الاستراتيجية في اغلب دول مجلس التعاون الخليجي حاولت تبني فكرة التنمية في الاداء الاستراتيجي للدولة والقدرة على التحول من نمط الدولة الريعية الى نمط الدولة المعاصرة والقادرة على بناء الموازنات المالية ذات قدرة على تنويع مداخيل الثروة القومية للدولة الخليجية المعاصرة ولنتذكر هنا تجربة ( المملكة العربية السعودية ، الامارات العربية المتحدة ، دولة الكويت ) .
لكن هاجس الامن في الخليج ظل الفيصل الحاكم لنظم التفكير الاستراتيجي سواء ادرج في برامج المؤسسات العالية للتفكير الاستراتيجي ، او المؤسسات الوطنية في دول مجلس التعاون الخليجي ، لابل حتى الدول غير المنتمية لمجلس التعاون الخليجي عملت على تبني سياسات التفكير بمنظومة الامن الاقليمي والقدرات الوطنية .
قدرة الدولة على بناء مؤسسات قادرة على التفكير الاستراتيجي في القرن الحادي والعشرين باتت ضرورة حياتية
مراكز الدراسات تعيش الآن في مرحلة ازدهار في العالم عموماً والخليج خصوصاً
هاجس الامن في الخليج ظل الفيصل الحاكم لنظم التفكير الاستراتيجي فيها
وعلى مدى ثلاثة عقود من الزمن ظلت برامج الامن والدفاع في دول مجلس التعاون الخليجي حبيسة التفكير التقليدي في ادارة البرنامج ومخرجاته بدلالة الادب الاستراتيجي الصادر عنه ، لكن احداث 11 ايلول 2001 جعلت من ادبياتها تأخذ الطور الثاني والثالث من التفكير الاستراتيجي ( التفكير ، التخطيط ، الاستشراف ) وهذا ما احدث انتقالة كبيرة في مراكز الدراسات في دول مجلس التعاون الخليجي لتاخذ مساراً آخر في التفاعل عبر اعادة هيكلة برامج البحث العلمي والحلقات الدراسية والمؤتمرات الدولية في مجال الامن والدفاع واضعة هدف اساسي هو كيف يتم تشخيص اسباب ظاهرة الارهاب الدولي وماهي الدوافع والمبررات لذلك وكيفية معالجة حالات التطرف من خلال اعادة تقييم المنظومة الاجتماعية ومنشئاتها الفكرية المنتجة لقيم التفكير الاساسية الدافعة لذلك .
وهذا ما دفع مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية في التفاعل مع مراكز الدراسات الدولية والاقليمية بالاضافة الى الانفتاح على دول الخليج غير المنتمية لمجلس التعاون الخليجي كالعراق وايران واليمن ومحاولة بناء برامج بحثية في محاولة استقراء التحديات الاقليمية وتأثيرتها الدولية في اطار الامن الاقليمي والعلاقة مع الامن الدولي .
وما ان جاءت احداث التحول في العراق ابتداءً من عام 2003 ، حتى انبرت مراكز الدراسات وبرامج الامن والدفاع بالتكيف مع هذا الحدث المهم لدول الخليج العربي والنظام الاقليمي العربي ، وحاولت بكل الامكانات محاولة استقراء البيئة الاقليمية والدولية مابعد 10 نيسان 2003 وكيف تحولت وتغيرت وماهي الابعاد المستقبلية لها ، واثرها على سياسات الامن والدفاع في الخليج العربي .
واستمرت مراكز الدراسات والابحاث الاستراتيجية الى يومنا هذا في محاولة تطوير آليات التفكير لصناع القرار ومؤسسات النظام السياسي في دول الخليج العربي مركزة في غالبها على صيرورة الامن القومي للاتحاد الخليجي ، محاولين بذلك استقراء الآليات القانونية والاطر التشريعية والسياسية والحاجة الاستراتيجية لبناء وتطوير تجربة دول مجلس التعاون الخليجي الى تجربة الاتحاد الخليجي كخطوة استراتيجية وضرورة للتحول ونواة حقيقية للكيان الخليجي الذي مر باطوار متحولة ومتغيرة .
لكن برامج الامن والدفاع مازلت تحتاج الى تطوير ومن هنا نقترح برنامجاً للامن والدفاع يهدف الى مواكبة الانتقال نحو تجربة الاتحاد الخليجي المقبل ، وهذا البرنامج يتمثل في بناء استراتيجية الامن والدفاع للاتحاد الخليجي خلال الفترة 2013 – 2015 ويكون مخرجاتها " استراتيجية للامن والدفاع للاتحاد الخليجي 2015 – 2020 " ، والمتمثلة بالنقاط الاساسية الاتية :-
1- فلسفة الاتحاد الخليجي
2- قيم صنع قرار الامن والدفاع في الاتحاد الخليجي
3- الاستراتيجية الشاملة للاتحاد الخليجي
4- العقيدة العسكرية للامن والدفاع في الاتحاد الخليجي
5-اعادة تعريف الخطر والمصلحة الاستراتيجية والتفاعلات الاقليمية والدولية وبناء عقيدة عسكرية متطورة تاخذ بنظريات ادارة القوة الاستراتيجية الثلاث لبناء القوات العسكرية المشتركة للاتحاد الخليجي والمتمثلة بـ القوة البرية ، القوة البحرية والقوة الجوية ، مع اعطاء اولوية قصوى للقوات الجوية لدورها في حسم ادارة الخطر والحد من تهديداته .
6-الاستقراء المستقبلي للبيئة الاقليمية والدولية والاتزانات العالمية ومحاولة العمل مع المحاور الدولية في اطار ادارة توازن المصالح الاستراتيجية وان تكون المحصلة النهائية للتفاعل هو هامش ربح كبير مقابل خسائر نسبية قادرة على التكيف والتحول مع الزمن والجهد نحو فرص تستطيع دول الخليج من ادارتها والعمل على احرازها .
7-لابد ان يكون هنالك نظام للتقيم والمتابعة والمراجعة الاستراتيجية كل 24 شهراً مع اجتماع متكامل لكل الدول الاعضاء في الاتحاد الخليجي من اجل الاطلاع على التحديات ومحاولة الوقوف على الآليات والوسائل الكفيلة بالحد من آثارها ، وهذا ما يدفعنا للقول أنه كلما كانت استراتيجية الامن والدفاع للاتحاد الخليجي قادرة على التكيف والتحول والاستجابة كلما كان النجاح في العمل دقيق جداً ولنتذكر اننا في عصر الموجة الذكية .
اذن نجد من خلال ما تقدم ان ارتكاز برامج الامن والدفاع على مجموعة من الافكار المقترحة هو الذي سيدفع الاستراتيجية الشاملة للاتحاد الخليجي نحو التقدم والمضي ومواكبة الدور والوظيفة والرؤية التي مرت بها المجموعة الاوروبية، والتي ستؤدي الى ان يكون الاتحاد الاوروبي احد العناصر المؤثرة في السياسة الدولية خلال الربع الثالث من القرن الحادي والعشرين ، اي ان مراكز الدراسات الاستراتيجية والمؤسسات البحثية في دول الخليج تحتاج الى برامج تاهيلية لبناء برنامج الامن والدفاع للاتحاد الخليجي خلال الفترة ( 2013 – 2015 ) يكون معزز للاستراتيجية الشاملة للاتحاد الخليجي في مطلع الربع الاول من القرن الحادي والعشرين ومن ثم انطلاق الى التطبيق ( 2015 – 2020 ) ، محاولة بذلك عقد المراجعات الدورية كل 24 شهراً من اجل متابعة الاداء ومحاولة ابتكار مسارات جديدة للاداء الاستراتيجي لدول الاتحاد الخليجي في اطار الآليات والمؤسسات المسؤولة عن ادارة استراتيجية الامن والدفاع للاتحاد الخليجي .