نحتفل هذا العام 2024م، بمرور 20 عاماً على انطلاقة مبادرة إسطنبول للتعاون والتي أقرت خلال اجتماع حلف شمال الأطلسي ( (NATO ICIالذي عقد في مدينة إسطنبول في عام 2004م، وجاء الهدف الأساسي للمبادرة هو الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة. وقد انضمت 4 دول من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية للمبادرة وهي دولة الكويت، ومملكة البحرين، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر لتحقيق الهدف الذي نشأت من أجله هذه المبادرة وهو التعاون وتبادل المعلومات والآراء للتعامل مع التحديات الجارية آنذاك في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام ومنطقة الخليج العربي بشكل خاص.
كما يعلم الجميع بالتحديات التي كانت تمر بها المنطقة بعد أحداث 11 من سبتمبر 2001م، ودخول الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في عدة حروب ونزاعات في المنطقة ومنها حربها على الإرهاب وحربها في العراق في السنوات التي سبقت انطلاقات هذه المبادرة والتي من رأينا هي أحد الركائز التي ساهمت في العمل على إنشاء مثل هذه المبادرة والتي من أحد أهدافها كذلك التواصل مع دول الخليج وما نسميه بالدول المنضمة إلى المبادرة (4) تحت مظلة الشراكة وفيها محاور تحاكي احتياج الجانبين من خلال إطار تعاون دول حلف الناتو (26) + (1) كل دولة على حدة أو دول حلف الناتو (26) + (4).
وفي البداية نلقي الضوء على المحاور الرئيسية للمبادرة وتهدف إلى ما يلي:
- رفع مستوى الاستقرار الأمني مبني على الحوار والتشاور المستمر.
- مواجهة التحديات منها الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل.
- إحراز تقدم ووضع الحلول للصراع الفلسطيني / الإسرائيلي، الحلول المبنية على احترام والتطبيق الكامل لـ"خارطة الطريق" التي أعدتها اللجنة الرباعية الدولية والتي تعد عنصراً أساسياً في الجهود الدولية الرامية إلى حل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بناء على حل الدولتين، بحيث تعيش إسرائيل وفلسطين جنباً إلى جنب بسلام وأمن.
- الاستفادة من خبرة دول حلف "الناتو" ودول المنطقة في المجال السياسي من خلال التشاور، في المجال الأمني من خلال تبادل المعلومات، وكذلك في المجال العسكري من خلال التعاون والتدريب وتطوير نظم التشغيل البيني ( Interoperability).
- التدريب في عدة مجالات منها: أمن الحدود، مكافحة الإرهاب، خطط المدينة للطوارئ، وإدارة الأزمات وغيرها من مجالات لتبادل الخبرات ولرفع مستوى الجهوزية في التعامل مع التحديات التي تعيشها المنطقة.
دولة الكويت ومبادرة NATO ICI
دولة الكويت تدرك أهمية حلف الشمال الأطلسي الناتو كونه أكبر حلف عسكري دفاعي والذي تحول مؤخراً إلى حلف سياسي/ أمني /عسكري، والذي لايزال اليوم أهم صرح دفاعي يضم أقوى منظومة دفاعية عسكرية أمنية واستخباراتية في العالم وتحظى بعلاقات متميزة من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية كل دولة على حدة ومن المهم جداً أن يكون التعاون في عالمنا اليوم على مستوى متعدد الأطراف خاصة أن تحرير دولة الكويت أتى بقرارات مجلس الأمن وعمل لتحالف عسكري شمل دول كثيرة في عام 1991م.
وإيماناً بنجاح السياسة الخارجية الكويتية ودورها المتوازن في التعاطي مع قضايا المنطقة، ارتأت حكومة دولة الكويت الانضمام لهذه المبادرة (وكانت أول دولة تنضم) حيث أنها ترى أن المبادرة تمثل الآلية المناسبة للتحاور وتبادل المعلومات والآراء حول التحديات والتهديدات التي تواجه دول المنطقة بشكل مباشر وأيضًا فهم بعض السياسات والقرارات التي يتم اتخاذها في دول الحلف فهي تعتبر آلية عمل تحترم آراء وخبرات الجميع وتطمح لإيجاد حلول ورفع مستوى الجاهزية للدفاع والتعامل مع المتغيرات السريعة في العالم.
ومنذ انضمام دولة الكويت لهذه المبادرة 2005م، فقد استضافت العديد من الاجتماعات والمؤتمرات والتي تم عقدها لأول مرة خارج أراضي حلف الناتو (على مستوى سفراء الحلف) واجتماعات المجموعة الاستشارية لسياسة مبادرة إسطنبول للتعاون PAG ICI عدة مرات لخلق المزيد من الفرص للتشاور . كما أنها دعت المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية للمشاركة في بعض الاجتماعات التشاورية لتقارب وجهات النظر في كل المجالات والتحديات التي شهدها وقد تشهدها المنطقة ومنها أمن الطاقة والأمن البحري ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وحث الدول المنضمة للحلف للحصول على دورة الــ OCC العسكرية لخلق التكافل والتشغيل البيني في العمل العسكري كما حدث في الأزمة الليبية في العمليات التي شاركت فيها عدة دول من خارج حلف الناتو حيث تعتبر دولة الكويت خارج هذا السرب حتى الآن.
ولاستكمال الدور الناجح لسياسة دولة الكويت قررت حكومة دولة الكويت في 2009/2010م، العمل على إنشاء مركز تابع لحلف الناتو في دولة الكويت بإشراف جهاز الأمن الوطني (هي الجهة التي كانت تشرف على ملف من الناتو من 2004-2023م) وذلك ليكون مركزاً إقليمياً للشراكة والتعاون بين دول حلف شمال الأطلسي ودول منطقة الخليج العربي من خلال الحوار السياسي، التدريب والتعليم، والدبلوماسية العامة، وذلك للاستفادة من الخبرة وإتاحة الفرصة لدول حلف الناتو التقرب جغرافيًا وفكريًا إلى المنطقة، وتمت الموافقة على هذا المقترح في قمة الحلف في شيكاغو عام 2012م، ومن بعدها عمل الجهاز جاهداً على إنشاء مبنى متكامل لتحقيق الهدف من عمل المركز حيث تم الافتتاح في يناير 2017م، بحضور الأمين العام وبرعاية رئيس الوزراء الكويتي، حيث تم توقيع اتفاقية المركز خلالها، كما أن لدى دولة الكويت اتفاقية عبور (2016م) واتفاقية سرية المعلومات (2012م).
المركز الإقليمي لحلف شمال الأطلسي ومبادرة إسطنبول للتعاون
نحتفل أيضًا بمرور 7 أعوام على افتتاح المركز الذي قام بتدريب أكثر من 1242 متدربًا من دول المبادرة ودول الخليج بالإضافة إلى الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وذلك بمشاركتهم فيما يقارب 50 دورة وعقد أكثر من 40 فعالية بحضور ومشاركة ما يقارب 1300 شخص، وتلك الدورات والفعاليات كانت في المجالات التالية: الدفاع السيبراني وإدارة الأزمات والدفاع الكيميائي والبيولوجي والإشعاعي والنووي الـ CBRN والأمن الغذائي والمرأة في السلام والأمن ودورات ذو طابع عسكري ودروسها المستفادة. وخلال العمل كمديرة للمركز من سبتمبر 2021 حتى يناير 2023م، قام المركز بتوسع المجالات والانفتاح وإشراك دول المبادرة أكثر في عملية اختيار الدورات والعمل على وضع استراتيجية لعمل المركز والتي يتم تحديثها كل عامين وحيث أنها تتيح لنا قياس النجاح واختيار المواضيع المطلوبة في المستقبل، كما قام المركز بالتعاون مع معاهد ومراكز عديدة تابعة للحلف مثل NATO Strategic Direction-South HUB (NSD-S HUB) حيث تم نشر بحث مشترك بين المركز والجامعة الأمريكية في الكويت في مجال أمن الطاقة والتعاون في عقد العديد من الفاعليات المشتركة كما وأنه قد تم أيضًا التعاون مع منظمات دولية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مجال تطبيق القانون الإنساني في العمليات السيبرانية، ومن وجهة نظري بأن مجلات أمن الطاقة والدفاع السيبراني وتفرعاته هم من أكثر الدورات والمجالات المطلوبة الآونة الأخيرة.
الآفاق المستقبلية
ومن منظور شمولي، من المهم جداً النظر إلى رؤية حلف الناتو (2024م) ورؤية الأمنية الخليجية (2024م) وإيجاد التوافق بينهم واعتبارها كركيزة جديدة لمبادرة الـICI حيث أنها تحاكي التحديات التي تواجه الجانبين في الوقت الحالي، خاصة أن التحديات تغيرت من حيث النوع والسرعة والتقدم التكنولوجي المستمر حيث يصعب عملية التكهن والردع أو الاستجابة السريعة ولكنها بالتأكيد ستكون أساس متين لتطوير هذه العلاقة في آلية جديدة 32+ 1 أو 32 + 4، وربما ينضم بقية دول مجلس التعاون الخليجي لهذه المبادرة وذلك لاستمرار العمل على مكافحة الإرهاب ورفع مستوى الدفاع السيبراني ودعم الاستقرار الأمني ضد الجماعات الخارجة عن السيطرة وحماية الطاقة والمياه الإقليمية وغيرها من تحديات مذكورة في الرؤيتين كما أنه من الضروري جدًا المشاركة ودعم عمل المركز الإقليمي لحلف الشمال الأطلسي لمبادرة إسطنبول للتعاون وذلك لاستفادة الكل من وجود آلية لتبادل المعلومات والتدريب والتركيز على موضوع الدبلوماسية العامة للجانبين. وفي الختام أتمنى أن أرى لحلف الناتو دورًا إنسانيًا وسياسيًا وعسكريًا فعال فيما يخص أهم قضايا نشهدها اليوم وهي القضية الفلسطينية والوضع الإنساني الصعب خاصة وأنها كانت أحد المحاور الرئيسية لهذه المبادرة.