array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

تداعيات الخلل في التركيبة السكانية في دول مجلس التعاون

الثلاثاء، 01 آذار/مارس 2011

بدأت أبواق الأجراس تدق وتنذر وتحذر من تداعيات الخلل في التركيبة السكانية في دول مجلس التعاون الخليجي بعدما ظلت دول الخليج تتجاهل كل التحذيرات منذ ثلاثة عقود، والآن وبعد الثورات المتلاحقة في الدول العربية التي تشبه كرة النار وقد تدحرجت من تونس إلى بقية أنحاء العالم العربي لا بد من وقفة حازمة.

أقيمت العديد من المحاضرات والندوات بشأن التركيبة السكانية في دول الخليج ومعظمها اتسم بالتشاؤم الشديد والخوف على مستقبل المجتمع الخليجي من الانعزال والتقلص إلى درجة توقع البعض ذوباناً شبه كلي بحيث تصبح نسبة المواطنين من جملة السكان أقل من خمسة في المائة في بعض دول الخليج. وحسب الإحصائيات الرسمية فإن نسبة الوافدين في دولة الإمارات 74,9 في المائة ونحو 70,4 في المائة في دولة قطر ونحو 63,9 في المائة في دولة الكويت، وهذه الدول الثلاث هي من أعلى دول الخليج نسبة الوافدين فيها نسبة إلى السكان، بينما تقل هذه النسبة في سلطنة عمان إلى نحو 27,3 في المائة وفي المملكة العربية السعودية نحو 32,1 في المائة وفي مملكة البحرين نحو 38,2 في المائة وإن كانت هناك بعض الدراسات غير الرسمية تشير إلى أن نسبة المواطنين في دولة الإمارات نحو 10 في المائة.

وحتى لا نتهم بالمبالغة والتهويل، ففي زمن بوش فتح جبهتين في حرب الهجرة التي أثارت جدلاً واسعاً في الكونغرس حتى إن أمريكا فكرت في عسكرة حدودها الجنوبية مع المكسيك لمنع تسلل المهاجرين غير الشرعيين، لأن عدد المهاجرين غير الشرعيين وصل في أمريكا إلى 12 مليون مهاجر غير شرعي، لكن بوش اتجه إلى خطوة مماثلة لمعالجة واقع المهاجرين غير الشرعيين لإرضاء المدافعين عن حقوق المهاجرين غير الشرعيين عن طريق منحهم إقامة شرعية تمهد الطريق أمامهم للحصول على الجنسية والاندماج في المجتمع الأمريكي.

بينما طردت فرنسا 21 ألف مهاجر في عام 2007، بل جعل ساركوزي من قضية الهجرة غير الشرعية دعامة من دعائم حملته للفوز بالرئاسة وهو الذي دعا إلى إقرار مبدأ (الهجرة المختارة)، ويعني انتخاب المهاجرين من الأجانب الذين تحتاج فرنسا إلى كفاءتهم في الميادين المختلفة وإغلاق الباب بشكل شبه كامل أمام الآخرين.

وفي بريطانيا لا توجد إجابات سهلة حول الهجرة، وتخطط الحكومة لتطبيق نظام انتقالي قائم على النقاط على نمط النظام المعمول به في أستراليا بحيث يقوم المتقدمون بطلبات للهجرة بناء على ما لديهم من مهارات وتعليم وبناء على سنهم، وأصبح الخطاب السياسي البريطاني يتحدث عن وظيفة لكل عامل بريطاني رغم أن سكان بريطانيا نحو 70 مليون نسمة ولا تتجاوز نسبة الأجانب فيه عن 10 في المائة وهي النسبة نفسها في بقية الدول الأوروبية الأخرى الرئيسية التي فيها جاليات كبيرة مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا. فالهجرة تتحول الآن إلى قضية سياسية ساخنة للغاية في دول العالم كافة، بل أصبح على السياسيين كبح جماحها.

لكن في دول مجلس التعاون الخليجي يظل الحديث عن تداعيات الخلل في التركيبة السكانية مستمراً، لكنه يشتد حيناً ويخبو في معظم الأحيان، ويبقى محصوراً في التعليق العام، لكنه لا يترجم إلى أفعال وسياسات وإجراءات عملية على أرض الواقع شاملة أبعاد وآثار هذه القنبلة الموقوتة التي تنتظر الظروف المنافسة حتى تنفجر وحينها لا ينفع الندم، وسبق أن تظاهر العمال الآسيويون في كل من دولة الإمارات والبحرين للمطالبة بحقوقهم رغم أنها مشروعة، لكن كانت بدافع سياسي وتوجيه من قبل دولهم فأصبحت هذه الدول تمتلك اليد الطولى في تحريك هذه العمالة الوافدة متى ما شاءت تحت أي بند حقوقي.

فالظاهرة إذن متعددة الأبعاد والجوانب، فهناك علاقة مباشرة بين المتغيرات التنموية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية والثقافية والحقوقية من جهة والمتغيرات السكانية من جهة أخرى، لها تأثير وتأثر متبادلة.

وفي النهاية لا ضير من وجود العمالة الأجنبية في دول الخليج، لكن وفق رؤية واضحة لمستقبل التنمية، تجيب عن سؤال أساسي إلى أين نحن ذاهبون مستقبلاً؟ فلا يمكن الاعتماد إلى الأبد على اليد العاملة الرخيصة لإدامة النمو الاقتصادي، وكانت ضرورية إبان الطفرة النفطية عندما لم تتواجد عمالة وطنية بأجور متدنية، بينما اليوم لا يمكن التماشي بين المطلوب والمعروض من الوظائف، هذا الخلل يحتم علينا أن نعيد هيكلة اقتصاداتنا الخليجية بحيث توفر وظائف جديدة للمواطنين، وتفتح في الوقت نفسه السوق أمام المنافسة المحلية والأجنبية، لكن ليس على أساس الراتب الضعيف، بل على أساس الكفاءة والمهارات وهذا يتطلب رؤية تنموية شاملة طويلة الأجل ولا يمكن أن تستمر نسبة قوة العمل الأجنبية التي تفوق نسبتها 80 في المائة من إجمالي قوة العمل الخليجية. فرجال الأعمال هم من تبنوا إفشال استراتيجية الاستغناء التدريجي عن العمالة المستوردة حتى تصل إلى حد يجعل من غير المجدي اقتصادياً الاستعانة بها.

وقد اتهم وزير العمل البحريني الدكتور مجيد العلوي رجال أعمال خليجيين بالجشع لأنهم أفشلوا (مشروع 3-3) للحد من العمالة وهو مشروع اقترحه وزراء العمل الخليجيون بتحديد مدة إقامة العمالة غير الماهرة في دول الخليج بست سنوات فقط أي إعطاء العمالة الوافدة مدة إقامة ثلاث سنوات تجدد لمرة واحدة، واتهم الدكتور مجيد لوبي التجار الخليجيين بأنهم هم من أحبط هذا المشروع وأوقفه بعد أن كان في مراحله النهائية للتنفيذ، وأكد أن التجار الخليجيين بحثوا عن مصالحهم المادية فقط من دون النظر إلى الآثار الكارثية التي ستقبل عليها المنطقة خلال السنوات القليلة المقبلة.

لا يمكن الاعتماد إلى الأبد على اليد العاملة الرخيصة لإدامة النمو الاقتصادي

وتعد قضية التركيبة السكانية الهمّ الأكبر للشارع الإماراتي، وهي ما حدت برئيس الدولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان إلى اعتبار عام 2008 عاماً للهوية الوطنية، كما يضع كبار المسؤولين الإماراتيين ثقلهم لحل هذه المشكلة المعقدة، أي أن الإمارات تتعامل مع العمالة الوافدة على أنها عمالة مؤقتة وليست مهاجرة.

وأصدرت حكومة الإمارات تقريراً أوضحت فيه أن عدد الوافدين ثلاثة ملايين و113 ألف عامل من 202 دولة من القارات الخمس يعملون لدى 260 ألف شركة في الإمارات. وبلغت تحويلاتهم المالية نحو 16 مليار دولار من أصل 60 مليار دولار يتم تحويلها من العمالة الوافدة في دول الخليج، والبعض يقدرها بنحو 100 مليار دولار، بل تصل لدى البعض إلى تقديرات بنحو 140 مليار دولار.

وتؤكد الإحصائيات في هذا التقرير أن عدد المواطنين يقل عن مليون مواطن ونسبتهم 15,4 في المائة من إجمالي السكان البالغ عددهم خمسة ملايين و631 ألف نسمة عام 2006، ويشكل الوافدون على مستوى دول الخليج نسبة 40 في المائة من إجمالي السكان البالغ عددهم 35 مليون نسمة عام 2008.

وإذا كان البعض يعتقد أنه في ظل طفرات اقتصادية متسارعة عجلت من اتساع نطاق تأثيرات العولمة بأشكالها كافة وفرضت على السكان نوعاً من التسامح الإجباري وليس الاختياري وهذا الاعتقاد ليس صحيحاً بل يعتبر تكدس العمالة الوافدة نتيجة لغياب رؤية استراتيجية تنموية شاملة وموحدة لدى دول الخليج.

ورغم كل تلك المحاولات، فإن بعض المسؤولين والتجار يسلون أنفسهم ويضللون حكوماتهم حينما يطلقون على تلك العمالة بالمؤقتة التعاقدية، لكنها في الواقع عمالة دائمة، وهو واقع اعترف به وزير العمل البحريني الدكتور مجيد العلوي.

فعدد العمالة الوافدة قفز من 12 مليوناً إلى 16 مليون وافد بعد الطفرة النفطية الثانية، عندما وصل فيها سعر برميل النفط إلى 140 دولاراً، وهذه الطفرة شبيهة بالطفرة الأولى عام 1975، لكنها كانت هذه المرة مختلفة عن الأولى لأنها أتت في فترة بطالة مرتفعة جداً بين السكان، ويفترض أن تلتزم دول الخليج بتوظيفهم على الأقل في العقود التي تتعاقد فيها مع الشركات التي تنفذ مشاريعها على غرار ما تفعله الولايات المتحدة. إذ إن ربع القوة العاملة توظفها في الشركات التي تتعاقد معها الحكومة الأمريكية.

إن دول الخليج تقف اليوم على مفترق طرق ولا بد أن تستبق قوانين دولية تسمح بتوطين أو إقامة وربما حتى تطالب بتجنيس العمالة الوافدة في دول الخليج وفق ما تنادي به المنظمات الدولية في إطار سعيها لتحقيق العولمة في مجال الموارد البشرية وتوطين العمالة المهاجرة في العالم رغم أن دول الخليج لم توقع حتى الآن هي والولايات المتحدة على هذه الاتفاقيات، لكن سبق أن وقعت دول الخليج على اتفاقية رقم 97 لسنة 1949 التي تنص على حق العمالة في اكتساب الجنسية. وهو ما استغلته دولة الهند في مطالبة دول الخليج بتجنيس العمالة الهندية وإعطائها حقوقاً سياسية واعتبارها عمالة مهاجرة وليست مؤقتة، ورغم أن دول الخليج رفضت الاستجابة لهذه المطالب، وأيدتها في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا، لكن قد يأتي يوم وتؤيد فيه الولايات المتحدة بحسب مصالحها تلك المطالب.

لقد أصبحت العمالة الوافدة قنبلة موقوتة، وقد تتحول الجاليات الآسيوية إلى قوى ضاغطة على القرار السياسي إن لم تصبح مشاركة فيه، فلا بد أن ينتقل ملف مناقشة الخلل في التركيبة السكانية من المستوى الأكاديمي والإعلامي إلى المستوى السياسي ويترجم قراراته على أرض الواقع، فإذا كان الخطر الإيراني مرهوناً بالخلل في موازين القوى، فإن خطر الوافدين مسكوت عنه وهو قطعي ووجودي والشواهد الدالة عليه لا تعد ولا تحصى.

لا ضير من وجود العمالة الأجنبية في دول الخليج لكن وفق رؤية واضحة لمستقبل التنمية

إذاً فالتهديدات والتحديات في دول الخليج أصبحت متعددة، ومواجهتها لا تحتاج إلى تريث أو انتظار أو تسويف، وبالفعل فإن الولايات المتحدة بعدما كانت تدعم دول الخليج في عدم تجنيس العمالة الوافدة بدأت الآن تطالب دولة الإمارات بتحسين ظروف عمل العمالة الوافدة كشرط لإجراء مفاوضات لتوقيع اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين، وسبق أن رضخت البحرين لتلك المطالب وألغت شرط وجود كفيل شخصي للعامل الوافد رغم أن ما تطالب به الولايات المتحدة مطالب حقوقية وهي تصب في صالح العمالة الوطنية وأيضاً في صالح تحقيق استراتيجية الاستغناء التدريجي عن العمالة الوافدة التي أجهضها رجال الأعمال الخليجيون سابقاً لأنه في تلك الحالة ترتفع أجور العمالة الوافدة، وتصبح العمالة الوطنية قادرة على منافسة العمالة الوافدة.

إن حفظ حقوق العمالة الوافدة مطلب إنساني وديني قبل أن يكون مطلباً حقوقياً وقانونياً، بل إن وقف الممارسات غير المشروعة يصب في النهاية في صالح العمالة الوطنية. فعبودية العمال هي الجانب المظلم في الاقتصاد العالمي الجديد وليس في دول الخليج فقط، لذا تجب محاربته خصوصاً في ما يتعلق بالهجرة غير الشرعية والاستغلال غير الإنساني والذي يتم غالباً بعيداً عن أعين المواطنين والمسؤولين، فهو المسؤول عن انخفاض أسعار سلع عديدة في الولايات المتحدة، خصوصاً أن الأجور فيها عالية مما يسبب منافسة غير عادلة لأنها تشغل العمالة المهاجرة غير الشرعية بأجور زهيدة جداً بعيداً عن أعين المسؤولين، الأمر الذي تجب محاربته دولياً وخليجياً.

إن حجر الزاوية في أي سياسة سكانية خليجية لإصلاح الخلل الراهن هو مسألة الهجرة الوافدة متمثلة في مصادرها وحجمها وخصائصها وآثارها وتداعياتها الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والأمنية والحقوقية من أجل إيجاد التوازن المطلوب بينها وبين التنمية حجماً ووتيرةً وتنوعاً وعدالةً من حيث التوزيع للعوائد جغرافياً وقطاعياً واجتماعياً.

مقالات لنفس الكاتب