array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العنصر المفقود في العلاقات العربية-التركية

الثلاثاء، 01 آذار/مارس 2011

شهد مؤتمر العلاقات العربية-التركية الذي عقد في الكويت يومي 11 - 12 يناير الماضي، وافتتحه كل من رئيسي مجلس الوزراء الكويتي والتركي، مشاركة كوكبة من النخب التركية ضمت أكاديميين وباحثين وصحفيين ومفكرين زاد عددهم على الثلاثين.

نجح منتدى (المفكرون المسلمون في ظل الصعود التركي في المنطقة) في جمع هذه الشخصيات التركية مع نظرائهم من العرب. وفي ظل التركيز المستمر على السياسة والاقتصاد في دفع العلاقات العربية - التركية إلى الأمام، خصص المؤتمر جلسة عن دور المؤسسات الإعلامية في هذا المجال، وقد شاركت في هذه الجلسة كمتحدث إلى جانب كل من مدير قناة (تي.آر.تي) الناطقة باللغة العربية (سفر طوران)، والصحفي المخضرم والمحلل السياسي البارز مصطفى أوزجان. وكممثل للجانب العربي، كانت هناك ضرورة لاستغلال الحدث للتركيز على بعض الهواجس والثغرات في هذه العلاقة، وهو ما تم من خلال هذه القراءة للمشهد العام.

التحوّل في الرأي العام

إذا ما عدنا إلى الذاكرة التاريخية القريبة، أي المائة عام الماضية تقريباً، فسنجد أن صورة العربي عن التركي والتركي عن العربي كانت سلبية بشكل عام إلى حد كبير لدى الطرفين. فقد ساد انطباع عام لدى الأتراك بأن العرب تخلوا عنهم إبان الثورة العربية الكبرى، فيما ردّ العرب على ذلك فيما بعد بوصف التركي كمستعمر كان سبباً في تخلّفهم.

وقد بقي الوضع على حاله عموماً منذ ذلك التاريخ وحتى العقد الأخير من القرن الماضي مع بعض الخروقات النادرة في الصورة النمطية السلبية للطرفين عن بعضهما بعضاً في الثمانينات والتي سرعان ما تراجعت نتيجة للتوترات التي طرأت بين تركيا وجيرانها العرب لا سيما سوريا والعراق.

وفي بداية عام 2002، أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة (زغبي إنترناشونال) في العالم العربي في مارس وإبريل 2002 وتضمن سؤالاً حول نظرة العرب إلى 13 بلداً غير عربي، أن تركيا تحتل المرتبة الثالثة للدول الأكثر سلبية بعد إسرائيل وأمريكا من المنظور العربي.

لكن في نهاية عام 2002، بدأ التحوّل في النظرة العامة تجاه تركيا يأخذ مجراه، وقد أسّست محطات موضوعية عدّة لهذا التحول لعل أبرزها الانعطافة الأولى المتمثلة في قرار البرلمان التركي عام 2003 رفض استخدام الأراضي التركية منطلقاً للقوات الأمريكية لغزو العراق، تبعته انعطافة ثانية مع انفتاح تركيا عبر سياسة خارجية جديدة على منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية، ومن ثمّ انعطافة ثالثة مع نجاح حزب العدالة والتنمية في دورته الثانية عام 2007، الأمر الذي أثار اهتمام الرأي العام العربي بمختلف شرائحه وتنوعاته وانتماءاته بتجربة هذا الحزب في فن الحكم والإصلاح الاقتصادي والدمج الممتاز بين الديمقراطية والإسلام والتمييز الناجح بين السياسة والدين في العمل السياسي. وقد كان لهذه الانعطافات إضافة إلى الدبلوماسية الشعبية لتركيا التي ترافقت مع تردي العلاقات التركية-الإسرائيلية دور بالغ الأثر في إحداث تحوّل في الرأي العام العربي من تركيا والأتراك باتجاه المنحى الإيجابي.

في المقابل، فقد تأثّر الرأي العام التركي بالحرب الأمريكية على العراق عام 2003، وأبدى تعاطفاً شديداً مع القضايا العربية من منطلق إسلامي أولاً ولشعوره بالاستهداف ثانياً. ولا شك في أنّه مع عودة هذا التوجه ومع انفتاح الإعلام التركي والسياسة التركية على قضايا المنطقة، احتلت القضية الفلسطينية موقع الصدارة وغطّت وسائل الإعلام التركية بشكل غير مسبوق العدوان الإسرائيلي على المنطقة في عام 2006 وخصوصاً العدوان على غزة عام 2007.

وقد كان لذلك دور بالغ الأثر في الرأي العام التركي، عزز من قوّته الاحتكاك المباشر بين العرب والأتراك في عدد من المحطات لعل أبرزها (أسطول الحرية) الذي شارك فيه عرب وأتراك من مختلف التوجهات السياسية والشرائح الاجتماعية والإعلامية تشاركوا فيه بوحدة المصير واختلط دمهم بدم إخوانهم، فنقل كل طرف الحقيقة كما هي عن الطرف الآخر من دون أي وسيط ومن دون أي تشويه أو تجميل.

وأدت هذه المعطيات إلى دفع الطرفين إلى التقارب، وبالتالي تغيير الصورة النمطية تدريجياً لدى كل منهما عن الآخر، وأكد العديد من استطلاعات الرأي العربية والتركية والأجنبية أيضاً التي أجريت تحديداً في عامي (2009-2010) هذا التوجه. وقد سرّع توالي الأحداث الإقليمية كما الاحتكاك المتبادل بين العرب والأتراك على مستوى الشعوب من هذا التقارب والدفع باتجاه الصورة الإيجابية، وإن لم يلغ ذلك احتفاظ وتمسك بعض الشرائح القليلة عند الطرفين ببعض بقايا الصورة السلبية أو على الأقل التوجس من الانفتاح السريع على الانطباع الإيجابي.

محاذير الاعتماد على السياسة والاقتصاد فقط

لكن من الأهمية بمكان هنا أن نلاحظ أن العنصر الدافع باتجاه تحسين صورة كل طرف لدى الآخر عند الطرفين هو العنصر السياسي بالدرجة الأولى ومن ثمّ الاقتصادي. وإذا ما أردنا تحليل هذا المعطى، فهو يعني أن التحول الحاصل حالياً وإن كان إيجابياً بالتأكيد إلا أنه مبني على أسس غير متينة وهشة، وهو قابل للانقلاب والتغيّر بدوره سريعاً في أي لحظة تتغيّر فيها المعطيات السياسية الإقليمية أو تتقلص فيها المصالح الاقتصادية المتبادلة، خاصّة أن السياسة في الشرق الأوسط متقلّبة جداً والاقتصاد يحتاج إلى الاستقرار.

ولذلك يصبح من الضروري، بل من الواجب، البحث عن عنصر يكون أكثر ثباتاً وديمومة ويشكل البنية التحتية الصلبة في العلاقات العربية- التركية، وهو العنصر الثقافي الذي سيكون بمنأى عن التقلبات قي التوجهات السياسية أو المصالح الاقتصادية ويعمل محفّزاً (Catalyst) للسياسة والاقتصاد، فينقلب هرم المعادلة القائمة حالياً، وتصبح العلاقة قائمة من القاعدة الاجتماعية الثقافية صعوداً باتجاه المصالح الاقتصادية وصولاً إلى السلطة السياسية في أعلى الهرم. وعندها، فلا يهمنا إذا بقي رجب طيب أردوغان أو لم يبق رئيساً للوزراء، إذا استمر حزب العدالة والتنمية في السلطة والحكم أم لم يستمر، إذا تغيّرت المعطيات السياسية لدى دولنا أم لم تتغير، لأن الضغط سيصبح حينها من الأسفل إلى الأعلى، فلن يكون باستطاعة أية جهة أو سلطة سياسية تجاهل هذا المعطى أو إهمال هذا الواقع، ولا يمكن للاقتصادي عندها بدوره أن يتجاهل العنصر الجاذب هذا لتحقيق المصالح المشتركة حتى لو أرادوا ذلك. وهنا بالتحديد يأتي دور الإعلام بمعناه الواسع (أدب، شعر، سينما، مسرح، تلفزيون، راديو، صحافة، رياضة.. إلخ) في بناء هذا العنصر الثقافي بين الطرفين.

ملاحظات على الواقع الإعلامي في العلاقة بين الطرفين

* رغم النقلة الإيجابية والنوعية الحاصلة في العلاقات العربية- التركية خلال السنوات القليلة الماضية ومخاطبة الرأي العام في كلا الطرفين، إلا أن الاعتماد على الإعلام الوسيط إن صح التعبير في التعريف ببعضنا البعض أو التواصل مع بعضنا بعضاً لا يزال كبيراً، وهو معطى سلبي له تداعيات من شأنها أن تعرقل وتعيق عملية التواصل أو أن تحيد بها عن مسارها لما للإعلام الوسيط من أهداف وغايات ومصالح مغايرة بل قد تكون متناقضة مع ما نسعى إليه.

* الباحثون المتخصصون الذين يتحدثون باسم العلاقات العربية – التركية ولهم تأثير مهم من حيث اختصاصهم أو خبرتهم محدودون جداً من ناحية الظهور الإعلامي، وجزء غير قليل من هؤلاء للأسف تابع فكرياً أو ثقافياً أو مالياً إلى طرف ثالث، وبالتالي فهم عندما يتحدثون لا يعكسون حقيقة هذه العلاقات من جهة، ويعملون على توجيهها باتجاه آخر من جهة أخرى لمصالح وغايات أجنداتهم.

* المبادرات في غالبها تركية سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الإعلامية (الفضائية التركية، مواقع الإنترنت التركية المزودة بنافذة عربية). فهناك خلل في كل هذه العناصر وخاصة في عملية الانفتاح الإعلامي والثقافي لصالح تركيا بسبب التقاعس العربي، وهو الأمر الذي سيكون بحاجة إلى موازنة من الطرف العربي كي لا تفسر المبادرات التركية لاحقاً بشكل سلبي عندما تصبح أكثر عمقاً وتأثيراً في الرأي العام العربي. فقد ينظر إليها على أنها غزو ثقافي أو استغلال لحالة ضعف، إذ إن الانفتاح باتجاه واحد أياً كان صاحبه سيجعل الطرف الآخر يشعر بالضعف، وبالتالي بالخطر فيتم وقف التطور الإيجابي الحاصل باتجاه العزلة أو التقوقع لحماية الذات.

* الجهد المبذول في المنحى غير الرسمي عفوي في الغالب، يقوده الحب المتبادل والاحترام والقضية المشتركة وشغف التعرف إلى الآخر وإعادة التواصل مع ما كان مقطوعاً طوال المدّة الماضية، لكن ذلك لا يكفي، فهذا العمل وهذا الجهد يحتاجان إلى (مأسسة) وتنظيم على قواعد وأسس ووفق رؤية واضحة وأهداف محددة وبرنامج معروف حتى يكون أعمق تأثيراً وأكثر استدامة واستقراراً.

الدور المطلوب للإعلام

* خطة تتيح تحويل حالة الرأي العام الظرفيّة المؤيدة والداعمة لتطوير العلاقات بين العرب والأتراك إلى تيار يعبّر عن حالة دائمة أكثر منها ظرفية. ولتحقيق ذلك سنحتاج إلى إيجاد بيئة إعلامية مواتية من خلال التركيز على القضايا المشتركة وإبرازها وإعطائها الأولوية.

* زيادة المبادرات الإعلامية الثنائية، وتوثيق التعاون الثنائي والمشاريع الإعلامية المشتركة، وتبادل الإعلاميين والدورات الإعلامية وزيادة المكاتب الإعلامية لوسائل الإعلام العربية والتركية لدى كل من الطرفين.

* التركيز على اللغة كمدماك أساسي باتجاه بناء أسس قوية ومتينة عبر المدخل الثقافي وكذلك عبر بناء معاهد متخصصة لتعليم اللغة سواء في الجامعات أو الملحقيات أو بشكل مستقل أو عبر مؤسسات المجتمع المدني، على أن تواكب هذه العملية مشاريع ترجمة منتظمة ومتبادلة بين الطرفين في الأدب والشعر والعلوم والفلسفة، والتركيز على (كنز) الأرشيف العثماني أيضاً الذي يمكنه أن يلعب دوراً تاريخياً كبيراً على كل المستويات.

* إعادة تنقية كتب التاريخ الحديث وكل الشوائب المتعلقة بها من خلال تشكيل لجان مشتركة تضمن مؤرخين وعلماء اجتماع وسياسة وغيرهم ليقوموا بتنقيب الكتب المدرسية والتاريخية للطرفين وتنقيتها مما اعتراها من مغالطات وتحريف للوقائع بما ينصف التاريخ ويخدم المستقبل المشترك للطرفين.

* عقد اتفاقية للتعاون الإعلامي بين تركيا والدول العربية تتيح تبادل المواد الإعلامية والاستفادة من إمكانات وقدرات كل طرف لتعزيز التفاعل الإعلامي، وإنشاء محطات إذاعية وتلفزيونية ناطقة باللغة التركية والعكس، ويمكن أيضاً الاستعاضة عن هذه الخطوة أيضاً بتقديم فقرات أو نشرات في المحطات الرئيسية كبداية على الأقل. كما يجب توفير مواقع إلكترونية إعلامية وثقافية وسياحية باللغتين العربية والتركية بما يعكس الاهتمام المشترك للطرفين كل بالآخر وهي خطوة سيكون لها دور بالغ الأثر في تحقيق الأهداف المرجوة.

* زيادة برامج التبادل الثقافي والأكاديمي خصوصاً، وإنشاء (لوبيات) متخصصة في كل قطاع من القطاعات المهمة لتوظيفها في خدمة المصالح المشتركة، كأن يتم إنشاء (لوبي إعلامي) يضم نخبة الإعلاميين من الطرفين من التخصصات كافة وتحدد له أهداف وبرنامج وجدول عمل، ويستخدم عند الحاجة أيضاً للضغط باتجاه إبراز القضايا المشتركة أو لصالحها سواء محلياً أو إقليمياً ودولياً والاستفادة من قدرتها على توجيه الإعلام خاصة عندما تصبح قاطرة للعمل الإعلامي المشترك. ومثله يمكن إنشاء لوبي الأكاديميين والباحثين والمثقفين والنخب والمتزوجين من الطرفين، والاستفادة من كل هذه الطاقات المشتركة الموجودة والتي لا تحتاج سوى إلى تأطير وبرنامج عمل للتفعيل لتكون في خدمة مصلحة الطرفين.

* تكثيف وتيرة الفعاليات المشتركة ومأسستها سواء من حيث الندوات أو المؤتمرات أو ورش العمل أو من حيث اللوبيات التي تم اقتراحها أو أية مبادرات أخرى تتم الإشارة إليها لتصبح أكثر فاعلية وتأثيراً من خلال البرامج والمتابعة والتقييم وقياس النتائج المحققة لما فيه مصلحة الطرفين.

مقالات لنفس الكاتب