يعد مفهوم حقوق الإنسان من القيم الإنسانية الأساسية؛ حيث تعني الكرامة والمساواة بين جميع البشر في جميع أنحاء العالم وفي أي وقت ويحق لهم التمتع بحقوقهم دون تمييز سواء من حيث العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين.
وترجع مسألة حقوق الإنسان في القارة الإفريقية إلى العديد من العادات والتقاليد والأعراف التي نتجت عن الاستعمار الغربي والذي لا يزال له أثره في العديد من الدول الإفريقية. ونتيجة للتنظيمات الإقليمية والدولية والتي نشأت في القارة الأوروبية وأمريكا، وكان لها الأثر على قارة إفريقيا. فتم عقد عدد من المؤتمرات بين الدول الإفريقية التي استقلت في الفترة من 1958 – 1962م، ثم إعلان تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963م، في أديس أبابا والتي هدفت منذ تأسيسها إلى تعزيز الوحدة والتضامن بين الدول الإفريقية وتنسيق وتكثيف التعاون والجهود لتحقيق حياة أفضل لشعوب إفريقيا والحفاظ على سيادة وسلامة الدول الأعضاء الإقليمية، والعمل على تحرير القارة من الاستعمار والتمييز العنصري، والعمل على تكثيف التعاون بين الدول الأعضاء في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والصحية والاجتماعية والعلمية والتقنية والدفاع.
وفي عام 1981م، تم توقيع الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والذي صدقت عليه 35 دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي ودخل حيز التنفيذ في أكتوبر 1986م، وهو ميثاق ملزم للدول الموقعة عليه؛ حيث نصت المادة الأولى منه على "تعترف الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي الأطراف في هذا الميثاق بالحقوق والواجبات والحريات الواردة فيه وتتعهد باتخاذ الإجراءات التشريعية وغيرها من أجل تطبيقها" وصدقت جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي عليه باستثناء إريتريا.
أولاً: المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب
وفي بداية الأمر لم تهتم الدول الإفريقية بوجود محكمة إقليمية قارية، تكون لها سلطات في الحفاظ وحماية وتعزيز حقوق الإنسان ومحاكمة من ينتهك هذه الحقوق في هذا الوقت قد صاحبه خوف وتحفظ من تلك الدول بمساس وتداخل المحكمة مع سيادة الدولة وسلطاتها والإضرار بمصالحها على المستوى الإقليمي والدولي ولا سيما بعد حصولها على الاستقلال.
وبعد انتشار مفهوم حقوق الإنسان في المجتمع الدولي وحرص كل دولة في العالم على تعزيز والمحافظة على حقوق الإنسان، ولما كانت القارة الإفريقية ليست بمعزل عن الحركية والمستجدات التي يعرفها المجتمع الدولي، وكذا تأثر الدول الإفريقية بفكرة حقوق الإنسان وضرورة المحافظة عليها لدى شعوبها، فكانت مسألة إنشاء محكمة إفريقية لحماية حقوق الإنسان والشعوب طرحت نفسها بقوة، فقامت الدول الإفريقية بإصدار الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب في 27 يونية 1981م، ودخوله حيز التنفيذ في 21 أكتوبر 1986م، وإنشاء ميثاق اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في يوليو 1987م، لتكون مهامها تعزيز والحفاظ على حقوق الإنسان والشعوب في الدول الإفريقية.
ومن هنا نشأت المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب كمحكمة إقليمية قارية أنشأتها الدول الإفريقية لضمان حماية حقوق الإنسان والشعوب في إفريقيا. لتعزيز وتكميل دور اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والتي تقوم بدور جهاز حماية حقوق الإنسان المتضمنة في الميثاق الإفريقي والتعامل مع مراسلات الدول والأفراد، وفحص الشكاوى سواء كانت شكاوى فيما بين الدول الأطراف ضد بعضها البعض أو الشكاوى التي ترسل ضد دول الإفراج
وقد تأسست تلك المحكمة بموجب المادة رقم 1 من بروتوكول الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بشأن إنشاء محكمة إفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، وهو البروتوكول الذي اعتمدته الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الإفريقية (OAU) آنذاك في واجادوجو، بوركينا فاسو، في يونيو 1998م. وقد دخل البروتوكول حيز النفاذ في 25 يناير 2004م.
وقد صادقت 32 دولة على البروتوكول وهي الجزائر، بنين، بوركينا فاسو، بوروندي، الكاميرون، تشاد، كوت ديفوار، جزر القمر، الكونغو، جمهورية الكونغو الديمقراطية، الجابون، جامبيا، غانا، غينيا بيساو، كينيا، ليبيا، ليسوتو، مالي، ملاوي، موزامبيق، موريتانيا، موريشيوس، نيجيريا، النيجر، رواندا، الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، جنوب إفريقيا، السنغال، تنزانيا، توجو، تونس، أوغندا.
وحتى الآن، أودعت 8 دول فقط من بين الـ 32 دولة الإعلان الذي يعترف باختصاص المحكمة لتلقي القضايا مباشرة من المنظمات غير الحكومية والأفراد، وهي بوركينا فاسو، جامبيا، غانا، غينيا بيساو، مالي، ملاوي، النيجر، وتونس.
تشكيل المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب
تتشكل المحكمة من أحد عشر قاضيًا يقع تعيينهم حسب معايير معينة، حيث يجب أن تتوفر في المرشحين لشغل منصب قاض في المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب شروط الاختصاص القانوني والتجربة القانونية والقضائية الأكاديمية والتمتع بقدر من الخبرة والاعتبار الأدبي وأن يكونوا من علماء القانون المختصين بمجال حقوق الإنسان. ومن أهم ما جاء في بروتوكول فيما يتعلق بتركيبة المحكمة هو ضرورة التمثيل النسائي عند تعيين أعضاء المحكمة واحترام قاعدة التمثيل المناسب للجنسين. ويتم انتخاب القضاة لمدة 6 سنوات من قبل مؤتمر رؤساء الدول والحكومات في دورته العادية، ويكون الانتخاب بالتصويت السري على القائمة المقدمة إلى رؤساء الدول والحكومات قبل انعقاد المؤتمر بـ 30 يومًا.
اختصاصات المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب
وينطبق الاختصاص القضائي للمحكمة على جميع القضايا والنزاعات المقدمة إليها فيما يتعلق بتفسير وتطبيق الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والبروتوكول وأي صك آخر ذي صلة بحقوق الإنسان التي صادقت عليه الدول المعنية.
وهذا الاختصاص القضائي للمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ليس إلزاميًا، بمعنى أنه يحق للدول الأطراف في الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب اللجوء إلى هيئة قضائية أخرى لفض النزاعات بينهم. وللمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب عدة اختصاصات هي:
- الاختصاص الموضوعي أو المادي؛ ويشمل الاختصاص الموضوعي أو المادي لهذه المحكمة الإفريقية، وحسب ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة ٣ من البروتوكول "كافة القضايا التي تقدم إليها والمتعلقة بتفسير الميثاق وتطبيقه، وهذا البروتوكول، وكل اتفاقية خاصة بحقوق الإنسان صادقت عليها الدول المعنية". ونلاحظ هنا التوسع في اختصاص المحكمة ليغطي الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والبروتوكول المضاف إليه، وكل اتفاقية خاصة بحقوق الإنسان، وهو على خلاف اختصاصات بعض المحاكم الإقليمية لحقوق الإنسان
- الاختصاص الشخصي؛ وحددت الفقرة الأولى من المادة 5 من البروتوكول المضاف إلى الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الأطراف التي يحق لهم اللجوء إلى المحكمة، وهم:
- اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
- الدولة الطرف التي لجأت إلى اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
- الدولة الطرف التي قدمت ضدها شكوى أمام المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
- الدولة الطرف التي أحد رعاياها ضحية انتهاكات حقوق الإنسان.
- المنظمات الحكومية الإفريقية
أما الاختصاص الاستشاري للمحكمة، فيجوز لها بناءً على طلب دولة عضو في الاتحاد الإفريقي أو الاتحاد الإفريقي أو أي من أجهزته أو أي منظمة إفريقية معترف بها من قبل الاتحاد الإفريقي، طلب رأي بشأن أي مسألة قانونية أخرى تتعلق بالميثاق أو أي صكوك أخرى ذات صلة بحقوق الإنسان، شريطة ألا يكون موضوع الرأي متعلقًا بمسألة قيد الدراسة من قبل اللجنة.
وأعطى البروتوكول المضاف إلى الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، اختصاصًا استشاريًا، على غرار الاختصاص الاستشاري للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والمحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان.
وحددت الفقرة الاولى من المادة 4 من البروتوكول المضاف، الأطراف الذين يحق لهم طلب الرأي الاستشاري من المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، وهذه الأطراف هي:
- كل دولة عضو في الاتحاد الإفريقي.
- كل هيئة من هيئات الاتحاد الإفريقي.
- كل منظمة إفريقية يعترف بها الاتحاد الإفريقي.
وإذا كان من المفهوم بأن البروتوكول أجاز لدولة عضو في الاتحاد الإفريقي أو هيئة من هيئاته بأن تتقدم بطلب رأي استشاري للمحكمة الإفريقية، فإن السماح لكل منظمة إفريقية يعترف بها هذا الاتحاد بتقديم مثل هذا الطلب قد لفت انتباه عدد من الخبراء، وهو موقف يذكرنا أيضًا بما نصت عليه الفقرة ٣ المادة 45 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والتي تعطي للجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب صلاحية تفسير كافة أحكام هذا الميثاق بناء على طلب من "منظمة تعترف بها منظمة الوحدة الإفريقية والتي أصبحت الاتحاد الإفريقي فيما بعد. ويبقى السؤال هنا حول الجواز للمنظمات الإفريقية غير الحكومية، ولا سيما تلك التي تستفيد من الصفة الاستشارية لدى الاتحاد الإفريقي، أن تطلب رأيًا استشاريًا من المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، أم أن هذا الحق مقتصر على المنظمات الحكومية الإفريقية التي يعترف بها الاتحاد الإفريقي؟
وفيما يخص الممارسة، فإن إقامة تعاون فعلي بين المحكمة واللجنة الإفريقية في مجال مراقبة وحماية حقوق الإنسان والشعوب بالقارة الإفريقية هو مطلب ضرورة على كل المستويات وذلك فيما يتعلق بالإجراءات والاختصاص وقبول الشكاوى وذلك من أجل ضمان وحدة القضاء في هذا المجال. كذلك يجب أن يكون هناك قيمة تنفيذية حقيقية ممنوحة لأحكام المحكمة وقراراتها، فيجب أن تُعطى قرارات المحكمة أحكامها طبيعة تنفيذية وليس إعلانية. فالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالقارة الإفريقية تدعو إلى ضرورة وجود هذا الدعم فيما يخص الحماية الفعلية لحقوق الإنسان والشعوب في القارة الإفريقية وكذا تأمين نظام قانوني حقيقي على مستوى الدول الإفريقية وهو لن يتحقق إلا انطلاقًا وتكريسًا لمبدأ التعاون.
ثانيًا: المحكمة الإفريقية للعدل وحقوق الإنسان ودمج المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ومحكمة العدل الإفريقية:
جاء اعتماد بروتوكول شرم الشيخ للمحكمة الإفريقية للعدل وحقوق الإنسان، والذي وقعت عليه 30 دولة من أصل 54 دولة إفريقية، والذي بموجبه تم دمج محكمة العدل الإفريقية والمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في محكمة واحدة وسميت بالمحكمة الإفريقية للعدل وحقوق الإنسان. ووقع تعديل على هذا البروتوكول في عام 2014 ولكنه لم يدخل حيز التنفيذ. ووقد أضيفت بعض اختصاصات جنائية للمحكمة في هذا البروتوكول؛ حيث أصبحت الحاجة إلى القضاء الجنائي الدولي في إفريقيا ضرورة ملحة نظرًا للجرائم الدولية والانتهاكات الخطيرة التي ترتكب في هذا الشأن.
وتمثل المحكمة الإفريقية للعدل وحقوق الإنسان الهيئة القضائية الوحيدة ذات الولاية لحماية حقوق الإنسان من الانتهاكات الجسيمة والجريمة المنظمة والإرهاب في القارة. ومن ثم فهي الذراع القضائي للاتحاد الإفريقي، وذلك بمقتضى بروتوكول شرم الشيخ المعتمد في 1 يوليو 2008م، والذي بموجبه تم دمج محكمة العدل الإفريقية والمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
ومثلت تلك المحكمة تطورًا مهما في نوع الجرائم ونوع المسؤولية المقامة امام هذه المحكمة. فقد جاءت كجهاز قضائي يستخلف المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب وكذا محكمة العدل الإفريقية ذو طابع مختلف عن المحاكم الدولية أو المحاكم الجنائية، حيث أشار البروتوكول المتعلق بالمحكمتين السابق الإشارة إليهما أنهما ستزولان نهائيا بمجرد دخول نظام هذه المحكمة حيز التنفيذ ويبقى القضاة في مناصبهم إلى غاية انتخاب قضام هذ المحكمة الجديدة.
وتعتبر هذه المحكمة ذات طابع خاص وأنها محكمة منبسطة أي أن اختصاصها يجمع بين اختصاصات محكمة العدل الدولية وهي النظر في نزاعات الدول طبقًا لقواعد المسؤولية الدولية، واختصاصات المحكمة الجنائية الدولية وهي النظر في الجرائم الدولية، وهذا النوع من المحاكم نسميها محاكم معممة لما لها من اختصاص عام يشمل عدة مجالات قانونية.
كما أن هذا المحكمة انشات عن طريق بروتوكول أو اتفاق بين الدول الإفريقية وهو ما جعلها محكمة وجهاز قضائي تام الوجود ذو طابع توافقي قانوني، وقد شكّل الدمج الذي تم بين المحكمتين السابقتين محاولة لإيجاد أول نوع من المحاكم يجمع بين مساءلة الدول والأفراد وكل الكيانات التي ترتكب الجرائم والانتهاكات. وتتحدد طبيعة المساءلة تبعًا لمرتكب الجريمة والجهات التي سيعرض عليها النزاع، وهذه الخاصية تجعلها فريدة في طبيعة المسؤولية أو الأشخاص الماثلة أمامها وكذا الفرع أو الجهاز الذي سينظر في الجريمة المرتكبة.
تنظيم المحكمة الإفريقية للعدل وحقوق الإنسان
تتشكل المحكمة من 16 قاضيًا وفقًا لبروتوكول شرم الشيخ، منهم 8 قضاة في فرع القضايا العامة و8 في فرع حقوق الإنسان، وفي حالة اعتماد بروتوكول مالابو سيضاف إليهم 3 قضاة في فرع القانون الدولي الجنائي. ويكون قضاة المحكمة من مواطني الدول الإفريقية الأطراف في النظام الأساسي، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يكون في المحكمة أكثر من قاض واحد من نفس الدولة العضو، ويكون التمثيل لكل أقاليم القارة الإفريقية بحيث يكون 3 قضاة لكل جهة، ما عدا جهة الغرب فيمثلها 4 قضاة. ويكون هؤلاء القضاة مستقلين ومنتخبين من الأشخاص المعروفين بحيادهم ونزاهتهم ولديهم المؤهلات المطلوبة لممارسة أعلى المهام القضائية في دولهم وفقًا لبروتوكول شرم الشيخ. أما برتوكول مالابو فإنه يتشرط التخصص في مجال القانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي.
وتتكون المحكمة الإفريقية للعدل وحقوق الإنسان من ثلاثة فروع، وهم:
فرع القضايا العامة والمتمثل في تفسير وتطبيق النظام الأساسي أو تفسير أو تطبيق المعاهدات وغيرها الداخلة في اختصاص المحكمة، ما عدا المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان والشعوب، أو القانون الدولي الجنائي فلكل منها فرع خاص به.
فرع قضايا حقوق الإنسان والشعوب، وينظر في كل قضية ترفع إليه فيما يتعلق بانتهاك حقوق الإنسان والشعوب فقط دون سواها من القضايا العامة أو قضايا القانون الدولي الجنائي.
فرع القانون الدولي الجنائي، ويختص هذا الفرع بجميع القضايا المتعلقة بالجرائم المحددة في البروتكول الملحق بالنظام الأساسي للمحكمة لعام 2014م.
اختصاصات المحكمة الإفريقية للعدل وحقوق الإنسان
تتنوع اختصاصات المحكمة بين الاختصاصات العامة والاختصاصات الجنائية وكذلك الاختصاصات الأخرى المتمثلة في الاختصاص الشخصي والزماني والاختصاص التكميلي.
1-الاختصاصات العامة: للمحكمة اختصاص على كل قضية أو مسألة أو خلاف ذو طابع قانوني، ويتعلق بتطبيق أو تفسير القانون التأسيسي، أو تفسير أو تطبيق أو صلاحية المعاهدات الخاصة بالاتحاد الإفريقي، وكافة الوثائق المعتمدة في إطار الاتحاد الإفريقي، وكذلك تفسير أو تطبيق الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته وكذا الميثاق الإفريقي لحقوق المرأة، او أية وثيقة قانونية أخرى متعلقة بحقوق الإنسان. كما تنظر المحكمة في أية مسائل تتعلق بالقانون الدولي، وكل أعمال وقرارات ونظم وتوجيهات الاتحاد الإفريقي، وكل المسائل المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية المبرمة بين دول الاتحاد، أو بين تلك الدول والاتحاد الإفريقي ذاته. كما تنظر في الوقائع التي تشكل انتهاكًا للالتزام إزاء الدول الأطراف أو إزاء الاتحاد الإفريقي وكذلك عدم الوفاء بالالتزام. كما تقدم المحكمة آراء استشارية في المسائل القانونية بناء على طلب أي جهاز من أجهزة الاتحاد الإفريقي كالمؤتمر أو المجلس التنفيذي أو مجلس السلم والأمن بشرط ألا تكون القضية معروضة على اللجنة الإفريقية أو اللجنة الإفريقية للخبراء.
2-الاختصاصات الجنائية: فيما يخص الاختصاصات الجنائية فهي غير مذكورة في بروتوكول شرم الشيخ، ولكنها مذكورة في بروتوكول مالابو بعد استحداث فرع القانون الدولي الجنائي. فللمحكمة اختصاص جنائي دولي أصلي على الجرائم الدولية كالإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وجريمة التغيير غير الدستوري للحكومة، والقرصنة والإرهاب والارتزاق، والفساد وغسل الأموال والاتجار غير المشروع بالبشر، والاتجار غير المشروع في المخدرات، والاتجار غير المشروع في النفايات الخطيرة، والاستغلال غير المشروع للموارد الطبيعية، وجريمة العدوان. مع عدم قابلية هذه الجرائم من الخضوع للتقادم.
3-الاختصاصات الأخرى (الاختصاص الشخصي والزماني والتكميلي): بالنسبة للاختصاص الشخصي فلم يشر بروتوكول شرم الشيخ إلى الأشخاص محل المساءلة على اعتبار أنه حدد الكيانات التي يكنها التقاضي أمام المحكمة، عكس بروتوكول مالابو والذي يختص بالجرائم الدولية والجرائم الخطرة والتي تطلب تحديد الاختصاص الشخصي فيها. وهذا الاختصاص محدد بنوع المسؤولية محل الجريمة؛ حيث تعد مخالفة كل ما يرتكبه شخص مرتبطًا بأي من الجرائم أو المخالفات التي ينص عليها النظام الأساسي للمحكمة.
أما الاختصاص الزمني للمحكمة فقد حدد بروتكول شرم الشيخ دخول التعديل حيز التنفيذ بالنسبة لكل دولة توافق عليه وفق قوانينها الدستورية بعد إشعار رئيس المفوضية بهذه الموافقة بـ 30 يومًا. ووفقًا لبروتوكول مالابو فإنه يكون ممارسة الاختصاص بعد دخول البروتوكول والنظام الأساسي حيز التنفيذ.
أما الاختصاص التكميلي، وهو ما أشار إليه بروتوكول مالابو، فللمحكمة اختصاص تكميلي للمحاكم الوطنية ولمحاكم المجموعة الاقتصادية الإقليمية الإفريقية. وبالتالي تقرر المحكمة عدم قبول دعوى عندما تكون الدعوى موضع تحريات أو تحقيق من قبل الدولة التي لها صلاحية في النظر في ذلك. إلا إذا أبدت الدولة المعنية ترددًا او أنها غير قادرة على مباشرة التحقيق والملاحقة. أو في حالة عدم شروع الدولة في التحقيق والمقاضاة ضد الشخص المعني بسبب ترددها أو عجزها عن ذلك. أو إذا تمت محاكمة الشخص محاكمة فعلية، أو كانت وقائع الدعوى بسيطة.
ومما يسبق يتضح لنا أن من الضروري أن تنظم الدول الإفريقية لتلك المحكمة أن تنسق وتوائم قوانينها مع نظام تلك المحكمة تحقيقًا للعدالة الجنائية الإقليمية، والتي قد تكون ذات مصداقية أكثر من المحكمة الجنائية الدولية لا سيما في المسائل الجنائية وكذلك مع جمع تلك المحكمة لعدة تخصصات. ويتضح لنا أن المحكمة في اختصاصها قد قامت بمحاولة لتقليد المحاكم الدولية ولا سيما في جرائم عديدة مثل الإبادة الجماعية والجريمة ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان. حيث تمثل تلك المحكمة الصورة الحقيقية للعدالة الجنائية الإقليمية، وأحد أهم الضمانات القضائية للضحايا في الحصول على حقوقهم. فهذا النوع من القضاء الإقليمي هو ضرورة عملية لوجود المحكمة ومدى تطابق نظامها الأساسي مع القوانين الجنائية للدول الأطراف والأجهزة القضائية الجنائية العالمية ولا سيما المحكمة الجنائية الدولية. وهو الغرض الرئيسي لتلك المحكمة لتلافي التحديات التي واجهت فعالية المحكمة الإفريقية لحماية حقوق الإنسان والشعوب. فإنشاء محكمة إفريقية جنائية لحماية حقوق الإنسان بمعناه الشامل هو خطوة إيجابية نحو تعزيز الحماية الإقليمية لحقوق الإنسان وهو ما سيتأتى بالقوة التنفيذية لقرارات المحكمة وأحكامها والآليات التي تؤمن تنفيذ قرارات المحكمة وأحكامها.