تكتسب العملية السياسية في واشنطن أهمية كبيرة بالنسبة للمنطقة والعالم بسبب الدور المحوري الذي تلعبه الولايات المتحدة في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن في العالم. لذلك يقال بأن اهتمام الناس في الخارج بالانتخابات هنا أكثر من اهتمام الأمريكيين أنفسهم. لكن الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر القادم تكتسب أهمية مضافة نتيجة الأوضاع المتأزمة في الساحة الأمريكية بالإضافة إلى الأزمات المشتعلة في الشرق الأوسط وأوكرانيا والعديد من القضايا التي تنتظر نتائجها بسبب المواقف المتباعدة بين الحزبين الذين يقفان على طرفي نقيض منها. نحاول في هذه المقالة إلقاء بعض الضوء على آخر مستجدات الحملات الانتخابية للمرشحين وآثار الأداء الهزيل للرئيس بايدن في المناظرة الانتخابية، والدوافع الحقيقية وراء انسحابه من السباق الرئاسي، ومحاولة الاغتيال التي تعرض لها المرشح الجمهوري دونالد ترامب على سير العملية الانتخابية وتطوراتها المحتملة.
تباين المواقف بين الحزبين
ليس هناك انتخابات برزت فيها الفروق الكبيرة بين الحزبين المتنافسين مثل هذه الدورة الانتخابية. ولعل مما زاد من حدة التباين بين الطرفين عوامل عديدة من أهمها أن المرشح عن الحزب الجمهوري هو الرئيس السابق دونالد ترامب الذي خاض العديد من الحملات الانتخابية مرشحاً للرئاسة وفاز بها عام 2016م، متفوقاً على مرشحة الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون كما وأنه يعتبر شخصية إعلامية وأحد أشهر رجال الأعمال في العالم ولأنه سبق وأن شغل منصب الرئاسة وخبرته الناس في هذا المنصب فليس هناك مجال كبير للمناورة لذلك فهو ينافس على أساس سجله في المنصب في الدورة السابقة وهو يعد الناخبين بالمزيد.
انسحاب الرئيس بايدن من السباق يعني أن المرشح الذي يواجه ترامب سوف ينتخبه أعضاء المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الذي ينعقد في الفترة بين 19-22م، أغسطس في مدينة شيكاغو. تعتبر كاميلا هاريس المرشحة المتقدمة بسبب دعم بايدن لها ولأنها ورثت حملته الانتخابية وما فيها من كوادر وأموال وهي عوامل سوف تمنحها قوة دفع لا يستهان بها. إلا إن ترشيحها ليس مضموناً إذ أن العديد من قيادات الحزب سوف تسعى لفتح المجال أمام مرشحين آخرين لدخول السباق. إن وجود ترامب على الطرف الآخر ووضوح سياساته سوف يدفع بالحزب الديمقراطي إلى اختيار أفضل مرشح يمكن أن ينافس ترامب وليس على معيار آخر وهذا المرشح قد لا يكون كاميلا هاريس التي يشك العديد في قدرتها على الفوز على ترامب وهم يشيرون إلى أن ترامب فاز قبل ذلك على هيلاري كلنتون وهي أكثر خبرة وشعبية من هاريس لكن ترامب تفوق عليها بفارق كبير وهم لا يريدون تكرار نفس التجربة هذه المرة. وهناك العديد من المرشحين الذين قد يعلنون رغبتهم في الفوز بترشيح الحزب وفي مقدمتهم حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسم وحاكمة ولاية ميتشغان غريتشين ويتمر وربما غيرهم والأمر يعتمد على قدرة هاريس إقناع من بيدهم الأمر من قيادات الحزب والأهم من ذلك كبار المتبرعين بقدرتها على هزيمة ترامب.
أهم التطورات في حملة الانتخابات الأمريكية
هذه الدورة الانتخابية مع أنها تعتبر الأقل إثارة من حيث أن المرشحين الأساسيين قد حسما نتيجة الانتخابات التمهيدية مبكراً وقبل بداية الحملات الانتخابية إلا أنها الأكثر جذباً بسبب مرورها بالعديد من المنحنيات والمزالق التي تسببت في إقصاء أحد المرشحين الذي هو رئيس الجمهورية وكان من أبرزها ما يلي:
- أثر الحرب في غزة على الانقسام في الحزب الديمقراطي
اتخذ الرئيس بايدن موقفاً داعماً لإسرائيل منذ اليوم الأول للحرب في غزة حيث قام بزيارة إسرائيل وحضور اجتماع مجلس الحرب وقام بإرسال حاملات طائرات (كل حاملة طائرات تمثل مجموعة مقاتلة تشمل على 7500 جندي) إلى المنطقة كنوع من استعراض القوة. هذه المواقف الداعمة لإسرائيل ورئيس وزراءها نتنياهو الذي يفتقد للشعبية في صفوف الحزب الديمقراطي بسبب موقفه السلبي من الرئيس الأسبق أوباما وقربه من الحزب الجمهوري, دفعت بالعديد من أنصار الحزب الديمقراطي وخصوصاً الجناح اليساري المعارض للحروب الذي يشمل على العديد من أبناء الجالية العربية والمسلمة وطلبة الجامعات إلى الوقوف ضد تلك السياسات واتهام بايدن بأنه مساند للحروب والتذكير بموقفه السابق عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ وكان واحداً من الديمقراطيين القلائل الذين صوتوا لصالح غزو العراق ولذلك أحجم هؤلاء عن التصويت له في الانتخابات التمهيدية وآثروا التصويت ببطاقات بيضاء أو لصالح مرشحين آخرين بلغ عددها أكثر من مائة ألف صوت في ولاية ميتشغان فقط, وهي نسبة تكفي لكي يخسر الانتخابات في العديد من الولايات المتأرجحة. هذه العملية زادت من الشكوك في قدرة بايدن على الفوز في الانتخابات القادمة لأنه بحاجة إلى تصويت الديمقراطيين بكثافة لكي يتمكن من الفوز بالانتخابات وذلك لأن النظام الانتخابي الأمريكي يقوم على أسس النظام الفيدرالي وليس الديمقراطي البحت وهو يمنح أفضلية لأصوات الجمهوريين فعلى سبيل المثال فإن ترامب فاز على كلينتون بفارق كبير من أصوات كلية الناخبين مع أنه في حقيقة الأمر حصل على عدد أقل من الأصوات التي حصلت عليها كلينتون لأن الديمقراطيين يتمركزون في ولايات ذات كثافة سكانية عالية مثل كاليفورنيا ونيويورك وإلينوي في حين أن الجمهوريين تتوزع أصواتهم وإن كانت أقل على ولايات الوسط والجنوب ذات الكثافة السكانية القليلة مما يجعل الصوت الجمهوري أكثر فاعلية من الصوت الديمقراطي.
- محاكمات ترامب
واجه الرئيس السابق ترامب العديد من القضايا القانونية التي تتعلق بسلوكه الأخلاقي وتعاملاته المالية, حيث تمت إدانته في قضية مدنية قامت على دعوى اغتصاب وكذلك إدانته بتهمة تتعلق بدفعه مبلغًا من المال لشراء صمت ممثلة إباحية كانت تريد نشر مقال عن علاقة جنسية بينها وبين الرئيس السابق وكذلك حكم بتهمة تضخيمه لثروته للحصول على قروض من البنوك وتخفيضه لها لتحقيق مزايا مالية مثل التهرب من الضرائب، بالإضافة إلى قضايا أخرى تتعلق بمحاولة التأثير في نتائج الانتخابات السابقة واحتفاظه بوثائق سرية تعود ملكيتها إلى الدولة.
أي من هذه القضايا، أو حتى جزء منها، كانت كافية للإطاحة بأي مرشح لأي منصب ناهيك عن المرشح للرئاسة، لكن الرئيس السابق أثبت أنه عصي على المحاسبة القانونية وأنه لا يخضع للحسابات التي يخضع لها غيره، وقد أقر بذلك سابقاً حين أعلن أنه يعامل بوصفه نجماً مشهوراً وأن أمثاله من النجوم يسمح لهم بالعديد من الأشياء، وأن بإمكانه أن يطلق النار على شخص في شارع مكتظ في مدينة نيويورك أو يعتدي على النساء من دون أن يحاسب على ذلك.
- مشروع 2025
أصدرت مؤسسة هيرتدج (Heritage Foundation) مشروعاً مفصلاً لأولويات الإدارة المحافظة التي يمكن أن تصل إلى السلطة. الوثيقة التي تقع في حوالي 900 صفحة تقدم مشروعاً متكاملاً الغاية منه إحداث تغييرات جذرية في الدولة والمجتمع، حيث تقول في مقدمتها: " ليس كافياً على المحافظين أن يفوزوا في الانتخابات. إن المطلوب هو إنقاذ البلاد من سيطرة اليسار المتطرف، ولتحقيق ذلك فلابد من وجود مشروع للحكم ووضع الأشخاص المناسبين في المكان المناسب لتنفيذ المشروع من اليوم الأول لوصول الإدارة المحافظة إلى السلطة".
التقرير الذي ساهم في إعداده العديد من كبار المسؤولين السابقين في إدارة ترامب، أثار الكثير من الجدل بسبب الأهداف البعيدة التي وضعها ومن أهمها، التخلص مما يسميه البعض "الدولة العميقة" من خلال تسريح آلاف الموظفين الحكوميين لاتهامهم بحمل أفكار يسارية، وتعيين بدلاء عنهم يحملون الأفكار المحافظة، وتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية، وتقليص الهيكل الحكومي من خلال إلغاء بعض الوزارات ومنها وزارتي التعليم والطاقة، وتجريم الإجهاض في جميع مراحل الحمل وكذلك تجريم إنتاج وبيع حبوب الإجهاض. أما بالنسبة للسياسة الخارجية فيدعو التقرير إلى تبني سياسة خارجية أساسها الحرية الدينية بدلاً من حقوق الإنسان.
ليس من الواضح الآن أثر هذا التقرير على البرنامج الحكومي الذي سوف يتخذه ترامب في حالة فوزه بالانتخابات لكن ما يشير إليه المراقبون هو أن العديد من القيادات التي سوف يتم اختيارها في حال فوز ترامب بالرئاسة هم ممن ساهم في إعداد التقرير لذلك ينظر إليه على أنه مشروع الإدارة القادمة ويمثل توجهاتها ربما أكثر من البرنامج الانتخابي الذي سوف يقره المؤتمر العام والذي غايته انتخابية فقط. هذا مع العلم بأن التقارير السابقة لهذه المؤسسة شكلت الأسس التي استندت عليها الإدارات المحافظة منذ إدارة ريغان ولحد فترة الرئيس السابق ترامب. ولعل مما يرسخ هذه الفكرة أن المقترحات التي وردت في المشروع تطابق توجهات ترامب الذي يعتقد بأنه أخطأ في المرة السابقة عندما لجأ إلى تعيين العديد من أصحاب الخبرة الذين اضطر إلى إقالتهم وإبدالهم بآخرين أكثر ولاءً بسبب عدم تنفيذهم لأوامره التي رؤوا فيها خروجاً عن العرف وأحيانًا القانون. وهو لا يريد تكرار تلك التجربة ولذلك سوف يسعى في حالة فوزه إلى الاعتماد على أصحاب الولاء المطلق له وليس للدستور وسوف يتبع ذلك بحملة واسعة لتطهير الحكومة من الذين يمكن أن يقفوا في وجه توجهاته واندفاعاته الرامية إلى استغلال أجهزة الدولة في سحق خصومه.
- أداء بايدن في المناظرة
لم يكن يدور بخلد أي مراقب أن يكون أداء الرئيس بايدن في المناظرة الأولى التي جمعته من منافسه ترامب بهذا السوء. ذلك أنه دخل المناظرة وهو في موقف قوة حيث سبق المناظرة بأيام إدانة ترامب بأكثر من ثلاثين جريمة مالية في محكمة نيويورك، وكان يكفي لبايدن أن يشير إلى أن منافسه مدان بجرائم مخلة بالشرف وأنه يمكن أن يخوض الانتخابات وهو يقبع في زنزانة إذا ما حكم عليه القاضي بدخول السجن. كذلك كان بإمكانه الحديث عن إنجازاته الاقتصادية وإخراج البلاد من أكبر أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير الذي أصاب البلاد في ثلاثينيات القرن الماضي لكن المناظرة حولت الأنظار بسبب سوء أداء بايدن إلى الحديث عن قدرته الفكرية على إدارة البلاد وبدأت الصيحات تتعالى من داخل الحزب الديمقراطي إلى الحاجة لتقديم مرشح بديل والتي لم يجد بايدن بداً من التجاوب معها وإعلان انسحابه.
- محاولة اغتيال ترامب
تعرض الرئيس السابق دونالد ترامب إلى محاولة اغتيال من قبل شاب عشريني أثناء إلقائه لخطاب في ولاية بنسلفانيا ونتج عن الحادث مقتل أحد الحضور وإصابة ترامب بجرح طفيف في أذنه اليمنى جاء ذلك قبل أيام من افتتاح الحزب الجمهوري لمؤتمره القومي الذي تم فيه تتويج ترامب رسمياً بوصفه المرشح الجمهوري لمواجهة بايدن وإعلان ترامب عن اختياره للمرشح لمنصب نائب الرئيس بالإضافة إلى تبني البرنامج الانتخابي للحزب الجمهوري. لاتزال ملابسات العملية ومن أهمها الدوافع وراءها غامضة خصوصاً وأن الفاعل، الذي قتل أثناء العملية، ليست له سوابق أو تعرف له توجهات متطرفة. لذلك لن نحاول الخوض في تفاصيلها لكن الذي يهمنا هنا هو آثارها المحتملة على الحملات الانتخابية، ومن ذلك:
- أنها أعطت ترامب دفعة قوية وأظهرته بموقف القوي الذي يحاول خصومه التخلص منه بشتى الوسائل القانونية وغيرها، ولذلك فمن المتوقع أن يستغلها ترامب في حشد مؤيديه ويطالبهم بالمزيد من الدعم المالي لحملته الانتخابية وأن يستغل العملية في محاولة التخلص من القضايا القانونية التي تحيط به إحاطة السوار بالمعصم. وبالفعل فلم تمض سوى بضعة أيام حتى قامت القاضية الفيدرالية المسؤولة عن محاكمته بتهمة حيازة وثائق سرية تابعة للدولة إلى إسقاط القضية.
- استغل ترامب العملية في تغيير منحى خطابه العام الذي بدأ يأخذ صبغة دينية حيث أشار في خطابه أمام المؤتمر العام لحزبه بأن العناية الإلهية هي التي كانت وراء نجاته من محاولة الاغتيال, وأن ذلك يعود إلى أنه صاحب رسالة يريد الرب منه إكمالها, لعل السبب وراء استخدام العبارات والرموز الدينية يعود إلى قناعة ترامب, وهو الذي لا يعرف عنه التدين ولو من بعيد, يعود إلى قناعته بأن الجناح الإنجيلي في الحزب الجمهوري كان الأكثر ولاءً له في جميع الأحوال, ليس لشخصه بل لأنه قدم لهم ما لم يقدمه غيره من الزعماء الجمهوريين سابقاً وهو ترشيحه لثلاثة قضاة محافظين في المحكمة العليا استطاعوا تغيير النظرة القانونية من الإجهاض الذي كان ينظر إليه على أنه حق دستوري.
- محاولة اغتيال ترامب وإن لم تكن الأولى في مسلسل العنف السياسي في أمريكا وعلى الرغم من بساطتها وسوء إخراجها إلا إنها فتحت باباً خطيراً في لحظة تاريخية حرجة على النظام السياسي الأمريكي، يتمثل باللجوء إلى العنف في فض الخلافات السياسية. لذلك سارع بايدن إلى الدعوة إلى عدم التسرع في توجيه الاتهامات ومنح الجهات التحقيقية في مكتب التحقيقات الفيدرالي الفرصة لجمع المعلومات وتحليلها والخروج بنتائج حول الدوافع وراء الاعتداء، وفيما إذا كانت هناك جهات محلية أو خارجية ساعدت عليه، أو أن الجاني فعل ذلك بمفرده. التحدي الكبير في هذه القضية هو أن الجهة المعنية بالحادث، دونالد ترامب والجناح اليميني الذي يؤيده، لا يثقون بمكتب التحقيقات الفيدرالي ويعتبرونه جزءاً من الدولة العميقة التي تستهدفهم، وبالفعل فقد صرح حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتس بذلك ملقياً بالشكوك على حيادية المكتب.
- اختيار ترامب لمرشحه لمنصب نائب الرئيس
تعتبر عملية اختيار المرشح للرئاسة لمن يشغل منصب نائب الرئيس في حالة فوزه، أول القرارات الاستراتيجية التي تنبئ عن طبيعة تفكير المرشح ومقاربته للقضايا المهمة لذلك لم يكن اختيار دونالد ترامب لعضو مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو السيناتور جيمس فانس مفاجئاً. ذلك أن السيناتور يعتبر من أشد المؤيدين لسياسات ومواقف ترامب حتى المتطرفة منها وفي مقدمتها الهجوم على مبنى الكونغرس أثناء التصويت على التصديق على نتائج الانتخابات الماضية. كذلك لم يكن الاختيار مفاجئاً لأنه يوفر لترامب أبعاداً عديدة من أهمها البعد المناطقي, فهو من ولاية أوهايو التي تعتبر من منطقة وسط الغرب التي تشكل مع الولايات الأخرى (بنسلفانيا ميتشغان ووسكنسن وست فرجينيا) مجموعة الولايات المتأرجحة التي شكلت الحد الفاصل بين النجاح والفشل للعديد من المرشحين أما البعد الثاني, فهو أن فانس محارب قديم من صنف جنود البحرية وقد سبق وأن خدم في العراق وهو معروف بمعارضته لتلك الحرب وتأييده الشديد لإسرائيل ودعمه لجهود التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل وفي مقدمة ذلك المملكة العربية السعودية ولذلك فهو يمنح ترامب صوتاً يقربه من المؤسسة العسكرية والمحاربين القدماء الذين يشككون في ولاء ترامب لهم, لأنه تهرب من الخدمة العسكرية أثناء حرب فيتنام ويروى عنه وصفه للمحاربين الذين قاتلوا في الحروب بالمغفلين. أما البعد الثالث فهو أن فانس صغير في السن (39 سنة) ولذلك فهو يجذب فئة الرجال البيض دون الأربعين التي هي غير راضية عن بايدن، بالإضافة إلى علاقته بالمتبرعين الأغنياء من وادي السيلكون وأخيرًا فهناك البعد الأيديولوجي حيث يمثل فانس الجناح المتشدد من الحزب الجمهوري وهو الجناح الذي يدين لترامب بالولاء المطلق، ويدين له ترامب بالوقوف معه في أصعب الظروف. هذا الاختيار جاء لترسيخ الظاهرة المهمة التي برزت في مؤتمر الحزب الجمهوري وهي السيطرة الكاملة لترامب على الحزب الجمهوري وغياب كل ما يمثل التيار التقليدي في الحزب الذي تم تغييبه عن المسرح. وهي نتيجة مهمة سوف تمنح ترامب الوسيلة للتأثير في مخرجات السياسة الأمريكية لسنوات قادمة بغض النظر عن منصبه الرسمي. وليس من السهل التكهن بمصير الحزب بعد ترامب وأثر ذلك على النظام السياسي الأمريكي الذي يقوم على ركيزة الاختيار بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري منذ نهاية الحرب الأهلية.
الأسباب الحقيقة وراء انسحاب بايدن
الأداء السيء لبايدن في المناظرة الانتخابية فتح الباب على مصراعيه أمام التكهنات بعدم قدرته على المواصلة في إدارة الدولة وأصبحت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تتصيد كل حركة وزلة لسان للتدليل على عدم أهليته للرئاسة. الجديد في الأمر هو أن أصحاب القرار في المسألة وهم قيادات الحزب وكبار المتبرعين وصلوا لقناعة بعدم قدرة بايدن على هزيمة ترامب والفوز في الانتخابات وليس ذلك فحسب بل أن الاستطلاعات تشير إلى أنهم لن يتمكنوا من استعادة الأغلبية في مجلس النواب إذا كان بايدن على رأس القائمة. لذلك تعالت الدعوات من قادة الحزب لبايدن بالتنحي وفي مقدمتهم العضو البارز في مجلس النواب آدم شيف ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بلوسي ورئيس الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز بالإضافة إلى الرئيس الأسبق براك أوباما. لكن القشة التي قصمت ظهر بعير حملة بايدن ودفعته للانسحاب من السباق كانت اللقاء بين كاميلا هاريس نيابة عن بايدن المصاب بالكوفيد-19 وكبار المتبرعين للحزب الديمقراطي حيث حاولت هاريس إقناعهم بجدوى دعم ترشيح بايدن الأمر الذي دفع بالعديد منهم إلى الانسحاب من اللقاء اعتراضًا على إصرار بايدن على خوض الانتخابات.
مستقبل الانتخابات الأمريكية
تعتبر الانتخابات الرئاسية القادمة بغض النظر عن مرشح الحزب الديمقراطي الذي سوف يواجه ترامب، مفصلية بكل المقاييس، وسوف تشكل منعطفاً كبيراً في مستقبل السياسة الأمريكية والعالم بغض النظر عن النتيجة التي سوف تتمخض عنها. هذه الأهمية ليست غائبة عن أحد، فالجميع يترقب نتائجها والتطورات التي سوف تسبق عملية التصويت. ولعل من أكثر السيناريوهات رعباً هو التشكيك في مشروعيتها وعدم قبول نتائجها من خلال تسليط الضوء على أية خروقات قد تصاحب العملية، حقيقية كانت أو مفتعلة، هذا وقد استبق ترامب النتائج بالتهديد بحرب أهلية إذا لم يكن هو الفائز.