array(1) { [0]=> object(stdClass)#13734 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 200

تجاهلت إسرائيل حكم محكمة العدل الدولية في قضية الجدار العازل وساندها الفيتو الأمريكي

الإثنين، 29 تموز/يوليو 2024

لطالما كان سعي البشرية منذ ميلادها القديم لإيجاد مفاهيم ثابتة تكون أساسًا للاجتماع الإنساني، وما من قيمة أهم من العدل لتأسيس تلك المفاهيم، إذ به تقوم دعائم الاجتماع، وبغيابه تنهار، يقول عالم الاجتماع ابن خلدون (إن العدالة أساس المجتمع وحاميها وفشل العدالة يؤدي إلى فساد المجتمعات).

  ولذلك تواصلت محاولات المجتمع الدولي لإقامة آليات لتحقيق العدالة الدولية، ففي مؤتمر لاهاي الأول للسلام 1899 م، تبلورت الرؤية على أن التحكيم بين الدول هو الوسيلة المثلى لتسوية النزاعات، ولم يحل العام 1920 م، حتى تواثق المجتمع الدولي على إنشاء المحكمة الدائمة للعدل الدولي ومقرها لاهاي، وقد أنشئت لتكون واحدة من منظومة عصبة الأمم التي تم إنشاؤها بعد الحرب العالمية الأولي، باشرت المحكمة عملها وفق الاختصاصين الذين حددا لها وهما الفصل في النزاعات الدولية. وتقديم الاستشارات في مجال القانون.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية تواثقت الأسرة الدولية على إنشاء نظام عالمي جديد بتأسيس الأمم المتحدة وآلياتها المختلفة ونصت المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة (يفضي جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر) واعتبرت الأمم المتحدة خطوة كبيرة نحو المحافظة على الأمن والسلم الدوليين.

محكمة العدل الدولية:

  مع تطلعات العالم نحو الاستقرار وتجاوز إرث النزاعات بعد الحرب العالمية  الثانية اجتمع ممثلون لخمسين دولة في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية  للتباحث حول التنظيم الدولي الذي من المفترض أن يتولى رعاية السلم والأمن الدوليين وفي العام 1945 م،  تم الاتفاق على ميثاق الأمم المتحدة الذي نادى بضرورة الالتزام بالوسائل السلمية لحل النزاعات بين الدول ونصت المادة  7 من الميثاق على الآتي : ( تنشأ الهيئات الآتية فروعًا رئيسية للأمم المتحدة : الجمعية العامة، مجلس الأمن ، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ، ومجلس وصاية  ومحكمة عدل دولية،  وأمانة ) . وبموجب الفصل الرابع عشر من الميثاق تم إنشاء محكمة العدل الدولية التي تختص بالنظر في القضايا التي ترفع إليها لتسوية النزاعات بين الدول، وتقديم الآراء الاستشارية بشأن المسائل القانونية المحالة إليها من قبل أجهزة الأمم المتحدة المختلفة.

بينما نصت المادة 94 (1) على ما يلي: (يتعهد كل عضو من أعضاء الأمم المتحدة أن ينزل على حكم محكمة العدل الدولية في أي قضية يكون طرفًا فيها).

  مما سبق يتبين أن محكمة العدل الدولية المنشأة بموجب ميثاق الأمم المتحدة هي محكمة العالم التي ينبغي أن يتحاكم إليها المتنازعون من جميع الدول، حيث أشارت المادة الأولى من نظامها الأساسي إليها باعتبارها الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وتتكون المحكمة من 15 عضوًا مستقلين ينتخبهم مجلس الأمن أو الجمعية العامة، وبما أن المحكمة واحدة من أجهزة الأمم المتحدة فإنها تمتلك الاختصاص المكاني الشامل بمعنى أن ولايتها القضائية تمتد لتشمل كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وثار نقاش حول أشخاص القانون الدولي الذين يفترض أن يكونوا أطرافًا للنزاع أمامها، واستقر الرأي على أن الدول والمنظمات الدولية هي الأشخاص الاعتبارية التي تختص المحكمة بالنظر في نزاعاتهما مهتدية بمبادئ القانون الدولي الذى هو مجموعة من القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول بجانب المعاهدات والاتفاقيات الدولية والعرف الدولي، وذلك على عكس محكمة الجنايات الدولية التي تحاكم الأفراد على أساس مسؤوليتهم الجنائية الفردية حين ارتكابهم للجرائم الخاضعة للقانون الدولي . ففي القضية الشهيرة والمعروفة بأزمة الرهائن الأمريكيين في إيران قضت المحكمة باختصاصها في نظر الدعوى بناء على اتفاقيتي فيينا 1961  و 1963م، واتفاقية منع الجريمة الموجهة إلى الأشخاص المتمتعين بالحماية الدولية، وتعود وقائع القضية إلى العام 1979م، حين احتجزت إيران عددا من موظفي السفارة الأمريكية في طهران، رفعت الولايات المتحدة دعوي قضائية امام محكمة العدل الدولية التي أقرت باختصاصها في نظر الدعوى، وقررت بالإجماع اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين وتسليمهم لدولة سويسرا وضمان خروجهم من الأراضي الإيرانية وإعادتهم إلى وطنهم. لم تلتزم إيران بقرار المحكمة فلجأت الولايات المتحدة لمجلس الأمن، لكن تمت تسوية القضية بين الدولتين عبر الوساطة الجزائرية.

إلزامية قرارات محكمة العدل الدولية:

 تعتبر قرارات المحكمة ملزمة ونهائية في حق الدول، مع إمكانية استئنافها، وفشلت محاولة جعل ولاية المحكمة جبرية منذ مؤتمر سان فرانسيسكو حين لم توافق الدول الكبرى على فكرة تقييد أعمالها من قبل المحكمة محتجة بالسيادة الوطنية ففي قضية لوكيربي رفضت ليبيا تسليم مواطنيها لمحاكمتهم أمام القضاء الأسكتلندي ودفعت بحجة السيادة أمام محكمة العدل، ولكن صدر قرار مجلس الأمن بالرقم 748   في مارس 1992 م، بموجب الفصل السابع والذي دعا ليبيا للامتثال للطلبات الواردة في التحقيقات المتعلقة بالقضية.

وفيما يتعلق بتنفيذ قرارات المحكمة  فإن الدول ملزمة بالتنفيذ بموجب ميثاق الأمم المتحدة، غير أن المشكلة الرئيسة هنا هي أن المحكمة جهاز قضائي لا يملك الآليات التنفيذية اللازمة، لذلك وفي حال فشل أي دولة في الامتثال لقرار المحكمة  فإنه يعهد لمجلس الأمن باتخاذ التدابير التي يراها مناسبة لتنفيذ الحكم المعين، غير أن السوابق دلت على أن حق النقض ( الفيتو) قد يكبل تحقيق العدالة الدولية وتنفيذ أحكام المحكمة، ففي قضية الجدار العازل الذي شيدته إسرائيل على الأراضي الفلسطينية أصدرت المحكمة رأيًا استشاريًا أ بعدما أحيل إليها من الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 3/12/2003 م، أكدت المحكمة أن الجدار غير قانوني وطالبت إسرائيل بإزالته، دفعت إسرائيل بحق الدفاع عن النفس بينما ردت المحكمة بأن (بناء الجدار  ليس الوسيلة الوحيدة لحماية مصالح إسرائيل) وتوصلت في النهاية إلى أن ( بناء الجدار والقواعد المتعلقة به يتعارض مع القانون الدولي ) واصلت إسرائيل بناء الجدار متجاهلة قرار المحكمة الذي سبقه استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) حين عرضت المجموعة العربية مشروعًا في مجلس الأمن لوقف بناء الجدار ، وهو ما دعا الجمعية العامة أن تطلب رأيًا استشاريًا من المحكمة ،مبينة ( أن انتهاك إسرائيل المتكرر للقانون الدولي وإعراضها عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة وإخفاقها في تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها من قبل الأطراف المعنية ينسف عملية السلام في الشرق الأوسط ويشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين ).

الاختصاص الاستشاري للمحكمة: تمارس المحكمة بجانب اختصاصها في نظر المنازعات بين الدول اختصاصًا استشاريًا في القضايا التي تحال إليها من جهات الاختصاص والتي حددها الميثاق بالجمعية العامة، مجلس الأمن وسائر فروع الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، ويعتبر هذا الاختصاص مهمًا في تطوير القانون الدولي وفي تفسير نصوصه، ولكنه يبقى رأيا استشاريا وفتوي قانونية غير ملزمة، ومن أبرز القضايا التي قدمت فيها المحكمة رأيًا استشاريًا غير ملزم رأيها القانوني بشأن الصحراء الغربية، وأجابت على سؤالين هما هل كانت الصحراء الغربية في وقت الاستعمار الإسباني لا تنتمي لأحد ؟ وماهي الروابط القانونية بين هذا الإقليم وبين المملكة المغربية وموريتانيا؟

بالنسبة للسؤال الأول قررت المحكمة بالإجماع على أن وقت الاستعمار الإسباني لم تكن المنطقة أرضًا مباحة، أما بخصوص السؤال الثاني فقد أفادت المحكمة بأن هناك روابط قانونية بين المنطقة والمملكة المغربية وموريتانيا، لكنها حددت بأن هذه الروابط لا تعني السيادة أو الملكية القانونية.

قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل:

   في ظل عدوانها المستمر على قطاع غزة بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023م، رفعت جنوب إفريقيا دعوى ضد إسرائيل أمام المحكمة في ديسمبر الماضي وطلبت منها تطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، اتخذت المحكمة عددًا من الإجراءات المؤقتة لحماية الفلسطينيين ومنع وقوع الإبادة الجماعية والتحريض المباشر عليها، وفقًا لما ينص عليه نظامها الأساسي الذي يعطيها الحق في اتخاذ التدابير المؤقتة أثناء نظر الدعوى، وهي أوامر تصدرها المحكمة قبل حكمها النهائي في قضية ما بهدف منع وقوع أضرار لا يمكن إصلاحها، ويجب على الدولة المدعى عليها الامتثال لتلك الأوامر لحين الفصل في الدعوى الرئيسة.

  ولما لم تمتثل إسرائيل لتلك الأوامر طلبت جنوب إفريقيا في فبراير الماضي مزيدًا من الإجراءات الاحترازية، رفضت المحكمة فرض إجراءات جديدة لكنها دعت في الوقت نفسه إسرائيل إلى احترام الإجراءات السابقة، وأضافت أنه (منذ يناير شهدت الظروف المعيشية الكارثية مزيدًا من التدهور لا سيما في ضوء الحرمان المطول وواسع النطاق من الغذاء، وأن الفلسطينيين في غزة لم يعودوا يواجهون خطر المجاعة فحسب، لكن هذه المجاعة بدأت في الظهور)

وفي مايو الماضي أصدرت المحكمة قرارها الفرعي في القضية حيث أمرت إسرائيل بوقف عملياتها في رفح، وفتح المعابر لدخول المساعدات الإنسانية، وتقديم تقرير للمحكمة خلال شهر يبين الخطوات التي قامت بها إسرائيل لتنفيذ قرارات المحكمة، وعلى الفور أعلنت جنوب إفريقيا ترحيبها بالقرار وقالت إنها ستلجأ لمجلس الأمن الدولي لأنه يتعين على إسرائيل الامتثال لقرارات المحكمة.

وقد أعلن عدد من الدول رغبتها في الانضمام لقضية جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، وهو الأمر الذي تقره لوائح المحكمة ونظامها الأساسي.

محكمة الجنايات الدولية:

ظلت فكرة عدم الإفلات من العقوبة ومعاقبة الأفراد على أساس مسؤوليتهم الجنائية حاضرة في الفقه القانوني الدولي، وذلك بسعي المشرعين الدوليين إلى تمييز بعض الجرائم الخطيرة التي لا يمكن أن تسقط عقوبتها بالتقادم أو بتقاعس الآليات القانونية المحلية عن ملاحقة مرتكبيها الذين يتمتعون بالحصانة في بلدانهم، كما أن المطالبات المستمرة بتحقيق العدالة الجنائية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولي انتهت إلي تكوين لجان ذات طابع دولي للتحقيق ومحاسبة المتسببين في الحرب، ومن أهمها محكمة نورن بيرغ بعد الحرب العالمية الثانية حين اتفقت الدول المنتصرة في الحرب على محاكمة  كبار المسؤولين النازيين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة، وبعد المشاورات تم تأسيس محكمة نورن بيرغ التي اعتبرت خطوة كبيرة نحو تطوير فقه قانوني دولي لمحاكمة الأفراد على أساس مسؤوليتهم الجنائية الفردية.

ومنذ ذلك الحين استمر الجدال القانوني حول تكوين الآليات القانونية الدولية التي تعني بتحقيق العدالة الدولية، ولعل أبرز التجارب التي يمكن دراستها والتي عبدت الطريق نحو تكوين محكمة الجنايات الدولية هما المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا والمحكمة الجنائية لرواندا.

تأسست المحكمتان بناء على قرارات صادرة من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، وذلك لمحاكمة الاشخاص الضالعين في ارتكاب جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية، تم تأسيس محكمة يوغسلافيا بموجب قرار مجلس الأمن رقم 808   في العام 1993م، ومقرها لاهاي، بينما تم تأسيس محكمة رواندا بموجب قرار مجلس الأمن رقم 955 في العام 1994م، ومقرها أروشا التنزانية. استمدت المحكمتان سلطتهما القضائية بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي، وتم انتخاب قضاتهما من قبل الجمعية العامة بينما تم تعيين مدعي عام مشترك من قبل مجلس الأمن، واعتمدتا مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية، بمعنى أن السلطة القضائية تخول لهما محاكمة الأشخاص الطبيعيين (الأفراد). وفيما يتعلق بالولاية الإقليمية فقد تمتعت المحكمتان باختصاص مكاني غطى أراضي يوغسلافيا السابقة ورواندا والدول المجاورة لها.

   من القضايا المهمة التي أثيرت عند تكوين المحكمتين هي أنهما ليستا بديلين إطلاقًا عن المحاكم الوطنية، ولكنها محاكم مؤقتة باختصاص محدد في بعض الجرائم الخطيرة، وبالتالي فإنهما يعملان بالتعاون مع المحاكم الوطنية. على أن للمحكمتين سلطة طلب إحالة أي قضية إليهما من هذه المحاكم الوطنية للفصل فيها. وتولي المدعي العام سلطة فتح الدعاوى إما بمبادرة منه أو على أساس المعلومات التي ترد إليه من قبل المنظمات غير الحكومية والضحايا أو المنظمات الدولية. وبما أن المحكمتين أنشئتا لفترة زمنية محددة فقد أصدر مجلس الأمن الدولي قراره بالرقم 1966 في العام 2010م، بإنشاء الآلية الدولية لتصريف الأعمال المتبقية للمحكمتين الجنائيتين وذلك حتى يستكملا النظر في القضايا المرفوعة أمامهما دون السماح لهما بفتح قضايا جديدة.

المحكمة الجنائية الدولية:

  في ظل الدعوات الدولية المتصاعدة بمحاربة الإفلات من العقاب وتطوير آليات العدالة الدولية الجنائية تم تأسيس المحكمة الجنائية الدولية في العام 2002م، بموجب ميثاق روما الذي وافقت عليه يومها120 دولة في اجتماع الجمعية العامة بإيطاليا، ومنذ ذلك التاريخ قامت المحكمة كجهاز مستقل ودائم يعمل على ملاحقة الأفراد الذين يرتكبون:

  • جرائم الإبادة الجماعية.
  • الجرائم ضد الإنسانية.
  • جرائم الحرب.

وتتألف هيكلية المحكمة من الرئاسة والشعبة القضائية والمدعي العام، ويملك مجلس الأمن الدولي سلطة إحالة القضايا إليها.

الاختصاص التكميلي:

    حين تبلور الرأي على إنشاء محكمة جنائية دولية كانت المخاوف تنصب على معارضة الدول لهذه الفكرة احتجاجًا بالسيادة، ولذلك  اقترحت  لجنة القانون الدولي ألا تكون المحكمة بديلاً للقضاء الوطني، بل سلطة قضائية مكملة للولايات القضائية الوطنية، فيما عرف بمبدأ التكامل أو الاختصاص التكميلي  وورد في ديباجة  نظامها الأساس ( إذ تؤكد  أن المحكمة الجنائية الدولية المنشأة بموجب هذا النظام الأساسي ستكون مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية)، وأن ( واجب كل دولة أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية)، وهو الأمر الذي أكدت عليه المادة الأولى من النظام الأساسي ( تكون المحكمة مكملة للولايات القضائية الوطنية، وهوما شجع أكثر من 120  دولة الانضمام  للمحكمة حين اطمأنت إلى صون سيادتها، ومن المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ليستا عضوين في المحكمة ولكن ذلك لا يعني عدم اختصاص المحكمة  للنظر في القضايا التي تكون فيها دولا ليست أعضاء فيها وخاصة حين يحال إليها الأمر من قبل مجلس الأمن، أو في حالة إسرائيل التي استندت فيها المحكمة على عضوية فلسطين التي قبلت باختصاص المحكمة الدولية في الجرائم التي ترتكب على أراضيها، وهو ما استند عليه المدعي العام للمحكمة كريم خان بالسعي للحصول على مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه غالانت وقادة من حركة المقاومة الإسلامية حماس، وفي حال موافقة قضاة المحكمة على طلب المدعي العام ستصدر تلك المذكرات، الأمر الذي يعني تطورًا تاريخيًا في الصراع العربي الإسرائيلي، وذلك من واقع إفلات إسرائيل المتكرر من تنفيذ القرارات الدولية.

    وعلى الرغم من أن مبدأ التكامل اعتبر ركنًا ركينًا في مفهوم المحكمة إلا أن المادة 17 من النظام الأساسي أعطاها الاختصاص في حالتي عدم قدرة الدولة المعنية أو عدم رغبتها في محاكمة المتهمين، كما أن نظام روما الأساسي يلزم الدول بالتعاون مع المحكمة حيث نصت المادة 86 على أن (تتعاون الدول الأطراف وفقًا لأحكام هذا النظام الأساسي تعاونًا تامًا مع المحكمة فيما تجريه من تحقيقات في الجرائم والمقاضاة عليها).

ومنذ تأسيسها نظرت المحكمة في أكثر من 30 قضية تشمل 51 متهمًا في قضايا جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية، ولعل واحدة من القضايا التي أثارت جدلًا واسعًا هي قضية السودان، كونها أول قضية تحال من مجلس الأمن للمحكمة بجانب اتهامها لشخصيات كانت لا تزال في مواقع المسؤولية.

السودان أمام القضاء الدولي:  

في مارس من العام 2005 م، أحال  مجلس الأمن الدولي قضية النزاع في دارفور غربي السودان إلى المحكمة الجنائية الدولية  بناء على  القرار 1593  بموجب الفصل السابع، وألزم القرار الحكومة السودانية بالتعاون مع المحكمة التي أصدرت عددًا من القرارات باتهام وزيري الدفاع عبدالرحيم محمد حسين ووزير الدولة للداخلية أحمد هارون بجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجريمة الإبادة الجماعية وأصدرت مذكرات توقيف بحقهم، ولاحقًا اتهمت الحكمة الرئيس السوداني وقتها عمر حسن أحمد البشير بذات القضايا وطالبته بتسليم نفسه أو القبض عليه، وكانت تلك الإجراءات بين عامي 2007~ 2009:

رفض السودان قرارات المحكمة ودفع بعدم الاختصاص لعدم مصادقته على نظام روما، غير أن المحكمة استندت على إحالة مجلس الأمن كأساس لولايتها القضائية، قاد السودان حملة ديبلوماسية أسفرت عن انسحاب عدد من الدول الإفريقية من المحكمة بعد قرار الإتحاد الإفريقي بالانسحاب الجماعي وعدم التعاون مع المحكمة التي اتهمها رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي مريام ديسالين بممارسة العنصرية ضد القادة الأفارقة.

الفرق بين محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية:

هناك فروقًا جوهرية بين المحكمتين تتلخص في الآتي:

  • تختص محكمة العدل بنزاعات الدول بينما تختص الجنائية الدولية بالنظر في جرائم الأفراد.
  • أنشئت محكمة العدل الدولية بموجب ميثاق الأمم المتحدة، بينما تم إنشاء الجنائية الدولية بموجب نظام روما كهيئة دولية مستقلة.
  • تستطيع الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق الأفراد بينما تعتمد محكمة العدل على مجلس الأمن لتنفيذ قراراتها.

وعلى كل فإن المحكمتين أنيط بهما تحقيق العدل على المستوى الدولي، وفي ظل المظالم الواسعة التي يشهدها العالم تحتاج المحكمتان إلى مزيد من الجهود لإقرار العدل ورفع الظلم وفي ذلك صيانة للنظام الدولي وحفظ للأمن والسلم الدوليين.

مقالات لنفس الكاتب