array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

القادم من الغرب لا يدعم التركيبة السكانية بل يفاقمها

الثلاثاء، 01 آذار/مارس 2011

نتحدث عن التركيبة السكانية! يا الله! لماذا نثير المواجع؟ لنتحدث بالحقيقة إذن، ولنواجه أنفسنا بما نحن أعرف به، وهو أن المشكلة من صنعنا نحن، ممثلاً في السلطات في كل دول الخليج العربية، وبتفاوت، حسب إمكانات كل دولة من هذه الدول.

خذ مثلاً، عزيزي القارئ، أنا كاتب هذا المقال، المواطن الخليجي، الإماراتي الجنسية، وأحمل درجة الدكتوراه الصادرة من المملكة المتحدة (ويلز)، والمعتمدة من التعليم العالي في بلادي، عاطل عن العمل فعلياً منذ سنتين ونصف السنة، وأقوم بأعمال التدريس والاستشارات الإعلامية، والكتابة الصحفية، وإجراء المقابلات، وغيرها من الأعمال، وكلها إما بمقابل تافه أو بلا مقابل.

في نهاية الشهر الماضي نظّم مجلس أبوظبي للتوطين فعالية للتوظيف، فتقدم المئات من شباب الوطن طلباً للوظائف، مع أن المجلس لديه الطلبات نفسها من سنوات، من دون أن يفعل شيئاً حقيقياً لسد هذه الثغرة. كاتب المقال تقدم معهم منذ عام 2008م للحصول على وظيفة مستمرة، وبدوام كامل، ولم تقدم له فرصة عمل سوى واحدة في القوات المسلحة، واعتذرت القوات المسلحة لأن السن كبيرة تتجاوز الأربعين على الرغم من أن رئيس الأركان في الجيش وقادته كلهم ممن تجاوزوا الخمسين! واتصل المجلس بي بعد ذلك ليقول لي إنه رفعني من قائمة الباحثين عن عمل لأنني حصلت على وظيفة مؤقتة في التدريس براتب رمزي، مقارنة بأصغر موظف في المجلس نفسه، ولمدة أشهر التدريس فقط، وحسب عدد المحاضرات المعطاة، في حين أن هناك ما يناهز أربعة ملايين وافد من خارج البلاد يعملون في وظائف تامة، فأين التوطين؟ وأين الوطنية؟

نتحدث عن التركيبة السكانية، قلنا في السابق إننا لا نخاف من وجود الأجانب، لكن أن تجلس ابنتي الخريجة من الفنون الجميلة، التي تديرها إدارة تعليمية من جامعة لندن، في جامعة الشارقة، ولمدة سنة ونصف السنة وهي تتحمل مسؤولية بيت أنشأته لتوها، وهي من دون عمل، وبعد الزواج أيضاً زوجها من دون عمل، فإن الأمر يقتضي التوقف، والنظر إلى أن هناك مظالم، إذا كان في بيتي مظلمتان، فلا بد أن تكون هناك بيوت أخرى فيها الكثير من المظالم.

فلماذا يحصل ذلك في مجتمعات صغيرة العدد سكانياً، وتكثر فيها الثروة، التي لو تم توزيعها بشكل عادل، أو شبه عادل، أو حتى شبه شبه عادل، لما كانت هناك أية مظلمة تماماً؟ ولماذا نعيد تكرار طرح موضوع التركيبة السكانية المرة تلو الأخرى بهذا الشكل الذي ينبئ بعدم التوصل إلى أي نوع من الحلول طوال كل هذه السنين التي تواجدت فيها مثل هذه الإشكاليات؟

التركيبة السكانية مشكلة إذن، فمن صنعها؟ وكيف تطورت لتصبح مشكلة مؤرقة بهذا الشكل؟ أليست نظمنا التي تطرح مسألة التنمية المستمرة شعاراً لها، هي التي صنعتها؟ فمن يستورد كل هؤلاء الناس ليعملوا ويشكلوا فيها أغلبية في أغلب، أو على الأقل في ثلاثة مجتمعات خليجية كالإمارات وقطر والكويت، وثلاثة أخرى يشكلون حجماً كبيراً، لن أخوض في حجمها المعلوماتي، وبالضبط، لأن السلطات في نظمنا الخليجية، بالإضافة إلى المنظمات الدولية والدول الأجنبية التي تأتي منها العمالة، أو التي تضغط علينا باستقطابها، هي الأكثر معرفة بهذه الأرقام الحقيقية.

التنمية المستمرة ماذا تعني؟ ببساطة هي الاستمرار في بناء البنى التحتية والمرافق العامة، والتوسع فيها لتشمل كل أنحاء الوطن. جيد! لكن أن نتوسع في عملية التنمية بشكل أفقي لتغطي 900 ألف مواطن، على سبيل المثال في دولة الإمارات، يختلف كثيراً عن بناء مرافق لاستيعاب خمسة ملايين شخص، والرقم في تزايد سنوي بنسب تصل إلى ما يعادل 60 في المائة من الفئات المتوسطة العمر في الإمارات، و50 في المائة في السعودية، وثلث السكان في الكويت، وقس على ذلك، ما يعني سنوياً المزيد من المدارس والجامعات والمستشفيات والمستوصفات والشركات وخطوط المواصلات والمنازل والعقارات الأخرى، وهذا ما هو حاصل عندنا.

لكن هل تعرف عزيزي القارئ، أن الهرم السكاني في الدول المتقدمة هو ليس بهرم، بل هو على شكل عمارة أدوارها السفلى صغيرة الحجم، ثم تتوسع قليلاً في المنتصف لتعود فتضيق في الأعلى. بمعنى آخر أن الأدوار السفلى تشكل الولادات، وفي المنتصف هم الشباب ومنتصفو العمر، وفي الأعلى هم كبار السن الذين يغادرون المجتمع. وبكلمة أخرى يعني أن ما تصرفه الدول المتقدمة على المرافق العامة وغيرها سنوياً، ليس بحجم التكرار في عدد المدارس والمستشفيات والطرق وغيرها من البنى التحتية التي نصرف عليها نحن، بل عندهم شبه استقرار في هذا المجال، وتكون الميزانيات مركزة على التطوير والبحوث وغيرها، لكن ليس على التنمية المستمرة، بل المستقرة. فالمجموعات السكانية القادمة للحياة قريبة في عددها من الفئات المغادرة للحياة، وفي المنتصف العدد شبه مستقر إلى حد كبير.

أما عندنا فإن الهجرة الكبيرة للعمالة الوافدة، تجعل هرمنا السكاني متخماً في المنتصف، وقليلاً جداً في الأسفل، بحيث لا يزيد عدد من هم دون عمر 15 عاماً في دول الخليج على 40 في المائة في المملكة العربية السعودية، ولا يتجاوز الثلث في معظم الدول الخليجية الأخرى، في حين أن عدد كبار السن لا يتجاوز 3 في المائة على أقصى حد، والباقون هم من الفئات المنتجة متوسطة العمر، مما يضطرنا إلى إيجاد المزيد من كل شيء، وإن كنا نستحدث ذلك من خلال المبادرة الخاصة، لاستثمار وجود هذه الأعداد الكبيرة من القادمين من الخارج، والذين لا يملكون جنسية البلاد، فإن هؤلاء أيضاً يأتون بأمراضهم وإشكالياتهم ومافياتهم وتحويلاتهم الضخمة من دولنا إلى دولهم.

قد يقول قائل: لا يهم طالما هم يفيدوننا من خلال تلقي الأجور المنخفضة، وساعات العمل الطويلة، وظروف المعيشة المنخفضة، والتي قد تكون هي أفضل من حال مجتمعاتها القادمة منها.

نعم كان ذلك سائداً في السابق. أما الآن فبدأت مجتمعاتنا الخليجية تتطلع إلى العمالة المؤهلة ذات النوعية القادمة كفائض عن الدول المتقدمة. وهنا بدأت تظهر إشكاليات من نوع جديد، أصبح الأمر يتطلب حلولاً جديدة لمواجهة إشكاليات من نوع جديد. فالقادم من الدول المتقدمة يدخل إلى مجتمعنا بثقافته التي يعتقد أنها متقدمة كثيراً على ما يوجد في مجتمعاتنا، خاصة عندما تكون عندنا عقدة الأجنبي، واعتقاد بأن من يأتي من تلك المجتمعات المتقدمة، خاصة من أهل تلك المجتمعات، لا العرب أو المسلمين المهاجرين إلى هناك، يكونون ذوي مستويات أفضل بكثير، حتى منا، ولو درسنا، وتعلمنا في الغرب، واكتسبنا ثقافتهم، ومعارفهم، ونحن خبرناها جيداً من سنوات طويلة، قد تصل في بعض مناطق الخليج إلى أكثر من قرن من الزمان.

تكرار طرح مشكلة التركيبة السكانية بهذا الشكل يدل على عدم الوصول إلى حلول طيلة هذه السنين

فهل يعتقد القائمون على أمر الكثير من مؤسساتنا المهنية المختلفة أن هؤلاء القادمين من تلك المجتمعات المتقدمة سيعطون شيئاً مميزاً حقاً؟ إنني من خلال التجربة في إحدى مؤسساتنا التعليمية العليا التي أشارك فيها الآن، أستطيع أن أؤكد أن الأمر ليس كذلك، فأغلبهم يأتي لينصاع للعقلية التي تحكم مؤسساتنا، وهو مستهزئ بآرائنا، (لكن إن كنتم تريدون ذلك فلكم الأمر، وأنا مجرد أسير الأمور كما تريدون، وأحصل على وظيفة، ومن ثم أعود إلى وطني، أو أبقى لأطول مدة ممكنة، تمكنني من الحصول على وظيفة مجدداً في وطني). أما النظام والأداء المتميز أو العقلاني فهذا لا وجود له، فالفوضى، وعدم الاهتمام، ومجرد التسيير الروتيني هي السائدة، ولا يعطي هؤلاء أي نوع من الأفضلية التي كانت تتصورها سلطاتنا. واسأل أي طالب في جامعتي يقول لك عن مدى قوة برامج اللغة الإنجليزية التي تدرس من قبل هؤلاء، أو نوعية المواد التعليمية المقدمة، ومن يملك التميز أكثر، هل هم أم العرب؟

وأعود إلى نقطة البداية عن سبب المشكلة، التي هي السلطات نفسها، بتوجهاتها الاقتصادية والسياسية التي تركز في جانب الاقتصاد على اقتصاد التسلية والسياحة، وللأسف العقار، مع بعض المجالات الصناعية التحويلية، والآن الطاقة النظيفة. فكل هذا العقار الذي صبت فيه الكثير من المبالغ الضخمة، كأحد أكبر القطاعات الاقتصادية في بلادنا، بل صار يقود عجلة الاقتصاد حتى فترة قصيرة، قبل أن يحصل الانهيار الكبير له في أمريكا، ومن ثم عندنا، كما حصل مع شركات مثل نخيل وغيرها ضمن الشركة العالمية للاستثمار وغيرها من شركات الاستثمار العقاري التي انبثقت كما ينبثق الفطر في مجتمعاتنا الخليجية، وأحدثت توسعات عمرانية متسارعة جداً كان الجميع يضع يده على قلبه منها لما ستسفر عنه، ونوعية الناس الذين ستجلبهم، وكيفية عقلية التعامل الذي ستحدثه. كل هذا يعد سبباً جوهرياً في تفاقم وزيادة حدة إشكالية التركيبة السكانية.

والآن، هل تبقى الأسباب نفسها التي تحكم تفاقم هذه الإشكالية كما هي، ونكتفي بالمراجعة والمتابعة عن كثب من دون تناول مسبباتها بالتمحيص وإعادة النظر، خاصة مع ما يحصل حالياً من متغيرات في العالم العربي؟ إن الأمر يحتاج إلى أكثر من مجرد لجنة للتركيبة، فهي قضية تعني هوية وطن وكرامة مواطنيه، وثقافة مجتمع، وبقاء شعب على أرضه. ولابد لمثل هذه الأمور من أن يشترك فيها صاحب الشأن المعني الأول وهو الشعب في كل مجتمع خليجي. فمتى نرى ذلك يحصل؟

مجلة آراء حول الخليج