أسفرت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أُجريت في 5 يوليو 2024م، عن فوز الرئيس الإصلاحي المُنتخب "مسعود بزشكيان"، مما عزز آمال التيار الإصلاحي في إيران على إحداث تغيير في الساحة السياسية الإيرانية، بعد سنوات من سيطرة التيار المتشدد على الرئاسة، حيث أثار الإعلان عن فوز " بزشكيان"، تساؤلات عن المسار الذي سيسلكه في العلاقات الخارجية، خلال السنوات الأربع المقبلة، في خضم تصاعد الخلاف بين "طهران" والغرب، وسط تطلعات بإحداث تغيير يساهم في خروج إيران من قبضة العقوبات، وتحسين علاقاتها مع الغرب، ما قد يوجد مجالاً لتسوية خلافاتها حول أنشطتها النووية وباقي الملفات الخلافية مع القوى الدولية، خاصةً الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي شهد صعوداً لافتاً لليمين المُتطرف في عدد من الدول الأوروبية، وصولاً للبرلمان الأوروبي.
وفي هذا السياق؛ يتناول هذا التحليل، مستقبل العلاقات الإيرانية-الأوروبية في ظل صعود اليمين المتطرف، وتولى رئيس إيراني جديد محسوب على التيار الإصلاحي، من خلال التعرض إلى المحورين التاليين:
أولاً: السياقات الراهنة:
- صعود تيارات اليمين المتطرف في أوروبا:
يعتمد تيار اليمين المتطرف في أوروبا على نزعة مُتطرفة تجاه عدد من القضايا؛ وعلى رأسها العداء للأجانب والمهاجرين، فهو يتمسك تمسكاً حاداً بالقيم الوطنية والهُوية السياسية والثقافية واللغوية، حيث يشير مصطلح اليمين المتطرف إلى القوميين الأوروبيين من الجنس الأبيض، الذين يؤمنون بتفوق هذا الجنس على غيره، والتعصب له.
وقد أسهمت عدة عوامل فكرية وثقافية واقتصادية وسياسية في صعود اليمين المُتطرف في أوروبا في السنوات الأخيرة، حيث تم توظيف قضية الهجرة في التسويق لهذا التيار؛ لإضفاء شرعية على خطابه العنصري المُعادي للأجانب، أخذاً في الاعتبار العامل الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة.
وخلال الفترة من 6 إلى 9 يونيو 2024م، أُجريت انتخابات البرلمان الأوروبي، الذي يعد الهيئة التشريعية، ويعمل مع المجلس الأوروبي لتمرير القوانين بناءً على مقترحات المفوضية الأوروبية، كما يوافق على الميزانية أو يرفضها. وقد صوّت ما يقرب من 400 مليون شخص في انتخابات البرلمان الأوروبي لانتخاب 720 عضواً، يعتبروا ممثلين مُنتخبين عن مواطني الاتحاد الأوروبي، الذين ينقسمون بدورهم إلى كتل سياسية بناءً على الانتماء السياسي. وقد أسفرت هذه الانتخابات عن صعود اليمين بشكل واضح، وإن لم يسيطر على الأغلبية. حيث حافظ حزب الشعب الأوروبي "يمين الوسط" على سيطرته على البرلمان الأوروبي، بفوزه بـ 186 مقعداً، أي أكثر من ربع إجمالي المقاعد، بينما تمكن "الاشتراكيون والديمقراطيون"، واليسار، من الحفاظ على مواقعهم بـ 135 مقعدًا و39 مقعدًا على التوالي، في الوقت الذي خسرت فيه مجموعة تجديد أوروبا "ليبرالي" حوالي 23 مقعداً، وفي المجموع حقق الائتلاف الثلاثي الوسطي الحاكم حوالي 400 مقعد.
وفي المقابل، رفع اليمين المتطرف، بشقيه حزب المحافظين وحزب الهوية، موقعه في البرلمان بــ 13 مقعداً إضافياً، وسوف تسيطر المجموعتان في البرلمان الأوروبي على 131 مقعداً. إلى جانب 15 مقعداً كسبها حزب البديل الألماني، و10 مقاعد لحزب الاتحاد المدني "فيدس"، بزعامة رئيس الوزراء المجري "فيكتور أوربان"، و6 مقاعد ينتمون إلى حزب الاتحاد الكونفدرالي في بولندا، و3 مقاعد لحزب النهضة الموالي لروسيا في بلغاريا. وبما يُعني سيطرة اليمين المُتطرف على حوالي 165 مقعداً في البرلمان الأوروبي، بكل ما يتبع ذلك من تأثير في سياسات الاتحاد الأوروبي الداخلية، والخارجية خلال السنوات الخمس المُقبلة، لأن الائتلاف الوسطي سيمثل الأغلبية الحاكمة، فيما سيُمثل اليمين المتطرف المعارضة المُعطلة.
وتتضح هذه المعارضة في أبهى صورها عند التطرق لدور الاتحاد الأوروبي في السياسة الخارجية، لأن الائتلاف الوسطي، وفي القلب منه حزب الشعب الذي تقوده "أورسولا فون دير لاين"، رئيسة المفوضية الأوروبية التي تم اختيارها لولاية ثانية، يسعى إلى تطوير جهاز السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وتعزيز صلاحياته لدرجة استحداث منصب وزير خارجية للاتحاد، وتوسيع الاتحاد نحو بقية دول القارة، لاسيما في البلقان وأوكرانيا ومولدوفا، فضلاً عن "مركزة" السياسة الخارجية للدول الأعضاء في "بروكسل". وهو ما يُعارضه اليمين المتطرف، الذي يريد إبقاء السياسة الخارجية في إطار سلطة العواصم الوطنية بعيداً عن تدخل "بروكسل"، مع شرط الإجماع في اتخاذ القرار.
وعلى الرغم من هذه الاختلافات النظرية في آليات عمل الاتحاد الأوروبي بين الائتلاف الوسطي وتيار اليمين المتطرف، إلا أنه يتضح أن المكونات الرئيسية للبرلمان تميل إلى التوافق فيما يخص الموقف من إيران، في ظل ما تشهده الساحة الإقليمية من تطورات حادة اتصالاً بالحرب الدائرة في قطاع غزة، حيث يبدو الموقف الأوروبي أكثر تشدداً، من خلال انتهاج سياسة أكثر حزماً تجاه "طهران"، مع التركيز على برنامجها النووي وبرامج الصواريخ الباليستية، والدور الإيراني المُزعزع للاستقرار في المنطقة، فضلاً عن دبلوماسية الرهائن، بكل ما يستتبع ذلك من بحث إدراج الحرس الثوري على قائمة الاتحاد الأوروبي للإرهاب، وتوسيع العقوبات على الأفراد والكيانات الإيرانية، وكذلك العقوبات على الأفراد والكيانات المُرتبطة بإيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بغض النظر عن التيار الحاكم في "طهران".
- صعود الإصلاحيين في إيران:
أسفرت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 5 يوليو 2024م، عن فوز الرئيس الإصلاحي "مسعود بزشكيان"، في وقت تشهد فيه الساحتين الداخلية والخارجية في إيران تحديات جمّة، سيتوقف نجاح "بزشكيان" من عدمه في عبورها ومدى قدرته على إحداث تغييراً في سياسات بلاده داخلياً وخارجياً، خاصةً مع سيطرة الأصوليين على مفاصل الدولة، وبما قد يحد من قدرته على اتخاذ بعض القرارات، التي ينصرف جزء منها نحو الاتفاق النووي مع القوى الكبرى؛ لأن الأصوليون يسيطرون على مُجمل المؤسسات السياسية المُتمثلة في البرلمان ومجلس صيانة الدستور ومجمع تشخيص مصلحة النظام، فضلاً عن المناصب الدينية الرئيسية الأخرى ومؤسسة بيت المرشد نفسها، وهو ما يفرض عليه التعامل بمرونة أكبر مع هذا التيار؛ تجنباً للصدام، ولتلافي احتمالات عدم تعاون الأجهزة العسكرية والأمنية معه، اتصالاً باختلاف الرؤي بين الرئيس الإيراني وقيادات هذه الأجهزة.
وقد حصل كامل التشكيل الوزاري الذي اقترحه الرئيس الإيراني، "بزشكيان"، والمكون من 19 وزيراً، على ثقة البرلمان، يوم 21 أغسطس 2024م، لتأتي الحكومة الجديدة بدون أية ملامح للتغيير، خاصةً مع الاحتفاظ بـ 3 وزراء من حكومة الرئيس الراحل "إبراهيم رئيسي"، من بينهم الاستخبارات، والإعلام، فضلاً عن 5 وزراء من حكومة الرئيس الأسبق، "حسن روحاني". كما تضمن التشكيل 8 أصوليين.
وفي هذا الإطار؛ فإن الحكومة الإيرانية لم تحصل على إجماع كلا التيارين الأصولي والإصلاحي؛ بسبب عدم سيطرة أي منهما على هذه الحكومة؛ على الرغم من حصول كامل أعضائها على ثقة البرلمان، وهو ما يؤشر على أن "بزشكيان" يضع في اعتباره المواجهات المُحتملة بينه وبين التيار الأصولي في مفاصل الدولة وأجهزتها، ويسعى لتجنب أية عراقيل تواجهه، وهو ما أكده في خطاباته أمام البرلمان، أنه مستعد للتنازل في سبيل التوافق. وإن كان تولي "عباس عراقجي" وزارة الخارجية، قد يُعطي مؤشراً على رغبة الحكومة الإيرانية في عودة المفاوضات مع أمريكا والغرب؛ بالنظر إلى دوره في مفاوضات الاتفاق النووي عام 2015م، وما يمكن أن يقدمه من جهود لتخفيف العقوبات على "طهران"، خاصةً أن نجاح مساعي تحسين الأوضاع الاقتصادية مشروط بحل الأزمة مع الغرب ورفع العقوبات المفروضة على إيران.
وخارجياً؛ فعلى الرغم من ترحيب الغرب بفوز رئيس إصلاحي لإيران، إلا أن ذلك لا ينفي وجود تحديات خارجية تواجه "بزشكيان"، ومنها:
ــــ إحياء المفاوضات النووية: حيث يعتبر البرنامج النووي بمثابة التحدي الرئيسي أمام حكومة "بزشكيان"؛ نظراً لخروقات إيران لبنود الاتفاق النووي الموقع في 2015م، والوصول ببرنامجها النووي لمستويات شبه عسكرية. فقد قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن احتياطيات "طهران" من اليورانيوم المخصب بمستوى 20% و60% لا تزال تتزايد، وإن الوكالة ليس لديها معلومات كافية عن إنتاج أجهزة الطرد المركزي، ومدى توفرها في إيران. وهو ما يفرض تحدياً كبيراً لحكومة "بزشكيان"؛ خاصةً أن تسوية هذا الملف ستكون ب مفتاح لحل الكثير من الملفات الأخرى؛ مثل: حالة الاقتصاد والمعيشة في إيران وكذا علاقات "طهران" مع الدول الأوروبية وأمريكا.
ــ الصراع مع إسرائيل: حيث يُنظر إلى تأثير الحكومة في اتخاذ أية قرارات جوهرية في هذه القضية على أنه محدود للغاية حال مقارنته بالمرشد الأعلى وقيادات الحرس الثوري، فالحقيقة الثابتة في تفاعلات السياسة الإيرانية تتمثل في أن المرشد الأعلى متخذ القرارات الاستراتيجية الداخلية والخارجية، وطبقاً لصحيفة "تلغراف" البريطانية في 9 أغسطس الماضي، فإن الرئيس الإيراني يخوض معركة مع الحرس الثوري لمنع اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل، مقابل توجيه ضربات محدودة للقواعد الإسرائيلية المُنتشرة في المنطقة، أخذاً في الاعتبار أن القرار النهائي الذي سيحدد كيفية وموعد الرد الإيراني سيكون بيد "خامنئي".
ــ الدور الإقليمي لإيران: يقع النفوذ/ الدور الإقليمي لإيران على عاتق الحرس الثوري وفيلق القدس، ما جعله من الفواعل الأساسية في السياسة الخارجية الإيرانية، حيث أصبحت أنشطته مؤثرة على القرارات الخارجية، وهو ما قد يواجه بمعارضة من الحكومة الإيرانية، التي تتمسك بضرورة ممارسة السلطة في إطار مؤسسات الدولة، في مقابل الحرس الثوري الذي يُصر على نمط الثورة، ويمارس سلطته من خلال علاقاته مع الميليشيات والفواعل المسلحة من غير الدول، وبما يشكل تحديًا في كسب ثقة المجتمع الدولي تجاه السياسات الإيرانية الرسمية.
ــ توتر العلاقات الإيرانية/ الأوروبية: نظراً لمساعي بعض الدول الأوروبية لتصنيف الحرس الثوري على القوائم الإرهابية في الاتحاد الأوروبي، بعد إقرار البرلمان الأوروبي هذا التصنيف في يناير 2023م؛ الأمر الذي يؤثر في علاقات طهران بدول الاتحاد الأوروبي، والتي بدأت تأخذ منحى تصعيدياً منذ اتهام الدول الأوروبية لإيران بإمداد روسيا بالطائرات المسيرة والصواريخ التي تستخدمها ضد أوكرانيا، وكذلك تهديد الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر، وللتجارة الأوروبية عبر الإقليم، فضلاً عن الأنشطة الأمنية الإيرانية على الأراضي الأوروبية. وهو ما يأتي في إطار صعود التيار اليميني المتطرف للحكم في عدد كبير من دول القارة الأوروبية؛ ومن ثم الاتحاد الأوروبي.
- سياق إقليمي مُلتهب:
تمر منطقة الشرق الأوسط بمستوى غير مسبوق من الاضطرابات ، التي ألقت بظلالها على مختلف التفاعلات الجارية في الإقليم، اتصالاً بالحرب الدائرة في غزة؛ والتي تسعى فيها إيران إلى تكريس دور لها كفاعل إقليمي له تأثير في التفاعلات التي تجري في المنطقة، في الوقت الذي ارتفعت فيه حدة التوترات بين محور المقاومة بزعامة إيران والغرب، منذ 7 أكتوبر 2023م، فقد سعت إيران إلى الموازنة بين الاستمرار في الضغط غير المباشر على خصومها من خلال وكلائها، بينما تبتعد عن الاستفزازات التي تنطوي على مخاطرة كبيرة بحدوث صراع مباشر. خاصةً وأن إيران تنخرط في صراعين في آن واحد؛ سواء من حيث دعم حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني في قطاع غزة، إضافةً إلى حزب الله في لبنان. وإن كانت تفضل احتواء الاشتباكات الدائرة على الحدود الإسرائيلية/ اللبنانية، بالنظر إلى محورية حزب الله في فرض إيران لقوتها الإقليمية وفي استراتيجيتها لـ "الدفاع المتقدم"، في الوقت الذي لا تبدو فيه "واشنطن، أو طهران" راغبة في التصعيد نحو مواجهة مباشرة.
وقد أظهرت حرب غزة مدى محدودية الدور الإيراني والتحديات التي تواجهه، فبالرغم من أهمية الدور الإيراني في دعم المقاومة، فإن هذا الدور تحكمه حسابات المصلحة الوطنية لإيران، التي تقوم على عدم الرغبة في دخول حرب واسعة النطاق حفاظًا على مكاسب "طهران" وقدراتها في حرب غزة، التي تسعى إلى استغلالها في تعزيز أوراق التفاوض مستقبلاً مع الولايات المتحدة والقوى الغربية فيما يتعلق بالملف النووي، والدور الإقليمي لإيران.
ثانياً: مستقبل العلاقات الإيرانية/ الأوروبية:
في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس الإيراني "مسعود بزشكيان" إلى تعزيز التعاون مع الدول الأوروبية في عدد من الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية، وهو ما عبر عنه في المقالتين اللتين كتبهما خلال شهر يوليو 2024م. وهو ما يؤشر إلى أن التيار الإصلاحي في إيران يسعى إلى تطوير العلاقات مع الغرب خلال السنوات الأربعة المُقبلة. إلا أنه من المتوقع أن يسعى اليمين المتطرف في أوروبا إلى تبني خيارات أكثر صرامة إزاء "طهران"، وفي ملفاتها المُعقدة؛ على النحو التالي:
- تراجع فرص العودة للاتفاق النووي
حيث تتراجع احتمالية التوصل لاتفاق نووي، على أساس أن تيارات اليمين المتطرف تنظر إلى البرنامج النووي الإيراني على اعتبار أنه خطر يهدد المنطقة والعالم، وتتفق مع رؤية الرئيس الأمريكي السابق "ترامب"؛ في أن الاتفاق النووي مع إيران يخدم إيران أكثر مما يخدم الغرب، خاصةً في ظل الجمود الذي يُحيط بالمفاوضات النووية العلنية والسرية مع إيران، والتي لم تُقدم أي تطور ملموس في سبيل التوصل لاتفاق نووي أو إيقاف الأنشطة النووية الإيرانية؛ إذ لا تزال إيران تواصل تلك الأنشطة وحققت طفرة كبيرة بها؛ بل أصبح الاعتراف بإيران "دولة عتبة نووية" أمراً واقعاً في الوقت الراهن، وعبّرت عنه العديد من التقارير الأمريكية والغربية المُتتابعة. وهو ما قد يدفع نحو اتخاذ إجراءات مُتشددة للغاية وصارمة إزاء البرنامج النووي الإيراني من خلال فرض عقوبات قاسية تجاه "طهران" ومُحاصرتها بشدة اقتصادياً. وقد تتطور الأمور، حال فوز الرئيس الأمريكي السابق "ترامب" في الانتخابات الرئاسية المُقبلة، نحو اللجوء لخيار العمل العسكري "المحدود" والضربات العسكرية الخاطفة تجاه بعض مواقع البرنامج النووي الإيراني، أخذاً في الاعتبار الضغوط التي تمارسها إسرائيل في هذا الاتجاه، التي قامت بالفعل بتوجيه ضربات مباشرة لإيران، استهدفت قاعدة "هشتم شكاري" الجوية بالقرب من محطة نتنز النووية، أحد أشهر وأهم محطات تخصيب اليورانيوم في إيران.
- إدراج الحرس الثوري على قوائم الإرهاب:
بناءً على قرار البرلمان الأوروبي بإدراج الحرس الثوري على قوائم الإرهاب، فقد تدفع تيارات اليمين المتطرف إلى تبني المفوضية الأوروبية هذا القرار لتنفيذه، كما تسعى تلك التيارات من وراء هذا القرار لتقليم أظافر إيران الإقليمية، سواء ما يتعلق بـ "الحوثيين" في ضوء تهديداتهم لحركة الملاحة والتجارة في البحر الأحمر المُستمرة منذ أشهر، أم المليشيات الإيرانية في سوريا والعراق، وحزب الله في لبنان.
- استهداف برامج الصواريخ والطائرات المُسيّرة:
حيث تمثل مسألة تقييد القدرات الصاروخية وصناعة المُسيّرات في إيران أحد الأهداف الحاسمة في الموقف الأوروبي، خاصةً مع مُواصلة إيران تطوير برامج الصواريخ والمُسيّرات، وتزايد الاتهامات الغربية بإمداد "طهران" لروسيا بالطائرات المسيرة والصواريخ البالستية، بما يؤشر على تزايد الإنتاج من هذه الأسلحة.
وقد أكدت عدة تقارير عن مصادر غربية تأكيدها أن إيران أرسلت أكثر من 200 صاروخ باليستي إلى روسيا. وأفادت بأن سفينة روسية نقلت صواريخ من طراز "فاتح 360" قصيرة المدى من "طهران" إلى ميناء في بحر قزوين. ومن جانبها؛ فقد أبلغت الولايات المتحدة حلفاءها أنها تعتقد أن إيران نقلت صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى روسيا لاستخدامها في حربها في أوكرانيا.
- التوسع في فرض العقوبات الاقتصادية:
يُرجح التوسع الأوروبي في توظيف آلية العقوبات الاقتصادية ضد إيران، كأداة تهديد وعقاب لـ "طهران"، لإجبارها على التماهي مع التوجهات الأوروبية بشأن برامجها النووية والصاروخية، علاوة على نفوذها الإقليمي. وقد تدفع تيارات اليمين المتطرف إلى توقيع أقصى عقوبات ممكنة على إيران، سواء مؤسسات أو أفراد، في ضوء تصعيدها النووي والصاروخي وانتهاكات حقوق الإنسان.
وقد أعلنت 4 دول غربية، يوم الثلاثاء 10 سبتمبر 2024م، عن عزمها فرض عقوبات على إيران بسبب دعمها روسيا، و"إرسالها" صواريخ باليستية إلى "موسكو". حيث قالت وزارة الخارجية الألمانية في بيان إن حكومات فرنسا وألمانيا وبريطانيا تندد بشدة بعمليات نقل إيران لصواريخ باليستية إلى روسيا وستعمل نتيجة لذلك على فرض عقوبات على شركة الطيران الإيرانية إيران إير.
- الضغط على إيران في ملف السجناء:
تسعى تيارات اليمين في أوروبا إلى الضغط على "طهران" في ملف الرهائن والمُحتجزين في إيران للإفراج عنهم، أو مقايضة إيران في ملفات أخرى، ففي يونيو م2024؛ أعلن الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" أن إيران أفرجت عن الفرنسي "لوي أرنو" المسجون لديها منذ سبتمبر 2022م، مطالباً "طهران" بإطلاق سراح ثلاثة مواطنين فرنسيين آخرين "دون تأخير".
- مزيد من العلاقات مع دول المنطقة المعتدلة:
من المتوقع أن تسعى أحزاب وقوى اليمين الأوروبي إلى تعميق علاقاتها بدول المنطقة؛ وتحديداً السعودية والإمارات، باعتبارهم من القوى الإقليمية الكبرى، ولمواجهة النفوذ الإيراني المُتزايد من ناحية، والعمل على استقرار الأمن الإقليمي من ناحية أخرى. فمن المُرجح أن تتمحور العلاقات الأوروبية مع دول شمال إفريقيا، بوصفها الضفة الجنوبية للمتوسط، في مجالات الهجرة والطاقة المتجددة، من أجل الحد من عمليات العبور غير النظامية إلى الاتحاد الأوروبي، إذ تحتل قضية الهجرة حالياً موقعاً مركزياً في السياسات الأوروبية. للحد الذي يتم فيه تفعيل المشروطية الاقتصادية؛ بمعني مقايضة المساعدات والاستثمارات في مقابل المساهمة في حماية الحدود الأوروبية، بجانب الاهتمام الأوروبي بالطاقة المتجددة، لاسيما الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، ومسارات نقلها إلى أوروبا عبر إيطاليا وإسبانيا.
وبالنسبة للعلاقات الأوروبية مع الدول الخليجية؛ تنطلق التوجهات المُستقبلية للسياسة الخارجية الأوروبية تجاه دول الخليج العربي، ضمن الرؤية الأوسع للاتحاد الأوروبي بعد حرب غزة، والتي عبّر عنها الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، بضرورة أن يكون للاتحاد نفوذ في المنطقة يؤهله ليؤدي دوراً في السلام، من خلال تعزيز النفوذ الجيوسياسي للاتحاد الأوروبي، واتخاذ موقف واضح من قضايا المنطقة، خاصةً الصراع الإسرائيلي / الفلسطيني والدور الإيراني المُزعزع للاستقرار في المنطقة.
وفي كلتا الحالتين؛ سواء فيما يتعلق بالموقف الأوروبي تجاه شمال إفريقيا، أو دول الخليج العربي، فمن المتوقع أن تقوم السياسة المستقبلية للاتحاد الأوروبي بتجنب تسييس قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، دون إغفال بعض المساومات السياسية حول بعض القضايا. وقد تبدو السياسات الأوروبية تجاه الدول الرئيسية في المنطقة ضمن توجهين أساسيين؛ أحدهما: سياسي يتعلق بدور الاتحاد الأوروبي في المنطقة، خاصةً تجاه الدور الإيراني، وهو ما يتطلب تعزيز علاقات "بروكسل" مع هذه الدول؛ بوصفهم دولاً فاعلة وتحتفظ بعلاقات مع إيران، ولديها مصالح في تقويم السياسات الإيرانية وجعلها أكثر اعتدالاً. والثاني: اقتصادي من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي مع هذه الدول في مختلف المجالات، خاصةً في القطاع الدفاعي.
ختاماً، فقد عبر الرئيس الإيراني عن رغبته بالدخول في حوار بناء مع الدول الأوروبية؛ لوضع العلاقات على المسار الصحيح، استنادًا إلى مبادئ الاحترام المُتبادل والمساواة، لأن هناك فُرصاً كثيرة لتعزيز التعاون الإيراني / الأوروبي من وجهه نظره، في المجالات التكنولوجية، وقضايا أمن الطاقة، والمشاريع اللوجستية العابرة للحدود، وقضايا اللجوء والإرهاب والمخدرات.
وتنطلق تلك الرؤية؛ من مقاربات السياسة الإيرانية تجاه الغرب، والتي تسعى إلى إحداث توازن في علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من خلال العلاقات الثنائية، بهدف استثمار وتعميق التباينات التي تظهر من آن لآخر بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية. إلا أن صعود اليمين المتطرف في انتخابات الاتحاد الأوروبي الأخيرة، لا يصُب في مصلحة إيران؛ نظراً لمواقفه العدائية منها، إذ يدعو إلى انتهاج سياسة أكثر حزماً تجاه إيران؛ إدراكاً من أنه يصعُب على أي رئيس إيراني، تغيير الخطوط العريضة للسياسة الخارجية، التي يحددها المرشد والحرس الثوري، سواء المرتبطة بالمشروع الإيراني التوسُعي، أو البرنامج النووي، وبرنامج الصواريخ البالستية، باعتبارهما خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها.
وتشير رسائل الرئيس الإيراني لقادة محور المقاومة إلى أنها تحمل دليلاً على عدم حدوث أي تغيرات في سياسات إيران تجاه المشروع التوسُعي المُزعزع للاستقرار في المنطقة، بكل ما يرتبط بذلك من تنامي الصراع مع إسرائيل والولايات المتحدة. وفيما يتعلق بالبرنامج النووي، فمن غير المتوقع أن تثمر المفاوضات النووية عن حدوث اختراق دبلوماسي جوهري يفضي إلى عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي ورفع العقوبات، وإنما قد تؤدي إلى قبول "طهران" بتقليص نسب إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب، والسماح لمُفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة المواقع النووية، مقابل تخفيف القيود على صادرات النفط الإيراني، والعمل مع صندوق النقد الدولي على شطْب إيران من القائمة السوداء، التي حالت دون قُدرة إيران على جذب الاستثمار الأجنبي، وأن يتعهد الاتحاد الأوروبي بعدم إعادة فرْض العقوبات لينتهي مفعولها في أكتوبر 2025م.