array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 202

الواقعية الأوروبية تمنع الانزلاق لما يهدد السلم المجتمعي رغم صعود اليمين المتطرف

الإثنين، 30 أيلول/سبتمبر 2024

يمثل صعود أحزاب اليمين المتطرف في عدد متزايد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول الأوروبية غير الأعضاء بدول الاتحاد ظاهرة جديرة بالبحث والدراسة، فقد حصد تحالف الأحزاب اليمينية في الانتخابات التشريعية الإيطالية في سبتمبر 2022م،  نسبة غير مسبوقة من أصوات الناخبين حوالي 44% ويضم هذا الائتلاف حزب أخوة إيطاليا الذي تتزعمه جورجيا ميلوني رئيسة وزراء إيطاليا والذي حصل بمفرده على نسبة 26% تقريبًا، وفي الانتخابات التشريعية الفرنسية الأخيرة يوليو 2024م، حصل حزب التجمع الوطني اليميني على المركز الثالث من أصوات الناخبين الأمر الذى يمثل في رأي بعض المراقبين تمردًا على ثنائية التناوب في السلطة بين الجمهوريين والاشتراكيين تلك الثنائية التي عرفتها الحياة السياسية في فرنسا منذ انطلاق الجمهورية الخامسة على يد الجنرال ديجول عام 1958م، وهذا الصعود لليمين المتطرف هو ما يعطل تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة حتى الآن، وفي هولندا حصل اليمين المتطرف على 24% تقريبًا من الأصوات في الانتخابات الأخيرة، وفي السويد فازت كتلة اليمين المتطرف واليمين المحافظ الليبرالي على نسبة وصلت 51% في الانتخابات التشريعية في سبتمبر 2022م، وفي المجر حصل حزب فيدز الذي يتزعمه رئيس الوزراء بالتحالف مع الأحزاب اليمينية المتطرفة على الأغلبية المطلقة في البرلمان، وفي إسبانيا حصد حزب بوكس اليميني المتطرف على نسبة أعلى من الانتخابات السابقة، وفي البرتغال حصل حزب شيغا اليميني المتطرف على المركز الثالث في الانتخابات التشريعية الأخيرة أبريل 2024م، إلا أنه تم استبعاده من السلطة بعد الاتفاق بين اليمين المحافظ الفائز بالمركز الأول والحزب الاشتراكي الفائز بالمركز الثاني على التناوب في رئاسة البرلمان مقابل الامتناع عن دعم أي طرح لسحب الثقة من الحكومة.

أما على مستوى انتخابات البرلمان الأوروبي التي أجريت في يونيو 2024م، فقد تقدم مرشحو اليمين المتطرف في إيطاليا حيث حصد حزب رئيسة الوزراء الإيطالي المركز الأول بين مرشحي الأحزاب الإيطالية، وفي فرنسا حصل حزب التجمع اليميني المتطرف على المركز الأول، وفي ألمانيا حصل حزب البديل اليميني المتطرف على المركز الثاني، وفي هولندا جاء حزب خيرت فيلدرز اليميني المتطرف في المركز الثاني، وفي بولندا حصد حزب القانون والعدالة اليميني المتطرف المركز الثاني، وفي إسبانيا احتل حزب بوكس اليميني المتطرف المركز الثالث ليحصل على ستة مقاعد مقارنة بأربعة مقاعد في الانتخابات السابقة.

إذن تؤكد الأرقام صعودًا متزايدًا للأحزاب اليمينية المتطرفة سواء على مستوى الانتخابات التشريعية الوطنية للدول الأوروبية بما فيها الدول الأعضاء بالاتحاد أو على مستوى انتخابات البرلمان الأوروبي فما هي السمات المشتركة لهذا التيار السياسي ولماذا حقق هذه المكاسب السياسية؟

يصف علم السياسة أفكار اليمين المتطرف بأنها تجمع بين النزعة الوطنية المفرطة والإقصاء للآخرين، وتبني الفكر العنصري وكراهية الأجانب والاستعلاء العرقي، والتوجه السياسي الرافض للرأسمالية والليبرالية وما يرتبط بهما من نسق القيم، ولذلك لديهم تحفظات على بعض بنود مواثيق حقوق الإنسان في الغرب بدافع ديني نابع أساسًا من التقاليد المسيحية، ومن حيث نمط المشاركة السياسية يميز بعض علماء السياسة بين الأحزاب الاحتجاجية اليمينية المتطرفة التي يكون هدفها الأساسي تسجيل المواقف والترويج من خلال الإعلام بأدواته المختلفة لخطاب تحريضي وهو ما يعرف باليمين الشعبوي المتطرف، وبين فصيل آخر يتميز بقدر من الواقعية السياسية تنعكس في خطاب مقبول من ناخبي اليمين ككل ويتلاءم مع متطلبات الانخراط في الديمقراطية الليبرالية القائمة على التعددية والاختلاف مثل حزب رئيسة وزراء إيطاليا، وحزب الجبهة الوطنية الفرنسية، وحزب الوسط الديمقراطي السويسري، وحزب الحرية الهولندي، وحزب الفجر الذهبي في اليونان ولذلك نجحت هذه الأحزاب في تحقيق مكاسب سياسية ملموسة توجت بمشاركتها في حكومات هذه الدول وأصبح لها تمثيل في برلمانات دولها والبرلمان الأوروبي.

أما عن أسباب صعود اليمين المتطرف وتوقيت ما حققه من مكاسب سياسية يمكن القول أن شعبيته بدأت في الارتفاع بشكل متدرج مع الأزمة المالية العالمية 2009/2008م، عندما فرضت العديد من الحكومات الأوروبية إجراءات تقشفية قوضت الثقة بالأحزاب والمؤسسات السياسية الحاكمة كما سرعت أزمة الهجرة واللجوء 2016/2014م، خاصة مع الأزمة السورية بتصاعد هذا التيار المتشدد وبدء دخول ممثلي اليمين المتطرف لعدد متزايد من الحكومات في أوروبا.

ثم جاء الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016م، وفوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2017م، وتبنيه خطابًا شعوبيًا يعلي من النزعة القومية، ليقدم دعمًا قويًا لهذه الأحزاب انعكس على ما حققته من مكاسب انتخابية ملحوظة في الانتخابات التشريعية المحلية، أو انتخابات البرلمان الأوروبي سواء عام 2019م، وبنسبة أكبر انتخابات هذا العام.

كما أن ارتفاع نسبة البطالة والتضخم في أسعار الغذاء والطاقة والعقارات منذ جائحة كورونا، بالإضافة إلى زيادة شرائح الضرائب في معظم الدول الأوروبية خاصة في فرنسا وألمانيا بعد دعمهما ماليًا وعسكريًا أوكرانيًا في حربها ضد روسيا والجدل بين القوى السياسية حول الموقف الأوروبي من هذه الحرب وتبعاتها فضلًا عن التراجع في شعبية الأحزاب التقليدية الحاكمة وما تواجهه من أزمات هيكلية وتخبط في السياسات تجاه التحديات السياسية والاقتصادية كل هذا ساهم في الصعود الملحوظ لليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي، وعلى سبيل المثال لم تعد الأحزاب الحاكمة بعيدة عن الانقسامات السياسية حول قضايا جوهرية مثل الحرب الروسية الأوكرانية والأزمات الاقتصادية المتتالية وما يثور من جدل بين الحين والآخر حول مستقبل الاتحاد الأوروبي وقدرته على مواجهة هذه التحديات وغيرها .

يأتي موقف أحزاب اليمين المتطرف من قضية الهجرة واللجوء على رأس أولوياته من خلال الدعوة إلى تبني سياسات صارمة بشأن الأنظمة الأمنية والقانونية للحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي والسعي لتنفيذ استراتيجيات طويلة المدى لطرد أعداد من الأجانب المهاجرين واللاجئين الذين يشكلون كتلة سكانية معادية للقيم الأوروبية ومنظومة الأمن وهو ما عززته حوادث عنف فردية من قبل بعض الأجانب ضد عناصر الشرطة والأمن أو من أفراد الدولة المضيفة، إلا أنه تم رصد عدم وجود اتفاق سياسي عام بين فصائل اليمين المتطرف حول قضية الهجرة واللجوء خاصة وأن العجز والخلل في احتياجات سوق العمل في بعض الدول مثل إيطاليا دفع حكومة اليمين المتطرف برئاسة ميلوني إلى السماح باستقدام أكثر من نصف مليون مهاجر، كذلك الحال في المجر فرغم معارضة رئيس الوزراء ورئيس الحزب اليميني الحاكم للهجرة واللجوء باعتبارهما تهديدًا خارجيًا للهوية الأوروبية المسيحية إلا أنه لاعتبارات واقعية مرر سياسات تسمح باستقدام الخبراء والعمالة المدربة لمواجهة النقص في بعض التخصصات في سوق العمل خاصة مع انخفاض معدلات الإنجاب وارتفاع نسبة كبار السن وهذا ليس في المجر وحدها وإنما في الغالبية العظمى من الدول الأوروبية ولذلك من المتوقع استمرار هذا التوجه البراجماتي في التعاطي مع قضية الهجرة واللجوء.

وفيما يتعلق بالموقف من تطورات الحرب الروسية / الأكرانية لايزال هناك انقسام سياسي بين الأحزاب اليمينية الممثلة في كتلة الهوية والديمقراطية التي تضم الأحزاب القومية والشعوبية فمثلًا حزب الحرية النمساوي وبعض أنصار اليمين المتطرف في إيطاليا ينتقدون موقف الغرب والاتحاد الأوروبي المتشدد من روسيا ويرون أن فتح باب الحوار معها من شأنه ان يشكل خطوة ضرورية لإنهاء الحرب وبناء السلام والاستقرار في المنطقة، بينما حزب القانون والعدالة في بولندا والحزب اليميني الحاكم في إيطاليا برئاسة ميلوني رئيسة الوزراء من المؤيدين والداعمين على المستوى السياسي والعسكري والمالي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا.

وتشير تقديرات معظم المراقبين إلى استمرار هذا الانقسام وبالتالي قد لا يكون هناك تغير في الموقف من تطورات الحرب الروسية / الأكرانية إلا إذا تغيرت معادلة المواجهة العسكرية بين طرفي الحرب على الأرض أو إذا حدث تغير واضح في الموقف الأمريكي اتصالًا بنتيجة الانتخابات الأمريكية المقبلة.

ومن القضايا المهمة أيضا لدى أحزاب اليمين المتطرف الموقف بشأن ما يسمى قانون المناخ الأوروبي والذي يستهدف أن يكون الاقتصاد والمجتمع الأوروبي في وضع محايد مناخيًا بحلول عام 2050م، وقد تحاول أحزاب اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي تغيير هذا القانون، إذ تعتقد هذه الأحزاب أن القانون المشار إليه قد يؤثر سلبًا على المزارعين الأوروبيين والمنظومة الزراعية في العديد من الدول الأوروبية، مما سيؤدي إلى خفض ملموس في مساعدات التنمية خارج القارة الأوروبية وتعزيز المصالح الوطنية على مصالح دول الاتحاد ككل، إلا أن بعض المراقبين يرى أن ما أنفقه الاتحاد الأوروبي في السنوات الخمس الماضية لإقرار حزمة قوانين الطاقة النظيفة وخفض ثاني أكسيد الكربون سيجعل من الصعب التراجع عن قانون المناخ والقوانين التي تم إقرارها بالفعل.

واتصالًا بموقف أحزاب اليمين المتطرف من قضية الهجرة واللجوء وكراهية الأجانب تبرز ظاهرة الخوف من الإسلام أو الإسلاموفوبيا وما شهدته بعض الدول الأوروبية من حوادث الكراهية والتمييز والعداء والعنف والتعصب ضد المسلمين والإساءة للرموز الإسلامية وتدنيس وحرق نسخ من المصحف الشريف في السويد والدنمارك وهولندا وقد عقدت منظمة التعاون الإسلامي عدة اجتماعات وزارية وصدر عنها بيانات تعبر عن موقف موحد للدول الأعضاء يدين هذه الأعمال الاستفزازية ويحذر من عواقبها المثيرة للقلق بل ودعوة حكومات هذه الدول لاتخاذ تدابير جدية لمنع تكرار مثل هذه الحوادث التي تهدد السلم المجتمعي، وقد أثمرت هذه الجهود عن بعض النتائج الإيجابية منها إصدار البرلمان الدنماركي قانونًا يجرم إهانة المقدسات بصفة عامة.

وفي تقدير المراقبين فإنه وبالرغم من تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا وما حققه من مكاسب سياسية فإن الواقعية السياسية للحكومات الأوروبية بما في ذلك التي يشترك فيها ممثلون لليمين المتطرف سوف تسود في الغالب ولن تنزلق لغة الخطاب السياسي إلى ما يهدد السلم المجتمعي في هذه الدول.

وعلي صعيد القضية الفلسطينية وموقف الدول الأوروبية منها بما في ذلك الدول التي حقق فيها اليمين المتطرف مكاسب انتخابية، فقد شهدت الشهور الماضية ومنذ عملية طوفان الأقصى مظاهرات واسعة مؤيدة لوقف إطلاق النار ووقف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني بل واعتراف كل من إسبانيا والنرويج وإيرلندا بالدولة الفلسطينية المستقلة ليصل بذلك عدد دول الاتحاد الأوروبي التي تعترف بالدولة الفلسطينية إلى 12 دولة هي السويد ومالطا وقبرص وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفينيا، اما البرتغال فقد طالب البرلمان في قرار له الحكومة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية إلا أنه لم يتم بعد انتظار الموقف الموحد على مستوى الاتحاد الأوروبي .

ومن المتوقع استمرار الاتحاد الأوروبي بالرغم من تصاعد تيار اليمين المتطرف في بعض دول الاتحاد في موقفه المؤيد للمضي قدمًا لتطبيق حل الدولتين والقيام بدور نشط في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي وهو ما أكده المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي إلى الشرق الأوسط سيفين كوبمانز في مقابلة مع وكالة فرانس برس في يوليو الماضي وأن الأولوية حاليًا للسعي لوضع حد للمعاناة في غزة، والعمل على تجنب حرب إقليمية تشمل لبنان خصوصًا، وإعادة إطلاق عملية السلام.

مقالات لنفس الكاتب