جاء مشروع منظمة اتحاد المغرب العربي UMA في فبراير 1989م، في سياق ظهور ظاهرة العولمة وما تحمله من حرية لانتقال السلع والخدمات ورؤوس الأموال والأفكار، ومع تعاظم التكتلات الاقتصادية الإقليمية فـي جميع أنحـاء العـالم. إلا أن أهداف تلك المنظمة لم تتحقق حتى الآن بسبب العديد من العوامــل الداخليــة والخارجية، وعدد من العوائق التي اعترضت نجاح مشروع اتحاد المغرب العربي.
وقد جاء تأسيس مُنظمة اتحَاد المَغرب العَربي، كتكتل إقليمي عربي ليقدم تجربة من تجارب التكامل العربي، في محاولة لبناء وحدة عربية إقليمية بين عد من الدول، من أجل دعم نفوذها على الساحة العربية والإفريقية والدولية. وقد حظي هذا المشروع بتأييد رسمي وشعبي كبير حمل طموح بناء صرح اقتصادي وتجاري وتكنولوجي، وسياسي كبير، وحمل آمال في خروج المنطقة ودولها من الأزمات السياسية، والاقتصادية والأمنية، الاجتماعية، التي تُعانى منها. عن طريق هذا التكتل نظراً لما تتمتع به الدول الأعضاء به من موقع جيوستراتيجي مميز، والقرب من الأسواق الأوروبية والأفريقية وحتى العربية. وبما تمتلكه هذه الدول من مناخيات إقليمية طبيعية متنوعة، وثروات طبيعية ومعدنية وبشرية. ولكن جاءت الخلافات الداخلية، والبينية بين دوله، وتضارب الأنظمة السياسية واختلافها، والمشاكل الحدودية الثنائية لتحول دون تحقيق كافة أهداف هذا التكتل الإقليمي.
وجاءت ظروف تأسيس هذا التكتل باجتماع قادة دول المغرب العربي 10 يونيو 1988م، وقرارهم بتكوين لجنة تضبط وسائل تحقيق وحدة المغرب العربي. وان يكون أول اجتماع لهذه اللجنة بمدينة الجزائر في 13 يوليو 1988م. ثم جاء إعلان قيام اتحاد المغرب العربي كمجموعة متكاملة متضافرة الإرادات، وكتلة متراصة للمساهمة في إثراء الحوار الدولي، لتعزيز استقلال أقطار اتحاد المغرب العربي وصيانة مكتسباتها، وللعمل مع المجموعة الدولية لإقامة نظام عالمي تسود فيه العدالة والكرامة والحرية وحقوق الإنسان ويطبع التعاون الصادق والاحترام المتبادل علاقاته، وذلك يوم 17 فبراير 1989.
أهداف ومهام الاتحاد والتي نصت عليها وثيقة تأسيسه:
- تمتين أواصر الاخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض؛ تحقيق تقدم رفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها.
- المساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف.
- نهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين.
- العمل تدريجيًا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها، وتهدف السياسة المشتركة المشار إليها أعلاه إلى تحقيق الأغراض التالية:
- في الميدان الدولي: تحقيق الوفاق بين الدول الأعضاء وإقامة تعاون دبلوماسي وثيق بينها يقوم على أساس الحوار.
- في ميدان الدفاع: صيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء.
- في الميدان الاقتصادي: تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول الأعضاء واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لهذه الغاية، خصوصا بإنشاء مشروعات مشتركة وإعداد برامج عامة ونوعية في هذا الصدد.
- في الميدان الثقافي: إقامة تعاون يرمي إلى تنمية التعليم على كافة مستوياته وإلى الحفاظ على القيم الروحية والخلقية والمستمدة من تعاليم الإسلام السمحة وصيانة الهوية القومية العربية واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لبلوغ هذه الأهداف، خصوصًا بتبادل الأساتذة والطلبة وإنشاء مؤسسات جامعية وثقافية ومؤسسات متخصصة في البحث تكون مشتركة بين الدول الأعضاء.
وفي سياق الأهداف التي أنشأ من أجلها اتحاد المغرب العربي، وغداة التوقيع على المعاهدة، نجد أن الدول الخمسة الموقعة للمعاهدة لديها أهداف محددة، دفعتها للاتحاد ويمكن إيجاز بعضها فيما يلي:
الأهداف الجزائرية:
- الاستفادة الاقتصادية من المشروعات المشتركة وخاصة في مجال التجارة الخارجية للتخلص من البطالة والأزمات اليومية، وكذلك تنمية المناطق الحدودية خاصة مع جارتها تونس عن طريق إقامة مشروعات تستفيد منها المناطق المحرومة تؤمن لها الحدود.
- تحقيق عائدات أكثر من تجارتها الخارجية خاصة مع أوروبا وبالأخص في مجال الغاز الطبيعي الذي تصدره إليها ًإسبانيا عن طريق المغرب مرورا
- رأت الجزائر في هذا الاتحاد صيغة مناسبة لتصفية المحاور والصراعات الخارجية والتي هي طرفًا فيها.
الأهداف المغربية:
على الرغم من كون المغرب قوة رئيسية في عملية البناء الإقليمي لمنطقة شمال إفريقيا إلا أن هناك عدد من الملفات التي تعتبر من التحديات الإقليمية للمغرب في تلك المنطقة مثل الحدودي مع الجزائر، وقضية الصحراء، لذا فإن قبولها الانضمام للاتحاد منذ تأسيسه من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف التي يمكن إيجاز بعضها في النقاط التالية:
- تحقيق بعض الأهداف الاقتصادية من خلال التعاون بين دول الاتحاد عن طريق الاستفادة من المشروعات المشتركة.
- مواجهة مشكلة الصحراء ولا سيما بعد اعتراف منظمة الوحدة الإفريقية بها.
الأهداف التونسية:
وكانت أهم أهداف تونس من تأسيس الاتحاد والانضمام له هو دعم للقدرات الاقتصادية التونسية، فإن الانضمام للاتحاد يحقق لها مكاسب اقتصادية. انضمام تونس للاتحاد كان هدفه فتح آفاقًا على الصعيد العربي، عن طريق الرئاسة الدورية للاتحاد، وبالتالي يمكن أن تصل إلى موقف توازني في منطقة المغرب العربي من الناحية السياسية وذلك في مواجهة دول مجاورة أخرى أقوى منها نسبيًا عسكريًا واقتصاديًا.
الأهداف الليبية:
منذ تأسيس الاتحاد وسعت ليبيا إلى تحقيق أغراض سياسية إذ سعت إلى إضفاء طابع سياسي دفاعي على الاتحاد، بحيث يمثل قوة ردع إقليمية في حالة الاعتداء على أية دولة من دول الاتحاد.
الأهداف الموريتانية:
وفيما يخص موريتانيا فكان من بين طموحاتها إلى الاتحاد الاستفادة من التعاون الاقتصادي بين دول الاتحاد لاسيما المشروعات الاقتصادية والتجارية المشتركة، نتيجة لندرة الموارد الطبيعية لموريتانيا، بالإضافة إلى المصاعب الاقتصادية، مما يجعلها البلد المحتاج للمعونة المادية والمالية، من قبل دول الاتحاد نتيجة انضمامها إليه.
كما هدفت موريتانيا إلى التوصل لتسوية سليمة لمشكلة الصحراء والتي مثلت عبئًا عليها نظرا للحدود المشتركة، علاوة على التداخل القبلي بني سكان الصحراء وموريتانيا واستخدام جبهة البوليساريو لشمال موريتانيا كقاعدة هجمات على القوات المغربية.
ورغم وجود الإمكانيات الاقتصادية والحضارية وغيرها في دول المغرب العربي والتي تضمن نجاح هذا الاتحاد وتدعمه إلا أن الظروف والأزمات والعقبات التي مرتبها دول المغرب العربي سابقًا وتمر بها الآن، لم تستطع الدول المغاربية تحقيق هذه الوحدة المنشودة، والتي تعثرت في بداية مسارها، كما فشلت كل المبادرات والمحاولات التي كانت تسعى لبعث اتحاد المغرب العربي مجددا.
التحديات التي تواجه استمرارية مشروع اتحاد المغرب العربي:
إن من أكبر وأخطر التحديات التي جابهت بناء مشروع اتحاد المغرب العربي هي التحديات السياسية والاقتصادية، فرغبة الدول الأعضاء في تعزيز المكانة السياسية والاقتصادية قد هيمنت على المبادرات الوحدوية بين دول المغرب العربي بعد الاستقلال، ومن ضمن تلك التحديات والمعوقات:
1-اختلاف طبيعة الأنظمة السياسية؛ حيث يصعب تصور أي عمل وحدوي دون توافق طبيعة الأنظمة السياسية بين دول هذا العمل التي تسعى إلى تحقيق تكامل سياسي، اقتصادي، اجتماعي ... الخ، إذ تبنت الدول بعد الاستقلال أنظمة سياسية مختلفة كالنظام الملكي في المغرب، الجماهيري في ليبيا والجمهوري في كل من الجزائر، تونس وموريتانيا، فالتعارض بين هذه النظم له أسس ايديولوجية سياسية جسدتها مجموعة من التوترات التي لا تزال تؤثر على علاقات تلك الدول. بالإضافة إلى اتباع سياسات تنموية مختلفة على جميع الأصعدة، وهو ما نتج عنه تشتت سياسي أثر على اختلاف المصالح والأهداف المتوخاة من اتحاد المغرب العربي لكل دولة عضوة فيه، حيث نجدها مختلفة عن بعضها البعض، فمنذ البداية ظهرت خلافات بين الأنظمة في فهمها لمحتوى المشروع.
2-اختلاف الرؤى؛ طغى اختلاف الرؤى الوحدوية على المنطلقات الفكرية للاتحاد المغاربي منذ نشأته حيث كان هناك تيار يدعو إلى الوحدة الاندماجية كمنطلق للوصول إلى تحقيق الاتحاد المغاربي، حيث كانت ليبيا المنادي الوحيد في منطقة المغرب العربي باتباع هذا التيار، فهي ترفض مبدأ تحقيق الوحدة عبر مراحل، أي ابتداء من التعاون الاقتصادي والتكامل على مستوى تنسيق المشاريع المشتركة وخطط التنمية، ودعم التشاور السياسي والأمني بهدف الاندماج التدريجي، وذلك على أساس أن الأحداث قد أثبتت أن هذه المراحل مهددة بالتوقف والجمود في أي وقت. ولقد تمسكت ليبيا بهذا التوجه واعتبرت مشروع وحدة المغرب العربي وفق مبدأ المرحلية يتعارض مع سعيها للوحدة الشاملة. وتيار آخر تبنته باقي دول الاتحاد، الذين يرون أنه من الأفضل البدء بالعمل المغاربي المشترك في مختلف المجالات والذي يندرج عبر مراحل تهيأ الطريق لتحقيق اتحاد المغرب العربي.
3-الخلافات الثنائية بين الدول الأعضاء؛ والتي تمثلت بصورة واضحة في مشكلات الحدود، إذ تشكل كثير من المناطق الحدودية المشتركة بين دول الاتحاد موضوع خلافات حادة بين هذه الدول، إذ عانت منطقة المغرب العربي خلافات حدودية عديدة منها ما نتج عنه حالة نزاع مسلح، ومنها ما تمت تسويته نهائيًا، ومنها ما يزال ينتظر هذه التسوية، وترتبط هذه المشاكل بالماضي ذلك لما خلفه الإرث الاستعماري من جراء تقسيماته الحدودية المصلحية.
4-قضية الصحراء؛ حيث تعد قضية إقليم الصحراء تحديا من أكبر التحديات التي تطرح على مستوى المنطقة المغاربية، ولفهم حقيقة القضية يجب التطرق لخلفياتها وانعكاساتها السلبية على التجربة التكاملية في المغرب العربي. كانت تعرف باسم الساقية الحمراء ووادي الذهب، تقع في الناحية الغربية من افريقيا وتطل على المحيط الأطلسي، يحدها من الشمال المغرب، ومن الجنوب الشرقي موريتانيا، ومن الشمال الشرقي الجزائر، وتبلغ مساحتها حوالي ألف كيلومتر مربع. وفي سنة 1966م، عقد اجتماع دولي عرضت فيه قضية الصحراء الغربية على اللجنة الخاصة بتصفية الاستعمار، التابعة لهيئة الأمم المتحدة والتي أصدرت قرار تدعو فيه الحكومة الاسبانية بتطبيق مبدأ حق تقرير المصير للشعب الصحراوي وهذا ما جعل الدول المجاورة للصحراء الغربية (المغرب، الجزائر وموريتانيا) تنادي بضرورة خروج اسبانيا من الاقليم الصحراوي، كما شجع على تأسيس منظمة عسكرية صحراوية تدعى بالجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) بدعم من الجزائر، وأهم ما يميز هذه المنطقة الغنى بثرواتها الطبيعية من البترول والفوسفات والحديد.
فالجزائر التي ساهمت في تأسيس جبهة البوليساريو تعتبر أن هذه الجبهة من حقها إنشاء دولة مستقلة في الصحراء الغربية، فيما تعتبر المغرب وموريتانيا أن الصحراء أجزاء محتلة من أراضيهم، كما كان هناك اتجاه آخر يرى أن الجزائر كان لها مطامع بالإقليم المتاخم لمنطقة تندوف الحدودية ويندرج اهتمامها بهذا الاقليم الصحراوي من أجل منفذ يمكنها من الوصول إلى المحيط الاطلنطي.
إن الموقف الجزائري من قضية الصحراء الغربية والمعارض للوجود المغربي في المنطقة كان سببًا في توقف مساعي ومشاريع الوحدة والتكامل بين أقطار المغرب العربي.
5-المعوقات الاقتصادية؛ حيث تتميز اقتصاديات الدول الأعضاء باختلاف طبيعتها الهيكلية، ويعود هذا لاختلافها في التوجهات الاقتصادية والتنموية التي اعتمدتها كل دولة بعد الاستقلال، وذلك منذ مرحلة الستينيات والسبعينيات، حيث أدى هذا إلى صعوبة التنسيق ما انعكس سلبًا على صعيد التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري.
6-نقص البنية التحتية المشتركة؛ فالبنية التحتية المشتركة بين الدول أعضاء أي اتحاد وراغبة في التكامل من أهم النقاط حاسمة في دفع مسيرة هذا الاتحاد أو التكتل، بوصفها تمثل الشروط المادية والتقنية والاجتماعية له، وللعلاقات الاقتصادية البينية بصفة خاصة، ويأتي في مقدمتها وسائل النقل والمواصلات والاتصالات، وحتى إن كانت هذه الوسائل كافية ومرضية في إطار البلد الواحد إلا أنها تكون مناسبة ومهيأة لإقامة أشكال متطورة من التكامل الاقتصادي. إذ يعتبر نقص البنى التحتية الملائمة كشبكات النقل والمواصلات والاتصالات المتكاملة، ومن أبرز العراقيل التي تقف أمام تنمية الاقتصاديات لول المغرب العربي، حيث نجد أن شبكة المواصلات المغاربية رغم وجودها فهي غير كافية مقارنة مع المساحة الشاسعة لبلدان المغرب العربي، كما نلاحظ أن هناك كثافة في شبكة المواصلات في كل من تونس، المغرب والجزائر وضآلة في موريتانيا وليبيا، هذا بالإضافة إلى عدم التوازن بين المناطق الجبلية والصحراوية، وبين المراكز السياحية الكبرى على السواحل وبين الداخل، ضف إلى ذلك أن البنى التحتية من شبكات النقل بمختلف أنواعها والموانئ والمطارات قد أعدت لخدمة المبادلات التجارية الخارجية.
7-التحديات التجارية؛ حيث تعتبر دول المغرب العربي من الدول المفتوحة على العالم الخارجي وذلك لما تمثله التجارة الخارجية من مجمل ناتجها المحلي الإجمالي، فقطاع التجارة الخارجية من القطاعات المعول عليها في تمويل خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعامل مؤثر في موازين الاقتصاد الوطني؛ بحيث تتوقف حالة الموازنة العامة للدولة على حالة أسواق الصادرات لدول المغرب العربي، ونتيجة لمحدودية صادرات دول الاتحاد إذ أن معظمها تصدر سلعة أو سلعتين أو ثلاث سلع على الأكثر باتجاه الدول الأوروبية. كما أنها تستورد نفس السلع المصنعة من أوروبا، كالمنتجات التكنولوجية والغذائية، هذه العملية أدت إلى ربط الاقتصاديات المغاربية بالخارج، مقابل ضعف تكاملها على المستوى الجهوي الأمر الذي أدى إلى أن تتأثر بالتغيرات التي تطرأ على أسعار تلك المواد في السوق العالمية، وبالتالي تفرض نوع من التبعية المستديمة تجاه الأسواق الأجنبية خاصة الاتحاد الأوروبي.
8-المعوقات المنهجية؛ وتتعلق هذه المعوقات بالإطار المنهجي والتنظيمي للهيكل القانوني لاتحاد المغرب العربي خاصة فيما يرتبط بالاتفاقيات المبرمة وآليات اتخاذ القرار. فعند القراءة الأولية لنص المعاهدة نلاحظ أن هناك نوعًا من الاقتضاب، حيث أنها لم تقدم تفصيلات وتوضيحات مقنعة حول طبيعة عمل الاتحاد، والقواعد التي تسير عليها من حيث الاجتماعات الدورية والاستثنائية، كذلك ما يخص آليات عمل الاتحاد، ومقارنة مع المعاهدات الدولية من هذا الصنف، فمثلا معاهدة روما المنشئة للسوق الأوروبية المشتركة احتوت على 248 مادة بها أربعة ملاحق وتسعة تصريحات، كل هذا في 334 صفحة شملت كل الأغراض التي تهم أجهزة المجموعة الأوروبية، بينما نجد معاهدة الاتحاد تحتوي على 19 مادة تم فيها الإعلان والهياكل الأساسية مع ترك الترتيبات إلى التنظيم الذي يأتي فيما بعد، كذلك التعميم وعدم تخصيص أي هدف وربطه بآجال التنفيذ وآلياته، وعدم وضوح العمل المشترك والمراحل الزمنية للوصول إلى الأوضاع الجديدة.
بالنظر إلى الفترة التي أصدرت فيها النصوص القانونية لمعاهدة الاتحاد، نجد الأوضاع قد تغيرت في كل دول المغرب العربي، سواء من حيث النضج السياسي والظروف الاجتماعية، والتكتلات الاقتصادية الكبرى، فقد حان الوقت لتعديل النصوص القانونية الضابطة للمعاهدة، لكي تتماشى مع المستجدات المغاربية والدولية، حيث نجد تباينا في قرارات الاتحاد وفقا لنظم كل دولة عضو في الاتحاد، الأمر الذي يشكل عائقا أمام تنفيذ الاتفاقيات المبرمة في إطار الاتحاد، والتي تبقى رهينة ظروف كل دولة، وبالتالي ترهن العمل المغاربي المشترك وتعطل مسيرته للتكامل كما أن الاختلاف في النظم والقوانين الإدارية بين دول المغرب العربي يعتبر عائقا كبيرا أمام تنفيذ الاتفاقيات المبرمة، إذ لا تسري القرارات المتخذة في مجلس الرئاسة داخل أقاليم الدول الأعضاء إلا إذا صدرت في شكل تشريعات وطنية وهذا حرصًا على سيادتها مما يؤدي إلى إضعاف سلطة الاتحاد وتقييده والحد من فعاليته.
سيناريوهات مستقبل اتحاد المغرب العربي:
مما سبق تتضح حجم المصالح المشتركة بني دول المغرب العربي، وتبرز الإمكانيات الموضوعية والمؤشرات العلمية الت بإمكانها أن تسهم في تحويل منطقة المغرب العربي إلى قوة إقليمية ً ذات رهانات استراتيجية كبرى. ولعل استبشار دول "اتحاد المغرب العربي" بعد رفع الحصار الذي كان مفروضا على ليبيا، حيث كانت كل الفرص متاحة من أجل استثمار ذلك الحدث وإعادة إحياء حلم الاتحاد، إلا أن الأحداث التي عرفتها دول الاتحاد والتي سُميت في "ثورات الربيع العربي"، ساهمت في توسيع الهوة بين دول الاتحاد خاصةً من الناحية الأمنية؛ حيث أن كل دولة تحاول تأمين حدودها من تسلل "عناصر متطرفة"، كذلك غياب حكومة في ليبيا وغيرها من مترتبات الأحداث في تونس وليبيا؛ كل تلك الأمور أرجعت الاتحاد إلى نقطة الصفر.
إذن نجد أنفسنا امام ثلاثة سيناريوهات، مرتبطة بمصير هذا التكتل الإقليمي وهم:
- السيناريو الأول يشير إلى استمرار حالة الجمود، وهو مرتبط بدرجة أساسية بتوتر العلاقات المغربية الجزائرية على خلفية مشكلة الصحراء الغربية. بالإضافة إلى انهيار الدولة في ليبيا وما تعيشه من حالة حرب يؤثر بشكل مباشر على دول الاتحاد بالنظر إلى الحدود المشتركة مع كل من تونس والجزائر والموقع الجغرافي لليبيا في قلب الاتحاد. وهو الأمر الذي ينعكس سلبا على أي محاولة إحياء اتحاد المغرب العربي.
- سيناريو التنسيق والاندماج؛ هو سيناريو مفتوح على أمل بث الروح في اتحاد المغرب العربي، والبحث عن صيغ جديدة لإحياء مقومات تكتل إقليمي قوي قادر على الاستجابة لتطلعات وآمال شعوب منطقة المغرب العربي.
- السيناريو الخاص بإنجاز الوحدة المغاربية؛ هو بعيد المدى بسبب المتغيرات التي تشهدها المنطقة من اضطرابات أمنية، ولكن يبقي هذا السيناريو مطروح، فكلما ارتفعت مؤشرات التقارب بين الأنظمة وشعوب المنطقة، ونجحت محاولات التطور الديمقراطي لتحمل إلى الحكم أنظمة تحظى بالشرعية والديمقراطية، كلما جنحت جهود بناء المغرب العريب الكبرى.
الاستراتيجية البديلة لتفعيل الاتحاد:
إن الإرادة السياسية لدى النخب الحاكمة لازلت غير كافية وغير محفزة، حيث لازلت تنظر إلى كيان اتحاد المغرب العربي بأنـه مشـروع لا يستجيب لطموحاتها ومصالحها وقد ينقص من نفوذها. ومختلف تجارب التكتلات الإقليمية عبر العالم تؤكد أن توفر الإرادة السياسية يعتبر الشرط الرئيسي والاساسي. فنموذج الإتحاد الأوروبي أفضل مثال على ذلك، حيث أن تقارب أنظمة الحكم القائمة فيه على أسس الديموقراطية ووعيهـا بالمصـير المشترك، مكّنها من تجاوز القضايا الخلافية فيما بينهـا، خاصـة العرقيـة واللغوية وتمكنـت الدول الأوروبيــة بفضل الحـوار من تحقيق نموذج للوحدة الأوروبية بينما لم تتمكن دول المغرب العربي من تجسيد كيانها رغم تطـابق هويـة شعوبها، ولم تتمكن هذه الدول من تجاوز المشكلات السياسية المطروحة على الساحة والتي ينبغي حلها أولاً وعدم تجاوزها. وفي اعتقادنا أن المشكلات السياسية المطروحة على الساحة يمكن حلهـا باللجوء إلى الحوار المباشر والبناء بين هذه الدول، ولا بد أن تقـدم التنـازلات مـن جميع الأطراف إلى أن يتم التوصل إلى حل نهائي وشامل لجميع الخلافات السياسـية، وعندها تصبح الظروف مهيئة وملائمة لاستكمال بناء الجوانب الاقتصادية للاتحاد والشروع في إنجاز النقاط التالية: رفع القيود على تنقل الأفراد. نشر وتبادل المعلومات التجارية والمالية فيما بين دول الاتحاد وذلـك لتشجيع فرص الاستثمار والتبادل التجاري. إيجاد نظام للتحويل المباشر فيما بين العملات، مما قد يؤدي إلـى تسـهيل حرية تنقل الأفراد والسلع ورؤوس الأموال. تنسيق وتوحيد النظم التجارية والسياسات المالية والنقدية وفقًا لمراحل تراعى فيها مصالح كل دولة عضو في الاتحاد.
ثم يمكننا أن نتحدث بعد ذلك عن خطوات ومراحل أعلى في إطار تجسيد مشروع اتحاد المغرب العربي المغرب العربي من أجل التقدم والازدهار الاقتصادي والتنموي، فالموقع "الجيوسياسي الذي يشغله اتحاد المغرب العربي كواجهة إفريقية تطل على أوروبا وامتداد للشرق الأوسط يمكن أن يجعل منه أقوى التكتلات العالمية إن تم تفعيله.