مثّلت القارة الإفريقية ساحة أمام العديد من التنظيمات الإرهابية للتجاذب فيما بينها؛ فقد شهدّت القارة حالات متزايدة من التحالف والاندماج بين كيانات محلية وبعضها البعض، أو جماعات محلية وتنظيمات جهادية دولية مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش). هذا الاندماج ورغم اختلاف العوامل التي قادته إليه من حالة لأخرى، فقد ترافق أيضًا مع حالات عديدة من الانشقاق والتفكك، خاصة أنه في كثير من الأحيان تكون التحالفات الجديدة ذاتها هي السبب الرئيس وراء حدوث انشقاقات داخل التنظيمات الإرهابية؛ في ظل عدم قناعة بعض القادة داخل التنظيمات المحلية بهذا التحالف مما يدفعها للانشقاق وتشكيل جماعة مُستقلة. هذا الوضع، وأن كانت غذّته العديد من العوامل الداخلية والإقليمية، فهو على الجانب الآخر، زاد من حالة التجاذب بين التنظيمات الإرهابية بالقارة الإفريقية. خاصة أن السياق الدولي لعب دورًا مهمًا في زيادة حالة التجاذب بين كل من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية حول القارة الإفريقية، وهو ما أسهم في تعقيد المشهد الإرهابي مع زيادة حالات الاندماج والانشقاق.
وفي المغرب العربي، فقد قادّت مجموعة من العوامل المحلية والإقليمية إلى تعقيد المشهد ما بين الاندماج والانشقاق، فمحليًا كان للأوضاع الهشة دور في توفير بيئة ملائمة لخلق مجال أمام العديد من التنظيمات الإرهابية للانتشار ووفر سياق كذلك لتنظيمات جهادية عالمية للتحرك نحو المنطقة. لتُضيف الاعتبارات الدولية المرتبطة بحركة الجهاد العالمية ودور كل من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا في زيادة تعقيد المشهد الإرهابي. حيث وجدّت تلك التنظيمات في الشمال الإفريقي والقارة الإفريقية بشكل عام ساحة ملائمة لتنفيذ أجندتها خاصة في ظل الصعوبات التي واجهتها في معاقلها التقليدية مما دفعها للبحث عن بيئة ملائمة للانتشار والتوسع. خاصة أن ذلك تم بصرف النظر عن الاعتبارات الإيديولوجية أو وجود عدو مشترك، بحيث شكّل الهدف الخاص بالسيطرة والنفوذ هو الموجه الرئيس. وقد أثرّ تحرك تنظيم داعش تجاه إفريقيا على المشهد الإرهابي؛ فرغم الاختلافات الإيديولوجية بين التنظيم والتنظيمات المحلية، إلا أن التنظيم استطاع أن يعزز وجوده من خلال تحالفاته مع العديد من التنظيمات الإرهابية وكان بعضها في السابق متحالف مع تنظيم القاعدة. مما جعلها تحالفات مؤقتة أو ذات طبيعة تكتيكية عملياتية. كما أنها تحالفات تتسم بالسيولة والتغير بشكل مستمر.
وبذلك سهلت الأوضاع الأمنية وحالة الهشاشة في القارة من حالة التجاذب وتزايد التحالفات، وبالتالي الانشقاقات بين التنظيمات الإرهابية، فقد كان هذا الوضع في إفريقيا أكثر وضوحًا مُقارنة بمناطق أخرى في العالم. حيث مثّل التحالف فرصّة للعديد من التنظيمات المحلية لتعزيز قدراتها ومد نفوذها خارج نطاق تواجدها التقليدي واكتساب أرضية جديدة، إضافة إلى الحصول على الدعم المادي والبشري، خاصة أن أغلب التنظيمات الجهادية في إفريقيا تتسم بكونها إقليمية أكثر منها محلية فهي تمتد جغرافيا عبر حدود أكثر من دولة بالإضافة إلى تركزها في المناطق الحدودية لهذه الدول. أحد أشكال التحالف هو التعاون مع العديد من التنظيمات الإجرامية. لكن تزايد التحالف حمل في طياته العديد من أشكال التفكك، إذ لم تكن العوامل الإيديولوجية والعقائدية ووجود توافق على الأهداف هو المحرك وراء التحالف، وبذلك لم تكن الاعتبارات الاستراتيجية ولكن العوامل التكتيكية والاعتبارات العملياتية هي المؤثرة.
-تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي
تعود جذور تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى الحرب الأهلية بالجزائر في تسعينيات القرن العشرين. فقد نشأت "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" في عام 1996م، كفرع من "الجماعة الإسلامية المسلحة" لمواصلة النضال من أجل إقامة دولة إسلامية في الجزائر. وقد شجع "أسامة بن لادن" زعيم تنظيم القاعدة، في البداية أول زعيم للجماعة السلفية "حسن خطاب" على الانفصال عن "الجماعة الإسلامية المسلحة" في محاولة لتحسين صورة الجهاد الإسلامي في ظل الممارسات التي كانت تقوم بها الجماعة الإسلامية المسلحة. بحيث أن نشأة الجماعة السلفية للدعوة والقتال كان نتيجة لانشقاق عناصرها بتشجيع من تنظيم القاعدة عن الجماعة الأم.
وبحلول عام 1998م، كانت الجماعة السلفية أكثر شعبية وقوة مُقارنة بالجماعة الإسلامية المسلحة، وقُدّر عدد أعضائها في ذلك الوقت بـ 20 ألف عضو.
في عام 2007م، أصبحت الجماعة السلفية للدعوة والقتال بالجزائر تتبع لتنظيم القاعدة حيث قامت بتغيير اسمها ليصبح "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، لكن هذا الانضمام لم يعن أن الجماعة تخلت عن أجندتها المحلية. حيث أعلن التنظيم وقتها تمسكه بأجندته المحلية من خلال الإشارة إلى سعيه لـ "تحرير المغرب الإسلامي من الوجود الغربي وحماية المنطقة من الأطماع الخارجية". وهو ما اختلف عن الرؤية الاستراتيجية لتنظيم القاعدة في محاربة العدو البعيد والمتمثل في الغرب.
كانت هناك توقعات بأن يؤدي تبعية الجماعة السلفية لتنظيم القاعدة وتحولها لتصبح "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بأن تتحول الجماعة نحو تبني فكر القاعدة الاستراتيجي ممثلا في التركيز على "العدو البعيد"، ومهاجمة المصالح الأمريكية ومصالح الغرب، لكن هذا لم يتحقق نتيجة لمعارضة بعض كبار الأعضاء في الجماعة التحول لتنظيم تابع لتنظيم القاعدة، مما دفعهم لتبني نهج العمليات الانتحارية وقتل المدنيين، وصاحب ذلك انشقاق من قبل قادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عن التنظيم وتشكيل جماعات مستقلة.
وقد أخذ التنظيم بعدها في التوسع من شمال إلى غرب إفريقيا عبر التحالف مع عدد من التنظيمات المحلية ومستغلًا حالة الهشاشة الأمنية بالمنطقة. فمنذ عام 2007م، كان "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي" يعمل من خلال فصائل مختلفة تعمل في مناطق مختلفة ولكل منها قيادة إقليمية. وفي العام ذاته سعى التنظيم إلى إنشاء فرع له في موريتانيا. وبحلول عام 2009م، حول التنظيم تركيزه نحو الجنوب في منطقة الساحل والصحراء. حيث نفذّ العديد من العمليات ضد المصالح الغربية، بما يتلاقى مع أهداف تنظيم القاعدة في استهداف المصالح الغربية.
في البداية نظر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى منطقة الساحل الإفريقي كساحة خلفية له، فقد لجأ إليها ليوفر لنفسه مجال أوسع للمناورة، وأوجد علاقات مع المجموعات المحلية هناك ليحدث تحول في طبيعة التنظيم من تركيزه على الجزائر فحسب ليوسع عملياته في الساحل الإفريقي خاصة أن البيئة في الساحل الإفريقي كانت مهيئة لذلك. ومنذ عام 2012م، اتجه التنظيم لتوسيع نشاطه في منطقة الساحل الإفريقي وتحديدا شمال مالي. ففي ظل التدهور الشديد للأوضاع في مالي، فقد شجع ذلك تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي تحت قيادة "عبد المالك دروكدال" إلى التوسع في التحالف مع التنظيمات المحلية بشمال مالي. فقد سمح تمرد الطوارق لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي بالمزيد من التواجد في شمال مالي من خلال دعم الطوارق.
هذا الوضع قاد إلى حدوث صراعات بين تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتنظيم الدولة الإسلامية الذي كان له تواجد في مالي آنذاك. حيث بدأ التنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا منذ منتصف عام 2012م، في إرسال بعض الشخصيات المهمة بالتنظيم إلى شمال شرقي مالي، ليتعاونوا مع إحدى الجماعات المحلية وهي "حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا" وهي الحركة التي سبق وأن انشقت عن تنظيم القاعدة، ليُعلن الجانبان عن إقامة دولة "أزواد الإسلامية". وقد أسفر هذا التحالف عن ممارسة أشكال شديدة من العنف ضد السكان المحليين. وردًا على ذلك فقد قام " عبد الملك دروكدال " زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بتوجيه رسالة شديدة الحدة إلى العناصر الجهادية في مالي مشيرًا فيها إلى أن البيئة المحلية ما زالت غير مهيئة لانتشار الإسلام. ليعقب ذلك بعدة أشهر تدخل القوات الفرنسية لإنهاء دولة "أزواد الإسلامية". وفي نوفمبر من العام ذاته حدث تحالف بين تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، وجماعة أنصار الدين في مالي.
وبذلك فقد شكل عدم الاستقرار السياسي والأمني فرصة ملائمة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وكذلك تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا للتحرك وهو ما قاد للتنافس بين الجانبين في أحيان كثيرة.
وفي عام 2014م، شهد "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" تطورًا مهمًا ممثلا في انفصال عدد من الكتائب التابعة له، والتي أعلنت مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية. وقد أطلقت على نفسها اسم "جند الخلافة في أرض الجزائر" تحت قيادة "فوزي عبد المالك"، وبررت تلك الكتائب إقدامها على تلك الخطوة بأنها بسبب حدوث انحراف في منهج تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وفي العام ذاته، نشأت بعض الجماعات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في كل من تونس وليبيا. لكن دور تلك الجماعات اختلف بشكل كبير. ففي تونس عملت الجماعة على تجنيد عناصر للانضمام إلى داعش للسفر إلى سوريا من خلال جماعة أنصار الشريعة في تونس.
وبنهاية عام 2016م، أعلن "أبو بكر البغدادي" زعيم تنظيم داعش بشكل واضح عن توسيع نطاق تواجد التنظيم ليتحرك نحو القارة الإفريقية، حيث أعلن عن تقسيم بعض المناطق الإفريقية وأطلق على كل منها اسم وفيما يتعلق بمنطقة شمال إفريقيا فقد أطلق عليها "ولاية الخلافة". وذلك كجزء من رؤية التنظيم للخلافة العالمية لذا تم استخدام تعبير الولايات.
وفي يونيو 2020م، قُتل "عبد الملك دروكدال"، قائد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مما شكل ضربة قوية للأخير، إلا أنه يظل الأقوى في منطقة الساحل الإفريقي حتى مع محاولات التوسع من قبل تنظيم داعش. وقد تولى عبيدة العنابي قيادة التنظيم بعد مقتل الزعيم السابق عبد المالك دوركدال.
-تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة الجهاد العالمي
حكم تحرك كل من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية تجاه المغرب العربي اعتبارات مختلفة، كما اختلف أسلوب كل من التنظيمين في المنطقة، يُضاف لذلك فقد انعكست تلك التحركات بأشكال متباينة على المنطقة والتنظيمات المحلية، وكذلك حركة الاندماج والانشقاق بين التنظيمات المحلية وعلاقاتها بالتنظيمات الدولية.
فقد جاء توسع تنظيم القاعدة في المغرب العربي في إطار سياسة التنظيم في إيجاد فروع له في مناطق مختلفة، وكانت البداية في العراق بعد عام 2003م، حيث عمل أسامة بن لادن على إيحاد موطئ قدم له في العراق ليصبح "تنظيم القاعدة في العراق" بقيادة الزرقاوي أول فرع لتنظيم القاعدة في الخارج وكان ذلك في أكتوبر 2004م، وفي عام 2007م، تشكًل فرع "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، والذي حدد هدفه في تحرير منطقة المغرب من الوجود الغربي وتحريره من الأطماع الغربية. وبعد ذلك كان فرع القاعدة في شبه الجزيرة العربية في يناير 2009م. بحيث مثّلت ذلك الفروع أذرع محلية لتنظيم القاعدة لتنفيذ بعض الأهداف الخاصة بالتنظيم وتقليل الضغوط الدولية المفروضة عليه.
هذا التوسع انعكس على من تنظيم القاعدة، وكذلك التنظيمات التي تحالف معها. فقد استفاد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من هذا التحالف حيث جعله ذلك يخرج من المحلية ويتجه ليصبح جزء من حركة الجهاد العالمي. فرغم أن الاندماج لم يكن على أساس استراتيجي، حيث انصب اهتمام تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي أكثر على العدو القريب في حين أن تنظيم القاعدة يركز بالأساس على العدو البعيد، إلا أن التنظيم الجديد قد استفاد من هذا التحالف مما دفع قائد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي "عبد المالك دوركدال" إلى التعهد بالجهاد العالمي بالتركيز على محاربة "العدو البعيد"، هذا بالإضافة إلى التركيز على "العدو القريب".
لكن على الجانب الآخر، أضر هذا التحالف بتنظيم القاعدة. وبشكل عام، فإن التنظيمات المحلية التي تم التحالف معها لم تكن تتمسك بالثوابت الفكرية والإيديولوجية والنهج التنظيمي للقاعدة بحيث لم تكن تحالفات استراتيجية بقدر ما كانت تحالفات عملياتية. وفي المغرب العربي، فقد قام "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بالتحالف مع بعض التنظيمات الإرهابية الأخرى لمواجهة انتشار تنظيم داعش بالقارة الإفريقية. وقد أضرّت تلك التحالفات بصورة تنظيم القاعدة من خلال ممارسة بعض عناصرها لأنشطة إجرامية كالاتجار في البشر أو تجارة المخدرات وغير ذلك من الجرائم التي اتخذتها تلك التنظيمات المحلية كوسيلة لزيادة مواردها المالية. فقد أصبح مختار بلمختار، زعيم التنظيم الجهادي الأفريقي المرابطون والقائد العسكري السابق للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، معروفًا باسم "السيد مارلبورو" نظرًا لتورطه في أنشطة مرتبطة بتهريب السجائر.
كما أن ممارسة بعض تلك التنظيمات لعنف شديد في بيئتها المحلية أثر على صورة تنظيم القاعدة، ومن ذلك ما مارسه "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" من أنشطة إجرامية، حيث نُظر إلى "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" كواحد من أكثر التنظيمات التابعة لتنظيم القاعدة فتكا.. يُضاف لذلك ما مارسه تنظيم القاعدة في العراق من عنف شديد في العراق بالإضافة إلى أنشطة إجرامية. مما جعل تنظيم القاعدة يتراجع عن ضم تنظيمات محلية جديدة إلا إذا كانت متوافقة مع التوجهات الفكرية والنهج التنظيمي للقاعدة.
ويمكن الإشارة إلى دور القيادة في احتواء هذا الخلاف في التوجه الاستراتيجي مع التنظيمات المحلية، فقدرة أسامة بن لادن على إدارة الصراعات مع الأذرع المحلية منع التحالفات من الانهيار، حتى أنه تم الإبقاء على بعض التحالفات بصورة سرية خشية أن يؤثر ذلك على صورة تنظيم القاعدة.
على الجانب الآخر، ففي سبتمبر 2014م، بدأ ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في إفريقيا، وفي ذلك التاريخ تحديدًا أعلنت الجماعة الإسلامية المتطرفة "جنود الخلافة في الجزائر '' مبايعة أبو بكر البغدادي، لتظهر خلال السنوات التالية خلايا عدة في شمال وغرب إفريقيا تعلن مُبايعتها لتنظيم داعش، وبعد ذلك اتجه تنظيم داعش للتوسع في الساحل الإفريقي ووسط إفريقيا والقرن الإفريقي.
وقد استغل تنظيم داعش الوضع السياسي والأمني في العديد من الدول الإفريقية لتحقيق أهدافه؛ ففي ليبيا، استغل تنظيم داعش الصراع السياسي والعسكري في البلاد مع وجود حكومتين متنافستين واحدة في طرابلس والثانية في طبرق، متمددًا نحو المناطق الغنية بالنفط في البلاد، لتتحول ليبيا وخاصة مدينة سرت لتصبح أحد أهم معاقل التنظيم في شمال إفريقيا. كما وظف داعش بعض التنظيمات المحلية كنقاط اتصال بين شمال إفريقيا ومناطق أخرى.
ورغم أنه في البداية ترك داعش الحرية للأذرع المحلية للتحرك باستقلالية، إلا أنه في ضوء التطورات والمتعلقة بفقدان التنظيم لنفوذه في العراق وسوريا اتجه لبسط نفوذ وسيطرة أكبر على الأذرع المحلية في إفريقيا. ورغم أن الجماعات الإسلامية في شمال إفريقيا تتبع تنظيم القاعدة فكريا وتنظيميا، إلا أن بعض الجماعات المنبثقة منها أعلنت ولائها لتنظيم داعش.
هذا التجاذب والتعقيد في مشهد الاندماج والتفكك بين التنظيمات الإرهابية في القارة الإفريقية، والتطور الذي مر به تنظيم الدولة في بلاد المغرب الإسلامي وعلاقته بكل من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية توضح كم التعقيد في المشهد الإرهابي، وحالة السيولة التي يُعانيها التنظيم، وكذلك المخاوف بشأن مستقبل المشهد الأمني في ظل التطورات المحتملة في مشهد التجاذب.
وختامًا، هناك عدة ملاحظات يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:
-تتسم التحالفات بين التنظيمات الإرهابية في إفريقيا ومن بينها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بتداخل الأبعاد العرقية والإجرامية وهو ما يُسهم في تعقيد خريطة التحالفات الإرهابية، وهو نتيجة لطبيعة التنظيمات الإرهابية في المنطقة في كونها إقليمية أكثر من كونها محلية؛ فهي تمتد جغرافيا عبر حدود أكثر من دولة بالإضافة إلى تركزها في المناطق الحدودية لهذه الدول، بالإضافة إلى قدرتها على السيطرة على الأراضي في المنطقة وبالتالي سهل التعاون بينها وبين الجماعات الإجرامية.
-الاعتبارات الإيديولوجية والعوامل الخاصة بالتقارب الفكري لم تكن حاكمة لتلك التحالفات. سوا كان ذلك مرتبط بالتحالف بين تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد المغرب الإسلامي وتنظيمات محلية أخرى، أو تحالفه مع تنظيمات دولية. وكان الأمر أكثر وضوحًا في حالة التحالفات العابرة للحدود. فأهداف كل طرف من التحالف كانت مختلفة عن الطرف الآخر.
-شكل وجود عدو مشترك سبب رئيسي لتحالفات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مع التنظيمات المحلية الأخرى، لكن هذا الهدف لم يتحقق في حالة التحالفات الدولية.
-تختلف علاقة تنظيم القاعدة بالجماعة الإسلامية في شمال إفريقيا مقارنة بعلاقاته بجماعات تابعة في مناطق أخرى، حيث لا يسيطر على ارض معينة كما أنه لا يرتبط بسياق أو أجندة محلية بعينها.
-للقيادة تأثير مهم في إدارة الصراعات ومن ثم التأثير على مسار الاندماج أو الانشقاق بين التنظيمات الإرهابية.
-التحالفات العابرة للحدود تؤثر بشكل أكبر على جهود مكافحة الإرهاب مُقارنة بالتحالفات بين التنظيمات المحلية.
-تغلب اعتبارات المصلحة على الاعتبارات الإيديولوجية في كثير من الأحيان فيما يتعلق بمسار التحالف، فقطع مصادر التمويل دفع بالعديد من التنظيمات المحلية للتحالف مع تنظيمات إجرامية لزيادة مصادر التمويل وبما يتنافى مع استراتيجية تلك التنظيمات.