array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 203

انضمام الجزائر لبنك بريكس تحول استراتيجي يفتح آفاقًا للتنمية ويعكس طموحات جيوسياسية

الأربعاء، 30 تشرين1/أكتوير 2024

يعد انضمام الجزائر إلى بنك التنمية الجديد (NDB) التابع لمجموعة بريكس خطوة هامة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، تعكس رغبة الجزائر في تعزيز علاقاتها مع الدول الناشئة والتأقلم مع التحولات الجيوسياسية العالمية. تأسس بنك التنمية الجديد في عام 2014م، خلال قمة مجموعة بريكس في البرازيل، ويهدف إلى تمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في الدول الأعضاء والدول النامية. البنك الذي انطلق برأس مال مبدئي قدره 50 مليار دولار، ارتفع رأس ماله مع مرور الوقت، ويضم اليوم دولًا مؤسسة للمجموعة وهي الصين، روسيا، البرازيل، الهند، وجنوب أفريقيا، ويكتسب البنك أهمية متزايدة كبديل للمؤسسات المالية التقليدية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث يقدم قروضًا بشروط ميسرة لتمويل مشاريع تنموية دون فرض شروط سياسية صارمة. إلى جانب الدول المؤسسة، انضمت بعض الدول العربية مثل مصر والإمارات العربية المتحدة إلى بنك التنمية الجديد، مما يعكس توسع قاعدة الأعضاء خارج دول بريكس التقليدية.

من الجانب الجزائري، يعتمد اقتصاد الجزائر بشكل كبير على صادرات النفط والغاز الطبيعي، إذ تمثل حوالي 95% من إجمالي صادرات البلاد وأكثر من 60% من الإيرادات الحكومية. ومع ذلك، تسعى الجزائر إلى تنويع اقتصادها عبر تطوير قطاعات جديدة مثل الطاقة المتجددة، الزراعة، والصناعة. في عام 2023م، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للجزائر حوالي 210 مليار دولار، وكانت نسبة النمو الاقتصادي تقارب 3.1% سنويًا. رغم ذلك، تعاني الجزائر من معدلات تضخم مرتفعة، وصلت عام 2023م، إلى حوالي 7.6%، ما يثقل كاهل الاقتصاد ويؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين. أما على صعيد المديونية الخارجية، تعتبر الجزائر ذات مستويات ديون منخفضة نسبيًا مقارنة بالعديد من الدول النامية الأخرى، حيث تقدر ديونها الخارجية بحوالي 5.9 مليار دولار في عام 2023م، ما يمنحها مساحة أكبر للحصول على تمويلات جديدة دون الوقوع في ضغوط ديون خانقة. ومع ذلك، تواجه الجزائر تحديات مرتبطة باستقرار قيمة الدينار الجزائري، حيث شهدت العملة المحلية تراجعًا أمام الدولار الأمريكي، ليصل سعر الصرف إلى حوالي 137 دينارًا للدولار الواحد في السوق الرسمية، وهو ما يزيد من تكلفة الواردات ويؤثر سلبًا على التوازن التجاري. في ظل هذه المعطيات، ترى الجزائر في الانضمام إلى بنك التنمية الجديد فرصة للحصول على تمويلات لتنفيذ مشاريع حيوية في مجالات البنية التحتية، والطاقة المتجددة، والزراعة، مما يسهم في تقليل اعتمادها على المحروقات وتعزيز الاقتصاد الوطني من خلال تحقيق تنمية مستدامة وتنويع مصادر الدخل.

لكن، إشكالية انضمام الجزائر إلى بنك التنمية الجديد (NDB) التابع لمجموعة بريكس تتمثل في التوازن بين الدوافع الاقتصادية والجيوسياسية التي تحكم نظرة دول بريكس المؤسسة لهذا الانضمام. فمن الناحية الاقتصادية، تُعتبر الجزائر شريكًا استراتيجيًا بفضل مواردها الطبيعية الضخمة وسوقها الناشئ، مما يمكن أن يسهم في تعزيز التعاون جنوب-جنوب ويجعلها بوابة لأفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعلى الجانب السياسي، يُنظر إلى انضمام الجزائر كخطوة لدعم التحول نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب بعيدًا عن هيمنة المؤسسات المالية الغربية، بما يتماشى مع الرؤية الجيوسياسية لدول بريكس الرامية إلى توسيع نفوذها. فهل ترى دول بريكس في الجزائر فرصة اقتصادية بحتة أم أنها تسعى أيضًا لاستغلال انضمامها لتعزيز توجهات سياسية وجيوسياسية أوسع؟

الجزائر بين فرص تعزيز اقتصادها وتحديات التكامل الدولي لبنك بريكس:

من خلال انضمامها إلى بنك بريكس، تسعى الجزائر إلى تنويع مصادر تمويلها لتنفيذ مشاريع بنية تحتية حيوية ومشاريع تنموية في قطاعات جديدة مثل الطاقة المتجددة، الصناعة، والزراعة، وهذا ما يتماشى مع هدف تحقيق التكامل الاقتصادي الدولي، حيث يساعد على زيادة قدرة الجزائر على الاندماج في سلاسل القيمة العالمية والحد من الاعتماد على قطاع واحد. وبما أن البنية التحتية المتقدمة تُشكل عاملًا أساسيًا في تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول، تعمل الجزائر وبمساهمة تمويلات بنك بريكس على تطوير مشاريع البنى التحتية مثل الطرق، السكك الحديدية، الموانئ، والاستثمار في الطاقة المتجددة، التي تعد مجالًا حيويًا لتحولها الاقتصادي، كما أنه يتماشى مع رؤية البنك لتحقيق التنمية المستدامة، مما يعزز من تكاملها في الاقتصاد العالمي ويساهم في تحقيق الأهداف المناخية الدولية.

من جهته يشجع بريكس على التجارة بين الجنوب-الجنوب، والتي تعتبر جزءًا رئيسيًا من خطته لتعزيز التكامل الاقتصادي الدولي. الجزائر يمكنها أن تستفيد من هذه العلاقات لتوسيع صادراتها إلى الأسواق الصاعدة، خاصةً في آسيا وأفريقيا. في ظل سعيها لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط والغاز، فإن هذا التكامل التجاري يمكن أن يوفر فرصًا جديدة للصادرات الجزائرية في مجالات مثل الصناعة والزراعة.

يُعد تقليل التبعية للمؤسسات المالية والسياسية الغربية هدفًا استراتيجيًا لدول بريكس. الجزائر تشارك هذه الرؤية، وبشدة، ومن خلال تقاربها مع دول بريكس تسعى إلى تعزيز سيادتها الاقتصادية والسياسية، بالاعتماد على بنك التنمية الجديد لتمويل مشاريعها الاقتصادية. الانضمام إلى بنك بريكس كذلك، يُتيح للجزائر فرصة الحصول على التكنولوجيا والخبرات المتقدمة التي تمتلكها دول مثل الصين والهند، كما أن الاستثمار في البحث العلمي والابتكار التكنولوجي يمثل فرصة لتعزيز القدرات الصناعية المحلية وتطوير الصناعات التحويلية، مما يعزز من القيمة المضافة للاقتصاد الوطني ويساهم في تحقيق تكامل اقتصادي أوسع مع دول بريكس.  تشكل التنمية الاجتماعية ومحاربة الفقر أحد الأهداف الرئيسية لبنك بريكس، ومن خلال تمويل مشاريع تنموية في المناطق الريفية والمهمشة، يمكن للبنك أن يسهم في تحسين مستويات المعيشة وخلق فرص عمل جديدة في الجزائر. هذه المشاريع تساهم أيضًا في تحسين التعليم والصحة والبنية التحتية الاجتماعية، مما يعزز من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي على المدى الطويل.

ومع ذلك، تواجه الجزائر كما مجموعة بريكس تحديات كبيرة لتحقيق التكامل الاقتصادي الدولي. من بين هذه التحديات ما هو متعلق بالجزائر وقدرتها على التكيف مع بيئة اقتصادية عالمية متغيرة، والتنافسية العالية مع القوى الصاعدة الأخرى داخل مجموعة بريكس مثل الصين والهند، إضافة إلى حجم التمويلات المتاحة من البنك التي قد تكون غير كافية لتغطية احتياجات الجزائر الضخمة في مجالات التنمية، مما يفرض عليها ضرورة تنويع شراكاتها الاقتصادية وإيجاد حلول مبتكرة لتجاوز العقبات. من جهة بريكس الأمر كذلك لا يخلو من التحديات، على رأسها التباين في مستويات التطور الاقتصادي لأعضائها وتحديات متعلقة بالمنافسة مع أقطاب اقتصادية أخرى على رأسها مجموعة السبعة، إضافةً إلى تحديات مالية مرتبطة بهيمنة الدولار على التجارة الدولة.  

معوقات تحقيق التكامل الاقتصادي بين الجزائر ومجموعة بريكس:

على الرغم من ان عائدات الجزائر من النفط والغاز التي تمثل المصدر الأساسي للتمويل المالي للبلاد، إلا أن الاعتماد الشبه المطلق على هاتين المادتين، لم يدفع الجزائر نحو تنويع اقتصادها الذي لا يزال معتمدًا بشكل كبير على قطاع النفط والغاز بنسبة 95% من صادرات البلاد. هذا الاعتماد يحد من قدرتها على التفاعل مع القطاعات الاقتصادية الأخرى، مما يشكل حاجزًا أمام تحقيق التكامل الاقتصادي الفعّال مع دول بريكس التي تعتمد على تنوع الصناعات. هذه الأحادية الاقتصادية تُؤثر سلبًا على قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية والتعاون في مجالات أخرى مثل الصناعة والتكنولوجيا. كما يجعل فجوة التنمية الاقتصادية بين الجزائر ودول مجموعة بريكس كبيرة جدا ما يعرقل من مسألة تفعيل دور الجزائر في عملية التكامل الاقتصادي العالمي.

تعتبر المقارنة بين المؤشرات الاقتصادية للجزائر من جهة، والصين والهند من جهة أخرى، بمثابة نافذة لفهم الفروق الكبيرة بين هذه الاقتصادات، والتحديات التي تواجه الجزائر في سعيها لتحقيق التكامل الاقتصادي الدولي. ففي الوقت الذي تمثل فيه الصين والهند قوى اقتصادية صاعدة تتمتع بنمو مستدام وحجم اقتصادي ضخم، ما زالت الجزائر تعتمد بشكل رئيسي على قطاع النفط والغاز، مما يحد من قدرتها على التنوع الاقتصادي ويجعلها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية. تبرز هذه الفوارق بشكل خاص عند النظر في معدلات النمو، التضخم، والديون الخارجية، بالإضافة إلى قوة العملة. وتُظهر هذه المقارنة الحاجة الملحة للجزائر لتطوير سياسات اقتصادية تهدف إلى تحقيق التكامل الفعلي مع الاقتصادات العالمية الكبرى مثل الصين والهند، لا سيما من خلال الاستفادة من الفرص التي يوفرها بنك التنمية الجديد التابع بريكس.

وفيما يلي جدول يقارن بين المؤشرات الاقتصادية لكل من الدول الثلاث:

 

المؤشر الاقتصادي

 

االجزائر (2023)

الصين (2023)

الهند (2023)

الناتج المحلي الإجمالي

(GDP)

210 مليار دولار

18.7 تريليون دولار

3.7 تريليون دولار

نسبة النمو الاقتصادي

 

3.1%

5.5%

6.8%

التضخم

 

7.6%

1.8%

5.2%

قيمة العملة

1 دولار = 144 دينار جزائري

1 دولار = 7 يوان صيني

1 دولار = 83 روبية هندية

المديونية الخارجية

5.5% من الناتج المحلي

15% من الناتج المحلي

20% من الناتج المحلي

 

الجدول من إعداد الكاتبة بالاعتماد على معطيات المصادر التالية:

  • الجزائر: بيانات اقتصادية من تقارير البنك الدولي (2023)
  • الصين والهند: بيانات من تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)

تظهر هذه المقارنة أن الجزائر ما تزال تواجه تحديات اقتصادية كبيرة مقارنة بكل من الصين والهند، سواء من حيث الحجم الاقتصادي، النمو، التضخم أو القيمة المتواضعة للعملة. ومع ذلك، تسعى الجزائر من خلال الانضمام إلى بنك التنمية الجديد إلى جذب الاستثمارات الخارجية، وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط والغاز، وهو ما يتوافق مع أهداف التكامل الاقتصادي الدولي ضمن مجموعة بريكس. ضف إلى هذا تعاني الجزائر من بيروقراطية ثقيلة وضعف الحوكمة، وهو ما يعيق تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية. الفساد الإداري وقوانين العمل المعقدة تُضعف من قدرة القطاع الخاص على النمو، مما يقلل من القدرة على تحقيق التكامل الاقتصادي الفعلي.

بريكس بدوره لا يخلو من معيقات مختلفة ومتنوعة، قد تكون عقبة في سبيل تحقيق التكامل الاقتصادي، على غرار التفاوت الكبير في مستوى التطور الاقتصادي بين أعضائها. على سبيل المثال، الصين والهند تتمتعان باقتصادات قوية ومتقدمة في التكنولوجيا، بينما تواجه دول مثل البرازيل وجنوب أفريقيا مشاكل هيكلية تؤثر على النمو الاقتصادي. هذا التفاوت يجعل من الصعب إنشاء آليات تعاون متكافئة حيث يسعى كل طرف لتحقيق مصالحه الاقتصادية الخاصة. بدورها التحديات السياسية والتجارية حاضرة بقوة على مستوى المجموعة، فعلى الرغم من أن دول بريكس تشترك في مصالح اقتصادية معينة، إلا أن هناك اختلافات سياسية بين بعض الأعضاء قد تؤثر على فعالية التكامل. مثلًا، التوترات التجارية بين الصين والهند. إضافةً إلى الضغوط الجيوسياسية من دول الغرب، التي قد تؤثر على قدرة دول بريكس على تنفيذ مشاريع مشتركة دون قيود سياسية.

الاعتماد على النظام المالي التقليدي بدوره يشكل هاجساً للمجموعة، فبالرغم من جهود بنك بريكس لتعزيز التمويل البديل والتعاون الدولي، فإن العديد من الدول الأعضاء لا تزال مرتبطة بالمؤسسات المالية التقليدية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وفي ظل هيمنة الدولار الأمريكي على التجارة العالمية وعلى احتياطيات الدول. هذه الروابط قد تكون حواجز أمام تحقيق التكامل المالي، خاصة في ظل الأزمات المالية والاقتصادية التي يمكن أن تضع الدول الأعضاء تحت الضغط. في المقابل تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية سعي دول بريكس إيجاد بديل نقدي للدولار الأمريكي تهديداً لاستقرار النظام المالي الذي تقوده.

من جهة أخرى، تملك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي القدرة على فرض عقوبات اقتصادية على الدول التي تحاول تقويض النظام الاقتصادي الغربي مثل ما حدث مع روسيا بعد حربها على أوكرانيا. مثل هذه العقوبات قد تشمل تجميد الأصول أو منع الوصول إلى أسواق المال العالمية، كما يمكن لها حتى حظر التعاملات المالية و استهداف النظام المالي، الذي قد يستخدمه بنك التنمية الجديد أو حتى البنك المركزي لبعض دول بريكس، عبر عدم السماح بتحويلات مالية أو تقليل الثقة في عملاتهم، مما يعوق التعاون بين الدول الأعضاء في بريكس، و هذا ما يجعل بريكس كمجموعة اقتصادية، تفكر في تعزيز تواجدها الجيوسياسي عبر دمج دول أخرى في هذا التكتل تارة كما حدث الصائفة الماضية (أغسطس 2023م) عندما توسعت المجموعة لتشمل كل من مصر، الإمارات، المملكة العربية السعودية، إيران، أو  عبر المؤسسات المالية التابعة للمجموعة على غرار انضمام الجزائر لبنك التنمية الجديد في أوغسطس 2024م .

بريكس: بناء تحالف سياسي جديد لعالم متعدد الأقطاب

انضمام الجزائر إلى بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة بريكس، وتوسيع المجموعة لتشمل دولاً عربية مثل مصر، الإمارات العربية المتحدة، السعودية، وحتى إيران، يفتح الباب أمام تحالف جيوسياسي جديد يتمحور حول تحقيق التوازن في النظام العالمي. هذا التوسع يمثل تحوّلاً استراتيجياً مهماً لمجموعة بريكس التي تهدف إلى مواجهة الهيمنة الاقتصادية والسياسية الغربية، بانضمام هذه الدول ذات الثقل السياسي والاقتصادي الكبير، يتعزز الدور الجيوسياسي لــ بريكس على الساحة الدولية، خاصة وأن هذه الدول تمتلك موارد طبيعية ضخمة (النفط والغاز)، مواقع جغرافية استراتيجية، وتأثيراً إقليمياً قوياً.

بالنسبة للجزائر، فإن انضمامها إلى بنك بريكس يعزز موقعها كفاعل رئيسي في تعزيز التكامل الاقتصادي والتعاون الدولي وتحقيق شراكات اقتصادية جديدة مع الدول الأعضاء في بريكس. أما بالنسبة للدول العربية الأخرى، مثل السعودية والإمارات، فإن مشاركتها في بريكس تتيح لها تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الأسواق الناشئة، وتوسيع نفوذها خارج إطار الاعتماد التقليدي على الغرب. هذه الدول تعتبر محورية في سوق الطاقة العالمية، وانضمامها يمنح بريكس تأثيراً أكبر على الأسواق الدولية، خصوصاً في ظل التقلبات في أسعار النفط والغاز. من ناحية أخرى، وجود إيران في بريكس يضيف بُعداً استراتيجياً لهذا التحالف، حيث أن إيران، باعتبارها لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط وتحت ضغط العقوبات الغربية، تجد في بريكس منصة لتحقيق توازن استراتيجي جديد يسمح لها بالتحرك خارج الهيمنة الغربية. هذا التجمع يتيح لإيران فرصاً اقتصادية جديدة، وفي الوقت نفسه يعزز الروابط الجيوسياسية داخل المجموعة.

مجموعة بريكس، من خلال هذا التوسع تحولت إلى جبهة سياسية، تهدف إلى تعزيز نظام عالمي متعدد الأقطاب، مستندةً في ذلك على رؤية جيوسياسية مشتركة بين الأعضاء تهدف إلى تقوية التعاون بين الدول النامية، وتعزيز ما يُسمى بالتعاون جنوب-جنوب، وهو ما يعكس رفضاً متزايداً للهيمنة الغربية على النظام المالي والاقتصادي الدولي. امتلاك بعض دول بريكس مثل الصين وروسيا لنفوذ إقليمية إلى جانب اقتصادات صاعدة مثل الهند والبرازيل، يمنح المجموعة قوة كبيرة على الساحة الدولية. ويجعلها تعمل على تعزيز التعاون الجيوسياسي وتنسيق المواقف في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين وبالتالي تحدي النفوذ الغربي.

إذن، بريكس لا يخفي طموحاته ودعمه لتحقيق الانتقال من نظام عالمي أحادي القطب تهيمن عليه مجموعة السبعة إلى نظام متعدد الأقطاب، حيث تُصبح دول أخرى مثل الصين وروسيا قوى مؤثرة على القرار السياسي والاقتصادي العالمي. كما أن توسيع بريكس ليشمل دولاً جديدة مثل مصر، العربية السعودية والإمارات يعزز هذه الرؤية.

لكن تحقيق هذا الطرح الجديد الذي تتبناه مجموعة بريكس تقابله تحديات كبيرة، فالصين التي تبرز كقوة اقتصادية رائدة، وروسيا التي تشكل تحديًا عسكريًا وجيوسياسيًا، وباعتبار الدولتين نوويتين وذات نفوذ اقتصادي وجيوسياسي واسع، فهما تمثلان تهديدًا للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة ومن وراءها مجموعة السبعة التي تضم كل من كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان والمملكة المتحدة. هذه الفكرة التي يؤكدها الرئيس الحالي للأرجنتين خافيير ميلي، والذي رفض دعوة بريكس لانضمام بلاده للمجموعة وصرح قائلاً: أن تحالفنا الجيوسياسي هو مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ولن نتحالف مع الشيوعيين..."

        هذا ما يجعل من تحقيق فكرة تعددية الأقطاب انطلاقا من بريكس صعبة ً ومعقدة، وهذا لعدة أسباب منها: الهيمنة الواسعة للدولار في الأسواق العالمية والمعاملات التجارية، وكذا سيطرة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على كثير من الدول النامية من خلال القروض ودعم النموذج الاقتصادي النيوليبرالي الذي يتعارض مع بعض توجهات دول بريكس. العقوبات الاقتصادية التي تستخدمها كل من الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوربي ضد كل من روسيا وإيران تعيق قدرة هذه الدول على تطوير اقتصادها وتعزيز مكانتها في النظام العالمي. وهذا ما يدفع نحو الاختلاف في الأولويات الاستراتيجية والمصالح الوطنية بين دول المجموعة.  ففي الوقت الذي تسعى فيه الصين للهيمنة الاقتصادية، تركز روسيا على الجانب العسكري والجيوسياسي. هذا التباين في الأهداف يعقد الجهود لتحقيق تكامل حقيقي في نظام متعدد الأقطاب.

 يتميز القطب الواحد الكلاسيكي بتفوق تكنولوجي ظاهر، فالدول الغربية تمتلك سيطرة قوية على التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والتكنولوجيا العسكرية. هذا التفوق يمنحها نفوذًا عالميًا يصعب على الدول الأخرى تجاوزه. الهيمنة في مجالات التكنولوجيا والابتكار تمثل تحديًا كبيرًا أمام الدول النامية أو الناشئة.

التحديات تظهر كذلك من داخل بريكس نفسه بسبب الاختلافات الكبيرة في القوة الاقتصادية بين الدول التي تشارك في تشكيل العالم المتعدد الأقطاب، مثل الصين وروسيا، التي تمتلك قدرات اقتصادية وعسكرية هائلة، في مقابل الدول الأصغر أو الأضعف اقتصاديًا مثل الجزائر أو مصر اللتان قد تواجهان صعوبة في الاندماج في هذا النظام الجديد بنفس التأثير. إضافة إلى التفاوت في النمو الاقتصادي بين دول مجموعة بريكس، فبينما تتمتع الصين والهند بنمو اقتصادي سريع، تواجه دول أخرى مثل روسيا تحديات اقتصادية كبيرة بسبب العقوبات الغربية وتقلص النمو. هذا التفاوت في القوة الاقتصادية يمكن أن يعوق التنسيق الفعّال بين الدول الراغبة في تشكيل عالم متعدد الأقطاب.

        عسكريا وجيوسياسياً، التحالفات التقليدية القوية التي تشكلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) تعزز النفوذ العسكري والسياسي في العالم، وبالتالي تُصعب من مهمة الدول الساعية إلى نظام متعدد الأقطاب. إضافةً إلى الصراعات بين الدول الأعضاء في تحالفات متعددة الأقطاب، مثل الخلافات الإقليمية بين الهند والصين أو بين إيران والسعودية، قد تعيق التنسيق الفعّال لتحقيق هذا الهدف.

مع كل هذه التحديات يبقى السؤال مطروح هنا:

أي دور للجزائر في تنويع تحالف بريكس؟

الجزائر، بانضمامها إلى بنك التنمية الجديد، قد يكون لها دور مهم في تعزيز التنوع داخل المجموعة من حيث الموارد والموقع الجغرافي. فوجود الجزائر التي تعتمد اقتصادياً على قطاع الطاقة، بجانب دول أخرى مثل الصين والهند التي تتمتع بقوة صناعية وتكنولوجية، قد يكتسب التحالف تنوعًا اقتصاديًا واستراتيجيًا. هذا التنوع يُقوي موقف بريكس كقوة متعددة الأقطاب، قادرة على المنافسة مع الكتل الاقتصادية الغربية.  كما أنه بانضمام الجزائر لبنك بريكس من الممكن أن يعزز من تواجد المجموعة في منطقة شمال إفريقيا، وهي منطقة حيوية جيوسياسيًا .. الجزائر يمكن أن تلعب دوراً محوريًا في تعزيز هذه التحالفات، مستفيدةً من دورها في الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية. من جهة أخرى، يعكس انضمام الجزائر إلى بنك التنمية الجديد رغبة الدول النامية في تجاوز القيود المالية والسياسية التي تفرضها المؤسسات المالية التقليدية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والمرتبطة غالباً بسياسات اقتصادية نيو ليبرالية. هذه الخطوة تُعزز من قدرة بريكس على تقديم بديل فعّال ومستقل بعيداً عن الهيمنة الغربية، مما يدعم تعدد الأقطاب في الساحة العالمية. وبفضل احتياطاتها الضخمة من النفط والغاز، تُعتبر الجزائر مصدرًا رئيسيًا للطاقة، مما يعزز نفوذ بريكس في السوق العالمية للطاقة، ويُضيف بُعدًا جديدًا للقدرة الطاقوية للتحالف.

في الختام، يمثل انضمام الجزائر إلى بنك بريكس نقطة تحول استراتيجية تفتح أمامها آفاقًا اقتصادية واسعة، من خلال دعم التنمية المستدامة وتمويل مشاريع البنية التحتية. لكن هذا الانضمام يتجاوز الأبعاد الاقتصادية ليعكس طموحات جيوسياسية من قبل مجموعة بريكس تهدف إلى خلق نظام عالمي أكثر توازنًا وتعددًا، بعيدًا عن الهيمنة الغربية التقليدية. بينما تسعى الجزائر لتعزيز مكانتها الاقتصادية وتحقيق شراكات جديدة، فإنها أيضًا تشارك في تشكيل مستقبل النظام العالمي. يبقى السؤال الأهم: هل سينجح هذا التحالف في تحقيق تلك الرؤية، أم ستظل التحديات السياسية والاقتصادية عائقًا أمام هذا الطموح؟

 

مقالات لنفس الكاتب