تعتبر الجزائر وجنوب إفريقيا شريكان رئيسيان في الدفاع عن مصالح إفريقيا وقيمها ومبادئها وتطلعاتها، كما يسعى كلا البلدين إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية فيما بينهما من أجل تحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل في كلا البلدين.
وتتميز الشراكة الاستراتيجية الجزائرية -الجنوب إفريقية بكونها شراكة رابح-رابح، عززها تجذر العلاقات التاريخية والسياسية بين البلدين خصوصا خلال الأزمات. هذه الشراكة تسمح للجزائر بتنويع صادراتها، وتغيير وضعية بوصلتها المتوجهة نحو الشمال (أوروبا)، عن طريق تقوية العلاقات جنوب-جنوب خاصة مع دخول الجزائر إلى منطقة التبادل الحرة للقارة الإفريقية ورغبتها في الانضمام إلى مجموعة البريكس.
أولا: جهود الجزائر لتعزيز العلاقات الاقتصادية الجزائرية -الإفريقية
تولي الجزائر عناية خاصة لمنطقة إفريقيا وتعتبرها أولوية في سياستها الخارجية، حيث تربطها علاقات ممتازة مع مجمل دول القارة، وتسعى إلى الحفاظ على هذا الزخم من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي مع هذه الدول ورفعه إلى مستوى جودة العلاقات السياسية.
وقد سعت الجزائر جاهدة عبر اتخاذها عدة خطوات جريئة، إلى تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية وتوثيق العلاقات مع مختلف الدول الإفريقية. وفي هذا السياق، قامت الحكومة الجزائرية خلال سنوات خلت، بتقديم المساعدات للدول الإفريقية عن طريق مسح الديون على مرحلتين:
- المرحلة الأولى كانت سنة 2012م، قامت فيها الجزائر بمسح ديون بقيمة 3 مليار دولار استفادت منها عشر دول؛
- والمرحلة الثانية كانت سنة 2013م، بمناسبة الذكرى الخمسين لإنشاء منظمة الوحدة الإفريقية في 1963م -التي تحولت عام 1999م، إلى الاتحاد الإفريقي-، حيث قامت بإلغاء ديون بقيمة 902 مليون دولار مستحقة على 15 دولة الأقل نمواً، وهي: بنين، بوركينا فاسو، الكونغو، إثيوبيا، غينيا، غينيا بيساو، موريتانيا، مالي، موزمبيق، النيجر، ساو تومي، برانسيبي، السنغال، سيشل وتنزانيا؛
- فضلا عن تقديمها لمساعدات لدولة مالي تجاوزت 100 مليون دولار.
وكانت الجزائر من بين رواد مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا (نيباد NEPAD)، التي تضمنت رؤية الاتحاد الإفريقي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للقارة الإفريقية، بالتركيز على مكافحة الفقر وتعزيز قدرات بلدان القارة في مجال التنمية البشرية وفسح المجال أمام الطاقات الشبابية للنهوض بشتى ميادين التنمية.
كما انخرطت الجزائر في المساعي الرامية إلى إصلاح الاتحاد الإفريقي بجعله مواكباً لتطلعات الشعوب الإفريقية في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتشجيع المبادلات البينية في القارة.
وفي ذات السياق، تواصل الجزائر جهودها لتحقيق الاندماج القاري والجهوي من خلال المبادرة بالعديد من المشاريع المدمجة، نذكر منها، خصوصاً، طريق الوحدة الإفريقية العابر للصحراء، الذي يبلغ طوله حوالي 5000 كيلومتر ويمر على الجزائر ومالي والنيجر وصولا إلى نيجيريا، وهو جزء من مشروع شبكة طرق تربط ستة بلدان أفريقية (الجزائر، مالي، النيجر، التشاد، موريتانيا، نيجيريا)، ويهدف المشروع إلى تحقيق التكامل الإقليمي وتعزيز التجارة بين شمال وجنوب الصحراء.
وعملت أيضا على تفعيل مشروع أنبوب الغاز الطبيعي بين الجزائر ونيجيريا بعد 14 سنة من الاتفاق بشأنه، والذي يبلغ طوله 4128 كلم ويربط بين كل من نيجيريا والنيجر والجزائر ويهدف إلى تصدير الغاز إلى السوق الأوروبية. وكذا المشروع الاستراتيجي الآخر الذي يتمثل في ربط الألياف الضوئية بين الجزائر ونيجيريا عبر الصحراء، وذلك لربط المناطق المعزولة بشبكة الاتصالات، والذي كان آخر جزء منه هو الربط بين الجزائر العاصمة وعين قزام (جنوب الجزائر).
بالإضافة إلى إنشاء الميناء الكبير "الحمدانية" (شرشال-وسط الجزائر)، الذي يتوقع أن يكون أحد أهم الموانئ في إفريقيا وحوض البحر المتوسط، حيث يتكون من 23 نهائي حاويات بقدرة استيعاب 25 مليون طن سنويا. سيتم ربط هذا الميناء وميناء جن، جن (جيجل-شرق الجزائر) بالطريق العابر للصحراء على مسافة 4500 كلم ليكونا همزة وصل بين السوق الافريقية والأوروبية.
ويشكل انضمام الجزائر إلى اتفاقية تأسيس منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، خطوة إيجابية إضافية بالنسبة للاقتصاد الوطني، والتي يعول عليها للمساهمة في زيادة حجم التبادل التجاري، وتنشيط الحركة التجارية، وإنشاء القواعد اللوجستية التي تخص التخزين والنقل والخدمات للمرافقة، خاصة مع إنجاز طريق الوحدة الإفريقي البري.
إذ تعتبر السوق الإفريقية سوقا واعدة بالنسبة للمنتجات الجزائرية، مما يتماشى مع سياستها الإقتصادية الجديدة الرامية إلى زيادة قيمة صادراتها خارج المحروقات وتحقيق التنويع الإقتصادي، مع العلم أن المنتجات الجزائرية تحظى بفرصة لكسب مكانة هامة في الأسواق الإفريقية، خاصة ما تعلق بمواد البناء مثل الحديد والأسمنت، والأجهزة المنزلية وصناعة المواد الغذائية والمنظفات، في حين تستورد الدول الإفريقية كل شيء تقريبا بسبب ضعف قدراتها التصنيعية.
رغم كل هذه المبادرات، إلا أن حجم التبادلات التجارية الجزائرية مع الدول الأفريقية يتسم بالضآلة ولم يكن في مستوى هذه الخطوات الإيجابية التي قامت بها الجزائر، إذ لم تتجاوز صادرات هذه الأخيرة نحو الدول الإفريقية كافة سنة 2020م، نسبة 8.41% من الحجم الكلي لصادرات الجزائر نحو دول العالم، مقابل 56.30 % بالنسبة لأوروبا و28.71% بالنسبة لقارتي آسيا وأوقيانوسيا.
بينما مثلت واردات الجزائر من إفريقيا 3.27 % من مجموع إجمالي الواردات، مقابل 15.55% بالنسبة لقارة أمريكا، 32.73% بالنسبة لقارتي آسيا وأوقيانوسيا مجتمعتين، و48.45% واردات من أوروبا. مما يضع التبادلات التجارية الإفريقية في المرتبة الأخيرة مقارنة بالتبادلات مع باقي مناطق العالم، كما يوضحه الشكل التالي:
شكل رقم-1: توزيع واردات وصادرات الجزائر بالنسب المئوية (%) حسب المناطق الجغرافية-سنة 2020.
المصدر: من إعداد الباحثة انطلاقا من بيانات المديرية العامة للضرائب، وزارة المالية، الجزائر، 2020.
بالنسبة لنفس السنة 2020م، فإن منطقة إفريقيا جنوب الصحراء لا تمثل سوى 0.47 % من مجموع واردات الجزائر، و0.80% من مجموع الصادرات مقارنة مع باقي مناطق العالم. في حين تمثل منطقة شمال إفريقيا حوالي 90% من حجم التبادلات الجزائرية الإفريقية، حيث بلغت نسبة الصادرات نحو هذه المنطقة 7.30% من مجموع صادرات الجزائر نحو كل مناطق العالم، مقابل 2.79 % من مجموع وارداتها نحو كل مناطق العالم.
تجدر الإشارة هنا إلى أن أغلب التبادلات التجارية للجزائر مع القارة الإفريقية تشمل بضعة دول إفريقية فقط (باستثناء دول شمال افريقيا التي تشكل أكبر المتعاملين الاقتصاديين مع الجزائر: تونس، المغرب، مصر وليبيا) وهي: ساحل العاج، جنوب إفريقيا وغانا، كما هو موضح في الجدول التالي:
جدول رقم-1: أهم الدول الإفريقية ذات التعاملات التجارية مع الجزائر لسنتي 2019-2020.
الوحدة: مليون دولار أمريكي.
الدول الإفريقية |
الواردات |
الصادرات |
||
2019 |
2020 |
2019 |
2020 |
|
جنوب إفريقيا |
45.89 |
29.73 |
0.45 |
32.17 |
ساحل العاج |
86.25 |
78.65 |
22.54 |
19.82 |
غانا |
14.13 |
13.74 |
15.80 |
16.15 |
موريتانيا |
0.44 |
0.73 |
24.45 |
27.89 |
السينغال |
0.55 |
0.99 |
19.25 |
19.03 |
المصدر: من إعداد الباحثة انطلاقا من بيانات المديرية العامة للضرائب، وزارة المالية، الجزائر، 2020.
يعود هذا النقص الكبير في المبادلات التجارية بين الجزائر والدول الإفريقية إلى قلة المعرفة بالأسواق الإفريقية من قبل المنتجين الجزائريين، الذين يكتفون بالمشاركة في المعارض التجارية بدلا من المبادرة بالتصدير، نظرا للتخوف من التهديدات الأمنية وكذا حالة عدم الإستقرار الأمني التي تشهدها القارة الإفريقية، هذا بالإضافة إلى نقص الخدمات اللوجستية وعدم مرافقتها من قبل البنوك.
ثانيا: لماذا جنوب إفريقيا .. تجذر العلاقات السياسية والديبلوماسية بين البلدين
بدأت العلاقات السياسية رسميًا بين الجزائر وجنوب إفريقيا بين الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وقد ارتكزت وتوطدت العلاقات بين البلدين بسبب صراعاتهما الداخلية، والتي أهملها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مراراً وتكراراً.
ويعد نيلسون مانديلا (1918-2013م) أحد أكبر الرموز الثورية في العالم خلال القرن العشرين، من خلال نضاله ضد نظام التمييز العنصري، الذي كان سائدا في بلاده جنوب افريقيا، مستلهما كفاحه من الثورة الجزائرية التي كان يعتبرها "النموذج الأقرب" لكفاح شعبه ضد "الأبارتايد". إذ أنه تنقل سنة 1961م، إلى المغرب، حيث تدرب على يد القوات المسلحة لجبهة التحرير الوطني الجزائرية.
وقد زار الجزائر مرتين، الاولى اثناء الحرب التحريرية والثانية بعد خروجه من السجن سنة 1990م، وكانت الجزائر أول دولة زارها مانديلا بعد إطلاق سراحه، حيث صرح مانديلا قائلا: "الجيش الجزائري جعل مني رجلاً". ويكشف هذا الأخير في كتابه "طريق طويل إلى الحرية" عن معركته ضد الفصل العنصري، المستوحاة إلى حد كبير من نضال الجنود الجزائريين.
وفي سنة 1974م، ودعمًا للحركة المناهضة للفصل العنصري، نجح وزير الخارجية الجزائري آنذاك "عبد العزيز بوتفليقة" في الضغط من أجل طرد ممثل جنوب إفريقيا من الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ترأسها في ذلك العام. لقد جادل بنجاح بأن مندوبي جنوب إفريقيا غير صالحين لأنهم يمثلون أقلية بيضاء فقط.
في سنة 1997م، اشترت الجزائر أسلحة ومعدات مراقبة من جنوب أفريقيا (في إطار مساعيها لمحاربة الإرهاب الذي عرفته الجزائر خلال سنوات التسعينات من القرن الماضي) تقدر بأكثر من 15 مليون دولار، وفي صفقة أخرى عام 1999م، ارتفعت هذه القيمة إلى 51.3 مليون دولار، وبهذه الصفقة الأخيرة اعتبرت الجزائر أكبر عميل لجنوب إفريقيا في ذلك العام، بالرغم من الحظر الذي كان مفروضا على الجزائر آنذاك.
كلل هذا التعاون المشترك خاصة خلال الأزمات، بإنشاء سفارة جنوب إفريقيا بالجزائر العاصمة في نوفمبر 1997م، كما أنشئت اللجنة الجزائرية / الجنوبية الإفريقية العليا الثنائية للتعاون بين الجزائر وجنوب إفريقيا بموجب اتفاقية بتاريخ 22 سبتمبر 2000م.
ومنذ الدورة الأولى لهذه اللجنة، التي عقدت خلال زيارة العمل التي قام بها السيد ثابو مبيكي، رئيس جمهورية جنوب أفريقيا آنذاك، إلى الجزائر في سبتمبر 2000م، تم تعزيز التعاون الثنائي بشكل كبير من خلال إطار قانوني غني، مع العديد من الاتفاقيات الموقعة والمنفذة في مختلف المجالات، وكذلك من خلال الحوار السياسي والمشاورات المنتظمة.
وفي إطار جهودهما لمواجهة عدم الاستقرار في القارة الإفريقية، تتبنى كل من الجزائر وجنوب إفريقيا مواقف مماثلة بشأن الحلول السياسية للصراعات والأزمات والتوترات، فضلا عن البحث عن حلول سياسية في منع وإدارة الصراعات على أساس مبدأ "الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية".
على الصعيدين العلمي والثقافي، فإن التعاون بين الجزائر وجنوب أفريقيا في المجال العلمي والتكنولوجي في طريق جيد ويتميز بآفاق واعدة للغاية، فيما تشهد التبادلات الثقافية تطورا منتظما.
في هذا الصدد، قامت جامعة الجزائر في شهر نوفمبر من سنة 1964م، بمنح شهادة دكتوراه فخرية في الأدب للناشط السياسي الجنوب افريقي "ألبرت لوتولي" (1898-1967م)، الذي تزعم المجلس الإفريقي القومي خلال سنتي 1951-1958م، وكلل نضاله في سبيل انهاء التمييز العنصري في بلده جنوب إفريقيا بحصوله على جائزة نوبل للسلام سنة 1960م.
ثالثا: الاتفاقيات المبرمة بين الجزائر وجنوب إفريقيا لتعزيز العلاقات التجارية
عملت كل من الجزائر وجنوب إفريقيا على تجسيد العلاقات السياسية والتاريخية بين البلدين وترجمتها بشكل ملموس إلى علاقات اقتصادية في مختلف القطاعات، في هذا الصدد تجمع الجزائر وجنوب إفريقيا عدة اتفاقيات تهدف لتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية.
تشمل مجالات التعاون بين البلدين:
- التجارة: يسعى البلدان إلى رفع حجم التبادل التجاري للسلع والخدمات بينهما، حيث تعمل الجزائر لزيادة صادراتها إلى جنوب إفريقيا، التي تشمل المنتجات الزراعية والمواد الأولية؛
- الاستثمار: هناك عدة اتفاقيات لتشجيع الاستثمارات المباشرة المتبادلة بين البلدين، حيث تعتبر الجزائر سوقا واعدة للشركات الجنوب إفريقية، خاصة في قطاعي الطاقة والتعدين؛
- التكنولوجيا: التعاون في مجالات التكنولوجيا الحديثة والبحث والتطوير، مثل الطاقة المتجددة والاتصالات؛
- الأمن: تبادل الخبرات في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، نظرا لتحديات الأمن في المنطقة.
وقد قامت الجزائر شهر سبتمبر من العام الماضي (2023م) بفتح خط جوي مباشر يربط الجزائر العاصمة بمدينة جوهانسبورغ (جنوب إفريقيا)، عن طريق شركتها العمومية "الخطوط الجوية الجزائر" بمعدل رحلتين أسبوعيا، مما يعزز أكثر العلاقات بين البلدين.
ويعتبر فتح الخط الجوي "الجزائر-جوهانسبرغ" هاما للغاية بالنسبة للقارة الإفريقية ككل، سيما وأنه يشكل ربطا مباشرا بدون توقف بين بوابتي إفريقيا، حيث يمكن للمسافرين القادمين من جنوب إفريقيا والدول المجاورة لها، العبور عبر مطار الجزائر المحوري نحو مختلف الوجهات التي تعرضها الشركة في أوروبا، آسيا، وأمريكا الشمالية والجنوبية.
فيما يتعلق بالاتفاقيات في المجال الاقتصادي، وقعت مؤخرا الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة الجزائر مع نظيرتها الجنوب إفريقية على مذكرة تفاهم من أجل إنشاء مجلس أعمال مشترك بين البلدين، وذلك على هامش أشغال الدورة الـ 15 لقمة مجموعة "بريكس" المنعقدة بجوهانسبرغ، شهر أوت 2023م، يسمح المجلس بتعزيز الاندماج الإفريقي، خاصة بعد انضمام الجزائر لاتفاقية التجارة الحرة الإفريقية مما يفتح المجال للمتعاملين الاقتصاديين لكلا البلدين ببحث فرص الشراكة، التعاون والاستثمار.
خلال نفس الدورة، تم توقيع اتفاقية شراكة بين كل من مؤسسة ألجيريا فانتشر (Algeria venture)، وهي هيئة دعم المؤسسات الناشئة بالجزائر تحت وصاية وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة (الجزائر)، مع حاضنة أعمال جنوب إفريقية التي تعتبر الفاعل الرئيسي للابتكار بجنوب إفريقيا سلوان 22. وتهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز الربط بين الأنظمة البيئية للمؤسسات الناشئة الجزائرية ونظيراتها بجنوب إفريقيا، من خلال دعم المبادلات وأفضل الممارسات وفرص التنمية المشتركة، خاصة دعم التواصل بين الشباب المقاولين ومؤسسي المؤسسات الناشئة لكلا البلدين، وضمان التنسيق والمساهمة في مختلف شبكات ومنصات الولوج إلى الاسواق ورؤوس الأموال.
بالإضافة إلى أنه من المرتقب في المستقبل القريب إنشاء لجنة مشتركة للتجارة والاستثمار بين الجزائر وجنوب إفريقيا لتعزيز التجارة واغتنام الفرص الاقتصادية الهائلة التي يتيحها حجم الشراكة بين البلدين.
ومن المنتظر أيضا أن تحتضن دولة جوهانسبرغ (جنوب إفريقيا)، من 20 إلى 25 نوفمبر 2024م، معرضا خاصا بالمنتجات الجزائرية في مختلف القطاعات، الذي يعتبر فرصة للترويج للمنتجات الجزائرية والتعرف على اساليب وطرق ولوج الاسواق الافريقية وايجاد عملاء جدد لإقامة تعاون وشراكة معهم.
رابعا: تحليل واقع العلاقات الاقتصادية الجزائرية -الجنوب إفريقية
تمثل قطاعات الصناعة والطاقة والمناجم والسياحة والنقل والاتصالات والبيئة والتقنيات الجديدة والبيوتكنولوجيا والثروات البحرية المحاور التي تعتبرها جنوب إفريقيا على رأس الاولويات للاستثمار في الجزائر، وتقدر الاستمارات الجنوب افريقية في الجزائر بنحو 200 مليون دولار أمريكي، تتركز أغلبها في قطاعي الطاقة والاتصالات، ممثلة في حوالي 30 شركة، منها:
- شركة "مينتك " MINTEC للمناجم؛
- مجموعة سابيك SABIC التي تعمل في قطاع البتروكيمياويات؛
- شركة إكسون موبيل ExxonMobil التي تملك استثمارات في مجالات النفط والغاز؛
- شركة أم.تي.أن MTN التي قامت باستثمارات مجال الاتصالات بتقديمها خدمات تتعلق بالهاتف المحمول وتكنولوجيا المعلومات؛
- كما قام مستثمرو جنوب افريقيا بالتقدم بعدة عروض وتمكنوا من انتزاع بعض العقود لإنجاز مطار الجزائر الدولي الجديد وعدد من الموانئ في مناطق متعددة أخرى.
هذه الاستثمارات، ساهمت بخلق فرص عمل محلية بالجزائر وتعزيز التنمية الاقتصادية، لذا تسعى الجزائر إلى زيادة حجم الاستثمارات الجنوب إفريقية من خلال تحسين بيئة الأعمال والعمل على تقليص عراقيل الاستثمار.
في المقابل، يلاحظ أن الاستثمارات الجزائرية في جنوب إفريقيا تبقى محدودة جدا بالمقارنة مع نظيرتها الجنوب إفريقية في الجزائر. ومع أنه لا توجد احصائيات دقيقة متاحة، لكن يمكن تقدير حجم هذه الإستثمارت ببعض الملايين من الدولارات، مع التركيز على القطاعات الزراعية والطاقة.
بينما على صعيد المبادلات التجارية، تجاوزت الصادرات الجزائر إلى جنوب إفريقيا وارداتها منها، كما يبينه الشكل الثاني:
شكل رقم-2: التبادل التجاري الثنائي بين الجزائر-جنوب إفريقيا (2014-2023).
الوحدة: ألف دولار أمريكي.
المصدر: من إعداد الباحثة انطلاقا من تقديرات مركز التجارة الدولية بناء على South Africain Revenue Services-(SARS) إحصائيات منذ ربيع الأول، 1436.
من الشكل السابق، نلاحظ أن صادرات الجزائر نحو جنوب إفريقيا قد سجلت قفزة نوعية سنة 2023م، عقب ارتفاع طفيف سنة 2022م، بعدما كانت مستقرة طوال الفترة 2014-2021م، في حين شهدت واردات الجزائر من جنوب إفريقيا -أو بتعبير آخر صادرات جنوب إفريقيا نحو الجزائر-تراجعا ملموسا خلال سنتي 2014-2016م، ويتواصل التراجع خلال الفترة المتبقية (2016-2023) لكن بوتيرة أقل حدة.
خامسا: تحديات وآفاق التعاون الجزائري – الجنوب إفريقي
صنف صندوق النقد الدولي كلا من جنوب إفريقيا والجزائر في المرتبتين الأولى والثالثة ضمن أهمّ اقتصادات أفريقيا، بعنوان سنة 2024م، مما يشكل حافزا أكثر للتعاون بين البلدين اللذين يشكلان قوى اقتصادية لا يستهان بها على المستوى الإفريقي، خاصة أنه من المتوقع إعادة فتح الخط البحري الرابط بين الموانئ الجزائرية ودوربان الجنوب افريقية من أجل إعطاء دفع أقوى للعلاقات التجارية بين البلدين.
وتستدعي المكانة الاقتصادية التي تتطلع الجزائر إلى تحقيقها على المستوى الإفريقي عموما، ومع جنوب إفريقيا على وجه الخصوص، العمل على:
- زيادة تنافسية السوق الجزائرية عن طريق إزالة العراقيل البيروقراطية وتذليل صعوبات الوصول إلى الأسواق؛
- تعزيز الزيارات إلى الدول الإفريقية بمرافقة رجال الأعمال والمستثمرين الجزائريين من أصحاب المؤسسات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة؛
- العمل على تطوير الشراكات الثنائية والإستفادة من التكنولوجيات المتطورة الجنوب إفريقية؛
- توسيع قنوات الاتصال بإنشاء وكالات تعمل على المستوى الإفريقي للتنسيق والترويج للمنتجات الجزائرية من سلع وخدمات، وتسهيل المعاملات خاصة المشكلات المالية التقنية عن طريق فتع بنوك فرعية جزائرية في عدة دول إفريقية؛
خاتمة:
تعتبر الاتفاقيات المبرمة بين الجزائر وجنوب إفريقيا جزءا من استراتيجية البلدين لتعزيز التعاون جنوب – جنوب وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. غير أن هذه الاتفاقيات، مدعومة بالعلاقات الدبلوماسية والسياسية المتميزة التي تربط البلدين، لم تسمح بتحقيق نتائج ترقى لنفس المستوى على الصعيد الاقتصادي عموما والتجاري على وجه الخصوص.
رغم ذلك، من الممكن للشراكات الاقتصادية بين البلدين أن تتطور وتصبح أكثر متانة واستدامة إذا واصل الطرفين تكثيف الجهود من أجل زيادة وتيرة العلاقات وتحسين جودتها.