"المغرب العربي الكبير"، نقطة الربط بين "المتوسط" و"لأطلسي" وهي البوابة الغربية والشمالية للعالم العربي حيث ان دوله الخمس تطل مباشرة على القارة الأوروبية، وتقع شمال القارة الافريقية ممتدة على شاطئ البحر المتوسط وحتى المحيط الاطلسي وتشكل مساحته ما نسبته 42%من مساحة الوطن العربي وتدين غالبية سكانها بالإسلام وتتعايش فيها أعراق عدة، أهمها العرب والبربر والأمازيغ والأتراك...
هذا الفضاء الجغرافي الذي حمل عدة تسميات منها "المغرب العربي" و"شمال افريقيا" يعتبر فضاء جيوسياسياً حيوياً ضمن الخارطة العالمية، حيث يحتل أفضل المناطق الاستراتيجية ويقرّب بين ثلاث قارات على الأقل كما يختزن ثروات طبيعية هائلة الى جانب كونه يجاور أبرز الممرات المائية الدولية التي تُوصِل غرب الكرة الأرضية مع شرقها عبر مضيق جبل طارق، وممرات البحر الأبيض المتوسط، وهي الملاصقة تقريبا للقارة الأوروبية التي تمثل محور العالم، ويحدّها الأطلسي غربا، كما تترأّس العمق الإفريقي بقارته السمراء.
هذا التموقع والعمق الاستراتيجي الهام والبارز، جعل من منطقة المغرب العربي تاريخيا منطقة تنافس استعمارية حادة، خصوصاً بين الأوروبيين والأتراك حيث خضعت دوله إلى سيطرة الإمبراطورية العثمانية ثم إلى الاستعمار والحماية من الفرنسيين والايطاليين والاسبان والانجليز، قبل أن تنال الدول المغاربية استقلالها تباعا منذ أواسط القرن العشرين (ليبيا في ديسمبر 1951، تونس في مارس 1956، المغرب في نوفمبر 1956 والجزائر في يوليو 1962م).
اليوم وبعد مسيرة بناء دول المنطقة، وبعد هزات سياسية عديدة عاشتها فيها الانقلابات وخلافات تسطير الحدود وتنازع على بعض الثروات الطبيعية وخاصة منها المياه والنفط، وجدت هذه الدول نفسها في مشاكل داخلية وثنائية وإقليمية جعلت استقرارها محدودا ومهددا ولما فيما يحصل في ليبيا ما بعد ثورتها من انقسامات واضطرابات وتقاتل على السلطة احسن مثال وكذلك ما يحصل في تونس والجزائر من تهديدات إرهابية ومس بسلامتهما وأمنهما ، و كذلك ما يحصل في المغرب من توتر جراء ملف الصحراء ومساعي الانفصال وهو الملف الأبرز الذي أثر على مسار وحدة المغرب العربي وقضى على كل محاولات الاتحاد بين دوله لما فيه من اختلافات نظر أدت الى توتر خطير وقطع علاقات بين المغرب والجزائر على مدى سنوات عديدة تواصلت الى اليوم.
I تباينات بين مكونات المنطقة
هذه الخلافات والتباينات الخطيرة بين دول المنطقة، أدت إلى ما سمي يوم 17 فبراير 1989م، بـ "اتحاد دول المغرب العربي" الذي تأسس في مدينة مراكش وحضره رؤساء كل من تونس والجزائر وليبيا وموريتانيا وملك المغرب. كما قضت على كل الهياكل والمؤسسات والمنظمات المهنية والشغلية المشتركة كما حالت هذه التباينات دون تنامي العلاقات الاقتصادية بين أقطار المغرب العربي الخمس والتي لم تتجاوز نسبة التبادل التجاري بين دوله الـ 2.8 % من إجمالي تبادلات المجموعة.
كل هذه الإشكاليات والصعوبات التي يعيشها المغرب العربي، جعلت التحديات التي تواجه المنطقة كبيرة، منها خاصة ما هو داخلي وما هو خارجي
I I التحديات الأمنية لمنطقة المغرب العربي
فالمتغيرات الجيوسياسية والمخاطر والتهديدات الأمنية الجديدة في منطقة المغرب العربي، مست بشكل واضح من استقرار المنطقة، والمتمثلة خاصة في الحركات الانفصالية وارتفاع وتزايد وتنوع نشاط الجماعات الإرهابية وتغلغل الجريمة المنظمة العابرة للحدود مع ارتفاع موجات الهجرة غير الشرعية القادمة من جنوب الصحراء، بالإضافة إلى الإتجار بالبشر والأسلحة والمخدرات ناهيك عن مخاطر النزاعات العرقية المتأججة أو الخامدة في عدد من الدول والمناطق المحيطة بإقليم المغرب العربي ومنها خاصة مالي والنيجر.
- تهديدات انفصالية داخلية
فقد بات من الواضح أن غياب التنسيق بين دول المغرب العربي اليوم؛ سمح ببروز مشاريع سياسية شاذة تُهدِّد المنطقة برمتها، ومنها على سبيل المثال ظهور أصوات انفصالية تقود إلى المطالبة بالتقسيم والاستقلال الذاتي. مثلما هو حال مجموعات من طوارق الصحراء الذين يعملون على الانفصال في جنوب المغرب والجزائر وليبيا، وهؤلاء يستفيدون من الاضطرابات الحاصلة في دولة مالي المجاورة، بحيث أصبح مشروع انفصال إقليم الأزواد وعاصمته تمبكتو الذي يقوده الطوارق؛ قاب قوسين أو أدنى من التحقيق في ظل دعم أطراف خارجية تسعى الى اضعاف المنطقة ودولها.
- الإرهاب والجماعات المسلحة
كما تعد الجماعات الإرهابية إحدى أبرز التحديات الأمنية في منطقة المغرب العربي حيث تمركزت فيه وفي فترات مختلفة كل من "داعش" و"القاعدة" و"أنصار الشريعة" و"جند الخلافة"... واستفادت هذه الجماعات في أوقات ما من مناخ عدم التنسيق والتنافر بين الدول المغاربية. وقد خرجت هذه الجماعات للعلن خاصة بعيد ما يعرف بـ "ثورات الربيع العربي" بعد أن كان لها تحركات ظرفية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي خاصة في الجزائر وتونس من خلال أحزاب إسلامية حاولت قلب نظام الحكم باستعمال السلاح والإرهاب سرعان ما تم التحكم فيها واجهاض مخططاتها وتقليم اظافرها. لكن منذ سنة 2011م، خرجت الجماعات المتطرفة للعلن بدعم من بعض الأطراف الحزبية التي بدت متنفذة وقتها، وانخرطت مع المنظمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة و"أنصار الشريعة" للتغلغُل في الأوساط الشعبية التي تعاني صعوبات معيشية جمة.
هذه الجماعات، التي وجدت في المناطق الحدودية الملاذ الآمن لتنفيذ عملياتها، استغلت الاضطرابات السياسية والأمنية في دول مثل ليبيا وبدرجة أقل تونس لتعزيز نفوذها. ولم يقتصر خطر هذه الجماعات على دولة معينة، بل امتد إلى جميع دول المنطقة بنسب متفاوتة ليضرب ليبيا وتونس والمغرب والجزائر وموريتانيا، حيث شكلت وما تزال تهديدًا للأمن الداخلي والتعايش المجتمعي، فضلًا عن تهديدها للمصالح الاقتصادية من خلال استهداف السياحة والبنى التحتية الحيوية لدول المنطقة.
- الهجرة غير النظامية
كذلك، ساهم استفحال واستمرار النزاعات والأزمات ببعض الدول الإفريقية في تدفق أعداد هامة من المهاجرين غير النظاميين عبر الحدود على دول شمال إفريقيا ما أدى إلى تداعيات أمنية واقتصادية واجتماعية سلبية على المنطقة. فالهجرة غير النظامية أصبحت قضية محورية تؤرق دول المغرب العربي. فموقع هذه الدول يجعلها ممرًا رئيسيًا للمهاجرين غير الشرعيين القادمين من دول جنوب الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا. وقد خلق هذا التدفق الهائل للمهاجرين ضغوطًا اقتصادية واجتماعية كبرى على دول مثل تونس والجزائر والمغرب وهي دول تعاني من نسب بطالة مرتفعة ومشكلات اقتصادية واجتماعية مزمنة زادها تدفق مهاجري افريقيا ما تحت الصحراء سوء وتدهورا.
- تهريب الأسلحة والمخدرات
إضافة الى ذلك، فان تهريب الأسلحة والمخدرات عبر ونحو دول المغرب العربي يشكلّ تهديدًا كبيرًا لاستقرار المنطقة. فالحدود الممتدة التي تفصل دوله، وخاصة مع الدول التي تشهد فوضى أمنية مثل ليبيا، تسهّل حركة المهربين والمتاجرين في كل الممنوعات بما لاسيها السلاح والمخدرات، مما يغذي النزاعات المسلحة ويزيد من انتشار الجريمة المنظمة. وقد بان بالكاشف ان حكومات المنطقة عجزت عن السيطرة على هذه الأنشطة غير المشروعة التي تمول الإرهاب وتجارة السلاح والمخدرات وتزعزع استقرار الدول.
I I I أوضاع داخلية ومصالح خارجية تدعم المخاطر الأمنية
هذه التحديات الأمنية في منطقة المغرب العربي، غدتها أوضاع داخلية ومصالح واطماع خارجية متعددة. فالأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادي كانت بمثابة الحاضنة لكل ما من شانه ان يعصف بالهدوء داخل دول المنطقة وزادتها التدخلات الخارجية تدهورا وتعقيدا. ومن أبرز مصادر التوتر وتغذية الازمات يمكن ذكر:
- الفراغ الأمني في ليبيا
يشكل الوضع في ليبيا أكبر تهديد أمني لدول الجوار. فمنذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في عام 2011م، أصبحت ليبيا ساحة مفتوحة للجماعات المسلحة والمليشيات والمرتزقة. هذا الفراغ الأمني الكبير سمح بانتشار الأسلحة وتدفقها عبر الحدود إلى دول المغرب العربي، مما زاد من حدة التوترات الأمنية.
فانقسام الدولة في ليبيا بين حكومتين متناحرتين، لا تسيطر أي منها فعليًا على الأرض الليبية، والفراغ في السلطة الليبية سمح للميليشيات المحلية والأجنبية إلى جانب عصابات التهريب بالنمو والازدهار والمس من سلامة ليس ليبيا فقط بل تونس بشكل كبير حيث نمت تجارة المخدرات والاتجار بالبشر ودعم الأنشطة الإرهابية على طول الحدود التونسية-الليبية وما شجع هذه المليشيات على نشاطها هو افلاتها من أي عقاب وعدم خضوعها لأي قانون او سلطة دولة.
- التدخلات الخارجية
كذلك تعد التدخلات الخارجية، سواء من دول إقليمية أو قوى عالمية، من أسباب ودوافع التوتر الأمني في المنطقة حيث تسهم في تعقيد الأوضاع الأمنية وتوجيه التحركات والتحكم في الاستقرار وفق مصالح بعيدة كل البعد عن مصالح دول المغرب العربي. فبدلاً من تعزيز الاستقرار، تزيد هذه التدخلات من حدة النزاعات، وتجعل من الصعب التوصل إلى حلول محلية للأزمات. فليبيا، على سبيل المثال، تحولت إلى مسرح للصراع بين قوى إقليمية ودولية، مما عمّق الأزمة وزاد من عدم الاستقرار في المنطقة ككل. ولنا في التدخُل العسكري التركي في ليبيا أحسن مثال. وهذا التدخُل أثّر سلباً في مجرى الحوار الذي كان قائماً بين المكونّات السياسية الليبية في الفترة الأخيرة وهوما اعترف به أردوغان نفسه عندما قال ان المخابرات التركية في ليبيا غيرّت قواعد اللعبة هناك وتكراره في أكثر من مناسبة في خطاباته الموجهة إلى شعبه لجملة تلخص التطلعات التوسعية المعبرة عن التراث الإمبراطوري لبلاده: "موجودون في ليبيا وأذربيجان وسوريا وشرقي المتوسط وسنبقى".
- الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية
كذلك، تسهم الضغوط الاقتصادية التي تعاني منها معظم دول المغرب العربي في زيادة التحديات الأمنية. فالبطالة، والفقر، وتدهور الخدمات الأساسية تدفع بالعديد من الشباب إلى الانخراط في أنشطة غير مشروعة مثل التهريب، أو الانضمام إلى الجماعات الإرهابية، أو محاولة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
الغريب ان ما جمع بين الحكومات المختلفة لدول المغرب العربي على مر السنوات، انها ركزت واعطت الأولوية المطلقة في التنمية الاقتصادية والاستثمار الى مدن الشريط الساحلي، في حين تناست المناطق الداخلية والأراضي الحدودية الشاسعة وابقتها عرضةً للإهمال والتهميش وأظهرت لامبالاة كاملة إزاء تعزيز الفرص الاقتصادية والتنموية في المدن والقرى الحدودية مما دعمّ غياب الاستقرار في تلك المناطق وعززّ التوتر فيها وجعلها قبلة لزارعي الفتنة والإرهاب والفوضى الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
IV أي سبل للحد من المخاطر الأمنية في منطقة المغرب العربي
ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، من الواضح ان دول المغرب العربي تحتاج اليوم أقرب من أي وقت مضى، إلى تبني مقاربات شاملة تتضمن التعاون الإقليمي والدولي، وتفعيل الدبلوماسية، وتعزيز الأجهزة الأمنية المحلية. ومن بين الحلول الممكنة والمطلوبة:
- تعزيز التعاون الأمني الإقليمي
رغم الخلافات السياسية بين دول المغرب العربي، يبقى التعاون الأمني ضرورة ملحة لمواجهة التهديدات المشتركة مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية وتهريب الأسلحة. من ذلك من الحتمي والضروري تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق العمليات الأمنية بين هذه الدول، خاصة في المناطق الحدودية التي تعتبر بيئة خصبة للجماعات الإرهابية والمهربين.
- دعم جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية
كذلك من الضروري أن ترافق الحلول الأمنية إجراءات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية لشعوب المنطقة. فعندما تكون فرص العمل متاحة، وتتحسن جودة الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، تقل دوافع الأفراد للإجرام والتحدّي وتقلص من فرص الانضمام إلى الجماعات الإرهابية أو الانخراط في أنشطة غير مشروعة.
- تكثيف الجهود الدبلوماسية
وفي ظل التباعد وحتى التنافر السياسي بين دول المنطقة، ينبغي على دول المغرب العربي أن تعمل على تكثيف جهودها الدبلوماسية لحل الأزمات الإقليمية، وخاصة الأزمة الليبية والملف المعقد المسمى بملف الصحراء الغربيةّ. فالجهود في الملف الليبي يجب أن تركز على إيجاد حلول سياسية تشمل جميع الأطراف المتنازعة على أن يكون الحل ليبي-ليبي وهو ما يعني تجنب التدخلات الخارجية التي تعمق الصراع. أما ملف الصحراء وهو الذي يعتبر أطول النزاعات في القارة الافريقية، فإن التعامل مع القرارات الأممية يبقى هو الحل بالرغم من إن هذه القرارات الأممية واجهت دوما معارضة من هذه الجهة أو الأخرى. ويذكر ان آخر قرار اتخذته الأمم المتحدة بشأن النزاع الصحراوي يحمل الرقم 1495 وصدر بتاريخ 30 يوليو 2003م، وشكل هذا القرار حلا وسطا يجمع بين خطة التسوية التي اقترحها جيمس بيكر كما يدعو إلى مواصلة الجهود مع الأطراف المعنية للتوصل إلى اتفاق عام. ويمتاز هذا القرار بميزات هي:
- الدعوة إلى حكم ذاتي لسكان إقليم الصحراء لفترة تتراوح ما بين 4 إلى 5 سنوات.
- الاستفتاء لتحديد مصير سكان الإقليم بعد هذه الفترة.
- دعوة الأطراف الأربعة المعنية بالأزمة إلى العمل مع الأمم المتحدة وإلى العمل بينهم باتجاه الموافقة على خطة السلام.
- دعوة جبهة البوليساريو لإطلاق سراح ما تبقى لديها من المحتجزين المغاربة تنفيذا للقانون الإنساني الدولي.
وقد حظي هذا التصور بتأييد الولايات المتحدة وموافقة جبهة البوليساريو والجزائر في حين رفضه المغرب مؤيدا من طرف فرنسا.
- تعامل جماعي مع المخاطر
ورغم التحديات، وتواصل التباعد والتنافر بين البعض من دول المغرب العربي، هناك بعض الخطوات الإيجابية التي اتخذتها هذه الدول في مجال التعاون الأمني. فعلى سبيل المثال، تم توقيع عدة اتفاقيات تعاون بين الدول المغاربية لمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية. ومع ذلك، لا تزال هذه الجهود محدودة بسبب الخلاف بين المغرب والجزائر. وتقتضي الضرورة الحالية تجاوز هذه الخلافات السياسية والعمل على تكوين جبهة موحدة لمواجهة التهديدات المشتركة التي لا تميز بين حدود هذه الدول. وهذا يتطلب إرادة سياسية قوية وإطلاق حوار دائم بين الدول المغاربية حول القضايا الأمنية المشتركة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى دور تونس التي تشترك مع ليبيا في حدود طويلة، والتي أقلقها ومسها الوضع في ليبيا بشكل مباشر. إلا أنها تبنت موقفًا متوازنًا من الأزمة الليبية يعتمد على الدبلوماسية والحياد الإيجابي، حيث اكدت سلطاتها وديبلوماسيتها في كل المناسبات إلى ضرورة أن يكون الحل ليبيًا دون تدخل خارجي. كما عملت تونس على تشجيع الحوار بين مختلف الأطراف الليبية، ودعمت الجهود الدولية الرامية إلى إيجاد تسوية سلمية للأزمة.
فتونس التي تحاول لعب دور فعال في دعم الاستقرار في ليبيا، تدرك جيدا أن استقرار ليبيا يصب في مصلحة استقرار تونس ودول الجوار. والفراغ الأمني والسياسي في ليبيا بالتأكيد ينعكس بشكل مباشر على دول الجوار، وخاصة تونس. فعلى الصعيد الاقتصادي، تأثرت التجارة بين تونس وليبيا بشكل كبير، ما أدى إلى خسائر اقتصادية. كما أن استمرار الصراع في ليبيا زاد من ضغوط الهجرة غير الشرعية والتهريب بمختلف انواعه إلى داخل تونس.
أكثر من ذلك، فإن التداعيات الأمنية للأزمة الليبية هددت وما تزال بالفوضى وعدم الاستقرار في تونس ودول الجوار الأخرى. لذلك، تحرص تونس جاهدةً لتعزيز التنسيق الأمني مع الجزائر ودول أخرى لمحاولة احتواء المخاطر المتأتية من جارتها الجنوبية ومنعها من الانتشار.
الخاتمة
عموما، تبقى التحديات الأمنية في المغرب العربي، وعلى رأسها الإرهاب والهجرة غير الشرعية وتهريب الأسلحة، تشكلّ تهديدًا مشتركًا يتطلب استجابة موحدة من دول المنطقة وهو ما يقتضي تعزيز التعاون الإقليمي لمواجهة هذه التحديات، في ظل الحاجة إلى حلول شاملة تجمع بين الأمن والتنمية. ومن الضروري اليوم الانطلاق من المبادئ والتصورات المشتركة من أجل التوصل إلى مقاربة تساهم في تعزيز أمن المجتمعات المغاربية في مفهومه الشامل والتعامل بنجاعة مع كل التحديات الأمنية التي تواجه دول المنطقة والتي تفاقمت خلال السنوات القليلة الماضية خاصة منها الإرهاب والتطرّف والمخدرات والتهديدات السيبرانية والهجرة غير النظامية والجريمة العابرة للقارات. وهذا الوضع يقتضي من الحكومات تحيين الخطط الأمنية خاصة في مجال مكافحة المخدرات والهجرة غير النظامية والتصدي للجماعات الإرهابية والمتطرفة.
ودون أن ننسى في الأخير ضرورة وضع حد للإشكاليات السياسية واولها قضية الصحراء التي مثلت وعلى مدى سنوات عديدة حجر عثرة أمام كل تقارب حتى لا نقول وحدة بين الأقطار المغاربية. هذا إلى جانب انهاء الازمة الليبية وتطبيع العلاقات الديبلوماسية بين كل دول المنطقة.
ختاما يمكن القول إن تسطير استراتيجيات مناسبة لمواجهة مختلف التهديدات الأمنية الجديدة للدول المغاربية مرهون بمدى جدية الإرادة السياسية، والتزامها بسياسات جديدة، وانه في غياب مصادر التقارب المغاربي ومنه العربي والتنسيق للعمل المشترك على كافة الأصعدة، واستمرارا التباعد، تبقى هذه الدول أكثر عرضة للمخاطر التي تهددها.