تملك دول المغرب إمكانيات اقتصادية كبيرة وتنطوي على درجة جيدة من التوافق الذي يمكن أن يحرك العلاقات الاقتصادية وفي القلب منها تجارة السلع والخدمات بينها، خاصة وأن تجاورها الجغرافي، يعني انخفاض نفقات النقل والتأمين على حركة البضائع والأشخاص بينها، ويعطي ميزة نسبية للتجارة والسياحة وكل أشكال العلاقات الاقتصادية بين دول المغرب العربي. لكن مستوى العلاقات الاقتصادية بين تلك الدول وبخاصة بين الكبيرتين الجزائر والمغرب تعتبر متدنية للغاية بالمقارنة مع الإمكانيات الموضوعية لتلك العلاقات، اتساقا مع العلاقات السياسية المتوترة بين الدولتين منذ استقلال الجزائر، بسبب الخلافات الحدودية في مناطق تندوف وبشار التي شاءت الطبيعة أن تؤجج أسبابها بوجود خامات الحديد والمنجنيز فيها، بما يعني أن النزاع يتعلق بمناطق حدودية وبموارد طبيعية معا. وقد وصل ذلك النزاع إلى حرب حدودية في عام 1963م، وانتهت بنتيجة لا غالب ولا مغلوب رغم أن الجزائر لم تكن قد استكملت بناء قواعد ومؤسسات الدولة بعد الاستقلال، لكنها تمكنت من مقارعة الجيش المغربي ووجد كل منهما المساندة من حلفائه في المنطقة والعالم.
الناتج المحلي وهيكله وحجم السوق
يتحدد حجم السوق في أي بلد أو منطقة بقيمة الناتج المحلي الإجمالي الذي يتوزع بين الاستهلاك المباشر، والادخار الذي تتحول غالبيته الساحقة للاستثمار الذي يتحول بدوره إلى طلب على السلع والخدمات، بينما يتبقى جانب منه مكتنزا أو مدخرا منزليا للطوارئ أو للهروب من المساءلة القانونية إذا كان ناتجا عن الفساد أو النشاطات غير القانونية (الاقتصاد الأسود) في الفترة التي تسبق غسله وإعطائه الصبغة الشرعية. ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي (آفاق الاقتصاد العالمي، أبريل 2024م، قاعدة البيانات)، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول المغرب العربي الخمس عام 2023م، نحو 496 مليار دولار وفقا لسعر الصرف السائد، منها 245 مليار دولار للجزائر، ونحو 144 مليار دولار للمغرب، ونحو 51 مليار دولار لتونس، ونحو 45 مليار دولار لليبيا، ونحو 10,5 مليار دولار لموريتانيا. أما الناتج الحقيقي المحسوب بالدولار بناء على تعادل القوى الشرائية فقد بلغ في العام نفسه نحو 1469 مليار دولار، منها 723 مليار دولار للجزائر، ونحو 387 مليار دولار للمغرب، ونحو 166 مليار دولار لليبيا، ونحو 161 مليار دولار لتونس، ونحو 32 مليار دولار لموريتانيا. وهذا الفارق الكبير بين القيمة المحدودة للناتج المقدر بالدولار وفقا لسعر الصرف السائد، والقيمة الأعلى كثيرا المقدرة بالدولار وفقا لتعادل القوى الشرائية يعني أن مجموع عملات دول المغرب العربي مقدرة بنحو ثلث قيمتها الحقيقية مقابل الدولار.
وبلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل (وفقا لسعر الصرف السائد) نحو 5324، 3889، 4192، 6576، 2380 دولار عام 2023م، في كل من الجزائر، والمغرب، وتونس، وليبيا، وموريتانيا بالترتيب. أما متوسط نصيب الفرد من الدخل بالدولار وفقا لتعادل القوى الشرائية في العام نفسه فقد بلغ للدول المذكورة بالترتيب نحو 15718، 10460، 13186، 24197، 7297 دولار.
ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي، بلغ معدل الاستهلاك (الاستهلاك كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي) نحو 60,6%،73,4%، 69,1%، 93% في كل من الجزائر والمغرب وموريتانيا وتونس على الترتيب في عام 2023م. وبلغ معدل الاستثمار نحو 36,5%، 29,7%، 32,1%، 12,8%، 27,6% في كل من الجزائر والمغرب وموريتانيا وتونس وليبيا بالترتيب في العام المذكور.
وفيما يتعلق بهيكل الناتج المحلي الإجمالي فإن الاقتصاد المغربي ومن بعده الاقتصاد التونسي هما الأكثر تنوعا، بينما يعتبر الاقتصاد الليبي هو الأقل تنوعا حيث يعتمد بصورة شبه كلية على استخراج النفط، ويليه في ذلك الاقتصاد الجزائري ثم الموريتاني.
وتشير البيانات الرسمية المدرجة في قاعدة بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن قطاع الزراعة والصيد والغابات أسهم في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 12,1%، 12,7%، 20,7%، 10,6%، 1,5% في كل من الجزائر والمغرب وموريتانيا وتونس وليبيا بالترتيب في عام 2023م، وأسهم قطاع الصناعة الاستخراجية في ذلك الناتج بنحو 32,8%، 2,8%، 23,7%، 3,6%، 44,9% للدول المذكورة بالترتيب في العام نفسه. وأسهم قطاع الصناعة التحويلية الذي يعد المقياس الأكثر أهمية لحركية الاقتصاد في الدول النامية، بنحو 4%، 18,7%، 5,9%، 14,8%، 1,7% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول المذكورة بالترتيب عام 2023م. ورغم الوضع الأفضل نسبيا في المغرب وتونس، إلا أن مستوى إسهام الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي في دول المغرب العربي يعتبر متدنيا بالمقارنة مع الدول النامية عموما، وبالذات تلك التي تحاول النهوض والتحول لدول ناهضة أو صناعية جديدة، حيث يتراوح بين 30%، و40% من الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول.
وهذا الضعف لقطاع الصناعة التحويلية يقلص فرص تطوير التجارة في الموضوع الأساسي للتجارة الدولية وهو السلع الصناعية، لكن الفرص القائمة على ضوء الواقع الراهن لهيكل الناتج المحلي الإجمالي في دول المغرب العربي تظل أكبر كثيرا من الحجم الهزيل للتجارة بينها والذي لا يزيد عن 5% من تجارتها الخارجية رغم وجودها معا في الاتحاد المغاربي الذي أسسته عام 1989م، أي منذ 35 عاما، مقارنة بتجارة بينية بلغت نحو 70% في دول الاتحاد الأوروبي، ونحو 55% في دول منطقة التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية (نافتا)، ونحو خمس التجارة الخارجية لدول أمريكا اللاتينية، ونجو 11% من التجارة الخارجية لدول الوطن العربي. وهو ما ينقلنا لتناول الفرص النظرية للتجارة البينية في المغرب العربي، والحجم الفعلي لها بصورة توضح الفارق بين الممكن والواقع.
التجارة السلعية والخدمية المغاربية. السياسة تقيد الاقتصاد
تقوم التجارة وتتطور بين الدول التي يوجد بينها توافق في قوائم السلع والخدمات في تجارتها الخارجية. وعلى سبيل المثال تعتبر الجزائر وليبيا مصدرتان للنفط وتزيد الجزائر عليه بالغاز الطبيعي، بينما تستوردهما المغرب وتونس وموريتانيا. لكن التجارة الممكنة بين المغرب والجزائر في هذا المجال لا تحدث في الواقع بسبب التوترات السياسية بين الدولتين. وحتى أنبوب الغاز الذي كان يربط الجزائر بإسبانيا عبر المغرب الذي كان يحصل على حصة منه مقابل ذلك المرور، لم يتم تجديده عام 2021م، بسبب التوترات السياسية التي رافقت تطبيع المغرب للعلاقات مع الكيان الصهيوني والتحالف العسكري معه، والذي اعتبرته الجزائر موجها ضدها ومنافيا للاعتبارات الوطنية والقومية العربية في ظل الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وفي ظل رفض ذلك الكيان للمبادرة العربية القائمة على حل الدولتين، ورفض تنفيذ قرارات الشرعية الدولية القاضية بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على حدود ما قبل عدوان 1967م.
وفي نفس السياق استوردت الجزائر نحو 27 ألف طن من الفسفور الصافي عام 2021م، في حين صدر المغرب نحو 280 ألف طن منه في العام نفسه، لكن الجزائر استوردت احتياجاتها من دول أخرى، بينما توجهت صادرات المغرب لبلدان أخرى. وتعد دول المغرب العربي كلها منتجة ومكتفية ذاتيا من الأسمنت وغالبية مواد البناء. كما أنها مكتفية ذاتيا من الأسمدة الآزوتية باستثناء موريتانيا التي تستورد كل احتياجاتها منها، لكن تلك الاحتياجات البالغة نحو 4 آلاف طن تعتبر هامشية ولا تكاد تذكر بالنسبة لصادرات الجزائر البالغة نحو 970 ألف طن، أو صادرات المغرب البالغة نحو 1,4 مليون طن.
ويعتبر كل من المغرب وموريتانيا منتجة ومصدرة كبيرة إقليميا وعالميا للأسماك من الصيد الطبيعي وبالأساس من الأسماك البحرية، حيث تمتلكان في جرفيهما القاري، منطقة غنية بالأسماك نتيجة اصطدام تيار جزر الكناري المحيطي البارد، بالتيار الاستوائي الشمالي. ووفقا لبيانات المنظمة العربية للتنمية الزراعية أنتج قطاع الصيد الطبيعي في المغرب في عام 2021م، نحو 1,43 مليون طن. وأنتجت موريتانيا نحو 860 ألف طن، وأنتجت تونس نحو 124 ألف طن، وأنتجت الجزائر نحو 79 ألف طن، وأنتجت ليبيا نحو 32 ألف طن. وأنتجت تونس من الاستزراع السمكي نحو 26,1 ألف طن إضافية. ويمكن للمغرب وموريتانيا تلبية كل الاحتياجات الجزائرية والتونسية والليبية من الأسماك. ومن المنطقي أن تتجه الجزائر للاستيراد من موريتانيا التي تربطها بها علاقات سياسية جيدة، بينما تتجه تونس وليبيا إلى المغرب لاستيراد احتياجاتها. وتستورد تونس النفط من الجزائر وليبيا في حدود وارداتها. كما تصدر تونس الزيوت النباتية (زيت الزيتون) والحيوانية إلى ليبيا.
وتشكل السيارات وقطع غيارها والملابس والحديد والصلب جانب مهم من الصادرات المغربية. ويمكن أن تلبي جانب من الطلب عليها في دول الاتحاد المغربي، لكن الجزائر وهي المستورد الرئيس لها في المنطقة تمر بمرحلة من التوتر وصلت إلى قطع العلاقات مع المغرب في 24 أغسطس عام 2021م، وزادت عليها في 26 سبتمبر الماضي بإيقاف الدخول الحر لمواطني المغرب إلى أراضيها، بما يقيد أو حتى يمنع الاستيراد من المغرب في هذا المجال.
وتتسم اقتصادات دول المغرب العربي عموما بأنها اقتصادات حمائية، حيث يبلغ متوسط التعريفة الجمركية فيها نحو 14%، مقارنة بنحو 5% في دول الاتحاد الأوروبي، ونحو 4% في الولايات المتحدة، وأقل من 4% في مصر. وداخل دول الاتحاد المغاربي تعتبر التعريفة الجمركية في الجزائر هي الأعلى حيث تبلغ نحو 19%، مقارنة بنحو 12% في المتوسط في باقي دول الاتحاد. لكن الرسوم الجمركية على الواردات الزراعية تبلغ نحو 28% في المغرب، ونحو 31% في تونس، بما يجعلهما من أكثر الاقتصادات الحمائية بالنسبة للسلع الزراعية، وهو أمر ينطوي في جانب منه على مواجهة آثار الدعم الذي تحظى به المنتجات والصادرات الزراعية من بلدان الاتحاد الأوروبي ومن الولايات المتحدة والتي تمنحهم قدرة تنافسية مصطنعة مقابل المنتجات الزراعية المناظرة للبلدان الأخرى.
ورغم أن دول الاتحاد المغاربي قد أسست "المصرف المغاربي" عام 2017م، برأسمال 500 مليون دولار مقسمة بالتساوي بين الدول الخمس التي تشكل ذلك الاتحاد، إلا أنه لم يقم بدور فعال في تمويل التجارة السلعية والخدمية والاستثمار، سواء لمحدودية رأسماله، أو للخلافات السياسية التي تفاقمت بعد ذلك بين قطبي الاتحاد المغاربي أي الجزائر والمغرب.
كما أن التجارة الحدودية التي يمكن أن تنشط بين دولتين متجاورتين جغرافيا مثل المغرب والجزائر متوفقة كليا حيث أن الحدود بين الدولتين مغلقة منذ 30 عاما من عهد الرئيس الجزائري اليمين زروال وحتى الآن.
ورغم أن تشابه المناخ بين دول الاتحاد المغاربي الواقعة في معظمها في إقليم البحر المتوسط يقلل فرص تطور سياحة المنتجعات بينها، إلا أن التفاوت الكبير في مستوى تطور البنية الأساسية السياحية يمكن أن يشكل محركا لتلك السياحة نحو تونس والمغرب بصفة خاصة في حال سمحت العلاقات السياسية بذلك. كما أن هناك تنوعا وتفردا في الآثار الموجودة في كل بلد من تلك البلدان بصورة يمكن أن تحرك السياحة الثقافية والمعرفية. وإضافة لذلك فإن الأنشطة الفنية والثقافية التي يمكن أن تحرك السياحة الخاصة بها بين دول المنطقة، تعتبر محدودة إلى حد كبير ولا تشكل رافعة رئيسية للسياحة بين تلك الدول، بل تبقى في حدود الملتقيات الدورية بين جزء من النخب الثقافية في تلك الدول، مع ملاحظة أن الملتقيات التي تتم في كل من المغرب والجزائر تكون مُقَاطعة من الطرف الآخر بحكم العلاقات السياسية المقطوعة بين الطرفين منذ عام 2021م، والتي كانت متوترة قبل ذلك لعقود من الزمن.
الموارد الطبيعية المشتركة والصراع بشأنها بين دول الإقليم
تعتبر الغالبية الساحقة من أراضي إقليم المغرب العربي عبارة عن صحراء شاسعة ضمن نطاق الصحراء الكبرى الممتدة في كل دول الشمال الإفريقي. لكن تلك الصحراء تحوي كميات كبيرة من الموارد الطبيعية مثل الفوسفات والمنجنيز والحديد والرصاص والنحاس والجبس والحجر الجيري والطفلة، والأحجار بمختلف أنواعها، وغيرها من الموارد المحجرية، فضلا عن المياه الجوفية في الخزانات المشتركة التي تقع على الحدود بين تلك الدول. ولأن الموارد الطبيعية لا علاقة لها بالحدود التي صنعها البشر أو الاستعمار الغربي في زمن احتلاله للمنطقة العربية، فإن هناك خزانات للمياه الجوفية تشترك فيها أكثر من دولة مثل الخزان الجوفي الواقع في مثلث الحدود بين الجزائر وتونس وليبيا. كما توجد موارد للحديد والمنجنيز في مناطق الحدود الجزائرية-المغربية. وبدلا من أن تكون تلك الموارد موضوعا للتعاون بين الدول المغاربية المتشاركة فيها على قواعد الحقوق العادلة، فإنها تعتبر موضوعا للتوتر وحتى الصراع بخاصة بين الجزائر والمغرب في منطقة تندوف وبشار. وتستند الجزائر دائما إلى القاعدة الأممية القاضية بقبول الحدود الموروثة من عهد الاستعمار الغربي حتى لا تحدث صراعات لا حصر لها بين الدول التي استقلت عنه، أما المغرب فإنه يبحث عن توسيع نطاق جغرافيته استنادا إلى حدود ما قبل العهد الاستعماري الغربي رغم عدم ثباتها أو وضوحها القاطع، سواء تعلق الأمر بالحدود مع الجزائر أو بأحقيته في ضم الصحراء الغربية التي يتصارع عليها مع جبهة البوليساريو.
وحتى موارد المياه الجوفية المشتركة، فإنه ورغم العلاقات الودية القوية التي تربط الجزائر بتونس والتي شملت دائما نوعا من الدعم الجزائري لتونس في مجال الطاقة والسياحة والتمويل، إلا أنها لم تخل من التوتر الذي لم يتحول إلى صراع، وتمكن البلدان من السيطرة عليه. وتبلغ مساحة خزان المياه الجوفية العذبة بين الجزائر وتونس وليبيا أكثر من مليون كم مربع منها 700 ألف كم مربع في الجزائر، ونحو 250 ألف كم مربع في ليبيا، والباقي في تونس. ولعل آخر حلقات التفاعل في هذا الشأن بين الدول الثلاث هي الاتفاقية التي تم توقيعها في أبريل من العام الجاري لإدارة الشراكة في المياه الجوفية ضمن آلية تشاورية. ونظرا لتوفر التمويل لدى الجزائر من إيرادات النفط والغاز والفائض التجاري الذي بلغ 21,9 مليار دولار عام 2022م، وفقا لمنظمة التجارة العالمية، وفائض ميزان الحساب الجاري الذي بلغ نحو 8,4% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2022م، رغم تذبذبه الحاد تبعا لأسعار النفط والغاز وعائدات الجزائر من تصديرهما، فإنها الأقدر على استخراج المياه الجوفية، وعلى بناء السدود لحصاد وتخزين مياه الأمطار ومياه التدفقات الطبيعية من الينابيع. ولدى الجزائر بالفعل عشرات السدود بطاقة تخزينية تبلغ أكثر من 8 مليارات متر مكعب، وتعمل وفقا لخطة منظمة لبناء عشرات السدود الجديدة للاستفادة من مياه الأمطار والينابيع. ويشكو البعض في تونس من أن تدفقات المياه الواردة لتونس عبر نهير وادي مجردة الذي ينبع من الجزائر، تتقلص بسبب السدود الجزائرية، وهي الشكوى التي ربما تنتهي أسبابها بالاتفاقية الأخيرة بشأن إدارة الموارد المائية الجوفية المشتركة.
غياب الإرادة السياسية لتطوير العلاقات الاقتصادية المغاربية
يمكن القول إن هناك غياب للإرادة السياسية لتطوير التعاون الاقتصادي، ولتنسيق الاستثمارات الجديدة لتصبح تكاملية ومعززة لفرص تطوير التجارة بين دول المغرب العربي الخمس. ونظرا لأن السلطات في هذه الدول تتجمع في يد الرئيس أو الملك، فإن الآلية الأهم لتطوير العلاقات الاقتصادية بين دول الاتحاد المغاربي تتعلق بالأساس بالقمم الاقتصادية بينها التي يمكن خلالها اتخاذ القرارات الكبرى أو المصيرية في تطوير العلاقات والبناء الاقتصادي المشترك والقرارات المنظمة له والهياكل التنظيمية التي تديره مثلما حدث ويحدث في الاتحاد الأوروبي. وتلك الآلية غائبة كليا في الاتحاد المغاربي، حيث لم تعقد أي قمة اقتصادية لدول الاتحاد المغاربي منذ تأسيسه وحتى الآن. وهذا الغياب يرتبط بشكل أساسي بالتوتر في العلاقات بين الجزائر والمغرب بصفة خاصة. كما أن النماذج الاقتصادية متباينة بشدة لدى دول الاتحاد بما يشكل عامل تعويق لطرح مبادرات فعالة لتطوير العلاقات الاقتصادية بين دول الاتحاد، ففي الجزائر تهيمن الدولة وشركاتها على الاقتصاد رغم الانفتاح وتشجيع القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية. أما في تونس فاقتصادها حر مع وجود قوي للدولة، ولديها ارتباطات قوية مع الاقتصاد العالمي معززة بعضوية منظمة التجارة العالمية، لكنها متعثرة في ديونها الخارجية التي بلغت 39,2 مليار دولار عام 2022م، بما يعادل أكثر من 76% من الناتج المحلي الإجمالي لتونس في العام المذكور، ويضاف إليها ديون داخلية بقيمة 15,6 مليار دولار، مع احتياطيات محدودة بلغت 7,6 مليار دولار لا تغطي سوى 3,6 شهر من الواردات. وبالتالي فهي في ظروف لا تسمح لها حتى لو أرادت، بطرح مبادرات لتطوير العلاقات على كافة الأصعدة داخل الاتحاد المغاربي. أما ليبيا في زمن القذافي فقد كانت هناك هيمنة للدولة وشركاتها على الاقتصاد في بلد يعتمد بشكل شبه كلي على النفط، واستمر ذلك القطاع وشركات الدولة بمثابة القلب الذي يضح الحياة للاقتصاد وللدولة ذاتها في زمن الانقسام والتناحر بعد إسقاط حكم القذافي وقتله بطريقة همجية أعطت رسالة عن المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي لمن خلفوه، والذين لا يملكون في ظل مستواهم وتناحرهم، أي قدرة على طرح مبادرات لتعزيز التعاون الاقتصادي المغاربي. أما المغرب وهو عضو في المؤسسات الاقتصادية الدولية ويملك اقتصادا حرا مع وجود لشركات الدولة وملكيتها للموارد الطبيعية العامة، فإن معضلاته الأساسية هي رغبته في الالتحاق بالاتحاد الأوروبي، وهو أمر غير وارد في المدى المنظور على الأقل، وخلافاته وصراعاته مع الجزائر، وعلاقاته الحميمة مع الكيان الصهيوني التي تفاقم مشاكله مع الجزائر وتشكل حاجزا أمام المصالحة بينهما. وتبقى موريتانيا باقتصادها الصغير المنكفئ على الذات والتي لا تملك الإمكانيات الاقتصادية لقيادة التكتل أو حتى طرح المبادرات الفعالة لتطويره.
وتبدو دول الاتحاد المغاربي معنية أكثر بعلاقاتها مع المراكز الرأسمالية العالمية كل على حدة، دون حتى توحيد المواقف للحصول على أفضل الشروط في التعامل مع تلك المراكز وبخاصة مع الاتحاد الأوروبي. وتشير الخبرات التاريخية إلى أن كل تكتل سياسي أو اقتصادي له أب ونموذج يقود التكتل ويطرح المبادرات الفعالة لحل أي معضلات يمكن أن تواجهه، ويفتح الدروب الممكنة لتطويره، ويقدم تجربة ونموذج وخبرة تغري الآخرين على التوافق معه وتعزيز التعاون والانصهار في هذا التكتل. وفي هذا الشأن يبدو الاتحاد المغاربي يتيما وفي انتظار توافق الجزائر والمغرب حتى يمكن أن ينطلق على درب تعميق التعاون والتكامل الاقتصادي في كل المجالات.