array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 203

تحييد التدخل الأجنبي وإحياء اتحاد المغرب وتجاوز الخلافات البينية والتركيز على التنمية يقلل المخاطر

الأربعاء، 30 تشرين1/أكتوير 2024

شكلت منطقة شمال أفريقيا، خلال العقدين الأخيرين، مسرحا للعديد من الأحداث المحلية والعالمية، مما يجعل من هذه المنطقة الفرعية في النسق الأمني الدولي، مجمعًا إقليميًا لا ينعم بالاستقرار والأمن، ويواجه تحديات سياسية وأمنية واقتصادية جمة. إن الأزمات المزمنة التي عمرت طويلا على غرار الأزمة الليبية والنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، تخلق عراقيل معقدة أمام مرتكزات الأمن الإقليمي والتكامل الاقتصادي والتعايش السلمي بين دول المنطقة. كما أن تأثير تنافس اللاعبين الدوليين والإقليميين كالولايات المتحدة الامريكية، فرنسا وروسيا وتركيا والصين وإسرائيل -بمصالحها وأولويات وأساليب عملها المتنافسة، يفتح مسارات جديدة للصراع وعدم الاستقرار وانهيار أسس الأمن في شمال إفريقيا، بالإضافة إلى انتشار الحركات والجماعات الإرهابية المتطرفة.

وعلاوة على ذلك، تمهد التقلبات المناخية الطريق لتحديات مضاعفة، مع ارتفاع درجات الحرارة، وندرة المحاصيل وضعف سلاسل الامداد الغذائية، ومخلفات الأزمة الصحية العالمية "كوفيد 19" وارتفاع معدلات الهجرة غير النظامية نحو أوروبا بثلاثة أضعاف مقارنة مع سنة 2022م، مما جعل الدول الأوروبية تسارع إلى إيجاد حلول نافذة وتدابير قسرية لمواجهة تدفقات المهاجرين من دول الجنوب.

تواجه المنطقة العديد من التحديات البنيوية والسياسية والأمنية والاجتماعية والجيوسياسية، مما يدفع إلى التساؤل عن دور الفواعل الدولية مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والدول الكبرى لاحتواء الآثار الجانبية الناجمة عن الأزمات المتصاعدة في شمال أفريقيا، كما يفتح المجال للتساؤل حول قدرة الأنظمة السياسية لتجاوز المخاطر والتهديدات الراهنة من خلال تطوير قدراتها الداخلية على تأمين السلم المجتمعي لبلدانها وحماية حدودها وسيادتها الخارجية.

 في الحقيقة يرتفع منسوب المخاطر في منطقة الشمال الافريقي، باعتبارها منطقة منقسمة على نفسها Fragmented Region تعرف أدنى مستوى من التنسيق والتعاون فيما بينها، كما تختلف رؤى دولها ومنظوراتها الأمنية حول العديد من القضايا في ظل الخلاف بين المغرب والجزائر، واستمرار الأزمة الليبية وارتدادات أزمة دول الساحل جنوب الصحراء وتراجع الدور المصري في لعب أدوار الوساطة والتنسيق بخصوص القضايا العربية، وضعف دور جامعة الدول العربية والاتحاد الافريقي في حلحلة أزمات المنطقة العربية والافريقية، وفشلها في توحيد مواقفها وتنزيل قراراتها وتوصياتها.

أولا: الأزمة الليبية وسيناريوهات بدون أفق

لا شك أن الوضع الليبي المعقد حاليا هو نتاج العديد من العوامل البنيوية، ذلك أن الظروف التي حدثت فيها الثورة الليبية في عام 2011م، كانت من بين المحركات الرئيسية التي ساهمت في إطالة أمد الأزمة وجعل التسوية السياسية مؤجلة إلى وقت غير معلوم، حيث كان من الخطأ الاعتقاد بأن الثورة الليبية، هي ثورة شعب بأكمله ضد نظام سلطوي حكم لأزيد من 40 سنة وبعض الأذناب من زبانيته.

بعد كل التطورات التي شهدتها ليبيا، يبدو من الواضح أن نظام معمر القذافي كان لا يزال يتمتع بالقدرة على الاستمرار، ذلك أن الفئات العريضة من الشعب الليبي داهمها التغيير بعد أن ألفت الذهنية السياسية السلطوية للنظام السابق، وبالتالي، يمكن اعتبار الثورة حربًا أهلية أكثر من كونها ثورة فكرية وإيديولوجية وشعبية. ولقد تسبب سوء الفهم هذا في تركيز المجتمع الدولي والنخبة الليبية الجديدة على الانتخابات بدلاً من بدء جهود المصالحة الوطنية لإعادة بناء الإجماع بين المواطنين الليبيين وكتابة عقد اجتماعي جديد يؤسس لمرحلة التوافق على قواعد سياسية ودستورية جديدة.

من الأخطاء الجوهرية التي ارتكبتها النخبة الجديدة في ليبيا أيضا، سن قانون العزل السياسي الذي أصدره المؤتمر الوطني العام في سنة 2013م، بهدف إبعاد شخصيات سياسية تنتمي للعهد القديم، من المؤسسات السياسية والاقتصادية والتعليمية والأمنية في البلاد. وكان هذا القانون بمثابة أداة عقابية بحتة، دون تفعيل أي من التدابير التصالحية التي أثبتت فعاليتها في مثل هذه الأزمات.

لقد كان سن هذا القانون سبباً في القطيعة بين النخب القديمة والجديدة، واستمرار الاشتباكات التي وقعت في عام 2014م، بين ميليشيات الجنرال خليفة حفتر في الجزء الشرقي من ليبيا (ما يعرف تاريخيا باسم برقة) ومجموعة من الميليشيات ذات الأغلبية الإسلامية المهيمنة في الجزء الغربي والتي تعمل تحت اسم فجر ليبيا. وأصبح من الواضح أن التمزق والانقسام السياسي الذي تسبب في انتشار الميليشيات وأمراء الحرب، كان النتيجة الحتمية للظروف الاجتماعية والسياسية البنيوية التي ميزت مرحلة ليبيا القذافي.

إن تدخل الجهات الفاعلة الخارجية، وخاصة القوى الإقليمية والدولية التي أسقطت مصالحها الوطنية على البلاد، يمكن أن تضاف إلى انهيار الوضع الداخلي، حيث سرعان ما تحولت المواجهة الجيوسياسية إلى دعم كامل للفصائل المحلية الليبية المتنافسة والميليشيات المسلحة، مما أدى إلى تفاقم الانقسام الداخلي.

أظهرت العديد من المؤشرات، أن الوضع الليبي يتجاوز مفهوم الحرب بالوكالة؛ حيث كان من الواضح أن الجهات الفاعلة المحلية لم تكن مجرد وكلاء بل حافظت على درجة نسبية من الاستقلال والقدرة على التلاعب بالداعمين الأجانب وفقًا لمصالحها. ومع مرور الوقت وغياب الرقابة والسيطرة من قبل الحكومة المركزية، تحولت الميليشيات المختلفة إلى عصابات إجرامية، بينما وقف المجتمع الدولي مكتوف الأيدي وركز على نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وبرامج تدريب الجيش. لكن بالتدريج، ترسخت العصابات والمليشيات في مناطق مختلفة من ليبيا، إلى جانب تورطها المتزايد في تجارة المواد المهربة وغير المشروعة وانتشار جماعات الجريمة المنظمة.

ثانيا: الصحراء المغربية: نزاع مفتعل يكرس انقسام دول المنطقة

يمكن اعتبار الخلاف المغربي / الجزائري حول قضية الصحراء المغربية بمثابة معول هدم لكل المبادرات الوحدوية التي عرفتها المنطقة وأهمها اتحاد المغرب العربي. كما يمكن توصيف هذا الخلاف، بالنزاع الجيوسياسي، حيث تضاربت مصالح الدول الاقليمية حول الملف منذ نهاية الحرب الباردة، لكن الملف أصبح يعرف تحولات مركزية مند 2020م، مع توالي الاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي المغربية.

ويمكن اعتبار أن العامل الإقليمي الرئيس الذي ساهم في استمرار رفض جبهة البوليساريو للضم الكامل من قبل المغرب هو الدعم السياسي والعسكري من أطراف أخرى، حيث التي رفضت المطالبات الإقليمية للمغرب بشأن الصحراء، واستكملت حلقات التصعيد والتوتر بقطعها للعلاقات الدبلوماسية مع الرباط سنة 2021م.

بالإضافة إلى ذلك، دعمت جبهة البوليساريو عسكريًا خلال عقود من الزمن من خلال توفير العتاد العسكري إضافة الى الدعم الدبلوماسي، ولا زالت تحتضن هذه الجماعة الانفصالية وتقف ورائها، من خلال توفير الملاذ الأمن لها ودعم مطالبها بالسيادة الإقليمية، ، كما يتجلى التأثير السلبي في كون أن هذا الدعم يغذي الصراع القائم و يسهم في إطالة هذا النزاع المصطنع ومن خلال الوقوف وراء وجود جماعة انفصالية لها علاقات قوية بالجماعات المتطرفة والمجموعات الاجرامية التي تنشط في منطقة الساحل جنوب الصحراء.

وقد كان المغرب قد اقترح "مبادرة الحكم الذاتي" سنة 2007م، بعد تعذر إجراء الاستفتاء حول الإقليم -المقترح من قبل الأمم المتحدة-، وكان اجتماع الجانبين على طاولة المفاوضات والاتفاق على وقف إطلاق النار في عام 1991م، هو التدخل الناجح الوحيد من جانب المنظمة الأممية، وفشلت كل المبادرات بعد هذا التاريخ لجمع الأطراف حول طاولة المفاوضات وفق قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.

إن توالي الاعتراف بمغربية الصحراء خاصة بعد الاعتراف الأمريكي سنة 2020م، الاسباني سنة 2024م، هو بمثابة تأكيد على الحق التاريخي والواقعي للمغرب في أقاليمه الجنوبية، مما قد يسهم في انهاء هذا الصراع بشكل نهائي. بالمقابل يرى البعض أن الاصطفاف الدولي إلى جانب الحق المغربي، قد يساهم في زيادة التوترات في المنطقة وإلى تنفير الطرف الآخر ودفعه إلى البحث عن حلول أكثر تطرفا، حيث لوحظ أن التصعيد الدبلوماسي بين المغرب والجزائر ساهم في ارتفاع التنافس ومعدل الانفاق العسكري بين البلدين في الآونة الأخيرة.

ثالثا: مخاطر جيوسياسية واقتصادية وديموغرافية

كثيرا ما صنفت منطقة شمال أفريقيا على الهامش الجيوسياسي لديناميات الشرق الأوسط، لكنها أصبحت تشكل جزءا من الاتجاهات والانساق الأمنية الاقليمية، ويرجع هذا الأمر إلى تسارع التحولات السياسية والاقتصادية الداخلية بسبب احتجاجات 2011م، والتي قلبت أو أعادت تشكيل حياة الملايين من سكان المنطقة، الذين يواجهون مجموعة من التحديات الخارجية التي ضاعفت من منسوب اللايقين لدى الأنظمة والشعوب على حد سواء.

ساهمت جائحة كوفيد-19 والتحول الاقتصادي المرتبط بها، وديناميكيات السوق المتغيرة بما في ذلك أسواق الطاقة، والحضور المتزايد للجهات الفاعلة الإقليمية الجديدة مثل روسيا والصين، والدور المتغير للحلفاء التقليديين مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الامريكية، في تغيير وتفاقم الأزمات البينية، بالإضافة إلى المتغيرات المناخية الطبيعية والبشرية والديموغرافية التي تزيد من سوء أوضاع دول المنطقة خاصة مع ارتفاع تدفقات الهجرة إلى هذه الدول في اتجاه الدول الغربية.

تعتبر بلدان المغرب والجزائر وليبيا وتونس مناطق العبور الرئيسية للهجرة نحو الشمال، لكن في السنوات الأخيرة، تغيرت اتجاهات الهجرة في المنطقة، ذلك أن ارتفاع مستوى الاستقرار و الأمن في بلدان شمال غرب إفريقيا مقارنة مع دول الساحل جنوب الصحراء، فضلاً عن الروابط الثقافية والدينية والاقتصادية لهذه الدول مع منطقة الساحل، وتفاقم الأزمة في منطقة الساحل، جعل من المغرب العربي وجهة مفضلة للهجرة النهائية، و يتكرس هذا الاتجاه أيضاً مع سياسات إغلاق الحدود في أوروبا وتشديد شروط الهجرة، مما يجعل من الصعب على المهاجرين الوصول إلى القارة الأوروبية عبر الطرق التقليدية المعتادة.

رابعا: أفاق التغيير

إن استمرار النزاعات المسلحة في ليبيا، وبعد تونس عن أحلام الديموقراطية بالمقاس الغربي، واستمرار القطيعة الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، وتنامي الأزمات البنيوية والاقتصادية والاجتماعية وارتفاع معدلات الفقر والهشاشة الاجتماعية والفساد البيروقراطي وزيادة معدلات البطالة، يدفع الى الاعتقاد أن دول شمال إفريقيا تجتاز مرحلة صعبة من تاريخها في ظل سياسات اقتصادية غير منصفة وارتفاع المديونية وتنامي التبعية للدول الكبرى.

إن الحديث عن السيناريوهات الممكنة للتغيير، يستحق المزيد من الاهتمام من قبل المجتمع الدولي، حيث تواجه بلدان شمال أفريقيا مجموعة مذهلة من التحديات الداخلية والخارجية، خاصة مع الركود الاقتصادي بسبب تداعيات أزمة كورونا وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والحرب في الشرق الأوسط، والتحديات الاجتماعية، مما يمنح المنطقة أهمية جيوسياسية أكبر، خاصة مع حدوث ارتدادات كبيرة لأزمات الشرق الأوسط الأوسع وأوروبا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، على الخريطة الجيوسياسية لدول منطقة شمال إفريقيا.

كما أن تحييد التدخل الأجنبي، وإحياء التكتلات الاقليمية كاتحاد المغرب العربي وتجاوز الخلافات البينية بين دول شمال إفريقيا والتركيز على استراتيجيات التنمية والاندماج الاقتصادي، وتبني مبادرات وحدوية قوية، قد يسهم في التقليل من المخاطر والتهديدات المحدقة بدول المنطقة.

 خلاصة

يبدو أن الوضع الجيوسياسي لمنطقة شمال إفريقيا يحتاج الى جرعات جديدة من التغيير على أساس التخطيط الاستراتيجي الجيد، والقراءة الواعية والمستنيرة للمخاطر المحدقة بالمنطقة، وكيفية تجاوزها من خلال الحفاظ على اللحمة الداخلية وحماية البناءات المجتمعية والدستورية والسياسية من الانهيار.

 إن تراجع الأوضاع الأمنية، على غرار الوضع في ليبيا والعلاقات المتردية بين المغرب والجزائر وتونس وغياب الحد الأدنى من التنسيق والتعاون بين هذه الدول، يكرس تحول هذه المنطقة الفرعية الى خاصرة هشة للأمن القومي العربي المنهار، وبالتالي فربط منطقة شمال إفريقيا بقضايا الشرق الأوسط وتعزيز المواقف العربية إزاء القضايا المصيرية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ومواجهة النفود الاسرائيلي والايراني، يظل من الأولويات الوجودية التي تحتاج الى لم شمل الدول العربية والاسلامية و جمع كلمتها وتبني سياسات مشتركة لتجنب تشتيت أوصال المنطقة وتغيير معالمها الجيوسياسية.

مقالات لنفس الكاتب