array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 203

4 تحديات تواجه دول المغرب العربي: معضلة الاتحاد ـ الإرهاب ـ التهريب ـ الهجرة غير الشرعية

الأربعاء، 30 تشرين1/أكتوير 2024

يتكون المغرب العربي من خمس دول: الجزائر والمغرب وموريتانيا وتونس وليبيا، تتميز هذه البلدان بعدم الاستقرار متعدد القطاعات (السياسي والاقتصادي والاجتماعي) الذي تفاقم على التوالي بسبب جائحة كوفيد-19، ثم بسبب تأثير الحرب الروسية / الأوكرانية.

 عام 1988م، رغبت تلك الدول في الالتقاء حول تاريخ وذاكرة مشتركة من خلال إنشاء اتحاد المغرب العربي الذي رسم له هدف رئيسي؛ التعاون الإقليمي والدفاع المشترك. إلا أن المشروع لم يتمكن من النجاح بسبب التنافس بين الدول الأعضاء، خاصة بين المغرب والجزائر. وتمثل التجارة بين دول اتحاد المغرب العربي الخمس اليوم 3% فقط من إجمالي تجارتها، مما يجعلها المنطقة الأقل تكاملاً في العالم.

ظلت قضية الصحراء الغربية مصدر التوتر الذي يؤثر على العلاقات المغربية / الجزائرية. لقد تركت حرب الرمال التي اندلعت في أكتوبر 1963م، بين البلدين أثرًا عميقًا في الذاكرة الوطنية للدولتين. علاوة على ذلك، يعتبر المغرب سيادته على الصحراء الغربية قضية وطنية غير قابلة للتفاوض، وتعتبر جبهة البوليساريو جماعة إرهابية. 

وعلى صعيد الأوضاع الاقتصادية، يعاني المغرب من الجفاف منذ بداية العام الحالي، ويواجه تضخمًا حقيقيًا. ويبدو الوضع الجزائري أكثر تعقيدًا رغم أن الجزائر تستفيد من تصدير الغاز كمورد رئيسي لأوروبا مستفيدة من ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، وتمثل الاضطرابات في ليبيا خطرًا إضافيًا على أمن بلدان المغرب العربي بسبب الانقسامات السياسية العميقة وفوضى الميليشيات والسلاح وعجز الدولة الليبية على حماية حدودها وانعدام بلورة حل سياسي للخروج من الأزمة الخانقة. وتعتبر تونس الدولة الأكثر تأثرًا بسبب الأزمة السياسية والاقتصادية التي خيمت على البلاد على امتداد عقد من الزمن وبسبب تقلب أسعار الطاقة وفي موريتانيا يتسم الوضع الأمني بالاضطرابات وتزايد المخاطر بحكم حدودها مع مالي الدولة الجارة غير القادرة على ضبط الأمن ومراقبة الحدود مع تواجد الكثير من الجماعات المتمردة والتي تشتغل في التهريب والمضاربات بأنواعها إضافة إلى ما شهدته البلاد من احتجاجات وفوضى على إثر الانتخابات الأخيرة. فالمنطقة اليوم أمامها العديد من التحديات والتهديدات والمخاطر.

ماهي أهم التحديات الأمنية والتهديدات والمخاطر التي تواجهها منطقة المغرب العربي؟ وماهي الحلول الممكنة لضمان أمنها واستقرارها؟

 

-1 معضلة الاتحاد المغاربي

 

لقد أصبح التهديد الأمني في بلدان المغرب العربي اليوم، ​​متعدد الأوجه. فهو يجمع بين عناصر راسخة تقليديًا في بيئة هذه المنطقة، مثل التوتر بين الجزائر والرباط ونقطة تبلوره حول نزاع الصحراء، الذي جعل اتحاد المغرب العربي في حالة غيبوبة على امتداد عقود. وإذا كانت الرباط تطرح اليوم الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية كحل لا مفر منه لهذا الصراع المستمر منذ أكثر من ثلاثين عامًا، فإن الحقيقة تظل أن هذا الخيار يمكن اعتماده إذا قبلته جميع الأطراف. لكنه قوبل بالرفض من جبهة البوليساريو والجزائر، اللتين لا تزالان تطالبان بمبدأ تقرير المصير لحل هذا النزاع. إن تعقيد الوضع الحالي يرجع إلى حقيقة أن الأطراف المتنازعة قد حبست نفسها في مطالب مستحيلة التحقيق.

ويكمن خطأ الأطراف في اعتقادهم أنه لن يكون هناك نصرو هزيمة إلا من خلال "كل شيء أو لا شيء"، وأن تنفيذ خيار أحدهم سيضمن بالضرورة انتصاره وهزيمة "الآخر".

ونظرًا لهذا الجمود الاستراتيجي الذي يخلق بالضرورة ركودًا في البحث عن مخرج من الأزمة. فإن الحكم الذاتي الذي يمكن منحه للصحراء يعني بالنسبة للمغرب تحولا يؤثر على قاعدته الترابية ونظامه الداخلي، وقد تكون له آثار على هويته السياسية. علاوة على ذلك، يمكن أن يشكل هذا الاستقلال سابقة ويؤدي إلى ظهور مطالب أخرى في المناطق التي قد يميل السكان فيها إلى إبراز هويتهم وخصوصياتهم. إذا حدث هذا، فسنشهد حينها تفتيت السلطات المركزية لصالح الهويات والحركات المحلية.

إذا تبلورت هذه الخطة في المغرب، فمن الممكن أن تجتذب كيانات من البلدان المجاورة، ولا سيما منطقة القبائل التي يمكنها المطالبة بالحكم الذاتي في العاصمة.

قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع الجزائر، التي اعترفت بما يسمى بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. ولتبرير موقفهم المتشدد بشأن قضية الصحراء، يواصل القادة الجزائريون التأكيد على دعمهم لحق تقرير المصير. كما يؤكدون أن تسوية قضية الصحراء ينبغي أن تتم مناقشتها في إطار دولي، مثل الأمم المتحدة، وليس مباشرة مع المغرب.

منذ ديسمبر 2020م، حصل المغرب على اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المملكة على أراضي الصحراء الغربية، قررت الجزائر في صيف 2021م، قطع جميع العلاقات الدبلوماسية مع جارتها فتصاعدت التوترات بين البلدين بشكل ملحوظ.  وفي مارس الماضي أكدت إسبانيا دعمها لخطة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء الغربية وتبعتها فرنسا في العام الحالي.

وتزايدت التوترات في الآونة الأخيرة. إذ أيد سفير المغرب لدى الأمم المتحدة، حق تقرير المصير لمنطقة القبائل الجزائرية، وأثار هذا الموقف غضب القادة الجزائريين، مما أدى إلى استدعاء السفير الجزائري بالمغرب وإغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات المغربية ورفض الجزائر تجديد عقد خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي الذي يزود إسبانيا بالغازعبرالمغرب. ومن ناحية أخرى، يؤثر هذا الصراع على علاقة المغرب والجزائر مع دول المغرب العربي الأخرى. فبرغم اعتماد تونس دائمًا موقف الحياد في النزاع الصحراوي، استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد في يوليو 2022م، زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، خلال مؤتمر طوكيو الدولي الثامن للتنمية الإفريقية. فاستدعى المغرب سفيره بتونس ولم يشارك في المؤتمر.

واليوم يبدو أنه لا حل في الأفق لهذه المعضلة التي ستظل معطلاً رئيسيًا للتنمية والتكامل الأمني في هذا الفضاء الذي يزخر بالطاقات.

 

-2التهديدات الإرهابية

 

هناك عناصر تهديد تتمثل في التحالف بين القاعدة وجماعتين إسلاميتين في المنطقة المغاربية، الجماعة السلفية الجزائرية للدعوة والقتال، والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، إضافة إلى الجماعات المسلحة الناشطة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في مجالات التهريب بأنواعه والاتجار بالبشر ومعضلة الهجرة غير النظامية المتفاقمة. كما أن انضمام الجماعة السلفية للدعوة والقتال إلى تنظيم القاعدة منح هذه الحركة فرصة لإعادة تشكيل شبكات الشبان الراغبين في الذهاب للقتال في العراق أو في سوريا أو حتى المرشحين للانتحار. إن سهولة إعادة تشكيل الشبكات تكشف عن وجود شباب، مهما كانوا أقلية،

 مجردين من الأحلام والمشاريع، يفتقرون للاندماج الاجتماعي والسياسي الحقيقي في مجتمعاتهم. ولم يعد هؤلاء الشبان يقبلون العيش في دول، تعتبر في نظرهم فاسدة وملحدة وحليفة للغرب فاختاروا أسلوب التصدي بطريقتهم الخاصة

منذ عودة المقاتلين من الحرب الأفغانية الأولى (1979-1989م) والحرب الأهلية الجزائرية في التسعينيات، أصبحت منطقة شمال إفريقيا منطقة عمليات للجماعات الإرهابية، التي انضمت إلى سديم القاعدة الدولي منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تحت مسمى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ويبدو أن هذه الجماعة قد انتشرت عبر منطقة الساحل، وتمت محاكاتها أيضًا في تونس والمغرب وليبيا حيث تم ارتكاب عديد الهجمات على امتداد السنوات الماضية.

في الجزائر إذا كانت حدة الإرهاب قد انخفضت منذ "العشرية السوداء " للحرب الأهلية، ظلت الاشتباكات المتقطعة مستمرة بين الدرك والجيش والإرهابيين في جنوب وشرق البلاد، مما يتسبب في سقوط ما يقرب من 300 ضحية كل عام. ويبدو أن الجزائر قد قامت بتقييم التغير الذي شهدته العمليات خلال السنوات القليلة الماضية في أساليب عملها وأهدافها. ويتعلق ذلك على وجه الخصوص بتدويل الظاهرة.

 للقضاء على هذه الآفة تواصل السلطات الجزائية اليوم جهودًا مكثفة للتصدي للمجموعات الإرهابية على حدودها المشتركة مع سبع دول تتمثل في تدمير خلايا إرهابية وتفكيك أخرى وقطع طرق التمويلات والإمدادات وأعطى كل ذلك مناخًا أمنيًا يتميز باليقظة وسرعة التدخل والاستباق والرد. لكن التهديدات الإرهابية في الجزائر متواصلة إلى الآن حيث كشفت وزارة الدفاع في مايو2024م، عن تمكن القوات المسلحة من اعتقال تسعة من العناصر الإرهابية المشتبه في انتمائهم لتنظيم داعش الإرهابي والذين تتسللوا للبلاد عبر الحدود المشتركة مع مالي وكان بحوزتهم الأسلحة والمخططات لتنفيذ عمليات إرهابية داخل البلاد.

أما في ليبيا فيبدو الوضع أكثر تعقيدًا نظرًا أنه بحكم وجود عدد كبير جدًا من الجماعات المسلحة، تظل ليبيا منطقة الخطر الرئيسية بسبب اتساع أراضيها، وانخفاض كثافة سكانها، والعجزعن السيطرة على حدودها، ووضع بنغازي كمنطقة عبور للمنخرطين في القتال في سوريا وتشير التقديرات إلى أن بعض الإرهابيين الذين عملوا في شمال مالي ربما استقروا في جنوب ليبيا. كما أن الوضع غير مستقر في فزان، وهي منطقة متاخمة للجزائر والنيجر وتشاد، تشجع على إنشاء جماعات متطرفة من منطقة الساحل. ويعتقد أن هذه المنطقة يمكن أن تكون بمثابة نقطة التقاء بين الجماعات المختلفة العاملة في شمال مالي ونيجيريا والجهاديين الليبيين المرتبطين بتنظيم القاعدة. لقد صارت ليبيا مع مرور الوقت مركزًا للإرهابيين في شمال إفريقيا وما ساعد على انتشار هذه الظاهرة هو أن هناك بعض الدول ساهمت بطريقة او بأخرى في دفع انتشار الجماعات المتطرفة وذلك من أجل تحقيق مصالحها في ليبيا.

أما في تونس، فقد نشأت المجموعات الإرهابية بالفعل خلال الحروب في أفغانستان، وتمت مطاردتها في عهد الرئيس بن علي، واستمرت في نشاطها وانطلقت أعمالها التخريبية في مناخ الفوضى الذي شهدته البلاد إثر ثورة شتاء2011م، وتضاعفت الاشتباكات في جبل الشعباني غرب البلاد منذ مايو 2013م، ثم في عدة مدن ومناطق اخرى، كلها علامات مثيرة للقلق، في وقت تشهد فيه تونس أزمة سياسية مركبة ومستفحلة .لكن استطاعت تونس السيطرة على الوضع الأمني بكفاءة عالية بعد إقرار قانون مكافحة الإرهاب وإنشاء لجنة وطنية لمكافحة التطرف والإرهاب قطبًا أمنيًا وقضائيًا وضاعفت ميزانيات الوزارات المعنية بالتصدي للإرهاب ولا زال هناك عمل دؤوب يتمثل في تكثيف الاستعلامات والقيام بعمليات استباقية  لتفكيك وضرب الخلايا الإرهابية أينما وجدت في البلاد مع عمل نشط لجمعيات المجتمع المدني في التصدي للتطرف.     

ولا يبدو أن المغرب أقل عرضة للإرهاب فالجماعات المغربية تظهر قدرة كبيرة على تجديد الشبكات، على الرغم من المراقبة الدقيقة من قبل سلطات إنفاذ القانون. وفي المغرب اليوم، هناك مجموعة من الجماعات الصغيرة العنيفة، الخالية من المشروع السياسي، التي تستلهم السلفية العالمية، وتتغذى على الجرائم الصغيرة، وظلت السلطات المغربية تخوض صراعات مع المجموعات الإرهابية على امتداد العشرية الماضية في أماكن متعددة من البلاد.

اما موريتانيا فقد ظلت هدفًا مميزًا لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بعد مالي. ومن الثابت أن عديد الموريتانيين قد انخرطوا تحت راية الجهاد العالمي، كما يتضح من تعيين الملقب بطلحة مؤخرًا على رأس كتيبة الفرقان العاملة في منطقة الساحل. وتعرضت

موريتانيا لهجمات في نواكشوط، وقد نصب تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في غابة وأغدو كمينًا قُتل فيه حوالي أربعين جنديًا موريتانيًا، أدى إلى تأزم العلاقات بين موريتانيا ومالي. وفي مارس 2013م، ساعد لقاء بين رئيسي مالي وموريتانيا على تبديد سوء التفاهم. رحبت موريتانيا بممثلي مختلف جماعات الطوارق والعرب لتشكيل جبهة موحدة في المفاوضات بشأن شمال مالي. وهي تشعر بالقلق إزاء الحوادث التي تقع بين المكونات العرقية المختلفة في شمال مالي.

إجمالًا لا يزال الإرهاب يهدد البلدان المغاربية ويسعي كل بلد إلى مكافحته بطريقته وإن استطاعت تونس والجزائر وليبيا تكثيف التعاون الاستخباراتي والقضائي والأمني للتصدي الفعال للعناصر الإرهابية التي تتحرك على الحدود المشتركة لا يبدو أن هناك تعاون فعال ببقية دول المنطقة لكي تكثف من جهودها المشتركة للتصدي للإرهاب ما يجعل المنطقة لا تلقي الحل الجذري والنهائي في ظل الفوضى التي يعمقها التهريب والهجرة غير النظامية وهشاشة أمن الحدود.

 

-3مخاطر التهريب

 

أدت الأوضاع السياسية والاجتماعية والأمنية المتردية في بلدان المغرب العربي إلى تفشي ظاهرة التهريب بكل أنواعه انطلاقًا من البضائع البسيطة مثل البنزين والسجائر إلى المخدرات والسلاح والبشر واعتبرت تلك الممارسات الوجه الآخر للإرهاب وللجريمة المنظمة ونشأت عصابات وخطوط تجارة موازية وتشابكت مصالحها لدرجة أنها لم تعد تتوانى في استعمال السلاح لفرض نشاطاتها في قطاعات واسعة من دول المغرب العربي ودول جنوب الصحراء الكبرى.

   كانت ظاهرة التهريب مزدهرة في منطقة المغرب العربي منذ عقود واستفحلت بعد ثورات 2011م، واليوم تعاني جميع الأسواق المغاربية من زعزعة الاستقرار بسبب الفوضى الليبية وانعدام الأمن في بلدان جنوب الصحراء ومع عدم قدرتها على منافسة أسعار الوقود المستورد بشكل غير قانوني وبأسعار منخفضة من ليبيا المجاورة، فإن الجهات الفاعلة الاقتصادية في هذه البلدان المختلفة هي الضحايا غير المباشرة لهذا التهريب واسع النطاق.

في تونس صادرت الجمارك 232 ألف لتر من البنزين و326 ألف لتر من الديزل في نهاية عام 2023م، وتقدر السلطات أن الوقود المهرب يمثل ما يصل إلى 40٪ من السوق الوطنية. “ويتسبب تهريب الوقود في خسارة لشركات التوزيع بنحو 100 مليون دينار سنويًا”، حسب الجمارك التونسية.

على الرغم من الفوضى التي تسود الوضع الليبي، إلا أنه ليس المسؤول الوحيد عن تهريب الوقود في منطقة المغرب العربي. ففي الجزائر، وهي منتج رئيسي آخر للنفط في المنطقة، يتم تزويد الأسواق غير المشروعة لدى جيرانها المباشرين وأن الأرباح الناتجة عن تهريب الوقود تمول الجريمة المنظمة وبعض الحركات الإرهابية، الناشطة في منطقة الساحل المجاورة. وتعتبر موريتانيا مركزًا مهمًا وطريقًا محوريًا لعميات التهريب المتشعبة عبر الصحراء. لقد صارت تجارة السجائر غير المشروعة والمخدرات جزءًا من شبكة واسعة من المنتجات المهربة التي تمر بالبلاد بما في ذلك المواد الغذائية والوقود والمركبات والمواد الخام وغيرها من الأجهزة الكهربائية. ويعتبر الاتجار بهذا النوع من السلع مقبولا اجتماعيا ويشكل عنصرا أساسيا في استراتيجيات كسب العيش في العديد من المناطق الحدودية.

وفي مواجهة هذا الواقع، تحاول السلطات المحلية أن تجد الحلول الممكنة. وقد شددت الحكومات بالفعل العقوبات على المخالفين الذين يتم القبض عليهم متلبسين، لكن تطبيق هذه الأحكام على المستوى المحلي ليس مؤكدًا على الإطلاق. وتبين التجربة أنه طالما استمرت الفوارق في الأسعار على جانبي الحدود فإن التهريب مستمر برغم تشديد القبضة الأمنية والعقوبات. وأخيراً، تحتاج بلدان المنطقة إلى برامج ناجعة لتنمية المناطق الحدودية لأن العديد من سكان تلك المناطق المعزولة يشعرون بالنسيان من قبل عواصمهم وعدم الاهتمام بمشاغلهم.

 

-4الهجرة غير النظامية

 

تزايدت التحديات والمخاطر والتهديدات باستفحال ظاهرة الهجرة غير النظامية من البلدان المغاربية إلى البلدان الأوروبية ومن بلدان جنوب الصحراء هذا الفضاء الذي ترتخي فيه قبضة الدولة إلى البلدان المغاربية وأصبحت تشكل تهديدًا حقيقيًا يتطلب استراتيجية دقيقة وخطط عمل موحدة للحد من آثارها السلبية على مجتمعات المنطقة وعلى الدول الأوروبية على حد السواء.

"إذا لم تأتِ الثروة للرجال، يذهب الرجال إلى الثروة. "هذه المقولة للباحث "ألفريد سوفي" بشأن تحركات الناس تفريزًا من فسيفساء الهجرة، المكونة من أولئك الذين يهاجرون للانضمام إلى الأسرة، للعثور على عمل، هربًا من الفقر أو الاضطهاد، بل إن هناك من لم يهاجر قط ويعتبر مهاجرًا (أحفاد المهاجرين).

إن تحليل تجارب الهجرة لدول الًمغرب العربي يظهر أن الهجرة قد حدثت وتم تأكيدها تدريجياً كظاهرة بنيويو إن القرار الذي اتخذته الدول الأوروبية الرئيسية بوقف هجرة العمالة لم يضع حدًا جديًا لتدفقات الهجرة من بلدان المنطقة. واستمرت هذه التدفقات بأشكال أخرى، منتظمة وغير منتظمة. وربما لعب إنشاء مجتمع كبير من شمال إفريقيا في البلدان المضيفة دورًا حاسمًا في استمرار هذه التدفقات.

ويبدو أن هجرة مواطني الدول الثلاث تونس والجزائر والمغرب تجعل من فرنسا الوجهة الرئيسية لهم. ما يقرب من 85٪ من المهاجرين من شمال إفريقيا إلى أوروبا يقيمون في فرنسا. وإن ثقل العلاقات القائمة بين هذه الدول يفسر إلى حد كبير الوضع. ومع ذلك، سياسة الهجرة في البلدان الثلاثة تعيد التركيز تدريجياً حول أولويتين رئيسيتين. الأولى تتعلق بحماية مواطنيها المقيمين في الخارج، فيتم إبرام اتفاقيات مع دول الإقامة الرئيسية بهدف تزويدهم بتغطية الضمان الاجتماعي بالإضافة إلى حمايتهم من أعمال العنصرية وكراهية الأجانب. وتتعلق الثانية بتعبئة المغتربين بهدف المشاركة بنشاط في جهود التنمية من خلال تحويل الأموال ونقل المهارات والتكنولوجيا.

بالنسبة للمهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى القادمين خلسة، يشكل دخولهم إلى منطقة المغرب العربي لحظة هامة في الهجرة، والتي يرمز إليها بعبور الحدود الجنوبية للجزائر وليبيا. إن عبور الصحراء، مرحلة مخيفة بشكل خاص بسبب مشاقها والمخاطر المرتبطة بها، ويصبح القادمون من جنوب الصحراء في هذه الحالة مهاجرين غير شرعيين، وصارت السلطات في شمال إفريقيا تكافح بحزم الهجرة غير الشرعية من إفريقيا جنوب الصحراء، بتشجيع ودعم من الدول الأوروبية. وقد أدت سياسات الهجرة هذه لعدة سنوات إلى تخصيص موارد كبيرة بهدف السيطرة على الحدود الصحراوية، مما أدى إلى زيادة عمليات صد المهاجرين وطردهم.

اجتمع رؤساء تونس والجزائر وليبيا في تونس العاصمة (2024م) لمناقشة سبل التعاون في مكافحة الهجرة غير الشرعية. واتفقوا على تشكيل فرق عمل مشتركة لتأمين حدودهم وتوحيد مواقفهم بشأن هذه القضية مع الدول الأخرى المعنية.

وشكك الرئيس التونسي قيس سعيد علناً في "الخيار" الذي اتخذه المهاجرون من جنوب الصحراء بالتمركز في صفاقس المدينة التونسية الثانية، تاركاً انطباعاً بوجود مؤامرة تحاك ضد البلاد، التي صارت منطقة انطلاق عبر البحر لأوروبا بسبب قربها من الجزر الإيطالية. ومن خلال تقديم أنفسهم كضحايا، يستخدم القادة المغربيون وجود المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى كوسيلة للضغط للتفاوض على ميزة جيوسياسية لحماية أوروبا وحماية بلدانهم ، وبين الاعتراف بفوائد الهجرة ورفض الاعتراف باستقرار دائم لهؤلاء المهاجرين، تتناوب السلطات المغاربية بين مراحل التسامح والقمع، أو إبقاء المهاجرين في مساحات هامشية في الصحراء.

 

ختامًا، إن التحديات الأمنية والمخاطر التي تواجهها البلدان المغاربية، فضلاً عن استمرار الصراع الكامن بين بعض مكوناتها، تكشف عن وجود نقاط توتر جديدة على أبواب أوروبا. وهذا الوضع يعطي مركزية جديدة لهذا الفضاء الاستراتيجي في العلاقات الدولية. فمنطقة شمال إفريقيا، التي تشكل جسراً اقتصادياً وثقافياً بين أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط، أصبحت حاضنة للتهديدات القابلة للتصدير، وخزاناً للمهاجرين من المغرب العربي والعابرين عبر هذه البلدان.

بالنسبة للمغرب العربي برمته، فإن قضية الصحراء الغربية تجعل التكامل مستحيلًا، وتحد من الاستثمارات الأجنبية وتحافظ على جو من الشك وانعدام الثقة بين الأطراف الفاعلة. بالإضافة إلى ذلك، يشكل الركود خطرًا مقلقًا يتمثل في بلقنة المنطقة، فتهريب السجائر والمخدرات والأسلحة والبنزين يتزايد بقوة في هذه المنطقة التي تشمل فضاء جنوب الصحراء المضطرب.

ومن المؤكد أن هدف إنشاء "منطقة أوروبية ـ متوسطية من الرخاء والاستقرار والأمن" لم يتحقق بعد. وفي ظل الرياح المعاكسة أحياناً الناجمة عن التأثيرات السياسية، والأجندات الخاصة لأعضائه، ومتطلبات توازن القوى الدولية، ظل الاتحاد الأوروبي يتطلع بإصرار لمدة عشرين عاماً إلى جانبه الشرقي، ولا ينبغي أن يستهين اليوم بالفرص التي "يقدمها جنوبه ". ولكن لكي يتحقق ذلك، من الضروري إزالة عديد العوائق كالتغلب على الانقسامات بين الدول الأعضاء التي يصعب عليها التحدث بصوت واحد، ومراجعة النهج العام للاتحاد من أجل المتوسط ​​ليشمل القضية الإفريقية وتوضيح بعض التداخلات المؤسسية بين الأدوات القائمة مثل "الحوار" و"الشراكة" والاتحاد من أجل المتوسط.

لكن إعادة تقدير مكانة "الفضاء المغاربي" من الممكن أيضاً أن تشجع الأوروبيين والأمريكيين على المساهمة في تهدئة وتنمية هذه المنطقة، حيث أن التأثيرات الضارة لا يمكن أن تقتصر على جانب واحد من المتوسط. فضمان الأمن المشترك سيسمح لدول المغرب العربي بإقامة منطقة من الرخاء والاستقرار ويتيح هذا الهدف إمكانية الحفاظ على مصالح البلدان المغاربية والأوروبية معًا.

 

مقالات لنفس الكاتب