array(1) { [0]=> object(stdClass)#13494 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 203

3دلالات و4 مخرجات وللمملكة الدور المركزي في العلاقات الأوروبية / الخليجية

الأربعاء، 30 تشرين1/أكتوير 2024

تحت عنوان "شراكة استراتيجية من أجل السلام والازدهار"، انعقدت القمة الأولى من نوعها بين دول الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي في العاصمة البلجيكية بروكسل في 16 أكتوبر 2024م، وهذه القمة بلا شك تمثل علامة فارقة ونقلة نوعية في تطور العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية بين الكتلتين المؤثرتين، في ظل الأوضاع الجيوسياسية المتوترة عالمياً، سواء الحرب المستمرة في أوكرانيا أو التوترات المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط.

ثلاثة دلالات

لم يكن انعقاد القمة الخليجية ــ الأوروبية الأولى بمثابة تطوراً مفاجئاً في العلاقات بين الكتلتين، بل كان امتداداً للتطور المستمر والمتنامي في علاقات الطرفين. ففي مايو 2022م، أصدر الاتحاد الأوروبي وثيقة الشراكة الاستراتيجية مع الخليج بهدف تعميق العلاقات الثنائية بين الجانبين، وبعدها بعام واحد، تم تعيين وزير الخارجية الإيطالي السابق "لويجي دي مايو" كأول مبعوث أوروبي لمنطقة الخليج، بما عكس التزاماً واضحاً من الجانب الأوروبي بتطوير العلاقات مع دول منطقة الخليج.

ومع ذلك، في ظل السياق الجيوسياسي العالمي الحالي، حملت القمة الخليجية الأوروبية الأولى من نوعها ثلاثة دلالات رئيسية. الأولى تتعلق بمستوى التمثيل السياسي بين الجانبين؛ إذ شهدت القمة مشاركة أكثر من 30 رئيس دولة، ورئيس وزراء، كما شارك فيها ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان، لرئاسة الوفد السعودي في هذه القمة. هذا التمثيل في حد ذاته يعكس الأهمية التي يوليها القادة لهذه القمة وتعويلهم عليها في تعزيز مستوى العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين في مختلف المجالات.

الدلالة الثانية ترتبط بالسياق المحيط بانعقاد القمة؛ كونها تأتي في ضوء استمرار الحرب الروسية / الأوكرانية، والتوترات المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط، والتي تشهد جميعها تباينات في المواقف السياسية بين الطرفين الخليجي والأوروبي، بما يعني أن انعقاد القمة يعكس رغبة الطرفين في تعميق العلاقات بينهما، واستغلال هذه المنصة لتوضيح المواقف السياسية وتقريب وجهات النظر بشأن قضايا المنطقة، وفي القلب منها القضية الفلسطينية.

وترتبط الدلالة الثالثة، بانتظام دورية انعقاد القمم المستقبلية. إذ أصبح ثابتاً في العلاقات الأوروبية الخليجية حالياً أنه سيتم عقد قمة على مستوى القيادات العليا في الكتلتين كل عامين، على أن تنعقد القمة الثانية القادمة في الرياض بالمملكة السعودية عام 2026م، وهو ما يشير من ناحية إلى رؤية طويلة الأجل للعلاقات بين الطرفين، كما إنه يعد التزاماً ضرورياً لبناء الثقة ومعالجة التحديات المستمرة والطارئة بشكل تعاوني. من ناحية أخرى يعكس اختيار الرياض لعقد القمة الثانية إدراك جميع الأطراف بمحورية المملكة السعودية في المنطقة؛ فإذا كانت بروكسل، التي عُقدت بها القمة الأولى، هي عاصمة الاتحاد الأوروبي، فإن الرياض هي عاصمة الخليج إن جاز التعبير وركنه الركين.

أربعة مخرجات

أسفرت القمة الخليجية / الأوروبية الأولى عن مجموعة مهمة من المخرجات في مختلف المجالات، يمكن تصنيفها تحت مظلة العناصر التالية:

أولاً-تعزيز التعاون الاستراتيجي: وذلك بالتركيز على مبادرات التجارة والاستثمار، وتعميق التعاون في مجال أمن الطاقة، والتنسيق في أمور الأمن الإقليمي.

  • مبادرات التجارة والاستثمار: يعد الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي، إذ بلغ حجم التجارة بين الجانبين 170 مليار يورو (184.3 مليار دولار) في عام 2023م، وخلال القمة ناقش القادة إمكانية التوصل إلى اتفاقية تجارية شاملة تهدف إلى خفض التعريفات الجمركية وتسهيل تدفقات التجارة بشكل أكثر سلاسة. إن رغبة الاتحاد الأوروبي في تنويع مصادر الطاقة تتماشى مع اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي بتوسيع نطاق سوقها. وفي هذا الصدد، تم إنشاء فريق عمل مشترك لاستكشاف فرص الاستثمار في قطاعات مثل التكنولوجيا والبنية الأساسية والتنمية المستدامة. هذه المبادرة حاسمة بشكل خاص حيث تسعى كلتا المنطقتين إلى تعزيز اقتصاديهما بعد كوفيد-19.
  • التعاون في مجال أمن الطاقة: ينظر الاتحاد الأوروبي لدول مجلس التعاون الخليجي الغنية بالوقود الأحفوري بكونهم شركاء حيويين في مسار انتقاله نحو مصادر الطاقة المتجددة. لذلك، تم توقيع مذكرة تفاهم بين الجانبين لتعزيز مبادرات البحث المشتركة في تقنيات الطاقة المتجددة. ويتماشى هذا مع أهداف الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي وخطط رؤية دول مجلس التعاون الخليجي 2030 للتنويع الاقتصادي.
  • أطر الأمن الإقليمي: رداً على التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط والتهديدات من الجهات الفاعلة غير الحكومية، اتفق القادة على تعزيز التعاون الأمني ​​من خلال آليات تبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريبات العسكرية المشتركة. كما تم الاتفاق على إنشاء فريق عمل مشترك لمكافحة الإرهاب يهدف إلى معالجة المخاوف المشتركة بشأن الجماعات المتطرفة التي تعمل داخل المنطقتين.

ثانياً-مبادرات الاستقرار والسلام: وظَّف قادة الكتلتين القمة للتأكيد على الالتزام الجماعي بالجهود الإنسانية ومبادرات دعم الاستقرار والسلام. فقد دعا جميع القادة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، مما يعكس القلق المشترك بشأن تصاعد العنف. ويتماشى هذا مع الدعوات الدولية الأوسع نطاقًا للسلام والاستقرار في المنطقة. كما تم التأكيد على دعم جهود الوساطة التي تقودها قطر ومصر، مما يظهر الاستعداد للانخراط في الحلول الدبلوماسية بدلاً من التدخلات العسكرية.

        بالإضافة إلى ذلك، تم التعهد بزيادة المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة من الصراع، وخاصة في اليمن وسوريا. ويسلط هذا الالتزام الضوء على اعتراف المنطقتين بالتزاماتهما الأخلاقية في خضم الأزمات المستمرة.

ثالثاً-التعاون في تعزيز التحول الرقمي: اتفق قادة الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي على الحاجة إلى استكشاف التعاون في مجالات الاتصالات السلكية واللاسلكية، والتقنيات المتقدمة، والاقتصاد الرقمي، والابتكار والفضاء، إلى جانب تعزيز التعاون لتعزيز النقل المستدام والبنية التحتية المقاومة للمناخ وغيرها.

رابعاً-بناء الجسور بين مواطني الكتلتين: أكد قادة الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي التزامهم بمواصلة الجهود لتعزيز الاتصالات بين الناس من خلال الاستمرار في العمل بشكل مشترك على خطوات عملية وبناءة نحو ترتيبات سفر آمنة ومفيدة للطرفين بدون تأشيرة، فضلاً عن تعميق مشاركة الأوساط الأكاديمية والطلاب في مجلس التعاون الخليجي في برنامج إيراسموس+ وزيادة الشراكة في سياق برنامج أفق أوروبا، وكذا في تطوير أدوات الدعم في مجالات الشباب والرياضة والثقافة والتعليم (غير العالي) والصناعات الإبداعية.

مركزية المملكة في العلاقات الأوروبية الخليجية

برزت المملكة العربية السعودية بوضوح كدولة محورية خلال القمة، حيث أثرت بشكل كبير على المناقشات على جبهات مختلفة، كما كان للرياض أيضاً حضوراً قوياً أيضاً في المخرجات التي تم التوصل إليها، ويمكن توضيح ذلك كالتالي: 

أولاً-محورية دور القائد؛ حيث أدى حضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى تعزيز الثقل الاستراتيجي للقمة نفسها، كما أدى أيضاً لزيادة التوقعات بإمكانية التوصل لنتائج أكبر من هذه القمة، التي تأتي في الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد الأوروبي إلى تعاون أوثق مع دول الخليج بشأن قضايا الأمن الإقليمي والتجارة والطاقة. من ناحية أخرى، ترمز قيادة ولي العهد إلى عودة المملكة السعودية إلى ممارسة دور أكثر بروزاً في الدبلوماسية العالمية وفي مختلف المجالات.

ثانياً-الوساطة الجيوسياسية: إذ تتوافق المصالح الاستراتيجية للمملكة السعودية بشكل وثيق مع مصالح الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بحالة الاستقرار الإقليمي. إن العلاقات التاريخية للمملكة مع مختلف الفصائل في جميع أنحاء الشرق الأوسط تضعها كوسيط رئيسي في الصراعات التي تشمل إسرائيل وفلسطين. وقد دعا ولي العهد خلال القمة إلى التركيز المتجدد على مبادرات السلام التي يمكن أن تؤدي إلى حل الدولتين، وهو هدف قائم منذ فترة طويلة يدعمه كل من الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي. ولعلَّ أحدث تحرك سعودي في هذا الصدد هو إطلاقها "التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين"، في 27 سبتمبر الماضي 2024م، مع شركائها في اللجنة الوزارية العربية والإسلامية المشتركة، ومملكة النرويج، والاتحاد الأوروبي، وهو ما يأتي استكمالاً للنجاح الذي حققته اللجنة الوزارية الخماسية بإعلان خمسة دول أوروبية اعترافها بالدولة الفلسطينية مؤخراً.

ثالثاً-التأثير الاقتصادي: باعتبارها الاقتصاد الأكبر داخل مجلس التعاون الخليجي، فإن مشاركة المملكة في القمة تؤكد على نفوذها الاقتصادي. وقد تأثرت المناقشات حول التعاون في مجال الطاقة بشكل خاص بالمصالح السعودية في تنويع اقتصادها بما يتجاوز الاعتماد على النفط مع تلبية احتياجات الاتحاد الأوروبي من الطاقة وسط العقوبات المستمرة ضد روسيا. ولعلّ أبلغ مؤشر على ذلك أن حجم التجارة بين المملكة والاتحاد الأوروبي في عام 2023م، بلغ 78.8 مليار دولار (أي ما يقترب من نصف إجمالي التجارة بين الكتلتين)، وهو ما يجعل من الضروري لكلا الطرفين استكشاف الفرص في إطار رؤية السعودية 2030 والصفقة الخضراء الأوروبية.

رابعاً-القيادة الإنسانية: فقد كان التزام المملكة بالمساعدات الإنسانية واضحاً من خلال دعم المبادرات الرامية إلى تخفيف المعاناة في مناطق الصراع مثل غزة واليمن ولبنان وغيرها. كما إن دعم المملكة لجهود الوساطة يؤكد على دورها كقوة استقرار استراتيجي في المنطقة، وهو ما يعوِّل عليه الاتحاد الأوروبي من جانب آخر دعم الأمن والاستقرار في المنطقة وتجنب اتساع نطاق الصراع بما تكون له ارتدادات سلبية على أوروبا فيما يتعلق بزيادة تدفقات الهجرة والإرهاب وغيرها.

في الختام، يمكن القول القمة الأوروبية الخليجية الأولى تشكٍّل لحظة محورية في الدبلوماسية الدولية، لكونها تعكس استعداد الجانبين لتعزيز التعاون على الرغم من التحديات القائمة. وكان الدور المؤثر الذي لعبته المملكة السعودية حاسماً في تشكيل المناقشات حول الاستقرار الإقليمي والتعاون الاقتصادي. ومن خلال التركيز على الشراكات الاستراتيجية مع الاعتراف ببعض الاختلافات في وجهات النظر الجيوسياسية، يمكن للمنطقتين العمل نحو بناء تحالف مرن يعالج التحديات العالمية المعاصرة بشكل أكثر فعَّالية، فيما سيعتمد نجاح هذه الشراكة المتنامية على المشاركة المستدامة والاحترام المتبادل والالتزام بالقيم المشتركة لدى الجانبين دون تدخلات غير مقبولة أو تجاوز للخطوط الحمراء لدى الكتلتين.

مقالات لنفس الكاتب